هل من الممكن تصنيع خلية حية … خاطرة بيولوجية
السبت/أغسطس/2025
ا.د. محمد لبيب سالم
أستاذ علم المناعة
كلية العلوم – جامعة طنطا
وما الخلية الحية سوي غشاء رقيق يحيط بسائل هلامي تذوب فيه سكريات ودهون وبروتينات تفرز من مجموعة من الأجسام الصغيرة التي تعوم فيه مع وجود نواة في وسط الخلية عبارة هي الأخري عن غشاء رقيق يحيط بالمادة الوراثية الساكنة فيها ومعها بعض البروتينات. تلك هي الخلية التي رغم بساطتها إلا أنها تحتاج لكتاب كبير لتدوين كل مكوناتها وشرح تفاصيل تركيباتها ووظائفها والتعاون فيما بينها.
هل هناك أبسط من ذلك في خلق أي كائن حي !!!! بالطبع لا. فالكائن الحي قد يكون مجرد خلية واحدة مثل الأوميبا أو البرامسيوم أو البكتيريا. وقد تتراص أكثر من خلية من نفس النوع لتشكل كائن حي أكبر وقد تتحد أنواع مختلفة من الخلايا لتكون كائنا معقد حتي نصل إلي أكثر الكائنات تعقيدا في خلقه وهو الإنسان.
والكائن وحيد الخلية مثل الأوميبا والبرامسيوم يستطيع العيش فترات طويلة مع أنه خلية واحدة. ولكنك لو انتزعت خلية من كائن حي سواء نبات أو حيوان ستموت فورا وقد تعيش لأيام قليلة إذا قمت بتنميتها في المزارع الخلوية في المعمل. ولا أحد يعلم السر الحقيقي وراء طول حياة خلية واحدة مثل البرامسيوم خلقت وحيدة الخلية وتموت وحيدة الخلية علي عكس قصر حياة خلية واحدة تنتزع من بيئتها فلا تستطيع العيش لأيام حتي ولو زودناها بكل انواع الأغذية المناسبة للنمو )بالطبع الخلايا السرطانية استثناء لهذه القاعدة لأسباب سوف نقوم بشرحها في مقال آخر) . إنها أسرار خلق الله العجيبة التي لم يتوصل إلي تفاصيلها العلم حتي الآن رغم التراكم الرهيب واليومي في كم المعلومات البيولوجية والتكنولوجيا والمعلوماتية الحيوية.
والأعجب هو عدم قدرة العلماء حتي الآن علي تصنيع خلية من مكوناتها المفككة . فرغم سهولة تفكيك الخلية لمكوناتها ودراستها جزءا جزء بعد تفكيكها إلا أنه لم يحدث حتي الآن إعادة تجميع هذه المكونات الخلوية المفككة وتحويلها إلي خلية حية. ولا أحد يعرف السبب الذي يقف حائلا أمام العلماء في إيجاد تكنولوجيا تستطيع تجميع مكونات الخلية المنفردة وتحويلها إلي خلية أيا كان نوعها. حتي التفكير في الموضوع نظريا معقد للغاية نظرا لأن كل خلية لها طبيعة مكوناتها الخاصة ونسبها المحددة من السكريات والدهون والبروتينات بما فيها الإنزيمات والهرمونات رغم التشابه العام في تركيب الخلايا أيا كان نوعها.
وهناك نوعان من التكنولوجيا الخلوية والمعترف بهما حاليا استطاع العلماء التوصل إليهما منذ فترة وتطبيق نتائجهما في المعمل والحياة. التكنولوجيا الأولي هي القدرة علي نقل نواة خلية بالغة أيا كانت ووضعها بدلا من نواة خلية بويضة وهو ما يسمي بتكنولوجيا الإستنساخ. والتكنولوجيا الثانية هي تكنولوجيا توليد خلايا بالغة من خلايا جذعية . وتعتمد تلك التكنولوجيا علي محاكاة ما يحدث في الكائن الحي من تحويل الخلايا الجذعية الموجودة بطبيعة الحال في الجنين أو نخاع العظم أو دم الحبل السري أو التجمعات الدهنية إلي خلية بالغة محددة دون غيرها وذلك بإستخدام خلطة من مواد محددة من البروتينات المناسبة لكل نوع من أنواع الخلايا.
وعلي عكس تكنولوجيا الإستنساخ التي لا تحدث في الطبيعة في أي كائن حي والتي نجح العلماء في التوصل إليها كتوليفة جديدة ، فتكنولوجيا تحويل الخلية الجذعية إلي خلية بالغة محددة دون الأخري تحدث بصورة طبيعية في الكائن الحي. ولذلك فقد كان سهلا علي العلماء محاكاتها في خارج الجسم بعد أن اكتشفوها في داخل الجسم وفهموا إلي حد كبير آلية عملها.
ولذلك فقد يكون الحائل وراء إعادة تجميع مكونات الخلية المفككة وتحويلها إلي خلية أن هذه التكنولوجيا لا تحدث طبيعيا في جسم الكائن الحي أو علي الأقل لم يكتشف العلماء طريقة لاكتشاف حدوثها حتي الآن نتيجة لعدم وجود التكنولوجيا المناسبة. ولكن من يدري فقد يستطيع العلماء إيجاد توليفة غير موجود في الطبيعة كما فعلوا في حالة الإستنساخ وبالتالي من الممكن تصنيع خلية حية من مكونات خلوية ثابتة . وقد يبدأ ذلك بتجربة إمكانية شفط السائل الخلوي من خلية بالغة وحقنه في خلية أخري بالغة بعد تفريغها من السائل الخلوي. ولكن حتي لو نجح ذلك وهو جائز علميا جدا ، فهو لا يجيب عن التحدي في تصنيع خلية كاملة من مكوناتها المنفردة.
ومن وجهة نظري البسيطة والمتواضعة أعتقد أن تصنيع خلق خليه حية من مكوناتها المفككة هوسؤال علمي مشروع ولكني اعتبره محض خيال علمي وتحدي كبير للعلماء أن يصلوا اليه . وأظن أن هذا التحدي سيظل شاهرا سيفه في وجه العلماء إلا إذا أراد الله أن يكشف لعباده عن هذا السر والذي لو حدث لجعل العلماء أخطر من الشيطان علي الحياة لأن في هذه الحالة تتخطي شرور الانسان من الوسوسة كالشيطان والعياذ بالله إلي تصنيع كائنات حية وهذا ما اعتبره من المستحيلات .
وفي النهاية ، إنه الخالق الأعظم الذي خلق الكائنات الحية بأسرارها التي سمح لنا أن نعلم منها القليل وما زلنا نجهل منها الكثير.
خالص تحياتي