الكلب في حياة الإنسان.. جوانب علمية في إشارات قرآنية وأحكام فقهية
الأربعاء/ديسمبر/2019
أستاذ بكلية العلوم جامعة الأزهر
تمهــــــــــيد:
الكلب هو أول حيوان استأنسه الإنسان، وارتبط كل منهما بالآخر، وتولدت بينهما صداقة أخذت تنمو خلال العصور، لما يتمتع به الكلب من صفات الوفاء والإخلاص للإنسان وقدرته الكبيرة في الصبر وتحمل المشاق والشجاعة… ولا تزال الآثار الباقية تدل على وجود الكلب مع الإنسان منذ آلاف السنين، حين كان الإنسان يعيش في الكهوف… وتحكي الكتب القديمة، والحديثة، الكثير من النوادر والطرائف المثيرة عن الكلاب، وكذلك الوقائع التي للكلب فيها دور قد يصل إلى مرتبة البطولة… ويستفيد الإنسان من الكلاب في أمور كثيرة كالحراسة والصيد والزينة وتعقب المجرمين، وإرشاد العميان إلى الطريق الآمن، وشدّ عربات المعاقين جسديا، وشدّ الزحافات وخلافه.
وتعيش الكلاب البريّة في جماعات، وتتعاون على الصيد… ويقود الجماعة أكبر الكلاب سنا وأكثرها خبرة وأعظمها شجاعة… ويتزاوج الكلب مع الكلبة وينجبا جراءً (جمع جَرو) بعد فترة حمل تصل إلى 61يوم، ولا تقل عن 60يوم… ويُعرف عمر الكلب من أسنانه، فكلما اسودّت دلّ ذلك على كبره، وكلما كبر عمره غلظ صوته… وقد قسمنا البحث الحالي قسمين، أولهما يتناول المثل القرآني المضروب بالكلب، وما يمكن استنباطه من إشارات علمية واردة بالآيات القرآنية، وأما القسم الثاني فيتناول العديد من الأحاديث النبوية والأحكام الفقهية في الشريعة الإسلامية.
ورد الكلب في خمسة مواضع بالقرآن الكريم، وفي العديد من الأحاديث النبوية، أما القرآن الكريم، فورد ذكر الكلب في أربعة مواضع من سورة الكهف، وفي موضع واحد من سورة الأعراف. أما المثل المضروب بالكلب في سورة الأعراف فهو المحور الأساس في رسالتنا الحالية التي سنستعرض فيها، أيضا، الأحكام الفقهية المبنية على الأحاديث النبوية الواردة في أمور متعلقة بالكلب…
في رحـــاب سورة الأعـراف:
سورة الأعراف سورة مكية النزول وهى من أطول السور المكية، وقد نزلت لتقرير أصول الدعوة الإسلامية، كغيرها من هذه السور، من توحيد لله، وتقرير للبعث والحساب والجزاء، وكذلك لتقرير الوحي والرسالة… وهى أطــول سورة عرضت لتفصيل قصص الأنبياء… وقد تضمنت هذه السورة العديد من المسائل أو الموضوعات، منها وجوب اتباع القرآن الكريم، عاقبة مخالفة الرسل وتكذبيهم، الدعوة إلى ترك الضلال والتحذير من وساوس الشيطان، أنواع المحرّمات وأصولها، أحوال بني آدم بعد الموت، عاقبة الجاحـدين بآيات الله عز وجل ، دلائل القدرة والوحدانية، دعوة نوح، معاناة هود، قصة صالح، فاحشة قوم لوط، دعوة شعيب قومه إلى توحيد الله، قصة موسى مع فرعون، جحود بني إسرائيل نعم الله عليهم، علم الساعة غيب لا يعمله إلا الله…إلخ، ثم خُتمت السورة بالتوحيد، كما بدأت بالتوحيد، وعبادة الله وحده لا شريك له.
