“فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ”


الثلاثاء/ديسمبر/2019
   

 

 

“فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ”
  بقلم/ صبحي رمضان فرج

 مدرس مساعد- كلية الآداب-جامعة المنوفية-جمهورية مصر العربية

لقد بعث الله رب العالمين نبيه الصادق الأمين إلى الناس كافة ليكون رحمة للعالمين، فقال تعالى:”وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (سبأ:28)” “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ” (الأنبياء:107). إلا أن أعداء الإسلام والحاقدين عليه والحاسدين له قد عمدوا إلى مهاجمته والإساءة إليه والتنقيص من شأنه بالكلمات تارة وبالرسوم تارة أخرى.

وهو النبي r الذي اشتهر قبل بعثته بالوفاء بالوعد، واستقامة السيرة، وحسن السمعة. فشهدت له خديجة-رضي الله عنها  حين جاءه الوحي لأول مرّة ورجع إليها وخبرها الخبر وقال: (( لقد خشيت على نفسي )).فقالت له:(( كلاّ والله ما يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق )) رواه البخاري.

ولما قامت قريش ببناء الكعبة قبل بعثة محمد- صلى الله عليه وسلم- تنازعوا في رفع الحجر الأسود إلى مكانه، واتفقوا على تحكيم أول من يدخل عليهم الباب، فكان أول داخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ففرحوا جميعاً، وقالوا: جاء الأمين، جاء محمد. وقد كانوا يلقبونه بلقب الأمين؛ لما يعلمونه من أمانته صلى الله عليه وسلم.

كما ثبت في صحيح البخاري أنه- صلى الله عليه وسلم – لما نزل عليه { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } صعد إلى الصفا، فجعل ينادي يا بني فهر، يا بني عدي-لبطون قريش-حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش فقال: (( أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقيَّ؟ )). قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقاً. قال: (( فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد )). فقال أبو لهب: تبّاً لك ألهذا جمعتنا؟.

 

وكذا كان أهل الكتاب يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم إجمالا كما أخبر الله عز وجل عنهم “الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ“(البقرة:146) قال ابن كثير-رحمه الله- يخبر الله عز وجل أن العلماء من أهل الكتاب يعرفون صحة ما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم كما يعرف أحدهم ولده، والعرب كانت تضرب المثل في صحة الشيء بهذا، كما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل معه صغير ابنك هذا ” قال نعم يا رسول الله أشهد به قال” أما إنه لا يخفى عليك ولا تخفى عليه”. قال القرطبي-رحمه الله-: ويروى عن عمر أنه قال لعبد الله بن سلام : أتعرف محمدا كما تعرف ولدك ؟ قال نعم وأكثر نزل الأمين من السماء على الأمين في الأرض بنعته فعرفته وإني لا أدري ما كان من أمه، قلت وقد يكون المراد “يعرفونه كما يعرفون أبناءهم” من بين أبناء الناس كلهم لا يشك أحد ولا يمتري في معرفة ابنه إذا رآه من أبناء الناس كلهم، ثم أخبر تعالى أنهم مع هذا التحقق والإتقان العلمي “لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ” أي ليكتمون الناس ما في كتبهم من صفة النبي صلى الله عليه وسلم”وَهُمْ يَعْلَمُونَ” .

ويقول عز وجل “قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ” (الأنعام:33).

روى أحمد وأصحاب السنن عن عبد الله بن سلام – رضي الله عنه – قال: (( لما قدم النبي – صلى الله عليه وسلم – المدينة كنت ممن انجفل، فلما تبيَّنْتُ وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذّاب، فسمعته يقول: (( أفشوا السلام وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنّة بسلام )).

والجحود: نفي ما في القلب إثباته، وإثبات ما في القلب نفيه، جاء في تفسير الجلالين-رحمهما الله-“(قد) للتحقيق (نعلم إنه) أي الشأن (ليحزنك الذي يقولون) لك من التكذيب (فإنهم لا يكذبونك) في السر لعلمهم أنك صادق وفي قراءة بالتخفيف أي لا ينسبونك إلى الكذب (ولكن الظالمين) وضعه موضع المضمر (بآيات الله) القرآن (يجحدون) يكذبون”.

