شريعتنا الإسلامية تصون قوام المجتمعات البشرية

يقول تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) الروم:21.

في ظل” القرية الكونية”، و”عولمة القضايا والمشكلات”، حيث يتفاعل معها القاصي والداني، فاجأتنا قنوات فضائية، ومواقع إخبارية خلال الأشهر الأولي من عام 2008م، بعدة قضايا أسرية واجتماعية، تدق أجراس الإنذار مُحذرة مما قد يتهدد مؤسسة الأسرة، والمجتمع البشري من انهيار وفناء، في حين أن شريعتنا الإسلامية تصون الأسرة وتحميها، وتحفظ الأنساب، وتذود عنها، وترعي النسل وتتعهده، فما هي اخطر تلك القضايا وأبشعها.. نفسياً وإجتماعياً؟ وما هي أسبابها، وسبل مقاومتها للحفاظ علي مؤسسة الأسرة والاجتماع البشري من الانهيار والدمار؟.

النمساوي “فريتزل” احتجز ابنته “اليزابيث” في قبو محكم الغلق لمدة 24 عام (منذ 1984م)، وظل “يعاشرها” طيلة هذه المدة منجباً منها سبعة أطفال، إلى أن تم اكتشاف هذا الأمر مؤخراً، حين مرضت إحدى البنات اللاتي أنجبهن. وباكتشاف الجريمة عمت الصدمة أوساط المجتمع النمساوي والأوربي والعالمي، وثارت أسئلة كثيرة عن مصير “مؤسسة الأسرة الأوربية”، ومستقبل وصحة هؤلاء الأطفال السبعة، وأين دور الجيران والقانون وتحقيق العدالة في منع تلك الجرائم البشعة؟.
ثم كشفت صحيفة “لو باريسيان” الفرنسية عن مأساة “ليديا غواردو” (45 عاماً)، وقد تعرضت للاغتصاب من قبل والدها طيلة 28عاماً، أسفر عن إنجابها6 أطفال، لكنها لم تكن محتجزة كـ”اليزابيث”. قالت ” ليديا”:”إنّ مأساتها بدأت في التاسعة من عمرها، حيث تعرضت للتعذيب من قبل زوجة والدها، وكان والدها يغتصبها مرارا وتكرارا، وتساعده زوجته أحياناً، وكانت آخر مرة اغتـُصبت فيها في13 /11/1999م، قبل أسبوع من وفاة والدها”. وكانت وفاته بمثابة “تحرير لها”، كما أدت لتوجيه اتهامات لزوجة الأب، وصد بحقها حكما بالسجن لمدة أربع سنوات “مع إيقاف التنفيذ” لأنها لم تقم بالإبلاغ عن جريمة، ولقيامها بالتحرش جنسيا بأحد أبناء غواردو”. أشارت ” ليديا” إلى أنها:” في كل مرة كنت أهرب فيها، وأروي ما أواجهه، كانت تتم إعادتي إليه”، موضحة أنها عندما كانت تضع مواليدها بالمستشفي وتبلغ العاملين بها بأنّ والدها هو والد الأطفال:”لا يبد أحد أية رِدّة فعل”. وأخبرت ” ليديا”:”أنها لا تزال تعيش في قرية كولوم وفي نفس المنزل المشئوم، لكنني لا أتحدث مع أحد”. وقالت “إنني غاضبة بشدة من جيراني، فمنهم من كان يعيش هنا في ذلك الوقت، ولم يقولوا أو يفعلوا أي شئ، كما إن ضباط الشرطة الذين كانوا يحضرون حال ضربي لم يفعلوا شيئاً لحمايتي”. تشارك ” ليديا” المنزل مع صديقها وأطفالها التسعة، وتمنت”أن تقدم المساعدة لاليزابيث فريتزل، وترغب أن تكون صديقة لها”. وقالت:”ربما تكون هناك حالات أخرى مماثلة لنا في قرى صغيرة حيث يغلق الناس نوافذهم” .