وهذه السورة الكريمة هي السابعة في ترتيب سور المصحف الشريف، بعد سورة الأنعام وقبل سورة الأنفال، وعدد آياتها مائتان وستة آيات، بدأت بقول الله تعالى: ( المص{1} كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ{2})، وخُتمت بقوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ{206})، وفي هذه الخاتمة سجدة تلاوة…
كما تضمنت سورة الأعراف العديد من المسائل العلمية والإشارات الكونية، منها – على سبيل المثال: تصوير الإنسان بعد خلقه من طين، السرعة الفائقة التي كانت الأرض تدور بها حول محورها أمام الشمس في بدء الخلق، تسخير أجرام السماء من نجوم وكواكب وغيرها، تصريف الرياح وإزجاء السُحب بأمر الله وقدرته، مشارق الأرض ومغاربها، وجود المكنوز الوراثي لجميع البشر إلى يوم القيامة في صُلب آدم وصُلب حوّاء، وهما أصل البشرية… إلخ
وإضافة إلى هذا وذاك، المَـثل الذي ضربته الآية (176) في هذه السورة الكريمة لعلماء السوء، ولمن يلهث وراء أعراض الدنيا الفانية، بالكلب الذي يلهث على كل حال، طُورد أم لم يُطارد… يقول الله عز وجل: ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ{175} وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ{176})، وهو المثل القرآني الذي يمثل المحور الرئيس للرسالة الحالية، كما أشرنا في التمهيد…
ضرب المَـثل بالكلب، كما ورد في كتب التفسير:
جاء في “جـامع البيان في تفسير القرآن ” للطــبري (ت310هـ) في قول الله عز وجل: (وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ ): أصل الإخلاد في كلام العرب الإبطاء والإقامة. وكان بعض البصريين (من أصحاب اللغة ) يقول: معنى قوله: ” أخلد”: لزم وتقاعس وأبطأ. والمخلد أيضاً: هو الذي يبطئُ شَيْبهُ من الرجال…
وقد عمّم الطبري ضرب المثل بالكلب، وإن كان قد أشار إلى تخصيص البعض له بمن يُدعى (بلعم)، فقال:… ثم اختلف أهل التأويـل فـي السبب الذي من أجله جعل الله مثله كمثل الكلب، فقال بعضهم: مثَّله به فـي اللهث لتركه العمل بكتاب الله وآياته التـي آتاها إياه وإعراضه عن مواعظ الله التـي فـيها إعراض من لـم يؤته الله شيئاً من ذلك، فقال جلّ ثناؤه فـيه: إذا كان سواء أمره وُعظ بآيات الله التـي آتاها إياه، أم لـم يُوعظ فـي أنه لا يتعظ بها، ولا يترك الكفر به، فمثله مثل الكلب الذي سواء أمره فـي لهثه، طرد أو لـم يُطرد، إذ كان لا يترك اللهث بحال. ذكر من قال ذلك: حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالـح، قال ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: ( فَمَثَلُهُ كمَثَلِ الكَلْبِ إنْ تَـحْمِلْ عَلَـيْهِ ) الـحكمة لـم يحملها، وإن ترك لـم يهتد لـخير، كالكلب إن كان رابضاً لهث وإن طُرد لهث.
ثم يأتي الفخر الرازي بعد الطبري بقرون، ليؤكد تعميم ضرب هذا المثل، بل ويفصّل فيه. يقول الفخر (ت606هـ) ( في “التفسير الكبير”) – بعد أن عرض لبعض اللغويات ومفردات اللغة في الآية الكريمة:… واعلم أن هذا التمثيل ما وقع بجميع الكلاب، وإنما وقع بالكلب اللاهث، وأخس الحيوانات هو الكلب، وأخس الكلاب هو الكلب اللاهث، فمن آتاه الله العلم والدين فمال إلى الدنيا، وأخلد إلى الأرض، كان مُشبهاً بأخسّ الحيوانات، وهو الكلب اللاهث. وفي تقرير هذا التمثيل وجوه:
الأول: أن كل شيء يلهث، فإنما يلهث من إعياء أو عطش، إلا الكلب اللاهث فإنه يلهث في حال الإعياء، وفي حال الراحة، وفي حال العطش، وفي حال الري، فكان ذلك عادة منه وطبيعة، وهو مواظب عليه كعادته الأصلية، وطبيعته الخسيسة، لا لأجل حاجة وضرورة، فكذلك من آتاه الله العلم والدين أغناه عن التعرّض لأوساخ أموال الناس، ثم إنه يميل إلى طلب الدنيا، ويُلقي نفسه فيها، كانت حاله كحال ذلك اللاهث، حيث واظب على العمل الخسيس، والفعل القبيح، لمجرد نفسه الخبيثة. وطبيعته الخسيسة، لا لأجل الحاجة والضرورة.
والثاني: أن الرجل العالِم إذا توسّل بعلمه إلى طلب الدنيا، فذاك إنما يكون لأجل أنه يورد (أي يعرض) عليهم أنواع علومه، ويظهر عندهم فضائل نفسه ومناقبها، ولا شك أنه عند ذكر تلك الكلمات، وتقرير تلك العبارات يدلي لسانه، ويخرجه، لأجل ما تمكن في قلبه من حرارة الحرص وشدة العطش إلى الفوز بالدنيا، فكانت حالته شبيهة بحالة ذلك الكلب الذي أخرج لسانه أبداً من غير حاجة ولا ضرورة، بل بمجرد الطبيعة الخسيسة.
والثالث: أن الكلب اللاهث لا يزال لهثه البتة، فكذلك الإنسان الحريص لا يزال حرصه البتة…. أما قوله عز وجل: ( إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ ) فالمعنى أن هذا الكلب إن شدّ عليه وهُيج لهث، وإن تُرك أيضاً لهث، لأجل أن ذلك الفعل القبيح طبيعة أصلية له، فكذلك هذا الحريص الضال إن وعظته فهو ضال، وإن لم تعظه فهو ضال، لأجل أن ذلك الضلال والخسّة عادة أصلية وطبيعية ذاتية له.
وقد اختلف المفسرون في تعيين الشخص الذي نزلت فيه الآيات، على أقوال أقربها إلى الحقيقة أن يكون صاحب هذا النبأ ممن كان للعرب إلمام بمجمل خبره، كأمية بن أبي الصلت الثقفي… وقد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم (كاد أمية أبي الصلت أن يُسلم) وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم (آمنَ شعره وكفرَ قلبه ) يريد أن شعره كشعر المؤمنين، وذلك أنه يوحّد الله في شعره، ويذكر دلائل توحيده من خلق السموات والأرض، وأحوال الآخرة، والجنة النار، والثواب والعقاب، واسم الله وأسماء الأنبياء. وروى عن أمية أنه قال لمـــا مرِض مرَض موته: ( أنا أعلم أن الحنيفية حق، ولكن الشك يداخلني في محمد ).
