«زُوِيَت لي الأرض»: إعجاز نبوي يُثبت كروية الأرض قبل ألف وأربعمئة عام

 
الأثنين/يوليو/2025
   

في زمنٍ كانت البشرية لا تزال تجهل حتى مساحة موطنها، وكان العرب يحيَون على هامش الحضارات الكبرى، بلا خرائط دقيقة، ولا أدوات ملاحة، ولا تصور عن كروية الأرض، يفاجِئ النبي ﷺ صحابته بحديثٍ يُخبر فيه أنه رأى الأرض مجتمعةً أمامه، مشارقها ومغاربها، وأن أمته ستبلغ ملكها ما زُوي له منها.
إنه مشهدٌ غيبيٌّ وعلميٌّ في آنٍ واحد، يسبق عصره بقرون، ويثبت أن هذا النبي لا ينطق عن الهوى، بل عن وحيٍ يوحى. وفي هذا المقال، نستعرض أوجه هذا الإعجاز النبوي، ونقارنه بما تحقق لاحقاً من الفتوحات الإسلامية، وما توصلت إليه علوم الجغرافيا والفلك.
أولاً: الحديث الشريف ومعانيه الغيبية والعلمية
عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:
«إنَّ اللهَ زوَى لي الأرضَ، فرأَيْتُ مَشارِقَها ومَغارِبَها، وإنَّ أُمَّتي سيبلُغُ مُلْكُها ما زوَى لي منها…»
رواه مسلم (2889)
✅ المعنى اللغوي لـ “زوى”:
“زوى” تعني: طوى وجمع وضمّ. أي أن الله عز وجل طوى الأرض لرسوله ﷺ، فجعلها أمامه كأنها خريطة مكشوفة يرى جهاتها بأكملها.

ثانياً: كلمات من عصر النبوة… تكشف أسرار الفلك!
لماذا لم يذكر النبي الشمال والجنوب؟
قال ﷺ: «فرأيت مشارقها ومغاربها»، دون أن يذكر الشمال أو الجنوب.
وهذا التعبير البليغ له دلالتان:
1. أن الفتوحات الإسلامية فعلياً لم تمتد شمالًا وجنوبًا بنفس القدر الذي امتدت فيه شرقًا وغربًا.
2. أن حركة الشروق والغروب هي الظاهرة اليومية المرتبطة بدوران الأرض حول نفسها، وليس من جهة الشمال أو الجنوب.
🔎 النتيجة: هذا التعبير الدقيق يُشير ضمناً إلى حركة الأرض ودورانها، وإلى أن للأرض وجوهًا متعددة للشروق والغروب.
كروية الأرض في الحديث النبوي
النبي ﷺ قال: “مشارقها ومغاربها” بصيغة الجمع، لا المفرد.
📌 وهذا يُعد من أوضح الإشارات العلمية في الحديث، لأن:
• الشروق والغروب لا يقعان في ذات اللحظة في كل مناطق الأرض.
• كل منطقة لها شروقها الخاص ومغربها الخاص.
🔭 هذه الظاهرة لا يمكن تفسيرها إلا إذا كانت الأرض كروية الشكل (Spherical) وتدور حول محورها، مما ينتج تعدداً في المشارق والمغارب بحسب الموقع الجغرافي.
➡️ وهذا ما لا يمكن تصوره على أرض مسطحة، وإنما ينسجم تمامًا مع ما أثبته العلم الحديث.
ثالثاً: تحقق الوعد النبوي في الدولة الأموية
الإخبار الغيبي: “سيبلغ ملك أمتي ما زُوي لي منها”
قال النبي ﷺ: “وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زُوي لي منها”، وقد تحقق هذا الأمر بدقة تاريخية مذهلة خلال قرنين فقط من وفاته ﷺ، وتحديداً في عهد الدولة الأموية.
نبذة عن الدولة الأموية
• تأسست سنة 41هـ (661م) على يد الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.
• بلغت أوج توسعها في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك، فكانت أكبر دولة إسلامية من حيث المساحة.
خريطة انتشار الإسلام
📍 من خلال خريطة الدولة الأموية، يمكن أن نلاحظ:
• غرباً: الأندلس والمحيط الأطلسي
• شرقاً: حدود كشمير والصين
• شمالاً: جنوب فرنسا وآسيا الوسطى
• جنوباً: شمال إفريقيا وشرق السودان
🔎 هذا التمدد الجغرافي يطابق ما أخبر به النبي ﷺ من أن ملك أمته سيبلغ ما زُوي له من الأرض.
رابعاً: دروس مستفادة من الحديث
1. الإعجاز البياني واللفظي
• استخدام كلمة “زوى” يشير إلى الطيّ والانكماش في الزمان والمكان “زُوِيَت لي الأرض” أي صُغّرت وجُمعت للنبي ﷺ كأنها عُرضت عليه بخاصية “الزوم” أو التصغير البصري، فرأى مشارقها ومغاربها في مشهد واحد كما تُرى الأرض اليوم عبر صور الأقمار الصناعية.
• استخدام الجمع “مشارق” و”مغارب” يعكس تعددها، وهو ما لا يمكن إلا على سطح كروي.
2. الإعجاز الغيبي
• النبي ﷺ أخبر بأمر لم يكن ممكنًا التحقق منه في عصره: أن أمته ستبلغ مشارق الأرض ومغاربها.
• وقد تحقق هذا الإخبار بدقة مذهلة في التاريخ الإسلامي، خلال العهد الأموي والعباسي.
3. الإعجاز العلمي
• الحديث تضمن إشارة ضمنية إلى كروية الأرض ودورانها، قبل أن يُثبتها العلم بقرون.
• التعبير النبوي يسبق أدوات القياس، والصور الفضائية، والمراصد الجغرافية الحديثة.
حين يُخبر النبي ﷺ أن الأرض زُويت له فرأى مشارقها ومغاربها، ثم يُثبت العلم الحديث كروية الأرض، ويُثبت التاريخ بلوغ ملك المسلمين من المحيط إلى الصين، فإننا أمام صورة متكاملة من الإعجاز:
• لفظ دقيق
• غيبٌ تحقق
• علمٌ تأكد
قال الله تعالى:
﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فصلت: 53]


الوسوم:


مقالات ذات صلة