قال ابن كثير-رحمه الله-” يقول تعالى مسليا لنبيه صلى الله عليه وسلم في تكذيب قومه له ومخالفتهم إياه ” قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون ” أي قد أحطنا علما بتكذيبهم لك وحزنك وتأسفك عليهم …”ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون” أي ولكنهم يعاندون الحق ويدفعونه بصدورهم كما قال سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن ناجية بن كعب عن علي قال : قال أبو جهل للنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : إنا لا نكذبك ولكن نكذب ما جئت به ،فأنزل الله “فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ” …وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن الوزير الواسطي بمكة حدثنا بشر بن المبشر الواسطي عن سلام بن مسكين عن أبي يزيد المدني أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي أبا جهل فصافحه قال له رجل ألا أراك تصافح هذا الصابئ ؟ فقال والله إني لأعلم إنه لنبي ولكن متى كنا لبني عبد مناف تبعا؟، وتلا أبو يزيد ” فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ” وقال أبو صالح وقتادة : يعلمون أنك رسول الله ويجحدون ; وذكر محمد بن إسحاق عن الزهري في قصة أبي جهل حين جاء يستمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم من الليل هو وأبو سفيان صخر بن حرب والأخنس بن شريق ولا يشعر أحد منهم بالآخر فاستمعوها إلى الصباح فلما هجم الصبح تفرقوا فجمعتهم الطريق فقال كل منهم للآخر ما جاء بك ؟ فذكر له ما جاء به ثم تعاهدوا أن لا يعودوا لما يخافون من علم شباب قريش بهم لئلا يفتتنوا بمجيئهم فلما كانت الليلة الثانية جاء كل منهم ظنا أن صاحبيه لا يجيئان لما سبق من العهود فلما أصبحوا جمعتهم الطريق فتلاوموا ثم تعاهدوا أن لا يعودوا فلما كانت الليلة الثالثة جاءوا أيضا فلما أصبحوا تعاهدوا أن لا يعودوا لمثلها ثم تفرقوا فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثم خرج حتى أتى أبا سفيان بن حرب في بيته فقال : أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد قال يا أبا ثعلبة والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها قال الأخنس : وأنا والذي حلفت به ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه في بيته فقال يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ قال ماذا سمعت؟ قال تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك هذه ؟ والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه، قال فقام عنه الأخنس وتركه. وروى ابن جرير من طريق أسباط عن السدي في قوله:”قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ” لما كان يوم بدر قال الأخنس بن شريق لبني زهرة : يا بني زهرة إن محمدا ابن أختكم فأنتم أحق من ذب عن ابن أخته فإنه إن كان نبيا لم تقاتلوه اليوم وإن كان كاذبا كنتم أحق من كف عن ابن أخته قفوا حتى ألقى أبا الحكم فإن غلب محمد رجعتم سالمين وإن غلب محمد فإن قومكم لم يصنعوا بكم شيئا- فيومئذ سمي الأخنس وكان اسمه أبي- فالتقى الأخنس بأبي جهل فخلا به، فقال يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب فإنه ليس ههنا من قريش غيري وغيرك يستمع كلامنا ؟ فقال أبو جهل ويحك والله إن محمدا لصادق وما كذب محمد قط ولكن إذا ذهبت بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش ؟ فذلك قوله “فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ” فآيات الله محمد صلى الله عليه وسلم .

وروى الحاكم وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن فكأنه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال: يا عم إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالاً! قال: لم؟ قال: ليعطوكه فإنك أتيت محمداً تتعرض لما قبله، قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالاً، قال: فقل فيه قولاً يبلغ قومك أنك منكر له أو أنك كاره له، قال: وماذا أقول؟! فو الله ما فيكم من رجل أعلم بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن مني، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، والله إن لقوله الذي يقول حلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته، قال:لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه! قال: فدعني حتى أفكر، فلما فكر قال: هذا سحر (يؤثر يأثره عن غيره)، فنزلت:”ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا” (المدثر:11) قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