الــكلب في اللغـــة:
ورد في “لسان العرب” لابن منظور المصري:… والكَلْبُ معروفُ ُ، واحدُ الكلاب. قال ابن سيده، وقد غَلبَ الكلبُ هذا النوع النابح وربما وُصف به يقال: امرأَةٌ كَلْبة. والجمع أكلبُ ُ، وأكالبُ جمع الجمع، والكثير كلابُ. وفي الصحــاح: الأكالبُ جمع أكلب… وكلابُ ُ: اسم رجل، سمى بذلك، ثم غلب على الحي والقبيلة.
قال سيبويه: كِلابٌ اسم للواحد، وقالوا ثلاثةُ كلابٍ، على قولهم ثلاثةٌ من الكِلابِ، قال: وقد يجوز أَن يكونوا أَرادوا ثلاثة أَكْلُبٍ، فاسْتَغْنَوْا ببناءِ أَكثر العَدَدِ عن أَقلّه… والكَلِيبُ والكالِبُ: جماعةُ الكِلابِ، فالكَليبُ كالعبيدِ، وهو جمع عزيز، والكالِبُ: كالجامِلِ والباقِر، ورجل كالِبٌ وكَلاَّبٌ: صاحبُ كِلابٍ، مثل تامرٍ ولابِنٍ.
والكَلاَّبُ: صاحبُ الكِلاب، والـمُكَلِّبُ: الذي يُعَلِّم الكِلابَ أَخْذ الصيدِ. وفي حديث الصيد: إِنَّ لي كِلاباً مُكَلَّبةً، فأَفْتِني في صَيدها. والـمُكَلَّبةُ: الـمُسَلَّطة على الصيد، الـمُعَوَّدة بالاصطياد، التي قد ضَرِيَتْ به. والـمُكَلِّبُ، بالكسر: صاحِـبُها، والذي يصطادُ بها. وذو الكَلْبِ: رجلٌ؛ سُمي بذلك لأَنه كان له كلب لا يُفارقه. والكَلْبةُ: أُنْثى الكِلابِ، وجمعها كَلْباتٌ، ولا تُكَسَّرُ.
وأُمُّ كَلْبةَ: الـحُمَّى، أُضِـيفَتْ إِلى أُنثى الكِلاب… وأَرض مَكْلَبة: كثيرةُ الكِلاب… وكَلِبَ الكَلْبُ، واسْتَكْلَبَ: ضَرِيَ، وتَعَوَّدَ أَكْلَ الناس.
وللكلاب في اللغة العربية أسماء عديدة، وبعض أسماء وصفات الأسد أو الذئب أو غيرهما تطلق أيضاً على الكلب، وطلق بعض الصفات حتى على البشر… وعلى سبيل المثال: الدرباس: اسم يطلق على الكلب العقور ويطلق أيضاً على الأسد، وحتى على الرجل الضخم الشديد… السرحوب: اسم يطلق على الذئب والأسد وابن آوى، وكذلك على الرجل الطويل المتناسف العضاء… والعملس: اسم يطلق على الكلب والذئب…براقش اسم يطلقس على كلبة تسببت هلاك أصحابها وأهل قبيلة أصحابها، وهلاكها ذاتها، ولذلك يقال في المثل: على أهلها (أو على نفسها) جنت براقش.
الـــكلب في عالم الحــيوان:
الكلب حيوان من اللبائن المشيمية، ويتبع فصيلة الكلبيات (Family: Canidae) ، من الضواري (Placental mamals) )، واسمه العلمي Canis familiaris. وقد استأنسه الإنسان منذ 14000-15000سنة. وقد وجدت هياكل عظام كلاب في الدانمارك وإنجلترا واليابان وألمانيا والصين، ترجع لعصور ما قبل التاريخ. وقد وُجدت سُلالة من الكلاب السلجوقية في مقابر قدماء المصريين، وكانت تُحنط منذ سنة 2100 قبل الميلاد بجوار الفراعنة داخل الأهرامات. واستطاع الرومان والإغريق إنتاج سلالات منها… ويقال: إن الكلب هو أول حيوان استأنسه الإنسان، وكان لسكان الكهوف منذ آلاف السنين كلابُهم الأليفة… والكلاب والذئاب تربطها قرابة وثيقة…
وتنتشر فصائل الكلاب في جميع قارات العالم ـ ما عدا القطب الجنوبي ـ وفي الأحراش والغابات بالمناطق المعتلة والمطيرة، وبالصحراء والجبال والتندرا. وتتجول الكلاب في مناطق شاسعة لحراستها من الذئاب (Wolves)، أو للبحث عن الطعام….