وجدت العلاقة بين “باتريك” وشقيقته “سوزان” واللذان انجبا 4 بنات من يناصرها من المحامين الألمان، ويسعى محامو “باتريك” إلى تعطيل تنفيذ آخر حكم وقع عليه، إضافة إلى محاولة إلغاء المادة 173 من قانون العقوبات الألماني التي:”تجرم إقامة علاقات جنسية بين المحارم من الدرجة الأولى للمخاطر الصحية والجسدية التي تهدد حياة الأطفال الناتجين عن مثل هذه العلاقات” .واعتبر المحامي “يواخيم فروملينج” المدافع عن “باتريك” أن:”تحريم إقامة علاقات جنسية بين الأقارب من الدرجة الأولى يمثل اعتداء على الحرية الجنسية، وحرية التصور الشخصي لشكل الحياة الأسرية، وهو ما يتعارض بدوره مع القانون الأساسي” .بينما يقول “إندريك فيلهلم” المحامي الثاني في القضية:”إن الأخوين قررا تكوين أسرة من نوع جديد، ويجب أن يحظى ذلك بتأييد القانون الألماني، ولماذا لا يسمح لشخصين أحبا بعضهما أن يعيشا معا، هل لكونهما فقط أخوين؟”. يؤيد “كنوت أميلونج” الخبير القانوني الألماني هذا الاتجاه، مستدلاً بأن فرنسا وهولندا لا تعاقبان من يقترف زنا المحارم. ويري قانوني آخر هو”كلاوس روكسين” أن:”من يطالب باستمرار فرض عقوبة على العلاقة بين الأخوة يبدو أنه لا يستند على شي”(1).
يُضاف إلي ذلك ما عرضته أيضا قنوات فضائية بشأن رجل أسترالي وابنته يتجولان ويعيشان في “أسرة” كوناها برفقة طفلة صغيرة ـ لم تبلغ العام ـ قد أنجباها”، وهما يعترفان “بأن علاقة الأبوة وخصوصيتها تحول دون ذلك!!”.
من الصعوبة بمكان التحديد الإحصائي لجريمة “زنا المحارم” في المجتمعات الحديثة، لأن أغلبها لا يصل إلى علم الشرطة. فهناك مجموعة من الجرائم لا يتم الإبلاغ عنها لتعرضها بشكل مباشر لخصوصية العائلات وسمعتهم، وتسمى الرقم الأسود لاحتوائها على جرائم الإجهاض وزنى المحارم والاعتداءات الجنسية وغيرها من الجرائم التي تمس الشرف. وتصل العقوبة في هذه الجرائم إلى الإعدام خاصة إذا كان الجاني يقع من الضحية موقع الرقيب وولي الأمر، وقانونا يفترض أن المجني عليه لا يزال طفلا إلى أن يبلغ الرابعة عشرة من عمره، فالقانون يحسبه في هذه السن الصغيرة غير مدرك لما يفعل ويتحمل الجاني الذنب ومن ثم العقوبة كاملة.
لكن يمكن القول إنها جريمة قديمة وحديثة في آن معا، وخطورتها الزاحفة وآثارا النفسية والاجتماعية علي المجتمعات الحديثة ترتبط بالتغيرات الأسرية والاجتماعية والاقتصادية المتسارعة والمشهودة.
عرفت فرنسا “زنا المحارم” فقد كانت الملكة “اليانور” زوجة الملك لويس السابع عشيقة لخالها “ريموند” أمير أنطاكيا أثناء الحروب الصليبية عام 1148هـ. تأتي الدول الغربية في مقدمة الدول التي عرفت زنا المحارم، ففي بريطانيا تضاعفت هذه الجريمة في الفترة ما بين1940-1961م، فتم إبلاغ الشرطة بـ (101) جريمة في عام1940 م، أما في عام 1955م فتم الإبلاغ عن 293 جريمة، ارتفعت عام 1961م إلى335 جريمة، علماً بأن المجتمع البريطاني كان ينظر إلى زنا المحارم نظرة احتقار مما انعكس على ما تم إبلاغه منها إلى الشرطة. لكن الباحث “جرهام هيوز” يؤكد علي استمرار الزيادة في الجرائم الجنسية في بريطانيا، ففي عام 1961م بلغت تلك الجرائم 14013جريمة جنسية، بينما كانت بين عام1955- 1959م حوالي11694.