وأخرج ابن إسحاق كما في السيرة النبوية (3/52)، قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: حدِّثت عن صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها أنها قالت: قدم أبي وعمّي أبو ياسر إلى رسول الله في أول النهار، ثم رجعا في آخر النهار متوامِتَين كسلانين، فهششت لهما ـ وكنت جارية صغيرة وأحبَّ أولادهما إليهما ـ فلم يلتفتا إليّ، وسمعت عمي يقول لأبي: أهو هو؟ قال حيي بن أخطب: إي وربِّ موسى، إنه هو النبي بصفته، قال عمي: كيف تجده؟ قال حيي: عداوته ما بقيتُ”

‏ وأخرج الأمام البخاري في صحيحه عن أبي اليمان الحكم بن نافع ‏ ‏قال أخبرنا ‏ ‏شعيب  ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏قال عن‏ ‏عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود‏ ‏أن ‏عبد الله بن عباس ‏ ‏أخبره أن ‏ ‏أبا سفيان بن حرب ‏ ‏أخبره ‏ :‏أن ‏ ‏هرقل ‏ ‏أرسل إليه في ‏ ‏ركب ‏ ‏من ‏ ‏قريش ‏ ‏وكانوا تجارا ‏ ‏بالشام ‏ ‏في المدة التي كان رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ماد ‏ ‏فيها ‏ ‏أبا سفيان ‏ ‏وكفار ‏ ‏قريش ‏ ‏فأتوه وهم ‏ ‏بإيلياء ‏ ‏فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء ‏ ‏الروم ‏ ‏ثم دعاهم ودعا بترجمانه فقال أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي فقال ‏ ‏أبو سفيان ‏ ‏فقلت أنا أقربهم نسبا فقال أدنوه مني وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره ثم قال لترجمانه قل لهم إني سائل هذا عن هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه فوالله لولا الحياء من أن ‏ ‏يأثروا ‏ ‏علي كذبا لكذبت عنه ثم كان أول ما سألني عنه أن قال كيف نسبه فيكم قلت هو فينا ذو نسب قال فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله قلت لا قال فهل كان من آبائه من ملك قلت لا قال فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم فقلت بل ضعفاؤهم قال أيزيدون أم ينقصون قلت بل يزيدون قال فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه قلت لا قال فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال قلت لا قال فهل يغدر قلت لا ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها قال ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة قال فهل قاتلتموه قلت نعم قال فكيف كان قتالكم إياه قلت الحرب بيننا وبينه ‏ ‏سجال ‏ ‏ينال منا وننال منه قال ماذا يأمركم قلت يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصدق ‏ ‏والعفاف ‏ ‏والصلة فقال للترجمان قل له سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول فذكرت أن لا فقلت لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل ‏ ‏يأتسي ‏ ‏بقول قيل قبله وسألتك هل كان من آبائه من ملك فذكرت أن لا قلت فلو كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فذكرت أن لا فقد أعرف أنه لم يكن ‏ ‏ليذر ‏الكذب على الناس ويكذب على الله وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل وسألتك أيزيدون أم ينقصون فذكرت أنهم يزيدون وكذلك أمر الإيمان حتى يتم وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه فذكرت أن لا وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب وسألتك هل يغدر فذكرت أن لا وكذلك الرسل لا تغدر وسألتك بما يأمركم فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وينهاكم عن عبادة الأوثان ويأمركم بالصلاة والصدق ‏ ‏والعفاف ‏ ‏فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين وقد كنت أعلم أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم فلو أني أعلم أني أخلص إليه ‏ ‏لتجشمت ‏ ‏لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه ثم دعا بكتاب رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏الذي بعث به ‏ ‏دحية ‏ ‏إلى عظيم ‏ ‏بصرى ‏ ‏فدفعه إلى ‏ ‏هرقل ‏ ‏فقرأه فإذا فيه ‏ ‏بسم الله الرحمن الرحيم ‏ ‏من ‏ ‏محمد ‏ ‏عبد الله ورسوله إلى ‏ ‏هرقل ‏ ‏عظيم ‏ ‏الروم ‏ ‏سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك ‏ ‏بدعاية ‏ ‏الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن ‏ ‏توليت ‏ ‏فإن عليك إثم ‏ ‏الأريسيين ‏ ‏و “ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران:64) ‏قال ‏ ‏أبو سفيان ‏ ‏فلما قال ما قال وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده ‏ ‏الصخب ‏ ‏وارتفعت الأصوات وأخرجنا، فقلت لأصحابي حين أخرجنا لقد أمِر أمْر‏ابن أبي كبشة ‏ ‏إنه يخافه ملك ‏ ‏بني الأصفر، ‏ ‏فما زلت موقنا أنه سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام وكان ‏ابن الناظور ‏ ‏صاحب ‏ ‏إيلياء ‏ ‏وهرقل ‏ ‏سقفا ‏ ‏على ‏ ‏نصارى ‏ ‏الشام ‏ ‏يحدث أن ‏ ‏هرقل ‏ ‏حين قدم ‏ ‏إيلياء ‏ ‏أصبح يوما ‏ ‏خبيث النفس ‏ ‏فقال بعض‏ ‏بطارقته ‏ ‏قد استنكرنا هيئتك قال ‏ابن الناظور ‏ ‏وكان ‏ ‏هرقل ‏ ‏حزاء ‏ ‏ينظر في النجوم فقال لهم حين سألوه إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر فمن يختتن من هذه الأمة قالوا ليس يختتن إلا ‏ ‏اليهود ‏‏فلا يهمنك شأنهم واكتب إلى ‏ ‏مداين ملكك فيقتلوا من فيهم من ‏ ‏اليهود ‏ ‏فبينما هم على أمرهم أتي‏ ‏هرقل ‏ ‏برجل أرسل به ملك ‏ ‏غسان ‏ ‏يخبر عن خبر رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فلما استخبره ‏ ‏هرقل ‏ ‏قال اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا فنظروا إليه فحدثوه أنه مختتن وسأله عن ‏ ‏العرب ‏ ‏فقال هم يختتنون فقال ‏ ‏هرقل ‏ ‏هذا ملك هذه الأمة قد ‏ ‏ظهر‏ ‏ثم كتب ‏هرقل ‏ ‏إلى صاحب له ‏ ‏برومية ‏وكان نظيره في العلم وسار ‏هرقل ‏ ‏إلى ‏ ‏حمص ‏فلم يرم ‏حمص ‏ ‏حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي ‏ ‏هرقل ‏على خروج النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏وأنه نبي، فأذن ‏هرقل ‏ ‏لعظماء ‏ ‏الروم ‏ ‏في ‏ ‏دسكرة ‏ ‏له ‏ ‏بحمص ‏ ‏ثم أمر بأبوابها فغلقت ثم اطلع فقال يا معشر‏ ‏الروم ‏هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي ‏ ‏فحاصوا ‏ ‏حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد غلقت فلما رأى ‏ ‏هرقل ‏ ‏نفرتهم وأيس من الإيمان قال ردوهم علي وقال إني قلت مقالتي ‏ ‏آنفا ‏ ‏أختبر بها شدتكم على دينكم فقد رأيت فسجدوا له ورضوا عنه فكان ذلك آخر شأن ‏ ‏هرقل.