• مـــــنافع الـــكلاب:
هنا العديد من أنواع الكلاب وسلالاتها، مثل:كلب الصيد، كلب الحقول، كلب الرعاة، كلب الحراسة، كلب بوليسي، كلب الزلاقات (لجرّ العربات على الجليد)… وكانت الكلاب يتخذها الإنسان في الحراسة والصيد وجرّ العربات. كما كانت تُستخدم في الحرب للحراسة وحمل الرسائل… وهناك الكلاب المدربة التي تقود العميان والصُم في الشوارع، والعمل المنزلي كتنبيه الصُم لجرس التليفون أو الباب، أو قيادة الأعمى للتجول داخل البيت أو عبور الشارع… وبعض أنواع الكلاب تتسم بحاسة شم قوية، ولهذا فإنها تُدرب علي مهام أخرى كالكشف عن المخدرات والمفرقعات والديناميت والنمل الفارسي والغرقى في أعماق الماء. ويمكن استعمال الكلاب المدربة في البحث عن المفقودين في الزلازل والحرائق، وبعض الكلاب يمكنها التصنت علي الأصوات التي لا يسمعها الإنسان بأذنيه، حتى إن الكلب يستطيع أن يسمع دقات الساعة على بُعد 40 قدما….
وإضافة إلى كلاب الرعي التي استخدمها الإنسان منذ قرون لحماية الأبقار والأغنام ومنعها من الهرب، وحماية حظائر المواشي من الذئاب، وهى من السلالات الأليفة… هناك كلاب الحراسة، والكلاب البوليسية وغيرها… وتقسم معارض الكلاب أصنافها إلى ست مجموعات، هي: الكلاب الرياضية، الكلاب غير الرياضية، الكلاب العاملة، كلاب الصيد، كلاب الحراسة، كلاب التسلية… وتقسم كل مجموعة إلى عدة سلالات… ومن المعروف أن هناك كلاب كبيرة الحجم، وأخرى صغيرة الحجم، وكلاب ناعمة الشعر، وأخرى مرحة لاهية، وكلاب ذات أنفة وكبرياء…إلخ.
وتُستخدم الكلاب (أنواع أو سلالات خاصة منها) في الاختبارات الطبية والتجارب الدوائية، وحتى في بحوث علم النفس والسلوك، وعلى سبيل المثال، يقوم الباحثون في جامعة كمبريدج بإجراء تجارب على الإصابة بسرطان البروستاتا، من خلال تدريب الكلاب على الاستجابة لخلايا السرطان الموجودة في عينات البول، وهو أسلوب مبتكر للكشف المبكر عن حالات الإصابة بسرطان البروستاتا.
جوانب علمية في ضرب المَـثل بالكلب:
• الــكلب يلهــث في كل أحــواله:
تحدث عدد من المفسرين القدامى والمحدثين عن لهث الكلب، وذلك في معرض تفسير الآية (176) من سورة الأعراف، وقد اقترب البعض مما توصل إليه علم وظائف الأعضاء (الفسيولوجيا) حديثا. فهذا أبو السعود (ت951هـ) يقول (في تفسيره “إرشاد العقل السليم” ): واللهث إدلاع اللسان بالتنفس الشديد، أي هو ضيق الحال، مكروب دائم اللهث، سواء هيجته وأزعجته بالطرد العنيف، أو تركته على حاله، فإنه في الكلاب طبع، لا تقدر على نفض الهواء الساخن وجلب الهواء البارد بسهولة، لضعف قلبها وانقطاع فؤادها، بخلاف سائر الحيوانات، فإنها لا تحتاج إلى التنفس الشديد ولا يلحقها الكربُ والمضايقة إلا عند التعب والإعياء… وهذا محمد الطاهر بن عاشور (ت1393هـ) يقول (في تفسيره “التحرير والتنوير”): واللهث: سرعة التنفس مع امتداد اللسان لضيق النفس، وفعله بفتح الهاء وبكسرها، ومضارعه بفتحها لا غير، والمصدر اللهث بفتح اللام والهاء ويقال اللهاث بضم اللام، لأنه من الأدواء، وليس بصوت.
ويذهب الشعراوي (ت1418هـ) (في تفسيره “خواطر” ) إلى تفرّد الكلب من بين الحيوانات باللهث في كل أحواله، فالحيوانات تلهث إذا كانت جائعة أو متعبة أو مهاجمة، ولكن الكلب يلهث جائعاً أو شبعانا، عطشانا أو غير عطشان، مزجوراً أو غير مزجوراً، إنه يلهث دائماً. ثم هو أيضاً يصل إلى مغزى ضرب المثل القرآني لتشبيه الذي أخلد إلى الأرض بعد إذ أتاه الله آياته (علمه)، وذلك لأن الذي يظهر بهذه الصورة تجده مكروبا دائماً، لأنه متبع لهواه، وتتحكم فيه الشهوات. وحين تتحقق له شهوة الآن، يتساءل هل سيفعل مثلها غدا ؟ وتتملك الشهوة كل وقته، لذلك يعيش في كـرب مستمر، لأنه يخاف أن يفوته النعيم أو أن يفوت هو النعيم، ويصير حاله كحال الكلب، يلهث آمناً أو غير آمن، جائعاً أو غير جائع، عطشانا أو غير عطشان.
• لهــث الــكلب، من الناحية الفسيولوجية:
تبلغ درجة الحرارة الطبيعية لجسم الكلب 38.6م، وهى أعلى من درجة جسم الإنسان المعتادة، والبالغة 37م. وإذا كان جسم الإنسان يفرز عرقا من غدده العرقية من أجل تبريد الحرارة إذا ارتفعت عن الدرجة المعتادة، فإن الكلب يسلك مسلكا آخر هو “اللهث”، فيخرج لسانه ويلهث حتى عند الراحة، فيلهث بسرعة 10- 30 لهثه (أو نَفَسَ ) في الدقيقة. ولكن بعد بذل مجهود أو التعرض لخطر ما، فإنه يلهث بأكثر من عشرة أضعاف هذا المعدل. ويضطر الكلب لأن يلهث، في التعب والراحة، لعدم وفرة غدده العرقية (التي لا توجد سوى في وسادات أقدامه)، فهى لذلك لا تسهم في خفض درجة حرارة جسمه إلاّ بقدر ضئيل.