في ألمانيا تصل التقديرات الرسمية للاعتداءات الجنسية التي تقع على الأطفال سنويا إلى300 ألف جريمة، وهناك دراسة غير منشورة تبين أن80 % من تلاميذ المدارس في برلين تعرضوا لاعتداءات جنسية. وقد أعرب مؤخرا عدد من علماء الاجتماع النرويجيون عن قلقهم من ارتفاع “زنا المحارم” في المجتمعات الغربية والنرويج، حيث سجل المركز المناهض لزنا المحارم في “أوسلو” ارتفاعا لنسبة مرتكبيها العام الحالي، موضحا أنّ عدد الذين طلبوا المساعدة نتيجة لتعرضهم لهذه الممارسة قد بلغ4500 شخص, فيما بلغ العدد العام الماضي3600، كما أن14% من البنات التي تقل أعمارهن عن 14 سنة يتعرضن لاعتداءات جنسية من المحارم، وقد تبين من الدراسات أن 37% من البغايا كنّ فريسة لزنا المحارم، وهو ما يؤكد أنّ “زنا المحارم” في المجتمع الغربي أصبح “وباء” لابد من الوقوف حياله.
أما في أمريكا عام 1910م كان معدل هذه الجريمة1.2حالة/ مليون نسمة، وانخفض عام 1930م إلى1.1 حالة/ مليون نسمة، أما أعلى معدل فكان خمس جرائم/ مليون مواطن سنوياً، ووصل إلى7 لكل مليون في واشنطن، بينما وصل المعدل في “نيوزيلندا” إلي 9 جرائم/ مليون مواطن. في جنوب أفريقيا يمثل زنا المحارم من 70 – 80% من إجمالي الجرائم الجنسية التي ترتكب فيها، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك بنت واحدة من بين كل أربع بنات، وولد من بين كل 8 أولاد تم الاعتداء عليهم جنسياً.
تنضم قضية “زنا المحارم” إلي جانب “أخواتها” من القضايا التي تتعلق بمصير الأسرة البشرية، ونذر انهيارها “كبنوك الأجنة” و”الأرحام البديلة” ، و”بنوك الألبان البشري”، و”الجندر”، و “زواج” الشواذ والمثليين، وجرائم الإجهاض، وقضية “التبني”، وبحوث الاستنساخ التي تنتقل من طور إلي آخر وصولا إلي “اليوجينيا.. تحسين سلالات بشرية معينة، بمواصفات مرغوبة”، ومحاولات استنساخ أجنة “هجين بين الإنسان والحيوان”، والتقليل من شأن ما يسمونه”الأسرة التقليدية”، والترويج لأنماط من “المعاشرة” لتكون “أسراً بديلة”:”أسر” العزاب من الرجال والنساء، وقد يتبنون أطفالا، و”أسر” اللواطيين والسحاقيات، وقد يتبنون أطفالا، “أسر” الأخدان الذين يعيشون كأصدقاء دون زواج، وقد يتبنون أطفالا، والأسر المفككة والمنفصلة ويرتدد عليها الأبناء، اسر الجدود والجدات وتتبنى أطفال اسر أخرى..الخ.
الآثار النفسية والاجتماعية لجريمة “زنا المحارم”
مشكلات أخلاقية أو اجتماعية أو قانونية خطيرة تنتج جراء جريمة “زنا المحارم” بخاصة حالة حدوث حمل وإنجاب أطفال. كما تضطرب صورة العلاقة بين الشخصين، وتتشوه فتبتعد عن تلك العلاقة الأسرية والاجتماعية بين المحارم، وتستبدل بعلاقات مدمرة يشوبها التناقض والتقلب وتترك في النفس جروحا عميقة. فتسود المشاعر السلبية كالاحتقار والغضب والصراع والكراهية، ففتاة صغيرة تتوقع الحب البرئ والمداعبة الرقيقة الصافية من “محارمها”، لكن تُغتال براءتها، مما يصيبها بالخوف والشك والحيرة والارتباك، ويهز في نفسها الثوابت(اهتزاز معاني الأبوة والأمومة والبنوة والأخوة والعمومة والخؤلة، تلك المعاني التى تشكل الوعي الإنساني السليم وتشكل الوجدان الصحيح)، ويجعلها تنظر إلى نفسها وإلى غيرها نظرة شك وكراهية، ويساورها نحو الجاني مشاعر متناقضة تجعلها تتمزق من داخلها.
