شبهات حول أحاديث نبوية شريفة عن المرأة

     قوله صلى الله عليه و سلم عن النساء (( ناقصات عقل و دين ))[47]

     قوله صلى الله عليه و سلم (( ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ))[48] .

    قوله صلى الله عليه و سلم (( لَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا))[49]

·        قوله صلى الله عليه و سلم عن النساء أنهن خلقن من ضلع أعوج

     قوله صلى الله عليه و سلم عن النساء (( ناقصات عقل و دين ))[50] 

في العهدين المملوكي و العثماني حاول بعض الناس إضفاء الشرعية على نظرتهم الدونية للمرأة من خلال التفسيرات المغلوطة لبعض الأحاديث النبوية وذلك بعد عزل هذه الأحاديث عن سياقها وتجريدها من ملابسات ورودها و الأمر المؤسف أن كل هذا كان باسم الإسلام و الإسلام بريء منه فالإسلام حرر المرأة و كرمها أيما تكريم ! فالسيدة خديجة رضي الله عنها كان عام وفاتها عام حزن المسلمين ورسول الإسلام ودعوة الإسلام.. وطليعة شهداء الإسلام كانت سيدتنا سمية بنت خياط  كما شاركت في العمل العام السياسي منه ، والفقهي ، والدعوي ، والأدبي ، والاجتماعي. بل والقتالي – كما تجسدت في كوكبة النخبة النسائية التي تربت في مدرسة النبوة..

فبعد أن بلغ التحرير الإسلامي للمرأة هذه الآفاق.. أعادت العادات والتقاليد المرأة أو حاولت إعادتها إلى أسر وأغلال منظومة من القيم الغريبة عن الروح الإسلامية.. حتى أصبحت المفاخرة والمباهاة بأعراف ترى :  أن المرأة الكريمة لا يليق بها أن تخرج من مخدعها إلا مرتان: أولاهما: إلى مخدع الزوجية.. وثانيتهما:إلى القبر الذي تُدفن فيه !.. فهي عورة ، لا يسترها إلا " القبر " ! أو كما يقول البحتري :

وَمِن نِعَمِ اللَهِ لا شَكَّ فيهِ       بَقاءُ البَنينَ وَمَوتُ البَنـــاتِ

لِقولِ النَبِيِّ عَلَيهِ الســَلا        مُ دَفنُ البَناتِ مِنَ المَكرُماتِ

– و لا يعلم أحد من أين أتى البحتري بهذا الحديث الذي يؤيد مبدأ الوأد الذي وأده الإسلام !!

والأكثر خطورة من هذه الأعراف والعادات والتقاليد إبان مرحلة التراجع الحضاري ، هي التفسيرات المغلوطة لبعض المرويات الإسلامية بحثاً عن مرجعية إسلامية وغطاء شرعي لقيم التخلف والانحطاط التي سادت عالم المرأة في ذلك التاريخ..

لقد كان الحظ الأوفر في هذا المقام للتفسير الخاطئ الذي ساد وانتشر لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري ومسلم عن نقص النساء في العقل والدين.. وهو حديث رواه الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: (( خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فِطْر إلى المصلى فمرّ على النساء ، فقال: – " يا معشر النساء ، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن ".

– قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله ؟.

– قال: " أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل " ؟.

– قلن: بلى.

– قال: " فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصلّ ولم تصم ؟ ".

– قلن: بلى.

– قال: " فذلك من نقصان دينها )) .

هذا الحديث الشريف ينطلق منه المتغربون والعلمانيين في دعوتهم إلى إسقاط الإسلام تحرير المرأة من حساباته، وطلب هذا التحرير في النماذج الغربية الوافدة..

و للرد على هذه الشبهة نأخذ النقاط التالية :

أولاها: أن الذاكرة الضابطة لنص هذا الحديث قد أصابها ما يطرح بعض علامات الاستفهام.. ففي رواية الحديث شك من الرواة حول مناسبة قوله.. هل كان ذلك في عيد الأضحى ؟ أم في عيد الفطر؟.. وهو شك لا يمكن إغفاله عند علماء الحديث.

