صياح الديك ونهيق الحمار … في الحديث النبوي والعلم الحديث

مدخـــل:
طالعت على صفحات موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” مقالة قصيرة يحاول كاتبها أن يجيب على هذا السؤال: لماذا يرى الحمار الشياطين ويرى الديك الملائكة؟ فعقبت عليها بضرورة عدم الجزم بما لم يصل إليه العلم الحديث بعد، وذلك بخصوص الإشارات العلمية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ومن القواعد الأساسية عند الراسخين في هذا المجال: الوقوف على النص والعمل به، سواء فهمنا منه حكمة علمية أم لا، فإذا فهمنا معنا جديدا أو استخرجنا إشارة علمية (واضحة)، فبها ونعمت، وإلا فلا نخوض في بحر لا نجيد السباحة فيه، ولنترك الموضوع لمن يأتي من بعدنا من العلماء، لأن عطاء الله في القرآن والسُنة لا ينفد على مرّ الزمان… وفيما يلي مشاركة منا في هذا الموضوع.
الديك والحمار.. في اللغة والأدب والعلم الحديث:
الدجاج Chicken or Hens، والدُجُح، في اللغة: طيور داجنة، ولفظة “الدجاج” يجوز أن تطلق على الذكر والأنثى، إلاّ أن الشائع هو: الدجاجة أنثى، والديك ذكر. وجمع الديك: ديوك، أدياك، وديَكة. وتصغيره: دُوَيْك… ويسمى الدجاج، أيضا: الفروج، وجمعها فراريج، وهو اسم فرخ الدجاج. ويستخدم اسم الفراخ (ومفردها فرخة) في مصر للإشارة إلى الدجاج، أمّا صغارها فتدعى بالكتاكيت، أو الصيصان… ويطلق على صوت الدجاج: النقنقة والزُقَاء… وتكني الدجاجة بالعديد من الكُني، مثل: أم الوليد، أم حفصة، أم جعفر… إلخ. وأما العُترفان فهو الديك، وكُنيته: أبو حسان، أبو حماد، أبو سليمان… إلخ. نقل أحمد بن حجر العسقلاني (في “فتح الباري شرح صحيح البخاري”): قول الداودي: يُتعلم من الديك خمس خصال: حُسن الصوت، والقيام في السحر، والغيرة، والسخاء، وكثرة الجماع … والدجاج في عالم الحيوان من الطيور، وهي مجموعةٌ من الفقاريَّات داخليَّة الحرارة، تتميَّز عن غيرها من الكائنات المُعاصرة باكتسائها بِالريش، وامتلاكها منقارًا عديم الأسنان، وبِوضعها بيضاً ذات قشرة خارجيَّة سميكة… وتنتشرُ الطُيُور في جميع أنحاء العالم وتقطنُ جميع المواطن الطبيعيَّة. وتتصدر الطُيُور طائفة رُباعيَّات الأطراف بوصفها أكثر مجموعات هذه الطائفة عددًا من حيثُ الأنواع الموجودة حاليا…
الحمــــار حيوان من جنس الحصان، من الفصيلة الخيلية، رتبة فردية الحافر، من شعيبة الثديات (اللبائن)، من شعبة الحبليات (المحبولات) التابعة للمملكة (عالم) الحيوانية من الكائنات الحية. وهو حيوان أليف، والرفيق الدائم للإنسان منذ القدم، وحامل المشقة (يحمل أحمالا تزن من 20 إلى 30% من وزن جسمه، كما استعمل لبنه أيضا كغذاء)… ويوجد منه نوع يعيش بصورة برية في وديان وصحاري أفريقيا وآسيا وبراريها، ويسمى الحمار الوحشي… وقد ظهر الحمار لأول مرة في القرن الأفريقي قبل ما يقارب 12 ألف سنة. وجد الحمار الحالي المعروف هو الحمار النوبي، الصومالي، بحسب كتاب كلوتون بروك “التاريخ الطبيعي للحيوانات الأليفة”، 1999، كما دجن الحمار الأفريقي منذ 4000 سنة ق م تقريبا، حين أصبح أهم أداة للحضارات الشرق أوسطية القديمة… كما اقترن الحمار بالنسبة لليونان القدماء بإله الخمرة “ديونيسوس”، كما قدس الرومان القدماء أيضا الحمار، واستعملوه في قداساتهم التطهرية.
وفي العصر الحديث، شغل الحمار مكانة مرموقة عن بعض الشعوب، وحكم “جحا” وحماره كثيرة في الأدب العربي… وظهرت أيضا جمعية “أصدقاء الحمير” بالمملكة المغربية، كسخرية من النظام، ودلالة على نباهته على كثير من البشر. وهنالك، أيضا، جمعية الحمير المصرية ذات البعد الحقوقي والإنساني… كما أن الحمار هو شعار الحزب الديمقراطي الأمريكي، كناية عن الصبر. وفي التقويم الفرنسي، يعد يوم 6 أكتوبر من كل عام هو يوم الحمار.
وما يميز الحمير أيضاً، صوتها الحاد (النهيق)، وهو صوتها الذي تستعمله للتعبير عن بعض المشاعر ولأغراض التواصل مع بعضها البعض، ويمكن للإنسان سماعه على بعد ثلاثة كيلومترات، وغالباً ما تستعمله الحمير الوحشية (في حياتها البرية) للتخويف في حالة الدفاع، مع الضرب بأرجلها الخلفية…
ومن حيث اللغة، يقول ابن منظور (في “لسان العرب”): نُهَاقُ الحمار: صوته. والنَّهِيقُ: صوت الحمار، فإذا كرّر نَهيقه واشتدّ قيل: أَخذه النُّهاقُ. ونَهَقَ الحمار يَنْهِقُ ويَنْهَقُ ويَنْهُق؛ الضم عن اللحياني، نَهْقاً ونَهِيقاً ونُهَاقاً وتَنْهاقاً: صوَّت. والنّاهِقان: عظمان شاخصان يَنْدُران من ذي الحافر في مجرى الدمع يخرج منهما النُّهَاقُ، ويقال لهما أَيضاً النَّوَاهق. والنّاهِقُ والنَّواهِقُ من الحمير: حيث يخرج النُّهاق من حلوقها، وهي من الخيل ذات العظام الناتئة في خدودها، وفي التهذيب: النَّواهِقُ من الخيل والحمر حيث يخرج النُّهاقُ من حلقه…