ولمزيد من التفصيل، فإن تدلى لسان الكلب وفتح فمه أثناء اللهث يؤدي إلى إدخال أكبر كمية ممكنة من الهواء الجوي إلى الجهاز التنفسي، وخلالها يتم تبخير جزء من الماء الموجود في الأنسجة التي يمرّ بها الهواء، وبالتالي تنخفض درجة حرارة الجسم… كما يسلك الكلب مسلكا مساعداً، فيلحس أرجله من جسمه، ويبلل لسانه بلعابه، فيتبخر هذا اللعاب، وهو ما يفيده في خفض درجة حرارة جسمه…
لقد شبه الله تعالى علماء السوء بأشنع وأقبح ما يمكن للخيال أن يتصوره، شبههم بصورة الكلب اللاهث الذي لا يكف عن اللهث |
• عــود على بــدء:
نعود إلى الآية القرآنية الكريمة ( وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ{176}) [ سورة الأعراف]، وهو مثل مخزي لعلماء السوء، صوّرهم بأشنع وأقبح ما يمكن للخيال أن يتصوره، صورة الكلب اللاهث الذي لا يكف عن اللهث، ولا ينفك عن التمرغ في الطين والأوحال… ولتك لعمر الحق أقبح صورة مزرية لمن رزقه الله العلم النافع فاستعمله لجمع الحطام الفاني، وكان خزيا ووبالا عليه، لأنه لم ينتفع بهذا العلم، ولم يستقم على طريق الإيمان، وانسلخ من النعمة، وأتبعه الشيطان فكان من الغاوين.
وفي تشبيه ذلك الضال في حال لهفه على الدنيا بالكلب في حال لهثه، سِرٌّ بديعٌ، وهو أنَّ هذا الذي حاله ما ذكره الله مِن انسلاخه مِن آياته واتباعه هواه، إنما كان لشدة لـهفه على الدنيا لانقطاع قلبه عن الله والدار الآخرة، فهو شديد اللهف عليها، ولـهفه نظير لـهف الكلب الدائم في حال إزعاجه وتركه.، فإنه في الكلاب طبع لا تقدر على نفض الهواء المتسخن، وجلب الهواء الهواء البارد بسهولة، لضعف قلبها وانقطاع فؤادها، بخلاف سائر الحيوانات، فإنها لا تحتاج إلى التنفس الشديد ولا يلحقها الكرب والمضايقة إلاّ عند التعب والإعياء.
ولكن يبقى التشبيه حاويا لحقيقة علمية لم يصل إليها علم الإنسان إلاّ في العقود المتأخرة من القرن العشرين الميلادي، ومؤداها أن الكلب هو الحيوان الوحيد الذي يلهث بطريقة تكاد تكون مستمرة، وذلك في محاولة منه لتبريد جسده الذي لا يتوفر له شئ يذكر من الغدد العرقية إلا في باطن أقدامه فقط، فيضطر إلى ذلك اللهاث في حالات الحرّ أو العطش الشديد أو المرض العضوي أو النفسي، أو الإجهاد والإرهاق أو الفزع والاستثارة….
إيضاحـــات عــلمية لأحـــكام فـقهية:
• نجاســة الــكلب وإزالتها:
روت كتب السنة حديثاً نبوياً يأمر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بإزالته نجاسة الكلب، وحددها بولوغ الكلب في الإناء، أي بشربه مما فيه، وتعددت روايات الحديث الشريف، وفيما يلي بعض هذه الروايات:
* عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه، ثم ليغسله سبع مرات ) رواه مسلم في صحيحه.
* عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات، أولاهن بالتراب) رواه أحمد في مسنده، ومسلم في صحيحه (كتاب الطهارة).
* قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات، وعفرّوه الثامنة بالتراب ) رواه مسلم وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
* قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا شرب الكلب في إناء أحكم فليغسله سبعاً) رواه البخاري في صحيحه (كتاب الوضوء) ومسلم في صحيحه (كتاب الطهارة).
* قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه وليغسله سبع مرات إحداهن بالتراب) رواه الشيخان.
* قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات ) متفق عليه.
ونظرا لتعدد الروايات، اختلفت المذاهب الفقهية في تحديد المطلوب بعد ولوغ الكلب في الإناء، وتعددت ـ لذلك ـ الفتاوى قديماً وحديثاً، وكل صاحب فتوى يسوق أدلة يدعـــم بها رأيه… وقد بحث إحسان بن محمد بن عايش العتيبي هذا الموضوع، ووضع فيه كتابا، ذهب في مقدمته إلى أحكام، نوجزها فيما يلي:
1) لا فرق بين أن يكون في الإناء ماءُ أو لبنُ أو زيتُ ُ أو طعامُ ُ، لعموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فلْيرقه)، وعموم قوله (طهور إناء). وعليه، فتفريق المالكية بين إناء الماء فيراق ويُغسل، وبين إناء الطعام فيؤكل ثم يُغسل الإناء، تعبّدا، مما لا دليل عليه.