وثانيتها: أن الحديث يخاطب حالة خاصة من النساء ، ولا يشرّع شريعة دائمة ولا عامة في مطلق النساء..فهو يتحدث عن "واقع " والحديث عن " الواقع " القابل للتغير والتطور شيء ، والتشريع " للثوابت" عبادات وقيمًا ومعاملات شيء آخر.. فعندما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (( إنا أمة أُمية ، لا نكتب ولا نحسب )) [51].   فهو يصف " واقعاً " ، ولا يشرع لتأييد الجهل بالكتابة والحساب ، لأن القرآن الكريم قد بدأ بفريضة " القراءة " لكتاب الكون ولكتابات الأقلام ((اقرأ باسم ربك الذي خلق* خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم)) [52]

وثالثتها: أن مناسبة الحديث ترشح ألفاظه وأوصافه لأن يكون المقصود من ورائها المدح وليس الذم.. فالذي شهد له المولى سبحانه و تعالى بخلقه العظيم ((وإنك لعلى خلق عظيم)) [53] والذي  جعل من " العيد " الذي قال فيه هذا الحديث " فرحة" أشرك في الاستمتاع بها مع الرجال كل النساء ، حتى الصغيرات  بل وحتى الحُيَّض و النفساء !..و الذي يقول:  ((رفقاً بالقوارير))[54] ، ويوصي بهن حتى وهو على فراش المرض يودع هذه الدنيا.. و قوله (( ما من مسلم له بنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه أو صحبهما إلا أدخلتاه الجنة ))[55]   . فالذي يقول هذه الأقوال و هو صاحب الخلق العظيم ، لا يمكن تـَصوره صلى الله عليه وسلم ذلك الذي يختار يوم الزينة والفرحة ليجابه كل النساء ومطلق جنس النساء بالذم والتقريع والحكم المؤبد عليهن بنقصان الأهلية ، لنقصانهن في العقل والدين !..

فالحديث يشير إلى غلبة العاطفة والرقة على المرأة ، وهى عاطفة ورقة صارت " سلاحاً " تغلب به المرأة أشد الرجال حزماً وشدة وعقلاً.. وإذا كانت غلبة العاطفة إنما تعنى تفوقها على الحسابات العقلية المجردة والجامدة ، فإننا نكون أمام عملة ذات وجهين ، تمثلها المرأة.. فعند المرأة تغلب العاطفة على العقلانية ، وذلك على عكس الرجل ، الذي تغلب عقلانيته وحساباته العقلانية عواطفه.. وفى هذا التمايز فقرة إلهية ، وحكمة بالغة ، ليكون عطاء المرأة في ميادين العاطفة بلا حدود وبلا حسابات..! فنقص العقل الذي أشارت إليه كلمات الحديث النبوي الشريف هو وصف لواقع تتزين به المرأة السوية وتفخر به ، لأنه يعنى غلبة عاطفتها على عقلانيتها المجردة.. ولذلك ، كانت " مداعبة " صاحب الخـٌلق العظيم  الذي آتاه ربه جوامع الكلم للنساء ، في يوم الفرحة والزينة ، عندما قال: لهن: ( إنهن يغلبن بسلاح العاطفة وسلطان الاستضعاف أهل الحزم والألباب من عقلاء الرجال ، ويخترقن بالعواطف الرقيقة أمنع الحصون  " ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن ".

و المراد " بنقص الدين " هو الآخر وصف الواقع غير المذموم ، بل إنه الواقع المحمود والممدوح !.. فعندما سألت النسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المقصود من نقصهن في الدين ، تحدث عن اختصاصهن  " برخص " في العبادات تزيد على " الرخص " التي يشاركن فيها الرجال.. فالنساء يشاركن الرجال في كل " الرخص " التي رخّص فيها الشارع 00 من إفطار الصائم في المرض والسفر.. إلى قصر الصلاة وجمعها في السفر.. إلى إباحة المحرمات عند الضرورات.. الخ 00ثم يزدن عن الرجال في " رخص" خاصة بالإناث ، من مثل سقوط فرائض الصلاة والصيام عن الحيَّض و النفساء.. وإفطار المرضعة ، عند الحاجة ، في شهر رمضان.. الخ   وإذا كان الله سبحانه وتعالى يحب أن تـُؤتـَى رخصه كما يحب أن تـُؤتـَى عزائمه ، فإن التزام النساء بهذه  الرخص  الشرعية هو الواجب المطلوب والمحمود ، وفيه لهن الأجر والثواب.. و في نهاية التعقيب على هذا الحديث الشريف ما من عاقل يصدق أن يعهد الإسلام ، وتعهد الحكمة الإلهية بأهم الصناعات الإنسانية والاجتماعية صناعة الإنسان ، ورعاية الأسرة ، وصياغة مستقبل الأمة إلى ناقصات العقل والدين ، بهذا المعنى السلبي  .