يتنامي الشعور بالذنب وبالعار مما يولد الكآبة والعزلة والعدوان تجاه الذات والآخر الجاني وغيره، وربما تحاول الضحية أن تخفف من إحساسها بالخجل والعار باستخدام المخدرات أو الانغماس في ممارسات جنسية مشاعية (البغاء) مبالغة في الانتقام من نفسها وتلويث سمعتة الجاني. وقد تؤدى تلك المشاعر إلى حالات من الاكتئاب الشديد و محاولات الانتحار.
تظل ذكرى تلك العلاقة غير السوية ومشاعرها السلبية والمتناقضة مؤثرة على إدراك ووجدان المجني عليه مما يسبب صعوبة إقامة علاقات زوجية طبيعية، أو يظل طرفا العلاقة المحرمة أسرى لتلك العلاقة فلا يفكرا أصلا في علاقات صحية بديلة.
أسباب جريمة “زنا المحارم”
– آباء مدمنون على شرب الخمر وتعاطي المخدرات ، فإدمانهما من أقوى العوامل المؤدية إلى زنا المحارم، حيث يؤدي إلى اضطراب الوعي واضطراب الميزان القيمي والأخلاقي خلل وظيفي في نظام الأسرة لدرجة يسهل معها انتهاك كل الحرمات، ويزيل الإحساس بالحدود الفاصلة بين الأباء وأبنائهم، مما يسمح لهم “بالتطاول على جسد أطفالهم”. يشير الراحل د. “أحمد المجدوب” الخبير بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية في القاهرة في دراسته الرائدة والفريدة أنّ :”الدراسات كشفت عن ارتفاع نسبة الآباء على الأمهات في ممارسة هذه الجريمة، فقد تبين أن28 %من الآباء وأزواج الأمهات الذين ارتكبوا الجريمة كانوا من مدمني الخمر، وأن45 % كانوا قد شربوا الخمر قبل ارتكاب الجريمة، وفي دراسات أخرى تبين أنّ النسبة تتدرج ما بين20- 75% من الآباء مرتكبي زنا المحارم هم ممن يشربون الخمر أو يدمنونها”(2). لذا نجد شريعة الإسلام تشدد علي تحريم الخمر باجتنابها:“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”(المائدة:90)
– التعطل عن العمل، واختلال مركز الأباء داخل الأسرة، وشيوع بعض المفاهيم التي تصور أن “سلطة العائلة” تكمن في يد من يملك المال، ويحقق “استقلالا اقتصاديا” مهما كان زوجة، أو بنتًا، أو أختًا أو ابنًا، مما ساهم في بناء أسر هشة غير مترابطة، شكلت مناخًا خصبًا للإتيان بسلوكيات منحرفة.
– ضياع مفهوم “الأبوة” في مقابل مفهوم “الصديق”، فتروج بعض النظريات التربوية الغربية لإقناع المربين بأن أهم عنصر مساعد على تربية الأبناء هو المعتمد على “الصداقة بين الآباء والأبناء”، إلى درجة يغيب معها مفهوم “الأبوة/ الأمومة” مطلقًا بالبيت، وفي غياب التوازن التربوي والمسئول بين أن يكون الأب/ زوج الأم/ زوجة الأب “صديقًا/ صديقة” تارة، و”أبًا/ أما” تارة أخرى، قد يؤدي إلى سلوكيات جنسية شاذة ومنحرفة.
