السماء المبنية والأعمدة المخفية

 
الأحد/سبتمبر/2022
   

قال  تعالى: (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا )سورة النازعات آية :”27-28″.
السماء: مفرد، وجمعها سماوات، وهي: كل ما أحاط بالأرض، وهي: سبع سماوات طباقا.
وتطلق السماء: على كل ما علا. سواء كان علو قريب كسقف للبيت، أو كالسحاب أو كالغلاف الجوي للأرض أو كسماء الدنيا. أو بعيد كالسماء السابعة. وتطلق على بعض أجزائها، من باب إطلاق الكل و إرادة الجزء، وتطلق أيضا ويراد بها الكل. كما تطلق الأرض ويراد بها الجزء منها، وتطلق ويراد بها جميع الأرض الظاهر والمخفي منها عن أعيننا. وكل ذلك يفهم من خلال سياق الكلام.
وهذا الكلام مذكور ومبثوث في كتب التفسير، ذكره المفسرون في تفاسيرهم، قال القرطبي- عليه رحمة الله- في تفسيره:
والسماء : كل ما علاك فأظلك ، ومنه قيل لسقف البيت : سماء . والسماء : المطر ، سمي به لنزوله من السماء . قال حسان بن ثابت :
ديار من بني الحسحاس قفر تعفيها الروامس والسماء
وقال معاوية بن مالك :
إذا سقط السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا
ويسمى الطين والكلأ أيضا سماء ، يقال : ما زلنا نطأ السماء حتى أتيناكم . يريدون الكلأ والطين . ويقال لظهر الفرس أيضا سماء لعلوه ، قال طفيل الغنوي :
وأحمر كالديباج أما سماؤه فريا وأما أرضه فمحول
والسماء : ما علا . والأرض : ما سفل . انتهى كلامه.
(ص216 – تفسير القرطبي – سورة البقرة آية – المكتبة الشاملة الحديثة
والسماء التي نريد أن نتحدث عنها هي : تلك الأجرام السماوية، الموصوفة “بالبناء”. فقد وصف الله سبحانه وتعالى السماء بأوصاف كثيرة، ووصف ما فيها، ولكن الملاحظ من خلال تتبع الآيات نجد انها تؤكد على أن السماء “بناء” . فقد ورد هذا اللفظ ومضمونه في عدة مواضع: (بناء، بنيناها، بناها، وما بناها، طباقا، بغير عمد، تشقق السماء، سقفا محفوظا، ذات الحبك، بروجا وزيناها، ذات الرجع) وهذه الأوصاف كلها، لا تخرج أوصاف الأبنية.
فالبناء: يكون له سقف، وحوائط (جدران) وعمدان، وأبواب، و يكون في ذلك السقف زينة، و يكون البناء مترابط، ويكون هذا البناء في مكان محدود وملموس، وقد يكون طوابق متعددة، وقد يكون فيه حراسة، وقد يكون فيه أبراج، وقد يحصل في سقفه شقوق، وكل بناء له طول وله عرض، وكل بناء يكون فيه الإضاءة.