·        قوله صلى الله عليه و سلم (( ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ))[56] .

إن " الولاية " بكسر الواو وفتحها هي " النُّصْرَة "..فلا مجال للخلاف على أن للمرأة نصرة وسلطاناً في كثير من ميادين الحياة..

فالمسلمون مجمعون على أن الإسلام قد سبق كل الشرائع الوضعية والحضارات الإنسانية عندما أعطى للمرأة ذمة مالية خاصة ، وولاية وسلطاناً على أموالها مثلها في ذلك مثل الرجل سواء بسواء.. والولاية المالية والاقتصادية من أفضل الولايات والسلطات في المجتمعات الإنسانية  والمسلمون مجمعون على أن للمرأة ولاية على نفسها ، تؤسس لها حرية وسلطانا ً في شؤون زواجها ، عندما يتقدم إليها الراغبون في الاقتران بها ، وسلطانها في هذا يعلو سلطان وليها و هذه مجموعة من الأحاديث الصحيحة التي تبين ذلك :

 

·   ((عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ الأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهْىَ ثَيِّبٌ ، فَكَرِهَتْ ذَلِكَ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ –  صلى الله عليه وسلم – فَرَدَّ نِكَاحَهُ))[57]

·   ((عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَتَاةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا فَقَالَتْ إِنَّ أَبي زوجني ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بي خسيسته وَأَنَا كَارِهَةٌ،قَالَتِ اجلسي حَتَّى يأتي النبي -صلى الله عليه وسلم- فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخْبَرَتْهُ فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِيهَا فَدَعَاهُ فَجَعَلَ الأَمْرَ إِلَيْهَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِى وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ أعلم أللنساء من الأمر شيء)).[58]

·        ((عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « آمِرُوا النِّسَاءَ في بَنَاتِهِنَّ )).[59]

والمسلمون مجمعون على أن للمرأة ولاية ورعاية وسلطاناً في بيت زوجها ، وفى تربية أبنائها.. لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي فصّل أنواع وميادين الولايات:(( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، فالأمير الذي على الناس راع عليهم وهو مسؤول عنهم ، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهى مسئولة عنهم ، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته )) [60]

لكن قطاعاً من الفقهاء قد وقف بالولايات المباحة والمفتوحة ميادينها أمام المرأة عند " الولايات الخاصة" ، واختاروا حجب المرأة عن " الولايات العامة "، التي تلي فيها أمر غيرها من الناس  خارج الأسرة وشؤونها..

ونرى بوضوح من وقائع تطبيقات وممارسات مجتمع النبوة والخلافة الراشدة مشاركات النساء في العمل العام بدءاً من الشورى في الأمور العامة.. والمشاركة في تأسيس الدولة الإسلامية الأولى. وحتى ولاية الحسبة والأسواق و التجارات ، التي ولاها عمر بن الخطاب رضي الله عنه " للشِّفاء بنت عبد الله بن عبد شمس  وانتهاء ً بالقتال .

و ملابسات قول الرسول صلى الله عليه وسلم ، لهذا الحديث تقول:(( إن نفراً قد قدموا من بلاد فارس إلى المدينة المنورة ، فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: – (( من يلي أمر فارس )) ؟  قال [ أحدهم ]: امرأة. فقال صلى الله عليه وسلم (( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ))[61].

فملابسات ورود الحديث تجعله نبوءة سياسية بزوال ملك فارس- وهي نبوءة نبوية قد تحققت بعد ذلك بسنوات – أكثر منه تشريعاً عاماً يحرم ولاية المرأة للعمل السياسي العام .. ثم إن هذه الملابسات تجعل معنى هذا الحديث خاصاً " بالولاية العامة " أي رئاسة الدولة وقيادة الأمة..