– تتفاقم المشكلة عندما تتفكك الأسر وتضطرب العلاقات الزوجية، أو يغيب الأبوان.. بسبب العمل أو الطلاق أو الوفاة، مما يسبب ضعف في السلطة الوالدية لدى الأب أو الأم أو كليهما، وهذا يؤدى إلى انهيار سلطة الضبط والربط وانهيار القانون الأسرى بشكل عام لغياب الرقابة المادية والمعنوية وتزلزل الوازع القيمي والأخلاقي والتربوي، وضعف الأنا الأعلى ( الضمير) لدى بعض أفراد الأسرة أو كلهم مما قد يجعل هذه الجريمة “أمرًا عاديًّا”، لا يسبب أي ألم أو وخز من ضمير”.
ليس اليتيم من انتهى أبواه من همَّ الحياة وخلّفاه ذليلاً
إن اليتيم هو الذي تلقى له أماً تخلَّت أو أباً مشغولاً
– سلبية الأسرة، وصمتها للحفاظ على سمعتها، ثم تجاهلها لعلاج هذا “المرض” حال ظهوره أو ظهور بعض أعراضه، مما يجعل مقترفو الجريمة يتمادون في ممارسة سلوكياتهم المنحرفة. بل قد ينحاز الوالدان لابن اغتصب أخته لمعاقبتها علي تصريحها بهذا الأمر.
– الاضطرابات النفسية والعقلية والاجتماعية، كأن يكون أحد الطرفين سيكوباتيا أو يتعاطى الكحوليات أو مصابا بالفصام أو الهوس أو أي اضطرابات ذهانية أخرى. والاضطراب الناشئ عن تعشق الأطفال أو الغلمان.(Pedophilia)).
– تجاهل الوالدين لتقديم جرعات معقولة ومناسبة للسن من النصح بشأن الحياة الجنسية، ومن ثم قد يلجأ الأبناء إلى زنا المحارم من باب التجربة.
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة
– يعترف المجتمع الغربي للفرد بالحق فى أن يتصرف فى جسمه كيفما يشاء دون وصاية من المجتمع، لذا يروج بعض باحثيهم إلى أن:”زنا المحارم يمكن أن يكون مفيداً إذ هو زود الإنسان بخبرة صحية”، و “أن زنا المحارم تجربة مفيدة وثرية”. كما يدافع عنها المحامي “يواخيم فروملينج” في قضية الألماني “باتريك”بقوله:”إن تحريم إقامة علاقات جنسية بين الأقارب من الدرجة الأولى يمثل اعتداء على الحرية الجنسية وحرية التصور الشخصي لشكل الحياة الأسرية، وهو ما يتعارض بدوره مع القانون الأساسي”.
– الترويج لقيم الانحلال والإباحية و”الانفتاح الجنسي” في المجتمعات الحديثة، لينصب الاهتمام والتفكير الفائض في الجنس، فلماذا العادات التي تجعل الأم أو الأب والأولاد والفتيات يظهرون بملابس سافرة/ خليعة أمام بقية أفراد الأسرة وأثناء السباحة، إضافة إلى اعتيادهم التفاعل الجسدي في معاملاتهم اليومية بشكل زائد عن المعتاد ، مع غياب الحدود والحواجز بين الجنسين ، وغياب الخصوصيات واقتحام الغرف المغلقة بلا استئذان؟.
– وسائل الإعلام وانتشار الإثارة الجنسية عبر الفيديو كليب والمواقع الإباحية على “الإنترنت”، وشيوع الأفلام والأغاني والبرامج الإباحية، مع الترويج للإدمان على المخدرات والكحول يساعد على تنامي الظاهرة. إن أكثر شرائح المجتمع التي تهتم بالدردشة من خلال “الإنترنت” هي شريحة المراهقين (15- 25 عاماً) ، وقد يعتبر الإنترنت وسيلة “لتفريغ طاقتهم الجنسية”، والتي كثيراً ما تتحول إلى علاقات مباشرة لتصل إلى زنا المحارم.
– هناك مجموعة من العوامل، يشير إليها د. “أحمد المجدوب”، أدت إلى انتشار تلك الظاهرة بشكل كبير بوجه عام، وفي المجتمعات الغربية بشكل خاص، يأتي على رأسها التقدم العلمي والاكتشافات الطبية: مثل أقراص منع الحمل ووسائله التي منها العازل الطبي للرجال واللولب للنساء، حيث ساهمت هذه الوسائل في بقاء عدد كبير من جرائم “زنا المحارم” في طي الكتمان لعدم حدوث الحمل(3).