*وعلى العموم* فالبناء يكون منظم ومرتب له مقاسات واتجاهات محدودة.. ولا يفارق معظم الأوصاف السابقة، فتعتبر أساسية في كل بناء.
فكل الأوصاف السابقة التي تكون في الأبنية، أطلقها القرآن على السماء
قال تعالى:
(اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ *بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا* ۖ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ۚ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ)سورة الرعد: “آية ٢”.
(وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي *السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا* لِلنَّاظِرِينَ)سورة الحجر: “آية 16”.
(وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ *سَقْفًا مَحْفُوظًا* وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ) سورةالأنبياء”آية:32″.
(وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا )سورة الفرقان:” آية25″.
(خَلَقَ السَّمَاوَاتِ *بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا* وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ )سورة لقمان: “آية 10”.
(اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )”غافر آية:64″.
(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ *دُخَانٌ* فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِين)سورة فصلت:” آية11″.
( والسماء ذات الْحُبُكِ)سورة الذاريات: “آية 7”.
(وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ )سورةالطور”آية:5″.
(سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا *كَعَرْضِ* السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) سورة الحديد: “آية 21”.
(وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا)سورة الشمس:” آية5″
(الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ *طِبَاقًا* مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ *تَفَاوُتٍ* فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ *فُطُورٍ*)سورة الملك:” آية 3″.
(أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ *طِبَاقًا*)سورة نوح: “آية15”.
(وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا *مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا*)سورة الجن:” آية 8″.
(أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ *بَنَاهَا*رَفَعَ *سَمْكَهَا* فَسَوَّاهَا )سورة النازعات آية :”27-28″.
(وَالسَّمَاءِ **ذَاتِ الْرجع،* والأرض ذات الصدع) سورة الطارق :”آية 8″
(وَالسَّمَاءَ *بَنَيْنَاهَا* بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)سورة الذاريات :”آية 47″
بعد هذا العرض للآيات الكريمة والتي اشتملت على لفظ البناء وما تضمنه. الذي يدل على أن السماء ( *بناء* ). ومعلوم أن البناء فيه الإتقان والإحكام. فما هو تعريف البناء عند أهل التفسير ؟!
قال الطاهر بن عاشور -عليه رحمة الله- عند تفسيره للآية: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً)سورة غافر:”آية64″
والبناء : ما يُرفع سمكه عن الأرض للاتقاء من الحر والبرد والمطر والدواب . ووصف السماء بالبناء جار على طريقة التشبيه.
(ص190 – التحرير والتنوير – سورة غافر آية – المكتبة الشاملة الحديثة
الرابط:https://al-maktaba.org/book/9776/8370#p3)
وقال أيضا عند قوله: (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ *بَنَاهَا* )سورةالنازعات:”آية27″
وَالْبِنَاءُ: جَعْلُ بَيْتٍ أَوْ دَارٍ مِنْ حِجَارَةٍ، أَوْ آجُرٍّ أَوْ أَدَمٍ، أَوْ أَثْوَابٍ مِنْ نَسِيجِ الشَّعْرِ، مَشْدُودَةٌ شُقَقُهُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ بِغَرْزٍ أَوْ خِيَاطَةٍ وَمُقَامَةٌ عَلَى دَعَائِمَ، فَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ بِأَدَمٍ يُسَمَّى قُبَّةً وَمَا كَانَ بِأَثْوَابٍ يُسَمَّى خَيْمَةً وَخِبَاءً. وبناء السماء : خلقها ، استعير له فعل البناء لمشابهتها البيوت في الارتفاع . انتهى
(ص84 – التحرير والتنوير – سورة النازعات الآيات إلى – المكتبة الشاملة الحديثة
إذن: فالسماء بناء وليس فراغ أو فضاء.! فهي مبنية ومادتها المجرات والنجوم والكواكب والشموس والأقمار والنيازك والدخان والجاذبية، فهي متماسكة ومترابطة مثل البناء على الحقيقة.
