طهارة القطط بين الحديث النبوي والاكتشافات العلمية الحديثة

المهندس خالد حسن الكردي

ورد في الحديث الصحيح عن النبي ﷺ أن أبا قتادة قال:
“دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَوَضَعْتُ لَهُ وُضُوءًا، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا أَبَا قَتَادَةَ؟ فَقُلْتُ: وُضُوءٌ. قَالَ: أَصَبْتَ بِهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَسَكَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَوَضُوءَهُ، فَجَاءَتْ هِرَّةٌ تَشْرَبُ، فَأَبْدَلَ لَهَا فَوَضُوءَهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا هِرَّةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ.”
(رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وصححه الألباني).
هذا الحديث النبوي يؤكد حقيقة طهارة القطة وأنها لا تنقل النجاسة إلى أواني الماء أو إلى ما تحتك به في البيوت، وهو ما يعكس حكمة تشريعية عظيمة. واليوم، أثبتت الأبحاث الحديثة أن القطة من أكثر الحيوانات نظافة، إذ تقضي نحو 25% من وقت استيقاظها، أي ما يقارب 3–4 ساعات يومياً، في تنظيف نفسها.

البحث العلمي الحديث
أحد أبرز الأبحاث التي أوضحت آليات نظافة القطة هو دراسة Noel & Hu (2018) المنشورة في مجلة PNAS – Proceedings of the National Academy of Sciences of the USA بعنوان: “القطط تستخدم الحليمات المجوفة لنقل (أو سحب) اللعاب إلى الفرو.”
“Cats use hollow papillae to wick saliva into fur”
المجلد 115، العدد 45، الصفحات 11387–11392، كشفت هذه الدراسة أن لسان القطة يحتوي على حليمات دقيقة مجوفة ومنحنية إلى الخلف، تعمل مثل الأمشاط المصغّرة، وتقوم بامتصاص اللعاب ونقله بفعالية إلى أعماق الفرو.
منهجية البحث
جمع الباحثون عينات من ألسنة 6 أنواع من القطط: القطة المنزلية، الوشق، البوما، النمر الثلجي، النمر، والأسد.
واستخدموا التصوير المقطعي الدقيق (Micro-CT) لفحص شكل الحليمات بدقة.
أظهرت النتائج أن الحليمات منحنية إلى الخلف وليست مخروطية كما كان يُعتقد سابقًا، ما يسمح لها بامتصاص السوائل من خلال التوتر السطحي ونقل اللعاب إلى جذور الشعر أثناء التنظيف.

الهندسة الميكروسكوبية للسان القطة
الحليمات التي تغطي لسان القطة صلبة ومرنة، تعمل مثل “فرشاة ذكية”.
كل حليمة تمتص نحو 4.1 ميكرولتر من اللعاب، وبجمع هذا السائل مع مئات الحليمات، توزع القطة ما يقارب 48 ملليلترًا من اللعاب يوميًا (ما يعادل خُمس كوب ماء) على الفرو، مما يحافظ على نظافته ويزيل الشعر الميت.

“مراحل تنظيف القطة: صورة للحليمات على اللسان وحركته أثناء التنظيف مع صور حرارية توضح تبخر اللعاب وخفض حرارة الفرو.”
دور اللعاب في النظافة والتبريد
1. تنظيف شامل: يزيل اللعاب الغبار وخلايا الجلد الميتة والزيوت الزائدة.
2. التبريد الحراري: تبخر اللعاب يخفض حرارة جلد القطة بما يصل إلى 17° مئوية، وهو ما يحاكي التعرق عند الإنسان.
3. خصائص مضادة للبكتيريا: يحتوي لعاب القطة على إنزيمات طبيعية تقلل من نمو بعض البكتيريا الضارة.
4. اللمعان الطبيعي: يحافظ اللعاب على بريق الفرو ونعومته.

التطبيقات المستوحاة من البحث
استلهم العلماء من آلية لسان القطة تصميم أداة تنظيف جديدة تسمى TIGR (Tongue-Inspired Grooming)، تحتوي على نتوءات مرنة شبيهة بالحليمات، تساعد في إزالة الشعر العالق وتسهّل تنظيف الأسطح المغطاة بالشعر.

“فرشاة TIGR المستوحاة من لسان القطة وآلية عملها مقارنة بفرشاة الشعر التقليدية.”
ما تقوله الموسوعة البريطانية عن تنظيف القطط
ذكرت الموسوعة البريطانية(2) (Britannica) أن القطط تقضي وقتًا طويلًا في تنظيف نفسها، يصل إلى 50% من وقت استيقاظها، مستعينة بلسانها المغطى بحليمات صغيرة خشنة تعمل مثل المشط. وأكدت أن هذا السلوك:
• يزيل الأوساخ والغبار وقشور الجلد الميت.
• يساعد على توزيع زيوت الجلد (Sebum) التي تحافظ على لمعان الفرو ومقاومته للماء.
• يساهم في إزالة الروائح التي قد تجذب المفترسات في البرية، مما يحسن فرص بقاء القطة متخفية.
• يساعد على تنظيم حرارة الجسم عبر تبخر اللعاب الذي تفرزه القطة على فروها.الحديث النبوي الشريف “إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ” يشير إلى أن القطة نظيفة بطبيعتها، وأن مخالطتها للبشر في البيوت لا تنقل نجاسة. الأبحاث الحديثة، مثل دراسة PNAS (2018)، أثبتت أن القطة ليست نظيفة فحسب، بل مصممة بآلية بيولوجية متقنة تحافظ على نقاء جلدها وفروها، وهذا يبرز التلاقي بين الحديث النبوي والعلم الحديث.
المراجع
1. Noel, A. C., & Hu, D. L. (2018). Cats use hollow papillae to wick saliva into fur. PNAS – Proceedings of the National Academy of Sciences of the USA, 115(45), 11387–11392. DOI: 10.1073/pnas.1809544115.

2. Britannica. (2025, July 19). Why Do Cats Clean Themselves So Much? Encyclopaedia Britannica. Retrieved from https://www.britannica.com