“ٱلْخَيْل وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً”

ورود ذكر (الحمار) في آيات القرآن الكريم:
ذكر الحمار في أكثر من موضع بالقرآن الكريم، مثل قول الله تعالى: “مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)”[سورة الجمعة]. وفي تفسيرها يقول الفخر الرازي (ت 606 هـ)(في تفسيره “مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير”): اعلم أنه تعالى لما أثبت التوحيد والنبوة، وبيّن في النبوة أنه عليه الصلاة والسلام بعث إلى الأميين واليهود لما أوردوا تلك الشبهة، وهى أنه عليه الصلاة والسلام بعث إلى العرب خاصة، ولم يبعث إليهم بمفهوم الآية أتبعه الله تعالى بضرب المثل للذين أعرضوا عن العمل بالتوراة، والإيمان بالنبي عليه الصلاة والسلام، والمقصود منه أنهم لما لم يعملوا بما في التوراة شبهوا بالحمار، لأنهم لو عملوا بمقتضاها لانتفعوا بها، ولم يوردوا تلك الشبهة، وذلك لأن فيها (أي التوراة) نعت الرسول عليه الصلاة والسلام، والبشارة بمقدمه، والدخول في دينه. وقوله: “حُمّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ” أي حملوا العمل بما فيها، وكلفوا القيام بها، وليس هو من الحمل على الظهر، وإنما هو من الحمالة بمعنى الكفالة والضمان.. والأسفار جمع سفر وهو الكتاب الكبير، لأنه يسفر عن المعنى إذا قرىء، شبه اليهود إذ لم ينتفعوا بما في التوراة، وهي دالة على الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، بالحمار الذي يحمل الكتب العلمية ولا يدري ما فيها. وقال أهل المعاني: هذا المثل مثل من يفهم معاني القرآن ولم يعمل به، وأعرض عنه إعراض من لا يحتاج إليه، ولهذا قال ميمون بن مهران: يا أهل القرآن اتبعوا القرآن قبل أن يتبعكم، ثم تلا هذه الآية. وقوله تعالى: “لَمْ يَحْمِلُوهَا” أي لم يؤدوا حقها ولم يحملوها حق حملها على ما بيناه، فشبههم والتوراة في أيديهم وهم لا يعملون بها بحمار يحمل كتباً، وليس له من ذلك إلا ثقل الحمل من غير انتفاع مما يحمله، كذلك اليهود ليس لهم من كتابهم إلا وبال الحجة عليهم. وههنا مباحث: المبحث الأول: ما الحكمة في تعيين الحمار من بين سائر الحيوانات؟ نقول: لوجوه منها: أنه تعالى خلق “ٱلْخَيْل وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً” والزينة في الخيل أكثر وأظهر بالنسبة إلى الركوب، وحمل الشيء عليه، وفي البغال دون، وفي الحمار دون البغال، فالبغال كالمتوسط في المعاني الثلاثة، وحينئذ يلزم أن يكون الحمار في معنى الحمل أظهر وأغلب بالنسبة إلى الخيل والبغال، وغيرهما من الحيوانات، ومنها: أن هذا التمثيل لإظهار الجهل والبلادة، وذلك في الحمار أظهر. والغرض من الكلام في هذا المقام تعيير القوم بذلك وتحقيرهم، فيكون تعيين الحمار أليق وأولى…
كما ارتبط الحمار بـ (أنكر الأصوات) التي على الإنسان تجنبها، كما في قول الله تعالى حين كان لقمان ينصح ابنه: “وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)”[سورة لقمان].