جانب من شهادة علماء الغرب المنصفين في حق النبي الأمين

سيديو(1): حان الوقت لأن تتوجه الأنظار لمحمد

   لقد حلّ الوقت الذي توجه فيه الأنظار إلى تاريخ تلك الأمة التي كانت مجهولة الأمر في زاوية من آسية فارتقت إلى أعلى مقام فطبق اسمها آفاق الدنيا مدة سبعة قرون. ومصدر هذه المعجزة هو رجل واحد، هو محمد [صلى الله عليه وسلم]…

دُرّاني(2): محمد رجل فوق التصور  

أستطيع أن أقول بكل قوة إنه لا يوجد مسلم جديد واحد لا يحمل في نفسه العرفان بالجميل لسيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- لما غمره به من حب وعون وهداية وإلهام فهو القدوة الطيبة التي أرسلها الله رحمة لنا وحبًا بنا حتى نقتفي أثره”.

لايتنر(3): المسيحي الصادق من يعترف بمحمد

“بقدر ما أعرف من دينيْ اليهود والنصارى أقول بأن ما علمه محمد -صلى الله عليه وسلم- ليس اقتباسًا بل قد (أوحي إليه به)، ولا ريب بذلك طالما نؤمن بأنه قد جاءنا وحي من لدن عزيز عليم. وإني بكل احترام وخشوع أقول: إذا كان تضحية الصالح الذاتي، وأمانة المقصد، والإيمان القلوب الثابت، والنظر الصادق الثاقب بدقائق وخفايا الخطيئة والضلال، واستعمال أحسن الوسائط لإزالتها، فذلك من العلامات الظاهرة الدالة على نبوة محمد [صلى الله عليه وسلم] وأنه قد أوحي إليه”

مونته(4): هذا الرجل مدهش بكل المقاييس

إن طبيعة محمد [صلى الله عليه وسلم] الدينية تدهش كل باحث مدقّق نزيه المقصد بما يتجلى فيها من شدة الإخلاص. فقد كان محمد مصلحًا دينيًّا ذا عقيدة راسخة، ولم يقم إلا بعد أن تأمل كثيرًا وبلغ سن الكمال بهذه الدعوة العظيمة التي جعلته من أسطع الأنوار الإنسانية في الدين. وهو في قتاله الشركَ والعادات القبيحة التي كانت عند أبناء زمنه كان في بلاد العرب أشبه بنبي من أنبياء بني إسرائيل الذين نراهم كبارًا جدًّا في تاريخ قومهم. ولقد جهل كثير من الناس محمدًا [صلى الله عليه وسلم] وبخسوه حقه؛ وذلك لأنه من المصلحين النادرين الذين عرف الناس أطوار حياتهم بدقائقها..

“كان محمد [صلى الله عليه وسلم] كريم الأخلاق حسن العشرة، عذب الحديث، صحيح الحكم صادق اللفظ، وقد كانت الصفات الغالبة عليه هي صحة الحكم وصراحة اللفظ، والاقتناع التام بما يعمله ويقوله.

“.. ندر بين المصلحين من عرفت حياتهم بالتفصيل مثل محمد [صلى الله عليه وسلم]] وإن ما قام به من إصلاح أخلاق وتطهير المجتمع يمكن أن يعد به من أعظم المحسنين للإنسانية.

غوستاف لوبون(5): محمد أعظم من عرفهم التاريخ

“جمع محمد -صلى الله عليه وسلم- قبل وفاته كلمة العرب، وبنى منهم أمة واحدة خاضعة لدين واحد مطيعة لزعيم واحد، فكانت في ذلك آيته الكبرى.. ومما لا ريب فيه أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- أصاب في بلاد العرب نتائج لم تصب مثلها جميع الديانات التي ظهرت قبل الإسلام، ومنها اليهودية والنصرانية ولذلك كان فضله على العرب عظيمًا.

درمنغم(6): محمد لم يعرف الراحة ولا السكون

“.. إذا كانت كل نفس بشرية تنطوي على عبرة وإذا كان كل موجود يشتمل على عظة فما أعظم ما تثيره فينا من الأثر الخاص العميق المحرك الخصيب حياة رجل يؤمن برسالته فريق كبير من بني الإنسان!”.

دينيه(7): محمد شخصية خارقة للعادة

“إن الشخصية التي حملها محمد- صلى الله عليه وسلم- بين برديه كانت خارقة للعادة وكانت ذات أثر عظيم جدًا حتى إنها طبعت شريعته بطابع قوي جعل لها روح الإبداع وأعطاها صفة الشيء الجديد.

“إن نبي الإسلام هو الوحيد من بين أصحاب الديانات الذي لم يعتمد في إتمام رسالته على المعجزات وليست عمدته الكبرى إلا بلاغة التنزيل الحكيم…”.

“.. إن سنة الرسول الغراء- صلى الله عليه وسلم- باقية إلى يومنا هذا، يجلوها أعظم إخلاص ديني تفيض به نفوس -مئات الملايين- من أتباع سنته منتشرين على سطح الكرة.