– الفقر والجهل وتكريسهما، ففي الأماكن الأكثر ازدحاما وفقرا، تقيم أسر متوسط عدد أفرادها سبعة في غرفة واحدة، وتستخدم دورات مياه مشتركة، مما يضعف الشعور بالحياء بين ساكنيها. فضلا حدوث العلاقات الجنسية بين الزوجين على مسمع ـ وأحيانا على مرأىـ من الأبناء والبنات إضافة عن تلاصق الأخوة والأخوات أثناء النوم مما يحرك شهوتهم (4)، لهذا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّم:”َمُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِع،ِ وَإِذَا أَنْكَحَ أَحَدُكُمْ عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ فَلَا يَنْظُرَنَّ إِلَى شَيْءٍ مِنْ عَوْرَتِهِ فَإِنَّ مَا أَسْفَلَ مِنْ سُرَّتِهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ مِنْ عَوْرَتِهِ”(5). كذلك يصاحب الفقر حالة من البطالة وتأخر سن الزواج فارتفاع في نسبة العنوسة “قنبلة موقوتة”. كما أن ضغط الفقر والحرمان من الاحتياجات الأساسية، والشعور بالتعاسة والشقاء يجعل التمسك بالضوابط الأخلاقية في أضعف حالاته.
– تفعيل العلاقات الإيجابية بين الجيران، والتواصل الحسن بينهم مما يحول دون حدوث الجرائم.

الجوانب الشرعية والقانونية لهذه الجريمة
ـ الأسرة آية من آيات عظمة الله وتدبيره لشؤون خلقه تستدعي التأمل والتفكر، يقول تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) الروم:21، ويقول تعالى: (هن لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهن) البقرة: 187، فالزواج ـ لتكوين الأسرة ـ إنما هو تلبية للحاجات النفسية والعاطفية والعقلية والجسدية في ظلال من: السكن والمودة والرحمة والامتزاج التام والستر المشترك(6)، فمن أجل ذلك تقبل المرأة بالانفصال عن كنف أهلها وذويها واثقة بأن صلتها بزوج ( كان غريباً عنها) أقوى من كل صلة وعيشها معه أهنأ من كل عيش، بل إن الله تعالى يخبرنا أن الاستمتاع حتى في الجنة لا يكتمل إلا مع وجود الزوجة والذرية، يقول تعالى: (وقلنا يا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة) البقرة:35، ويقول جل شأنه: (إن أصحاب الجنة اليوم في شُغلٍ فاكهون· هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون) يس: 55 ـ 56، ويقول تعالى: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم) الطور:21.
لقد حددت شريعة الإسلام صنوفا من المحارم يحرم الاقتران بها، يقول الله تعالي:”حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا”(النساء:23). كما أكدت علي أن يحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب والمصاهرة، فعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّم:”إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنَ الرَّضَاعِ مَا حَرَّمَ مِنَ النَّسَبِ”(7)، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بِنْتِ حَمْزَةَ:” لَا تَحِلُّ لِي يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ هِيَ بِنْتُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَة”(8).
هذا التحريم يتفق والفطرة البشرية التي فطر اللَّه الناس عليها، فالعلاقات بين المحارم هي علاقات سامية، تجعلهم كأعضاء الجسد الواحد، علاقات يملؤها الرعاية والعطف، والحب والحنان، والتكريم والاحترام والتوقير، وهي تربو على غيرها من الصلات، والتي قد يعتورها خلافات وغيرة وحسد تؤدي إلي الشقاق والطلاق، وما يستتبعه من خدش لتلك المشاعر السامية والدائمة، فكيف يُستبدل بهذه العلافات السامية علاقة استمتاعٌ أو شهوة، أو خلافات وطلاق؟؟. يقول صاحب الظلال رحمه الله: “كما إن علاقة الزواج جعلت لتوسيع نطاق الأسرة ومدها إلي ما وراء رابطة القرابة، ومن ثم لا ضرورة لها بين الأقارب الأقربين. فتحريم الزواج ين الأقارب جاء لانتفاء الحكمة فيه، ولم يبح من القريبات إلا من بعدت صلته حتى ليكاد أن يفلت من رباط القرابة”(9).
من الناحية البيولوجية حاول كلا من”آدم” و”نيل” (1967م) تتبع حالة18 طفلا كانوا ثمرة “زنا المحارم” فوجدا أن: “خمسة منهم قد ماتوا، وخمسة آخرين يعانون من تخلف عقلي، وواحد مصاب بانشقاق في الشفة وسقف الحلق”، وهى نسبة مفزعة خاصة أن نسبة العيوب الخلقية حوالي2% وأغلبها تكون عيوب غير ملحوظة. لذلك خلص الباحثان إلى أن انتشار “زنا المحارم” يمكن أن يضوي الذرية ويؤدى إلى انهيار المجتمع البشري وفنائه(10)، وربما يكون هذا جزء من الحكمة من التحريم الديني والوصم الاجتماعي والتجريم القانوني.
علي الرغم مع كونها أفعالا خطيرة تهدد كيان الأسرة.. توجد نقائص في القوانين الجنائية لبعض الدول تحول دون عقاب رادع لمقترف جريمة زنا المحارم، فهناك قوانين لا يرد فيها ذكر صريح لزنا المحارم، وأخري تخلو من أي مادة تعاقب على زنا التراضى سواء بالمحارم أو غيرهن، وقوانين تعاقب على “الاغتصاب” والعنف الجنسي ضد بالغ أو قاصر أو عاجز أو معاق أو معروف بضعف قواه العقلية، دون”زنا المحارم”، وإنما يعاقب باعتباره اغتصابا. لذا يغيب عن الإحصاءات الجنائية لهذه الدول الذكر الصريح لجريمة زنا المحارم.
يعترف المجتمع الغربي للفرد بالحق فى أن يتصرف فى جسمه كيفما يشاء دون وصاية من المجتمع، لذا فقد قررت لجنة “ولفندن” البريطانية إباحة الزنا والبغاء والشذوذ، وهناك محولات تهدف إلى أن يصبح زنا المحارم مثل الزنا بغير المحارم مباحاً أو على الأقل عدم العقاب عليه بالعقوبات الشديدة التي تنص عليها القوانين القائمة الآن.
يحسب للقضاء الأمريكي أنه مازال متمسكاً بفرض عقوبة على زنا المحارم رغم أنه لم يعد يعاقب على الزنا العادي، وهو يوقع المسئولية على الطرف البالغ، لذا فقد قضت إحدى المحاكم الأمريكية في دعوى زنا محارم عرضت عليها وكانت خاصة بفتاة (16 عاماً) رغبت في ترك أمها التي كانت مطلقة من أبيها والانتقال للعيش معه، وبعد انتقالها حدثت علاقة جنسية بينهما، وبعد عدة أشهر عادت إلى بيت أمها وأنجبت طفلاً، واعترفت أمام القضاء الذي عاقب الأب بالسجن 18 عاماً. وفى عام 1990م اتهمت امرأة في الرابعة والعشرين من عمرها باغتصاب أخيها البالغ ثلاثة عشر عاماً، كذلك حُكم بالسجن 15 عاماً علي امرأة عاشرت ابنها البالغ أثني عشر عاماً جنسياً بدافع الخوف عليه من أن يصبح شاذاً فصحبته إلى الفراش لتريه “كيف أن الرجل يشعر بمتعة مع المرأة تفوق ما يشعر به مع ذكر مثله”.
سبل الوقاية والمواجهة والعلاج
تحظى الوسائل الوقائية بأهمية قصوى واستثنائية في مثل هذه القضايا:
– الحذر والحرص مما تسوقه أبواق العولمة، من “عولمة القضايا والمشكلات”، مما قد يهوين من شأنها بحجة شيوعها عالمياً. وتقليل التعرض لعوامل الإثارة: كالتبرج، والمواد الإعلامية الهدامة على الفضائيات أو مواقع إباحية علي الإنترنت تثير الغرائز وتخفض حاجز الحياء وتغتال حدود التحريم.