2) ينصّ الحديث الشريف، برواياته، على تنجّس الإناء بولوغ الكلب فيه، ووجــوب تطهيره، لعموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طهور إناء…).
3) الأمر بالإراقة لما في الإناء: وفيه يتضح أن الحُكم بنجاسة الإناء يستلزم الإراقة، ويؤيده قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طهور إناء..). وفي رواية عند مسلم زيادة (فليرقه)، رواها على بن مُسهر (عن الأعمش)، وهو ثقة احتج به البخاري ومسلم، ووثقه أحمد وابن معين والعجلي وغيره… وعليه، فالزيادة في الراوية لا تضرّ تفرّد على بن مسهر بها.
4) اقتصار الحُكم على الولوغ والشرب بالفم، دون بقية أجزاء جسم الكلب وأعضائه. أي إذا عسّ الكلب أو أدخل رجله أو أذنه في الإناء، فلا يسري على الإناء وما فيه غسل سبع مرات إحداهن بالتراب. وأما الفريسة التي يمسك بها كلب الصيد ويأتي بها صاحبه، فلسوف نتحدث في حُكمها بعد… وكذلك بول الكلب وروثه، وهما وإن كانا نجسان، فلا يسري عليهما حُكم الولوغ والشرب، بل يكفي غسل الإناء مرة واحدة، كسائر النجاسات.
5) الكلب الوارد في الحديث النبوي هو عموم الكلب، وليس نوعا معينا، ولا فرق بين كلب مأذون باستعماله وكلب منهي عنه، وإن كان بعض المالكية (كابن عبدالبر في “التمهيد”) يذهب إلى الكلب المنهى عن اتخاذه، دون الكلب المأذون فيه… وقد ردّ الحافظ بن حجر ما ذهب إليه هؤلاء بقوله:
أ- يحتاج هذا الأمر إلى ثبوت تقدم النهى عن الاتخاذ على الأمر بالغسل.
ب- يحتاج هذا الأمر إلى قرينة تدل على أن المراد ما لم يُؤذن في اتخاذه.
ت- الظاهر من (اللام) (في قوله “الكلب”) أنها للجنس ـ في اللغة ـ أو لتعريف الماهية.
6) إذا ولغ كلبان أو أكثر، أو ولغ كلب واحد عدة مرات، فيكفي في جميع الحالات غسل الإناء سبع مرات إحداهن بالتراب. والتسبيع واجب، إذ لا صارف للأمر عن وجوبه، وقال بذلك الشافعي ومالك وأحمد وابن المنذر. وحين قال أبو حنيفة فيه بالاستحباب، فقد أخطأ. وحين رأى أبو حنيفة أن الغسل من ولوغ الكلب ثلاث مرات، واحتجّ له أصحابه ببعض الروايات (الموقوفة)، فقد ردّه كثير من العلماء , ومنهم البيهقي الذي قال: وفي ذلك دلالة على خطأ رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة (في الثلاث). وعبد الملك لا يُقبل منه ما يخالف الثقاب. واحتجّ أصحاب أبي حنيفة له، أيضاً، بما ورد في بعض طرق حديث أبي هريرة مرفوعاً: في الكلب يلغ في الإناء يغسله ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً، وردّ العديد من العلماء هذه الرواية، ومنهم الدارقطني الذي أثبت أن الراوية ضعيفة جدا، ففيها (عبد الوهاب بن الضحاك)، وهو متروك، ومنها (إسماعيل بن عياش) وروايته عند الحجازيين ضعيفة…
7) وجوب الترتيب في الغسل، أي استعمال التراب، وذهب إليه الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو نور والطبري وأكثر الظاهرية. ومن لم يقل به (كبعض المالكية) فليس له حجة إلاّ عدم ذكر التراب في رواية (سبع مرات) ورواية (سبعا)، ويردّ عليه ثبوت (أولاهن بالتراب) في رواية، وثبوت (عـفروه الثامنة بالتراب) في رواية، وكلتاهما في مسلم عن أبي هريرة.