هنري دي(8): كيف كان يفكر هذا الرجل؟!

“إن أشد ما نتطلع إليه بالنظر على الديانة الإسلامية ما اختص منها بشخص النبي [صلى الله عليه وسلم]؛ ولذلك قصدت أن يكون بحثي أولاً في تحقيق شخصيته وتقرير حقيقته الأدبية علَّني أجد في هذا البحث دليلاً جديدًا على صدقه وأمانته المتفق تقريبًا عليها بين جميع مؤرخي الديانات وأكبر المتشيعين للدين المسيحي.

ولز(9): محمد أعظم من أقام دولة العدل والتسامح

“.. هل تراك علمت قط أن رجلاً على غير كريم السجايا مستطيع أن يتخذك صديقًا؟ ذلك أن من عرفوا محمدًا – صلى الله عليه وسلم- أكثر من غيرهم، كانوا أشد الناس إيمانًا به. وقد آمنت به خديجة -رضي الله عنها- كل حياته على أنها ربما كانت زوجة محبة. فأبو بكر -رضي الله عنه- شاهد أفضل وهو لم يتردد قط في إخلاصه. كان يؤمن بالنبي- صلى الله عليه وسلم-، وكذلك علي -رضي الله عنه- فإنه خاطر بحياته من أجل النبي- صلى الله عليه وسلم- في أحلك أيامه سوادًا…

توماس(10): محمد الرحمة والحنان

“.. هل رأيتم قط.. أن رجلاً كاذبًا يستطيع أن يوجد دينًا عجبًا.. إنه لا يقدر أن يبني بيتًا من الطوب! فهو إذًا لم يكن عليمًا بخصائص الجير والجص والتراب وما شاكل ذلك فما ذلك الذي يبنيه ببيت وإنما هو تل من الأنقاض وكثيب من أخلاط المواد، وليس جديرًا أن يبقى على دعائمه اثنى عشر قرنًا يسكنه مائتا مليون من الأنفس، ولكنه جدير أن تنهار أركانه فينهدم فكأنه لم يكن. وإني لأعلم أن على المرء أن يسير في جميع أموره طبق قوانين الطبيعة وإلا أبت أن تجيب طلباته.. كذب ما يذيعه أولئك الكفار وإن زخرفوه حتى تخيّلوه حقًا.. ومحنة أن ينخدع الناس شعوبًا وأممًا بهذه الأضاليل”.

ديورانت(11): محمد أعظم عظماء التاريخ

“إذا ما حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس قلنا إن محمدًا-صلى الله عليه وسلم- كان من أعظم عظماء التاريخ، فلقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي والأخلاقي لشعب ألقت به في دياجير الهمجية حرارة الجو وجدب الصحراء، وقد نجح في تحقيق هذا الغرض نجاحًا لم يدانه فيه أي مصلح آخر في التاريخ كله، وقلّ أن نجد إنسانًا غيره حقق ما كان يحلم به.. ولم يكن ذلك لأنه هو نفسه كان شديد التمسك بالدين وكفى، بل لأنه لم يكن ثمة قوة غير قوة الدين تدفع العرب في أيامه إلى سلوك ذلك الطريق الذي سلكوه.. وكانت بلاد العربي لما بدأ الدعوة صحراء جدباء، تسكنها قبائل من عبدة الأوثان قليل عددها، متفرقة كلمتها، وكانت عند وفاته أمة موحدة متماسكة. وقد كبح جماح التعصب والخرافات، وأقام فوق اليهودية والمسيحية، ودين بلاده القديم، دينًا سهلاً واضحًا قويًا، وصرحًا خلقيًا وقوامه البسالة والعزة القومية. واستطاع في جيل واحد أن ينتصر في مائة معركة، وفي قرن واحد أن ينشئ دولة عظيمة، وأن يبقى إلى يومنا هذا قوة ذات خطر عظيم في نصف العالم”.

مراجع البحث:

? Islam online. com

? د. مصعب الخير الإدريسي ، لهذا ندافع عن محبتنا للرسول ، رابط : Islam online. com

?د.عبد العظيم بدوي ، قل موتوا بغيظكم ، مجلة التوحيد ، العدد 410 ، 1427هـ .