-الاهتمام باكتشاف عوامل الخطورة ومعالجة مشكلات المجموعات السكانية الهشة في الأماكن المزدحمة والمحرومة، وتوفير احتياجاتهم الأساسية من مسكن ومأكل وملبس، والعناية بالأشخاص المضطربين نفسيا أو مدمني الخمر أو المخدرات، والعمل علي مكافحة إدمان الخمر والمخدرات. وفتح خطوط ساخنة للاتصال على مدار الساعة تقوم بالاستشارة وإيجاد حلول ومساعدات سريعة إذا لزم الأمر. وتوفير مؤسسات لمساندة ورعاية الضحايا وإعادة تأهيلهم نفسيا وصحياً واجتماعيا.
– مراعاة الآداب العامة داخل الأسرة: مثل الاستئذان قبل الدخول، يقول الله تعالي: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ”(النور:58)، ومراعاة الخصوصيات في الغرف المغلقة، والتفرقة بين الأولاد والبنات في النوم، وعدم نوم الأبناء أو البنات في أحضان أمهاتهم أو آبائهن خاصة بعد البلوغ، ومراعاة الحشمة، عدم ظهور الأم أو البنات بملابس كاشفة أو خليعة، كما يجب تجنب المداعبات الجسدية بين الذكور والإناث في الأسرة، والتزام قدر معقول من التعامل المحترم بعيدا عن الابتذال والتساهل.
– أخذ الخطوات الجادة لتوفير سبل الزواج والتشجيع عليه، وإصلاح العلاقات بين الأزواج المبتعدين عن بعضهم لسنوات، وفتح آفاق لعلاقات اجتماعية ناجحة وممتدة خارج نطاق الأسرة، وتوجيه الطاقة نحو نجاحات عملية وهوايات مشبعة.
– الوعظ والإرشاد الديني للالتزام بأحكام الدين الذي يحرم الزنى أولا، ويشدد على تحريم المحارم وتأكيد العقوبة الشرعية في الدنيا والآخرة.
– التدخل القضائي الرادع وفرض عقوبات على الجاني، لحماية مؤسسة الأسرة والمجتمع من تلك الموبقات.
جملة القول:إن مثل تلك القضايا الأسرية والاجتماعية الهامة والخطيرة ينبغي أن تأخذ حقها من التأمل، ودراسة جوانبها الأخلاقية والنفسية والاجتماعية ومآلاتها علي مستقبل البشرية والتواصي بمجابهة أسبابها، وتفعيل سبل الوقاية منها، مقاومتها للحفاظ علي قوام البشرية من الانهيار والدمار. وهذا ما تحرص عليه شريعتنا الإسلامية الغراء.
يمكن التواصل مع المؤلف على الإيميل التالي:
[email protected]

هوامش ومراجع
1- موقع إسلام أون لاين، وبعض المواقع الأسرية الاجتماعية والإخبارية علي الشبكة الدولية للمعلومات.
2- د. أحمد المجدوب:” زنا المحارم ..الشيطان في بيوتنا”،، مكتبة مدبولى، 2003م القاهرة.
3&4ـ د. أحمد المجدوب:المرجع السابق.
5- مسند الأمام احمد برقم:6467.
6- ـ انظر: د· رؤوف شلبي: استوصوا بالنساء خيراَ، عيسى البابي الحلبي، ط1، 1975م، وللمزيد راجع: عبد المتعال الجبري:المرأة في التصور الإسلامي، مكتبة وهبة، مصر 1983م، ص 87 ـ 159.
7- في سنن الترمذي،كتاب الرضاع برقم 1065، حديث حسن صحيح.
8- صحيح البخاري،كتاب الشهادات برقم:2451.
9- سيد قطب: في ظلال القرآن،مجلد 1، ط 16، 1410هـ، دار الشروق، ص 610.
10- موسوعة ويكيبيديا علي الشبكة الدولية للمعلومات.