شهادات ربانية بوحدة آل البيت وصحابة خير البرية
الثلاثاء/ديسمبر/2019
المعلم العظيم هو المعلم القادر على تحقيق الأهداف التربوية , ويؤثر تأثيرا قويا في طلابه ويعلمهم ويربيهم التربية الفعالة الناجحة، ويراعي فوارقهم الفردية ويوحد بينهم في أهدافهم العامة في الحياة ويؤهلهم لحمل رسالته عند تخرجهم من المدرسة.
وأعظم مدرسة في تاريخ البشرية هي المدرسة النبوية , لأن معلمها مختار من رب البرية ومنهاجها منهاج إلهي محفوظ بحفظ الله وطلابها هم خير الناس وخير الطلاب بشهادة المعلم الأول للبشرية ويحملون شهادات قرآنية من رب العالمين، فمعهم شهادة خير أمة أخرجت للناس قال تعالى: “ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ” (آل عمران/110) والأمة هم الجماعة من الناس، وهذا تفضيل من الله لأمة الإسلام وأنهم خير الناس نصحا ومحبة للخير ودعوة وتعليما وإرشادا وأمرا بمعروف ونهيا عن منكر، (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبدالرحمن ناصر بن السعدي بتصرف).
وآل البيت الأطهار والصحابة الكرام جميعا هم المخاطبون بقول الله تعالى كنتم خير امة ابتداء ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وكلمة الأمة تبين أن هناك وحدة عضوية واحدة بين المخاطبين بالآية , فلم يقل (منكم خير أمة)، بل قال سبحانه “ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ” ولم يقل منكم من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ولكن قال “تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ” (آل عمران/110)، وكلها بصيغ الجمع، فالخيرية تشملهم جميعا وتوحدهم جميعا وتأمرون بالمعروف تجمعهم جميعا وتنهون عن المنكر تشملهم جميعا.
وقد شهد المصطفى صلى الله عليه وسلم للصحابة في بدر فقال “اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدا” فهم حملة لواء التوحيد للعالم، وهم منارات التوحيد في الأرض، وهم الذين نقلوا إلينا الدين وعلمونا التوحيد رضي الله عنهم أجمعين.
ومعهم شهادة السبق إلى الإيمان، وشهادة الرضا من رب العباد، ودخولهم الجنة خالدين فيها، وشهادة الفوز العظيم، قال تعالى: “ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ” (التوبة/100).
(وَالسَّابِقُونَ) هم الذين سبقوا هذه الأمة وبدروها إلى الإيمان والهجرة والجهاد وإقامة دين الله (مِنَ الْمُهَاجِرِينَ) الذين اخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون (و) من (الأَنصَارِ) “الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة”… (رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ) ورضاه تعالى أكبر من نعيم الجنة (وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ) الجارية التي تساق إلى سقي الجنان والحدائق الزاهية الزاهرة والرياض الناضرة (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً) لا يبغون عنها حولا ولا يطلبون عنها بدلا، لأنهم مهما تمنوه أدركوه ومهما أرادوه وجدوه (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) الذي حصل لهم فيه كل محبوب للنفوس ولذة للأرواح ونعيم للقلوب وشهوة للأبدان واندفع عنهم كل محذور، (المرجع السابق).
فهل بعد ذلك ننكر عليهم تلك الشهادات الربانية، ويحاول البعض سلبها عنهم وقد منحهم الله سبحانه وتعالى إياها، ووثق ذلك في قرآنه المعجز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ومحفوظ بحفظ الله ورعايته؟
ومع آل البيت والصحابة شهادة الرجولة والصدق مع الله والوفاء بعهدهم معه وعدالتهم وعدم تبديلهم. قال تعالى: “مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً” (الأحزاب/23). فهم رجال بما تحمل كلمة الرجولة من معاني الصدق والوفاء بالوعد والكرم والشهامة وغيرها، ومنهم من قتل في سبيل الله، ومنهم من ينتظر دوره في الشهادة وما بدلوا ما عاهدوا الله عليه.
ونساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمهات المؤمنين جميعا لهن عليهم ما لأمهاتهم عليهم من التحريم والبر والاحترام والتوقير، ولهن الاحترام الزائد لأنهن نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذه وحدة واحدة تجمع آل البيت الكرام والصحابة الأعلام ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين.
ومعهم شهادة من الله بتوبة الله عليهم كما قال تعالى: “ لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ” (التوبة/117). وقد جمع الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام معهم في التوبة “ لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ ” في وحدة واحدة جبرا لخاطرهم وتوحيدا لهم في جماعة واحدة وأمة واحدة.
ومعهم من الله شهادة المؤمنين حقا كما قال تعالى: “ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ ..” (الأنفال/74).
ومعهم شهادة المغفرة من الله والرزق الكريم فقال تعالى في تكملة للآية السابقة: “لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ” (الأنفال/74).
ووحدهم الله تعالى جميعا في وحدة واحدة إيمانية فقال تعالى: “مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً” (الفتح/29). فالرسول صلى الله عليه وسلم والذين معه جميعا من أهل البيت الأطهار والصحابة الكرام لهم الصفات التالية:
أشداء على الكفار.
رحماء بينهم.
يقيمون الصلاة.
مخلصون لله.
لهم سمات خاصة في وجوههم من أثر العبادة لله.
وهم شطء الزرع، والزرع هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
والشطء: هو الفسائل أو الأغصان أو الأوراق في التكاثر الخضري الذي لا يبدل الصفات كما فصلنا ذلك في مقالات سابقة.
وهم يعجبون المؤمنين
ويغيظون الكافرين.
ووعدهم الله بالمغفرة.
ووعدهم بالأجر العظيم والرزق الكريم.
فمن له مثلهم فليظهر لنا الدليل انه يحبهم ولا يغتاظ منهم ولا يسبهم ولا يلعنهم.
والصحابة رضوان الله عليهم ليسوا بمعصومين فهم يخطئون ويغضبون ويفرحون ويتقاتلون وهذا الاقتتال لا ينفي عنهم الإيمان بنص القرآن الكريم قال تعالى: “ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا” (الحجرات/9)، فلم ينف عنهم الإيمان بسبب الاقتتال.
وطالبنا بالإصلاح بينهم فقال تعالى “فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا” (الحجرات/9).
وقال تعالى: “فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا” (الحجرات/9).
وقال تعالى: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ” (الحجرات/10).
هذه وحدة المؤمنين من المهاجرين والأنصار فمن فرقهم فهو يصطدم مع آيات الله القرآنية.
ومن كفرهم وفسقهم فهو يصطدم مع آيات الله القرآنية.
ومن حكم عليهم بالخلود في النار فقد تأول على الله وافترى على الآيات القرآنية وتصادم معها.
فعلينا الحذر من الفرقة بينهم، أو سبهم ولعنهم، لأن ذلك يخرج من صفوف المؤمنين ويضع الساب في صفوف المغتاظين والعياذ بالله من الصحابة رضوان الله عليهم.
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير المعلمين.
وآل بيته الأطهار وصحابته الصادقون المجاهدون هم خير طلاب لخير معلم.
ومدرسة النبوة هي خير مدرسة على الأرض تخرج منها خير الناس وخير الأصحاب وخير الرجال الذين تحملوا الشدائد، وفتحوا البلدان ونشروا الدين والتوحيد، وجاهدوا في سبيل الله ونقلوا إلينا الدين بعدل وصدق ومن دون شذوذ أو علة كما أثبت علماء الحديث. كما تعلموه من نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد شهد الله لهم، وشهد النبات لهم ” كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ“، وشهد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لهم، وشهد التاريخ لهم، وشهد العدو لهم وأحبهم المؤمنون “يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ” واغتاظ منهم الكافرون “لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ” والعياذ بالله.
أ.د. نظمي خليل أبوالعطا موسى
أخبار الخليج – الملحق الإسلامي- العدد (11879) – الجمعة 1 أكتوبر 2010م – 22 شوال 1431هـ