? اللجنة العلمية ، رسولنا الذي لم يعرفوه ،مجلة التوحيد ، العدد 410 ، 1427هـ .

 ?معاوية محمد هيكل ، تباً وهلاكا لأتباع أبي لهب ، مجلة التوحيد ، العدد 410 ، 1427هـ .

?جمال عبد الرحمن ، دفاع الأسرة المسلمة عن نبيها صلى اله عليه وسلم ، مجلة التوحيد ، العدد 410 ، 1427هـ . 

(1) لويس سيديو مستشرق فرنسي عكف عن نشر مؤلفات أبيه جان جاك سيديو الذي توفي عام 1832 قبل أن تتاح له فرصة إخراج كافة أعماله في تاريخ العلوم الإسلامية. وقد عين لويسا أمينا لمدرسة اللغات الشرقية (1831) وصنف كتابا بعنوان (خلاصة تاريخ العرب).

(2) الدكتور م. ج. دُرّاني Dr. M. H. Durrani سليل أسرة مسلمة منذ القدم، أصبح نصرانيًا في فترة مبكرة من حياته وتحت تأثير إحدى المدارس التبشيرية المسيحية، وقضى ردحاً من حياته في كنيسة إنكلترا، حيث عمل قسيسًا منذ عام 1939 وحتى عام 1963 حيث جاءه الإسلام “كما يأتي فصل الربيع”، فعاد إلى دين آبائه وأجداده.

(3) لايتنر Ightner باحث إنكليزي، حصل على أكثر من شهادة دكتوراه في الشريعة والفلسفة واللاهوت، وزار الأستانة عام 1854، كما طوف بعدد من البلاد الإسلامية والتقى برجالاتها وعلمائها.

(4) مونته ( 1856 – 1927 ) Montet أستاذ اللغات الشرقية في جامعة جنيف، من كتبه (محمد والقرآن)، وترجمة جيدة للقرآن، و(حاضر الإسلام ومستقبله).

(5) كوستاف لوبون Dr.G.Lebon ولد عام 1841م، وهو طبيب، ومؤرخ فرنسي، عني بالحضارة الشرقية.
من آثاره: “حضارة العرب”، و”باريس 1884″، “الحضارة المصرية”، و”حضارة العرب في الأندلس”، وهو أحد أشهر فلاسفة الغرب وأحد الذين أنصفوا الأمة العربية والحضارة الإسلامية.

(6) إميل درمنغم E.Dermenghem مستشرق فرنسي، عمل مديرا لمكتبة الجزائر، من آثاره: “حياة محمد”، و”باريس 1929″، وهو من أدق ما صنفه مستشرق عن النبي صلى الله عليه وسلم, و”محمد والسنة الإسلامية”، “باريس 1955”.

(7) إيتين دينيه (1861-1929) Et.Dient تعلم في فرنسا، وقصد الجزائر، وأشهر إسلامه وتسمى بناصر الدين (1927)، وحج إلى بيت الله الحرام (1928).

(8) هنري دي فاستري في كتابه: الإسلام: خواطر وسوانح.

(9) هربرت جورج ولز (1866 – 1946) H. G. Wells الكاتب والأديب البريطاني المعروف. حصل على بكالوريوس العلوم سنة 1888، تولى التدريس بضع سنين ثم انصرف للتأليف. اشتهر بقصصه الذي يعتمد الخيال العلمي من مثل “آلة الزمن” و”الرجل الخفي”، فضلاً عن رواياته النفسية والاجتماعية مثل “مكيافيللي الجديد” و”الزواج”. ولم يغفل ولز البحث في التاريخ فأنجز عام 1920 “معالم تاريخ الإنسانية” الذي نقلنا منه.   

(10) توماس كارلايل (1795 – 1881) Th.Carlyle الكاتب الإنجليزي المعروف. من كتابه: (الأبطال) (1940)، وقد عقد فيه فصلاً رائعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم .    

(11) العالم الكبير ويل ديورانت صاحب الكتاب المشهور عن “تاريخ الحضارة” في أحد عشر جزءا.


الوسوم:

مقالات ذات صلة