و لقد تحدث القرآن الكريم عن ملكة سبأ – وهى امرأة – فأثنى عليها وعلى ولايتها للولاية العامة ، لأنها كانت تحكم بالمؤسسة الشورية لا بالولاية الفردية ((قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون))[62] .. وذم القرآن الكريم فرعون مصر – وهو رجل لأنه قد انفرد بسلطان الولاية العامة وسلطة صنع القرار((قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ))[63] فلم تكن العبرة بالذكورة أو الأنوثة…

ولا خلاف بين جمهور الفقهاء باستثناء طائفة من الخوارج على اشتراط " الذكورة " فيمن يلي " الإمامة العظمى " والخلافة العامة لدار الإسلام وأمة الإسلام.. أما ماعدا هذا المنصب بما في ذلك ولايات الأقاليم والأقطار والدول القومية والقطرية والوطنية فإنها لا تدخل في ولاية الإمامة العظمى لدار الإسلام وأمته.. لأنها ولايات خاصة وجزئية ..و الحكمة من تحريم قيادة المرأة العامة لدولة الإسلام هي أن قسماً كبيراً من المهام التي يقوم بها وليّ أمر المسلمين في المجتمع الإسلامي‏،‏ دينية محضة كصلاة الجمعة وخطبتها والأعياد‏،‏ وصلاة الاستسقاء والكسوف‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ ومن المعلوم أن المرأة لا يتأتى لها النهوض بهذه الشعائر العبادية بشكل شخصي في كل الأوقات‏،‏ فضلاً عن أن تنهض بها على مستوى القيادة للآخرين‏.‏

وبقطع النظر عن هذه المعذرة الخاصة‏،‏ فإن الواقع التاريخي منذ أقدم العصور كان ولا يزال متفقاً مع هذا الذي قررته شريعة الإسلام‏.‏ تأمل في أسماء من نصبوا ملوكاً أو رؤساء لدولهم منذ أقدم العصور إلى يومنا هذا‏،‏ ستجد أن النساء اللائي تبوّأن هذا المركز لايزدن على عدد أصابع اليدين‏.‏‏.‏وها هي ذي الولايات المتحدة التي تهيب بنساء العالم أن يطالبن بحقوقهن، لم نسمع عن امرأة واحدة تولت الرئاسة فيها‏،‏ منذ فجر ولادتها إلى اليوم‏،‏ بل لم نسمع عن امرأة رشحت نفسها للرئاسة فيها‏.[64]

·        قوله صلى الله عليه و سلم (( لَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا))[65]

قال صلى الله عليه وسلم : (( لَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً أَمَرَ امْرَأَةً أَنْ تَنْقُلَ مِنْ جَبَلٍ أَحْمَرَ إِلَى جَبَلٍ أَسْوَدَ وَمِنْ جَبَلٍ أَسْوَدَ إِلَى جَبَلٍ أَحْمَرَ – لَكَانَ نَوْلُهَا أَنْ تَفْعَلَ )).[66]

لا جرم أن الكثيرين ممن يسمعون هذا الحديث لأول مرة سيدهشون من أن المصطفى صلى الله عليه وسلم المعصوم يقول كلاماً كهذا بل سنتعجب أكثر حينما نسمع الحديث التالي الذي يصب في نفس المعنى (( لَمَّا قَدِمَ مُعَاذٌ مِنَ الشَّامِ سَجَدَ للنبي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا هَذَا يَا مُعَاذُ »،قَالَ أَتَيْتُ الشَّامَ فَوَافَقْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لأَسَاقِفَتِهِمْ وَبَطَارِقَتِهِمْ فَوَدِدْتُ في نفسي أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ بِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « فَلاَ تَفْعَلُوا فإني لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ تُؤَدِّى الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّىَ حَقَّ زَوْجِهَا وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِىَ عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ ))[67].