وفي تفسيرها يقول محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) ( في تفسيره ” خواطر “): … ثم يقول سبحانه مُشبِّهاً الصوت المرتفع بصوت الحمار: “إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ”، والبعض يفهم هذه الآية فهماً يظلم فيه الحمير، وعادة ما يتهم البشرُ الحميرَ بالغباء وبالذلة… ولو تأملنا طبيعة الحمير لوجدنا كم هي مظلومة مع البشر، فالحمار تجعله لحمل السباخ والقاذورات، وتتركه ينام في الوحل فلا يعترض عليك، وتريده دابة للركوب فتنظفه وتضع عليه السِّرْج، وفي فمه اللجام، فيسرع بك إلى حيث تريد دون تذمر أو اعتراض. وقالوا في الحكمة من علو صوت الحمار حين ينهق: أن الحمار قصير غير مرتفع كالجمل مثلاً، وإذا خرج لطلب المرعى ربما ستره تلّ أو شجرة فلا يهتدي إليه صاحبه إلا إذا نهق، فكأن صوته آلة من آلات البادية الطبيعية ولازمة من لوازمه الضرورية التي تناسب طبيعته. لذلك يجب أن نفهم قول الله تعالى: “إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ”، فنهيق الحمار ليس مُنكَراً من الحمار، إنما المنكر أن يشبه صوت الإنسان صوت الحمار، فكأن نهيق الحمار كمال فيه، وصوتك الذي يشبهه مُنكَر مذموم فيك، وإلا فما ذنب الحمار؟… ويُقال: إن الحمار إذا نهق فإنه يرى شيطاناً، وعلمنا بالتجربة أن الحيوانات، ومنها الحمير، تشعر بالزلزال قبل وقوعه، وأنها تقطِّع قيودها وتفرّ إلى الخلاء، وقد لوحظ هذا في زلزال أغادير بالمغرب، ولاحظناه في زلزال عام 1992م في مصر عندما هاجت الحيوانات في حديقة الحيوان قبيل الزلزال. ثم إن الحمار إنْ سار بك في طريق مهما كان طويلاً فإنه يعود بك من نفس الطريق دون أنْ تُوجِّهه أنت، ويذهب إليه مرة أخرى دون أنْ يتعدَّاه، لكن المتحاملين على الحمير يقولون: ومع ذلك هو حمار لأنه لا يتصرف، إنما يضع الخطوة على الخطوة، ونحن نقول: بل يُمدح الحمار حتى وإنْ لم يتصرف لأنه محكوم بالغريزة…
كما ارتبطت الحمير بالركوب والزينة: في قول الله تعالى: “وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (8)[سورة النحل]… وأيضا حمار عُزير، الذي ورد ذكره في القرآن الكريم، حيث أماته الله ثم أحياه: “أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)[سورة البقرة]…
صياح الديك ونهيق الحمار في الحديث النبوي الشريف:
عن زيد بن خالد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبّوا الديك فإنّه يوقظ للصّلاة). حديث صحيح، رواه أبو داود فى سُننه (كتاب الأدب- باب ما جاء فى الديك والبهائم)، وأحمد فى المسند، والبغوى فى شرح السنة، بسند صحيح… وفي شرح الحديث قال ابن حجر العسقلاني (في “فتح الباري”) (أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي: “فتح الباري شرح صحيح البخاري”. دار المعرفة – بيروت، 1379هـ):… وللديك خصيصة ليست لغيره من معرفة الوقت الليلي، فإنه يقسط أصواته فيها تقسيطا لا يكاد يتفاوت، ويوالي صياحه قبل الفجر وبعده لا يكاد يخطئ، سواء أطال الليل أم قصر، ومن ثمّ أفتى بعض الشافعية باعتماد الديك المجرّب في تقدير أو تحديد الوقت… وذكر ابن حجر العسقلاني رواية عند البزار أن ديكا صرخ فلعنه رجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبّوا الديك فإنّه يدعو إلى الصّلاة). قال الحليمي: يؤخذ منه أن كل من استفيد منه الخير لا ينبغي أن يُسبّ ولا أن يُستهان به، بل يُكرم ويُحسن إليه. قال: وليس معنى قوله: (فإنه يدعو إلى الصلاة) أن يقول بصوته حقيقة “صلوا” أو “حانت الصلاة”، بل معناه أن العادة جرت بأنه يصرخ (يصيح) عند طلوع الفجر وعند الزوال، فطرة فطره الله عليها.
عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم صياح الدّيَكة فاسألوا الله في فضله، فإنها رأت مَلَكَاً، وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوّذوا بالله من الشيطان، فإنها رأت شيطاناً). الحديث صحيح، رواه البخاري في صحيحه (كتاب “بدء الخلق”)، ومسلم في صحيحه (كتاب “الذكر والدعاء”)، وأحمد في مسنده… وفي شرح هذا الحديث قال ابن حجر العسقلاني (في “فتح الباري”): (فإنها رأت ملكا) بفتح اللام، قول عياض: كان السبب فيه رجاء تأمين الملائكة على دعائه واستغفارهم له وشهادتهم له بالإخلاص. ويؤخذ منه استحباب الدعاء عند حضور الصالحين تبركا بهم… وقوله صلى الله عليه وسلم: (وإذا سمعتم نهيق الحمير)، زاد النسائي والحاكم من حديث جابر (ونباح الكلاب)… وقوله: (فإنها رأت شيطانا) روى الطبراني من حديث أبي رافع رفعه: (لا ينهق الحمار حتى يرى شيطانا أو يتمثل له شيطان، فإذا كان ذلك فاذكروا الله وصلّوا علىّ). قال عياض: وفائدة الأمر بالتعوذ لما يُخشى من شرّ الشيطان وشرّ وسوسته، فيلجأ إلى الله في دفع ذلك…
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (إِذَا سَمِعْتُمْ نُبَاحَ الْكِلَابِ وَنَهِيقَ الْحُمُر بِاللَّيْلِ فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ، فَإِنَّهُنَّ يَرَيْنَ مَا لَا تَرَوْنَ). رواه أبو داود في سننه، وصححه الألباني (محمد ناصر الألباني: “صحيح أبي داود”)… وفي شرح هذا الحديث يقول محمد صالح المنجد (موقع “الإسلام: سؤال وجواب” على شبكة الإنترنت): والأمر في ذلك للاستحباب لا للوجوب… وتخصيص التعوذ بالليل، أو تعميمه ليشمل الليل والنهار مما اختلف فيه أهل العلم… وقد ذكر العلماء قاعدةً: أن الأصل في القيود التي يذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم أنها يقيد الحكم بها وينتفي عند انتفائها، ومن ادعى خلاف ذلك فعليه الدليل (محمد صالح العثيمين “شرح منظومة أصول الفقه وقواعده”. تسجيل فيديو، شبكة اللوكة، على الإنترنت). وبناء على هذه القاعدة يكون الحكم خاصا بالليل، هذا هو الأظهر. لكن، ونظرا للاحتمال الثاني في الحديث، وقد قال به بعض العلماء، إنْ تعوذ المسلم عند سماع نباح الكلاب أو نهيق الحمر نهارا فلا بأس بذلك. والله أعلم.
إشارة علمية في حديث نبوي:
في الحديث النبوي الشريف: (إذا سمعتم صياح الدّيَكة فاسألوا الله في فضله، فإنها رأت مَلَكَاً، وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوّذوا بالله من الشيطان، فإنها رأت شيطاناً) إشارة علمية، إذ يُفهم من الحديث أن الديك والحمار كلاهما يرى بعينيه مالا تستطيع عين الإنسان أن تراه… ومن هذا ما يُسمى “الأشعة فوق البنفسيجية “(Ultraviolet rays)، فعين الإنسان ترى الموجات الضوئية التي تتراوح أطوالها ما بين 400 إلى 700 نانوميتر (والنانوميتر وحدة قياس الأطوال الموجية)، ولا تستطيع أن ترى الموجات الضوئية (الأشعة) من 300 إلى 400 نانوميتر، بينما تستطيع الطيور- ومنها الديك- رؤيتها… وتتميز عين الديك عن عين الإنسان بوجود القمع الرابع بالشبكية (retina) وهو الذي يحتوي صبغات خاصة برؤية الأشعة فوق البنفسجية، وكذلك بوجود القمع المزدوج. وتُسمى القدرة على رؤية الأشعة فوق البنفسجية (البُعْد الرابع) … كما وأن عين الديك لها قدرة على تمييز الألوان بوضوح، فقد خلق الله تعالى عيون الحيوانات وأودع فيها من التراكيب ما يجعلها قادرة على الرؤية الواضحة في مجال الضوء الخافت، بينما لا تستطيع عين الإنسان أن ترى إلاّ بالضوء الساطع، أيْ في ضوء الشمس مثلا.
هذا، وقد اقترحت دراسة نُشرت يوم 18 مارس من عام 2013، بدورية “علم الأحياء الحالي(Current Biology) أنّ الديك يستطيع تحديد الوقت خلال اليوم، فالديك وإن وُضع في بيئة ذات إضاءة ثابتة طوال الوقت، فإنه سيصيح عند بزوغ الفجر، وقد قام بهذه الدراسة تاكاشي يوشيمورا (Takashi Yoshimura)، بجامعة ناغويا، وزميله تسويوشي شيمورا ((Tsuyoshi Shimmur)… ولكن في المقابل، فإن الديك قد يصيح استجابة لأصوات يسمعها، كصوت سيارة، أو صوت شخص يسير في الحظيرة… كما يصيح الديك لأهداف أخرى، كاستخدامه الصياح وسيلة للتواصل مع الطيور الأخرى، أو عند شعوره بالنشاط، أو لرغبته في الإعلان عن حدود منطقته…

أكتشف العلماء أنّ الديك يستطيع تحديد الوقت خلال اليوم، فالديك وإن وُضع في بيئة ذات إضاءة ثابتة طوال الوقت

وأما بالنسبة لحقل الرؤية (مجال الإبصار) ـ وهو المحيط الذي يمكن للعين رؤيته ـ فإن عيون الحيوانات تتفوق على عين الإنسان في ذلك، فالكلب مثلا يمكنه رؤية حقل إبصار إلى 250 درجة، بينما لا ترى عين الإنسان إلاّ بزاوية قدرها 180 درجة… وتتوالى بحوث العلماء في موضوع القدرة الإبصارية للحيوانات، ودراسة القدرات والإمكانات التي وهبها الله الخالق العظيم لهذه المخلوقات، تيسيرا لحياتها، لأنه كمال يقال: (كُلُ مُيسر لما خُلِقَ له).
وإذا كان العلم الحديث لم يصل بعدُ إلى إثبات أن عين الحمار تستقبل الأشعة تحت الحمراء (Infra- red rays)، وهى التي تمكّنه من الرؤية ليلا، وفي الظلام الدامس، فإن حسبنا الحديث النبوي الشريف بإشارته العلمية الداعية إلى مواصلة البحث في هذا المجال… فالديك يرى الأشعة فوق البنفسجية التي لا تراها عبن الإنسان، وهذا جانب من الطيف (Spectrum)، والحمار قادر على رؤية الأشعة تحت الحمراء، والتي تنبعث من النار، والشيطان مخلوق من نار…
وعموما، فإن الموضوع لا يزال في حاجة إلى بحث علمي ودراسة متأنية، وكما أشرنا، فقد دعا الحديث النبوي الشريف ـ ضمنيا ـ إلى ولوجه… وختاما، فإذا كانت هناك تأثيرات غير مرئية في هذا الكون تؤثر في حياة وسلوك الحيوانات والطيور، فلمَ لا نصدّق بأن الديك، والطيور عموما ترى الملائكة، وهى مخلوقات نورانية، والحمير ترى الشياطين، وهى مخلوقات نارية ..!! وعلى العلماء الراسخين أن يكون التواضع والحيطة والتأني من صفاتهم، فالعلم محيط شاسع لا سواحل له، والمصدر الأساس للعلم هو الله سبحانه وتعالى…

يمكن تحميل ملف  المقال : ان الديك يحدد الوقت من خلال الساعة البيولوجية من الرابط  PIIS0960982213001863


الوسوم:

مقالات ذات صلة