فما الذي اكتشفه العلماء ؟!
نشرت قناة الجزيرة في موقعها ما يدل على اكتشاف لتشكل المجرات وتطورها بأن هناك ما يشبه (السقالة) التي تدعم البناء، وشبكة تربط بين المجرات لكنها باهته للغاية مما يجعل من الصعب اكتشافها وإليكم الخبر بنصه مع اسم كاتبه:
الصغير محمد الغربي
“تمكن العلماء من رصد شبكة واسعة من القنوات الرفيعة المشكلة من غاز هيدروجين يعتقد أنها تربط جميع المجرات في الكون، وذلك للمرة الأولى في تاريخ الفيزياء الفلكية، ويقع هذا الهيكل الكوني العملاق على مسافة 12 مليار سنة ضوئية في كوكبة الدلو” ويدعم هذا الاكتشاف نظرية تشكل المجرات وتطورها وفقا “للنموذج الكوني القياسي”، الذي تنبأ بوجود ما يشبه “السقالة” التي تدعم البناء الكوني.(شبكة كونية) حسب الدراسة العلمية المنشورة في دورية ساينس العلمية في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري؛ فقد تمكن العلماء من العثور على أدلة لوجود قنوات (شعيرات) هيدروجين متعددة تنتشر على مسافة تزيد على ثلاثة ملايين سنة ضوئية، وتربط بين مجموعة كاملة من المجرات.
وتتميز هذه الشبكة بكونها باهتة للغاية، مما يجعل من الصعب اكتشافها في الفراغات الموجودة بين المجرات، ويعتقد العلماء أن هذه القنوات بدأت التشكل في وقت مبكر من عمر الكون بُعيد الانفجار الكبير، عندما غمرت سحب غاز الهيدروجين جميع أرجائه، قبل أن تبدأ التكثف بفعل الجاذبية لتكوّن خيوطا متشابكة. المرجع
نعم: وجدوا شبكة كونية تربط الكون بعضه ببعض كترابط البناء، ووجدوا ما يشبه السقالات التي تشبه الأعمدة الرابطة بين المجرات ولكن اكتشافها فيه صعوبة وهذا هو المعبر عنه بالآيات السابقة. فالسماء بناء وفيها أعمدة لكنها لا ترى .وسبحان الله الخالق بديع السماوات والأرض، ففي جسم الإنسان كذلك تصميم معقد يشبه هذا البناء الكوني: فالمخ عبارة عن شبكة من الشعيرات الدموية الدقيقة المعقدة التي يصعب الإحاطة والتمكن من إدراكها وإدراك مهامها، وهكذا السماء شبكة مترامية الأطراف، تربطها أعمدة كالبناء، أو كالقبة، أو كالخباء.
*”وجه الإعجاز في جملة الآيات السابقة* “
اولا: التشبيه البليغ والتمثيل في الوصف بالشيء المعلوم لما هو غير معلوم ومجهول وهو: البناء سواء كان مثل القبة أو مثل: الخيمة والخباء.. فيجعل صورته في ذهن السامع كالمشاهدة
الثاني: لقد استعمل علماء الفضاء نفس المعاني والمصطلحات التي ذكرها القرآن بعد أن كان اعتقادهم بإن السماء فراغ وفضاء.. فعادوا إلى تسميتها بالبناء الكوني أو النسيج الكونى، والآن يتأكد الكلام ويزداد وضوحا عندما وجدوا ما يشبه “السقالة” التى تدعم البناء، و”الشبكة” التي تربط بين المجرات كما سبق ذكره. وهذا يدلنا على أن الاكتشافات العلمية تقترب كثيرا من الحقائق القرآنية، إلى حد التطابق، فهذه الشبكة من الشعيرات الباهتة التي يصعب اكتشافها هي بمثابة الأعمدة غير المرئية المذكورة في القرآن.
قال القرطبي عليه رحمة الله: عند قوله تعالى:
(اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ۚ) آية الرعد :”آية ٢”
في قوله : بغير عمد ترونها قولان : *أحدهما* : أنها مرفوعة بغير عمد ترونها ; قاله قتادة وإياس بن معاوية وغيرهما . *الثاني* : لها عمد ، ولكنا لا نراه.
انتهى. وهذا ظاهر قول ابن عباس.
(ص279 – تفسير القرطبي – سورة الرعد آية – المكتبة الشاملة الحديثة
وقال ابن كثير – عليه رحمة الله – وقوله : ( بغير عمد ترونها ) روي عن ابن عباس ، ومجاهد ، والحسن ، وقتادة : أنهم : قالوا : لها عمد ولكن لا ترى . انتهى.
(ص429 – تفسير ابن كثير ت سلامة – – المكتبة الشاملة الحديثة
فهذه الدراسات والاكتشافات تقترب وتؤكد ما جاء به القرآن من أخبار تصل الى حد التطابق و تأكد أنه كلام الله ويستحيل أن يكون قد افتراه أحد من البشر قال تعالى:
(وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٣٧ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) سورة يونس: “آية:38”
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) سورة هود :”آية 13″.
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) سورة السجدة : “آية3”.
(وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) سورة البقرة: “آية23”.
(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) سورةالإسراء: “آية88”. هذا والله اعلم.

المرجع العلمية 

مقال مجلة العلوم 

مقال قناة الجزيرة 


الوسوم:

مقالات ذات صلة