و قال صلى الله عليه و سلم : (( لاَ يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ وَلَوْ صَلَحَ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا والذي نفسي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ مِنْ قَدَمِهِ إِلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ قُرْحَةً تَنْبَجِسُ بِالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْهُ فَلَحَسَتْهُ مَا أَدَّتْ حَقَّهُ )).[68]

و في هذا الحديث – الأخير – يتبين لنا عظم خطأنا حين استغربنا و أنكرنا على المعصوم هذا الحديث فالحكمة من هذا القول واضحة جلية في قوله (( مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا )) و عظم حقه عليها آتٍ من عظم حقها عليه وإليكم بعض هذه الحقوق :

1.  النفقة : و هي تأمين كل ما تحتاجه من طعام و شراب و لباس و غيرها من الحاجات الضرورية …. قال سبحانه و تعالى : (( وعلى المولود له رزقهن و كسوتهن بالمعروف)) [69]

2.  المعاشرة بالمعروف ، و عدم الإساءة لها ، و الصبر عليها إن خالفت هواه  لقوله تعالى : ((وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)) [70].

3.  و يجب عليه استشارتها كما فعل الرسول نفسه صلى الله عليه وسلم  مع أم المؤمنين أم سلمة ، وكان ذلك في يوم ثقيل الوطأة النفسية على الرسول نفسه صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين .

 ذلك أن المسلمين ـ بقيادة الرسول الأعظم  كانوا قد خرجوا قاصدين البيت الحرام بمكة المكرمة لأداء العمرة .

  وعندما كانوا على مسافة 23 كيلو مترًا من مكة بمنطقة تسمى " الحديبية " وعلمت  قريش  بقدومهم فأعلنت أنها ستمنعهم من دخول مكة بقوة السلاح ـ مع أن المسلمين كانوا قد ساقوا معهم " الهدي " -وهو مجموعة من الإبل تنحر عند البيت –  دليلاً على أنهم قدموا مسالمين يريدون زيارة البيت ولا يريدون القتال .

وأوفد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة زوج ابنته " عثمان بن عفان " . لكي يتفاوض مع أهل مكة ويؤكد لهم أن المسلمين ما جاءوا للقتال ولكن  للعمرة  بدليل أنهم ساقوا معهم  الهدي  ولا يحملون أي سلاح .

 وتأخر عثمان في العودة إلى المسلمين المنتظرين عند  الحديبية  ثم أُشيع أنه قتل.

  واشتد الموقف تأزمًا وأخذت الحميّة ببعض الصحابة وقرروا أنهم لا يمكن أن يعودوا من حيث أتوا إلا بعد زيارة البيت الحرام ولو أدى الأمر إلى القتال ، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فكان من رأيه أن يعود المسلمون في العام القادم الذي حددته لهم قريش وأهل مكة بأن يسمحوا لهم بالزيارة .

وازداد الموقف تأزمًا وصعوبة على نفس الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يرى بعض أصحابه ولأول مرة يخالفون عن أمره ويرون غير ما يرى .

 وهنا : كان الموقف الكريم الذي سجله التاريخ للمرأة وللإسلام الذي وضعها في مكانة رفيعة .. مكانة أن تدلي برأيها في كيفية إنهاء الأزمة  .

  وهنا كانت المشورة ـ مشورة  المرأة – زوج النبي صلى الله عليه وسلم ( السيدة أم سلمة) التي قالت للرسول صلى الله عليه وسلم  : إذا أردت أن ينزل المسلمون على رأيك في الرجوع عن زيارة البيت هذا العام فاخرج فتحلل من إحرامك ( تغيير الزي الخاص بالحج والعمرة ) وحين يرى الصحابة أنك قد فعلت شيئًا سيتابعونك جميعًا ، وخرج الرسول وفعل ما أشارت به المرأة  (السيدة أم سلمة ) وما أن رآه الصحابة يفعل حتى قاموا جميعًا وتحللوا من إحرامهم حيث وقع في خواطرهم أنه لم يفعل ذلك إلا لأنه قد نزل عليه الوحي وهو أمر لا تجوز مخالفته .

  وانتهت واحدة من أصعب الأزمات التي عاشها الرسول والمسلمون معه بمشورة     " المرأة " ( السيدة  أم سلمة ) رضى الله عنها وبقى هذا الموقف في ذاكرة التاريخ يسجل للإسلام أنه الدين الذي أَحَلَّ " المرأة " هذه المكانة الرفيعة التي كان مجتمع الجاهلية قبل الإسلام يعتبر مجرد مولدها عارًا يجب التخلص منه بدفنها في التراب وهى حية .

4.  كما يجب عليه ملاطفتها و الحديث معها كما كان صلى الله عليه وسلم  يسابق السيدة عائشة رضي الله عنها و يحادثها و تحادثه كما في حديث أم زرع[71] .

5.  مساعدتها في أعمال المنزل فَعنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النبي –  صلى الله عليه وسلم – يَصْنَعُ في بَيْتِهِ قَالَتْ  كَانَ يَكُونُ في مِهْنَةِ أَهْلِهِ – تَعْنِى خِدْمَةَ أَهْلِهِ – فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ .[72]

6.  الحفاظ على أسرارها و جعل العقوبة الشديدة لمن أفشى سراً أسرته له زوجته ؛ فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (( إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِى إِلَى امْرَأَتِهِ وتفضي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا )).[73]

7.  المحافظة على دينها و سمعتها قال تعالى :(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ و َأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ …)) [74] وعَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلاً يَتَخَوَّنُهُمْ أَوْ يَلْتَمِسُ عَثَرَاتِهِمْ.[75]

8.    التزين لها قال ابن عباس (( إنني لأتزين لامرأتي ، كما تتزين لي )) .

و الكثير من الحقوق التي يفرضها الإسلام على الزوج تجاه زوجته ،و التي لا يتسع المجال لذكرها …

 و قد ركز الإسلام في تشريعاته على موضوع الوفاء بالعهد كثيراً فهذا الرجل الذي يتعب ليطعم زوجته و أولاده ، و يدفع مهراً لزوجته كي تقبل أن تعيش معه ، و يجب عليه أن يكرمها و يلاطفها و يعاشرها بالمعروف لا بد أن يكون له حق عظيم يوازي حق الوالدين ، و لكن  إذا كان الرجل مهملا ً لزوجته أو مقصراً في حقوقها فهذا لا يعني أن تقصر  هي  فكلٌ مأمور ، و كلٌ محاسب  هذا و الله سبحانه و تعالى أعلم.

·        قوله صلى الله عليه و سلم عن النساء أنهن خلقن من ضلع أعوج

 قال صلى الله عليه وسلم :

(( وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ، فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شيء في الضِّلَعِ أَعْلاَهُ ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا )) .[76]

و من الواضح لآي عاقل ينظر لهذا الحديث بعين التأمل و التدبر أن كلمة أعوج الواردة في الحديث لا تدل مطلقاً على الإهانة أو التجريح فهذا ليس من النبي صلى الله عليه و سلم في شيء

و ليس من خلقه العظيم في شيء أن يجابه جنس النساء بأجمعه بكلام مقذع و تجريح مؤلم  لعدة أمور أهمها :

1.  أن أي إنسان –  و ليس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط – لا يمكن له أن ينطق بكلمة على جنس النساء إلا ناله منها حظه فحينما يقول أي شيء عن النساء فهو إنما يتكلم عن أمه و أخته و زوجته و ابنته …

2.  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في بداية الحديث (( وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا )) و قال في نهايته ((فاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا))  فليس من المعقول أن يضع في منتصف الحديث شتيمة للنساء اللاتي أوصى بهن َّ .

3.  أن النبي صلى الله عليه وسلم  أخبر عن خلق المرأة من ضلع أعوج و قصد بها أمنا حواء – عليها السلام- و نحن نعرف أنها خلقت من ضلع أبينا آدم عليه السلام و الضلع هو عظم من عظام القفص الصدري و طريقة اعوجاجه صُمِّمَت من قبل أحسن الخالقين ليحمي القلب فهذا الضلع له أهمية عظيمة فلولاه لتسببت أي صدمة – مهما خفت – للقلب نزيفاً و بالتالي موتاً محتماً إذن فالله حينما خلقها من هذا الضلع كرمها أولاً – لأهمية الضلع – و علمها وظيفتها في هذه الحياة ألا و هي حفظ القلب و حمايته و ذلك من خلال قيامها بأدوارها المختلفة في الأسرة فهي أم تربي أطفالها فتحمي بذلك قلوبهم و عقولهم من الانحراف و الضلال و هي زوجة يتوجب عليها حماية قلب زوجها و إعانته على القيام بوظيفته التي كلفه الله بها و علمه إياها بنفس الطريقة فلما خلقه من تراب الأرض – من أديم الأرض- أشار له إلى وظيفته في إعمار الأرض من خلال الزراعة و الصناعة و ...[77]

 

 

المصادر :

·   حقائق الإسلام فى مواجهة شبهات المشككين – النموذج الإسلامى لتحرير المرأة – الجمهورية العربية المصرية – وزارة الأوقاف المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية –http://www.awkaf.org

·        موسوعة النابلسي للعلوم الاسلامية – الدكتور محمد راتب النابلسي http://www.nabulsi.com

·        قالوا عن الإسلام – الندوة العالمية للشباب الإسلامي

·        غداً عصر الإيمان – الشيخ عبد المجيد الزنداني

·        الإعجاز العلمي في الإسلام السنة النبوية لمحمد كامل عبد الصمد

·        www.buti.com موقع الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي .

·        www.almutawa.info  موقع الأستاذ جاسم المطاوع .

·        محاضرة للأستاذ الداعية  : عمرو خالد بعنوان ( مكانة المرأة في الإسلام ) http://www.amrkhaled.net

المراجع : للمزيد حول هذا الموضوع

·   رسائل إلى العقل الغربي الأمريكي والأوروبي الإسلام وحقوق المرأة ( 2 ) –  بقلم أ . د . عبد الصبور مرزوق الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية – القاهرة  ، عضو المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي – مكة المكرمة

·        شبهات حول حقوق المرأة في الإسلام – د . نهى قاطرجي

·        المرأة في الإسلام 1/2 : المساواة بين الذكور والإناث .  خطبة جمعة عادية للأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي .

·   مقالات متنوعة أرجو ممن يريد المزيد من المقالات و الكتب  المتعلقة بهذا الموضوع مراسلتي و سأقوم إن شاء الله بتزويده بما عندي mailto:[email protected]

 


[49] سنن الترمذي (1192)  قال و هو حسن غريب

[50] رواه البخاري و مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه

[51] رواه البخاري و مسلم

[52]  العلق (1-5 )

[53] القلم (4)

[54] رواه البخاري و مسلم و اللفظ في سنن الحميدي

[55] رواه ابن ماجه و قال الترمذي حديث غريب

[56] رواه البخاري و النسائي و الترمذي

[57] البخاري (5138 -5139 ) و الترمذي و أحمد و النسائي  

[58] النسائي (3282) و أورده الإمام أحمد "…أردت أن تعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء " (25785 )وابن ماجه ( 1947 )

[59] أبو داود (2097) و روى قصته أحمد (5018)

[60] البخاري (893 )

[61] رواه البخاري و الترمذي و النسائي و البيهقي

[62] النمل (32)

 [63] (غافر (40/29)

[64] WWW.BUTI.COM   محاضرة بعنوان : ردود على أوهام حول حقوق المرأة في الإسلام

[65] سنن الترمذي (1192)  قال و هو حسن غريب

[66]  حديث 1192 – الرضاع – سنن الترمذى.

[67]  حديث 1926 – النكاح – سنن ابن ماجه.

 [68]  حديث 12949 – مسند أنس بن مالك – مسند أحمد.

 [69] (233) سورة البقرة

[70] (19) سورة النساء

[71] البخاري ( 5189 ) مسبلم ( 6458 )

[72] حديث 676 – الأذان – صحيح البخارى.

[73] حديث 3615 – النكاح – صحيح مسلم.

[74] (6) سورة التحريم

[75]  حديث 5078 – الإمارة – صحيح مسلم.

 [76] حديث 5186 – النكاح – صحيح البخارى.

 [77] محاضرة للأستاذ عمرو خالد بعنوان مكناة المرأة في الإسلام .


الوسوم:

مقالات ذات صلة