8) لا يحلّ الصابون، أو المنظفات الأخرى، محل التراب، فهذا أمر تعبُدي، وإن كان الباحثين والأطباء قد توصلوا حديثاً إلى بيان الحكمة فيه…
9) هل للإناء شكل وحجم معين ؟ ذهب ابن القيم (في “تهذيب سنن أبي داود”) إلى أن المراد هو الإناء المعتاد، وولوغ الكلب فيه ولوغ متتابع، وينزل في كل مرة من لسان ولعاب الكلب في الماء ما يخالطه، وإن لم يغيّر لونه، فأعيان النجاسة قائمة بالماء وإن لم تُر…
10) كيف يمكن الجمع بين الراويات التي ذكرت (أولاهن بالتراب)، (إحداهن)، (عفروه الثامنة بالتراب)، و(السابعة بالتراب) ؟ أما (إحداهن) فقد ذهب الحافظ ابن حجر (في “فتح الباري”) إلى ضعف روايتها، إذ في سندها الجارود بن زيد، وهو متروك، وقال ابن حزم (في”المحلى”): وكل ذلك لا يختلف معناه، لأنَّ الأُولى: هي بلا شك إحدى الغسلات، وفي لفظة (الأولى) بيان أيتهن هي، فمن جعل التراب في (أُولاَهُنَّ) فقد جعله في (إِحْدَاهُنَّ) بلا شك واستعمل اللفظتين معاً. ومن جعله في غير (أولاهن) فقد خالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنْ يكون ذلك في (أُولاَهُنَّ)، وهذا لا يحل. ولا شك ندري أنَّ تعفيره بالتراب في (أولاهن) تطهيرٌ ثامنٌ إلى السبع غسلات، وأنَّ تلك الغسلة سابقة لسائرهن إذا جمعهن، وبهذا تصحّ الطاعة لجميع ألفاظه صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر.ا.هـ
11) إذا أدخل الكلب رأسه (وفيه فمه) في إناء ولم ندري أولغ فيه، أم لم يلغ، فما حُكم الماء؟ قال النووي (في”المجموع”):قال صاحب الحاوي وغــيره: إنْ كان فمه يابساً، فالماء طاهرٌ بلا خلاف، وإنْ كان رطباً: فوجهان: (أحدهما) يُحكم بنجاسة الماء، لأنَّ الرطوبة دليلٌ ظاهرٌ في ولوغه، فصار كالحيوان إذا بال في ماءٍ ثم وجده متغيراً، حُكم بنجاسته بناءً على هذا السبب المعين. (وأصحهما) أنَّ الماء باقٍ على طهارته، لأنَّ الطهارةَ يقينٌ والنجاسةَ مشكوكٌ فيها. ويُحتمل كون الرطوبة من لعابه، وليس كمسألة بول الحيوان، لأنَّا هناك تيَقنَّا حصول النجاسة، وهو سبب ظاهر في تغيّر الماء بخلاف هذا. ا.هـ
12) إذا وقع كلب في ماء (كبئر وما نحوه) فمات، ما حُكم الماء؟ قال ابن المنذر (في “الأوسط”) أجمع أهل العلم أنَّ الماء القليل أو الكثير إذا وقعت فيه نجاسةٌ فغيّرتْ النجاسةُ الماءَ، طعماً أو لوناً أو ريحاً، أنه نجس مادام الماء كذلك، ولا يجزئ الوضوء والاغتسال به. ا.هـ… فأما إذا لم تُغيِّر النجاسةُ الماء، لوناً أو طعماً أو ريحاً، فهو طاهر، وهو الذي رجّحه ابن المنذر، وهو قول: ابن عباس وابن المسيب والحسن البصري وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء وعبد الرحمن بن أبي ليلى وجابر بن زيد ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي(انظر “الأوسط” و “التمهيد”).
13) ما حُكم ولوغ الخنزير؟ وهل يُقاس على حُكم ولوغ الكلب في الإناء ؟ قاس بعض العلماء (منهم الشافعي وأحمد) الخنزير على الكلب، وقال النووي (وهو شافعي المذهب) (في “المجموع”): إنه يكفي غسله واحدة بلا تراب، وبه قال أكثر العلماء الذين قالوا بنجاسة الخنزير… وقال ابن حزم (في “المحلي” ): وأما قياس الخنـزير على الكلب فخطأٌ ظاهر – لو كان القياس حقّاً- لأنَّ الكلب بعض السباع، لم يحرم إلا بعموم تحريم لحوم السباع فقط، فكان قياس السباع وما ولغت فيه على الكلب الذي هو بعضها والتي يجوز أكل صيدها إذا علِّمت أولى من قياس الخنـزير على الكلب…. وكما لم يجز أنْ يقاس الخنـزير على الكلب في جواز اتخاذه وأكل صيده، فكذلك لا يجـوز أنْ يقاس الخنـزير على الكلب في عدد غسل الإناء من ولوغه، فكيف والقياس كلُّه باطلٌ… !!.ا.هـ.- (انظر “المحلى”).
• اقتــناء الــكلاب وتربيـتها:
اقتناء الكلاب وتربيتها وتدليلها حرام في الشريعة الإسلامية، وفيما يلي جملة من الأحاديث النبوية التي تؤكد هذا:
– عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اتخذ كلبًا، إلاّ كلب زرع أو كلب صيد، ينقص من أجره كل يوم قيراط ) رواه مسلم.
– عن سفيان بن أبي زهير عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله: ( من أمسك كلباً فإنه ينقص كل يوم من عمله قيراط، إلاّ كلب حرث أو ماشية) رواه البخاري. وفي رواية للشيخان: (… إلاّ كلب غنم، أو حرث، أو صيد ).
– عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مَنِ اقتنَى كلبًا، إلاّ كلب ماشية أو ضارٍ، نقص من عمله كل يوم قيراطان ) متفق عليه.
– عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مَنِ اقتنَى كلبًا، ليس بكلب ماشية أو ضارية، نقص كل يوم من عمله قيراطان ). وفي رواية عنه أيضاً يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنِ اقتنَى كلبًا، إلاّ كلبا ضارياً أو كلب ماشية، فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان)
وهكذا، فإن اقتناء الكلاب، إلاّ كلاب الحراسة أو الصيد أو الزرع، حرام، وقد ردّ ابن حجر العسقلاني (في”فتح الباري”) على ابن عبد البر حين ذهب إلى أن اتخاذ الكلب مكروه وليس بمحرّم، وساق أدلة على هذا. وفي فتوى للدكتور / خالد محمد عبد القادر، فإن المراد بنقص الأجر، أو الإثم الحاصل باتخاذ الكلب، يوازي قدر قيراط، أو قيراطين من أجر، فينقص من ثواب عمل متخذه قدر ما يترتب عليه من الإثم باتخاذه، وهو قيراط أو قيراطين… والتعليل يدلّ على حُرمة اتخاذ الكلب لغير ما ذكر الحديث، لا كراهيته… ومادام اقتناء الكلب لغير منفعة ضرورية يؤدي إلى نقصان أجر ممسكه، يكون إمساكه، أي اقتناؤه، إثم، لأنه لا ينقص الأجر إلاّ الإثم…
وأما سبب نقصان الأجر، فقيل: لامتناع الملائكة من دخول بيته، أو لما يلحق المارّين من الأذى، أو عقوبة له لاتخاذه ما نهى عن اتخاذه، أو لكثرة أكله النجاسات، أو لأن بعضها شيطان، أو لولوغها في الأواني عند غفلة صاحبها، فربما تنجس الطاهر منها، فإذا استعمل في العبادة لم يقع موقع الطاهر، أو لكراهة رائحتها… ثم قال الدكتور / عبد القادر: قلتُ: وأقربها إلى ظاهر الحديث، أن نقصان الأجر عقوبة لمخالفة النهي. أما سبب النهي فلجميع ما ذُكـــر، ويــزاد عليهـــا مــا يترتب على اقتنائها من أمراض خطيرة... ثم انتهى إلى أن تربية الكلاب للهواية مُحرّمة، كما أنها من العادات السيئة، وفيها إسراف بالإنفاق عليها ومعالجتها، وانتقال الأمراض منها إلى الإنسان…!!
• لماذا يتعــوّذ المسلم من نُبــاح الــكلاب ؟
عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم نُباح الكلاب، ونهيق الحمير بالليل، فتعوّذوا بالله من الشيطان الرجيم، فإنها ترى ما لا ترون، وأقلوا من الخروج إذا هدأت الرّجل، فإن الله تعالى يبيّت في الليل من خلقه ما شاء ) رواه أحمد.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا سمعتم صياح الدّيكة فاسألوا الله من فضله، لأنها رأت مَلكا، وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوّذوا بالله من الشيطان، فإنها رأت شيطانا) رواه البخاري في كتاب (بدء الخلق)، ومسلم في كتاب (الذكر والدعاء )، وأحمد في مسنده.
في هذا الحديث النبوي الشريف، على اختلاف رواياته، إعجاز علمي، فهو يوضّح أن الديك والحمار كلاهما يرى مالا تستطيع عين الإنسان أن تراه…ومن هذا ما يُسمى “الأشعة فوق البنفسجية UItraviolet rays”، فعين الإنسان ترى الموجات الضوئية (الأشعة) التي تتراوح أطوالها ما بين 400 إلى 700 نانوميتر (والنانوميتر وحدة قياس الأطوال الموجية)، ولا تستطيع أن ترى الموجات الضوئية من 300 إلى 400 نانوميتر، بينما تستطيع الطيور، ومنها الديك، وكذلك الحمار، رؤيتها.
وبالنسبة لحدّة الإبصار، وتمييز الألوان بوضوح، فقد خلق الله سبحانه وتعالى عيون الحيوانات وأودع فيها من التراكيب ما يجعلها قادرة على الرؤية الواضحة في مجال الضوء الخافت، بينما لا تستطيع عين الإنسان أن ترى إلاّ بالضوء الساطع، أي في ضوء الشمس، مثلاً… وأما بالنسبة لحقل الرؤية (أي مجال الإبصار) ـ وهو المحيط الذي يمكن للعين رؤيته ـ فإن عيون الحيوانات تتفوق على عين الإنسان في ذلك، فالكلب ـ مثلاً ـ يمكنه رؤية حقل نظر إلى زاوية قدرها 250 درجة، بينما لا ترى عين الإنسان إلاّ بزاوية قدرها 180 درجة.
وتتوالى بحوث العلماء حول القدرة الإبصارية للحيوانات، ودراسة القدرات والإمكانات التي وهــبها الله الخـالق العظيم لهذه المخلوقات، تيسيرا لحياتها، لأنه كما يقال: ” كُلُ مُيَسّر لم خُلق له “… وإذا كان العلم الحديث لم يصل بعد إلى إثبات أن عين الحمار، أو عين الكلب، تستقبل “الأشعة تحت الحمراء Infrared rays “، وهى التي تمكنه من الرؤية ليلاً، وفي الظلام الدامس، فحسبنا الحديث النبوي بإشارته العلمية الداعية إلى مواصلة البحث في هذا المجال…فالديك يرى الأشعة فوق البنفسجية التي لا تراها عين الإنسان، وهذا جانب من الطيف (Spectrum)، فيكون الحمار والكلب كلاهما قادر على رؤية الأشعة تحت الحمراء، والتي تنبعث من النار، ومن المعروف أن الشيطان مخلوق من نار… والموضوع لا يزال في حاجة إلى المزيد من البحث والدارسة، وقد دعي الحديث النبوي الشريف ـ ضمنيا ـ إلى ولوجه…
يمكن إرسال تعليقاتكم وآرائكم إلى مؤلف المقالة على الإيميل: