من عجائب جلد الإنسان – الإحساس بألم العذاب: الجزء الأول

“إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً{56}”[ســورة النساء]
مدخــــل:
يجب التنبيه، في البداية، على أن حديثنا في الإشارات العلمية للآيات القرآنية إنما يتناول فقط ما يجري في الحياة الدنيا، وهذه قاعدة من قواعد المنهج العلمي الذي شرحناه في كتابنا “الإشارات العلمية في القرآن الكريم- بين الدراسة والتطبيق” (الطبعة الأولى، دار الفكر العربي بالقاهرة، 1995م)، ولكننا وجدنا في الآية الحالية – وهى وإن كانت في أمر من أمور الآخرة- إشارات تفيدنا في حياتنا الدنيا، ونعتذر مقدما إن كنا قد خالفنا هذه القاعدة… !!
ولعل فيما أورده الشيخ محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)، في ثنايا تفسيره لهذه الآية، ما يشفع لنا بالولوج في بحار هذه الآية… يقول – رحمه الله: نحن نعلم أن الحق سبحانه وتعالى أنزل كتابا هو القرآن، وجعله معجزة ومنهجا، وهذه هى الميزة التي امتاز بها الإسلام، فمنهج الإسلام هو عين المعجزة، وكل رسول من الرسل كان منهجه شيئا ومعجزته كانت شيئا آخر. والمنهج القرآني فيه أحكام، والأحكام معناها افعل كذا، ولا تفعل كذا… وأما آيات الله الكونية التي لا تتأثر، فقد طمرها الله وسترها في القرآن مع إشارة إليها، لأن العقل المعاصر لنزول الكتاب لم يكن قادرا على استيعابها في زمن الرسالة… وكل الآيات الكونية لم يعط الله أسرارها إلا بقدر ما تتسع العقول، وترك في كتابه ما يدل على ما يمكن أن تنتهي إليه العقول الطموحة بالبحث العلمي… والبشرية عندما تكتشف شيئا جديدا، نقول لهم: القرآن مسّها وجاء بها، فيقولون: عجبا هل فعل القرآن ذلك منذ أربعة عشر قرنا، على الرغم من أنه نزل ليخاطب أمة أمية، وجاء على لسان رسول أميّ. ونقول: نعم…
ويقول – رحمه الله: .. والجلود والأحاسيس شرحناها من قبل، ونظرية “الحسّ” – كما نعرف – شغلت العلماء الماديين، وأرادوا أن يعرفوا كيف نحسّ؟ فمنهم من قال: نحن نحسّ بالمخ… وبعض العلماء قال: إن الإحساس يتم عن طريق النخاع الشوكي والحركة العكسية… ثم انتهوا إلى أن الإحساس إنما ينشأ بشعيرات حسية منبطحة مع الجلد … فمركز الإحساس في الإنسان هو الشعيرات الحسية المنبطحة على الجلد، بدليل أن ربنا أوضح: أنه عندما يحترق الجلد يمتنع الإحساس، فأنا أبدل لهم الجلد ليستمر الإحساس… إذن، فالآية مسّت قضية علمية معملية، لو أن القرآن تعرّض لها بصراحة وجاء بصورة في الإحساس تقول: (يا بني آدم محلّ الإحساس عندكم الجلد)، لما فهموا شيئا، لكنه تركها حتى تنضج في عقول البشر على مهل…
جولة في كتب التفسير:
الآية محل التدبّر الآن هى قول الله تعالى في كتابه العزيز : “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً{56}” [ســورة النساء]، يخبر الله تعالى في هذه الآية عمّا يعاقب به في نار جهنم مَن كفر بآياته، وصدّ عن رُسله، بأنه سيدخلهم نارا دخولا يحيط بجميع أجرامهم وأجزائهم. ثم يخبر عن دوام عقوبتهم ونكالهم، وأنه كلما احترقت جلودهم، بُدلوا جلودا غيرها، حتى إنه ليتبدل في الساعة مائة مرة – كما روى عن عمر، وفي رواية مائة وعشرين مرة، وكلتا الروايتين عن عمر يرفعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي تبديل الجلود أثناء العذاب في الآخرة أسئلة يعرضها الفخر الرازي (ت 606 هـ) (في تفسيره “مفاتيح الغيب”)، ويجيب عنها: السؤال الأول: لما كان الله تعالى قادرا على إبقائهم (أيْ الكفار) أحياء في النار أبد الآباد، فلم لم يبق أبدانهم في النار مصونة عن النضج والاحتراق مع أنه يوصل إليها الآلام الشديدة، حتى لا يحتاج إلى تبديل جلودهم بجلود أخرى؟ والجـواب: أنه تعالى لا يُسـأل عما يفعل، بل نقول: إنه تعالى قادر على أن يوصل إلى أبدانهم آلاما عظيمة من غير إدخال النار مع أنه تعالى أدخلهم النار. السؤال الثاني: الجلود العاصية إذا احترقت، فلو خلق الله مكانها جلودا أخرى وعذبها كان هذا تعذيبا لمن لم يعص، وهو غير جائز؟ والجواب: هنا وجوه، منها: أن يجعل النضج غير النضيج، فالذات واحدة والمتبدل هو الصفة، فإذا كانت الذات واحدة كان العذاب لم يصل إلا إلى العاصي، وعلى هذا التقدير المراد بالغيرية التغاير في الصفة… المُعذّب هو الإنسان، وذلك لأن الجلد ما كان جزءً من ماهية الإنسان، فإذا جدد الله الجلد وصار ذلك الجلد الجديد سببا لوصول العذاب إليه لم يكن ذلك تعذيبا إلا للعاصي… وكلما ظنوا أنهم احترقوا ونضجوا وانتهوا إلى الهلاك أعطاهم الله قوة جديدة من الحياة بحيث ظنوا أنهم يحدثوا ويجددوا، فيكون المقصود من “… بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا... ” بيان دوام العذاب وعدم انقطاعه… وبنحو هذا كان تفسير القمي النيسابوري (ت 728هـ) (في تفسيره “غرائب القرآن وغرائب الفرقان”)… وتفسير أحمد بن عجيبة (ت 1224 هـ )(في”البحر المديد في تفسير القرآن المجيد”)… ويقول الألوسي (ت 1270 هـ) (في تفسيره “روح المعاني”): “… كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ... “، أيْ احترقت وتهرّت وتلاشت، و”كلما” ظرف زمان، والعامل فيه “... بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا… “، أيْ أعطيناهم مكان كل جلد محترق عند احتراقه جلدا جديدا مغايرا للمحترق صورة وإن كانت مادته الأصلية موجودة… “... لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ “: … والتعبير عن إدراك العذاب بالذوق من حيث أنه لا يدخله نقصان بدوام الملابسة، أو للإشعار بمرارة العذاب مع إيلامه، أو للتنبيه على شدة تأثيره من حيث أن القوة الذائقة أشد الحواس تأثيرا، أو على سرايته للباطن… ولعل السرّ في تبديل الجلود مع قدرته تعالى على إبقاء إدراك العذاب وذوقه بحال مع الاحتراق، أو مع بقاء أبدانهم على حالها مصونة عنه أن النفس ربما تتوهم زوال الإدراك بالاحتراق ولا تستبعد كل الاستبعاد أن تكون مصونة عن التألم والعذاب صيانة بدنها عن الاحتراق. وقيل: السر في ذلك أن النضج والتبديل نوع إياس لهم وتجديد حزن على حزن.
ومن المفسرين المحدثين، نختار اثنين، هما محمد الطاهر بن عاشور (ت 1393 هـ) ومحمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)… يقول ابن عاشور (في تفسيره “التحرير والتنوير”): تهديد ووعيد لجميع الكافرين، فهي أعمّ ممّا قبلها، فلها حُكم التذييل، ولذلك فُصلت. والإصْلاء: مصدر أصلاهُ، ومعناه شيُّ اللحم على النار… و”نضجت” بلغت نهاية الشيّ، يقال: نضج الشِّواء إذا بلغ حدّ الشيّ، ويقال: نضج الطبيخ إذا بلغ حدّ الطبخ. والمعنى: كلّما احترقت جلودهم، فلم يبق فيها حياة وإحساس، بدّلناهم، أيْ عوّضناهم جلودا غيرها، والتبديل يقتضي المغايرة كما تقدّم في قوله في سورة البقرة: “أتستبدلون الذي هو أدنى (61)” [سورة البقرة]… وقوله: “ليذوقوا العذاب” تعليل لقوله: “بدّلناهم” لأنّ الجِلد هو الذي يوصل إحساس العذاب إلى النفس بحسب عادة خلق الله تعالى، فلو لم يبدّل الجلد بعد احتراقه لما وصل عذاب النار إلى النفس. وتبديل الجلد مع بقاء نفس صاحبه لا ينافي العدل لأنّ الجِلد وسيلة إبلاغ العذاب وليس هو المقصود بالتعذيب، ولأنّه ناشىء عن الجلد الأوّل، كما أنّ إعادة الأجسام في الحشر بعد اضمحلالها لا يوجب أن تكون أناسا غير الذين استحقّوا الثواب والعقاب لأنّها لمّا أُودعت النفوسَ التي اكتسبت الخيرَ والشرّ فقد صارت هى هى ولا سيما إذا كانت إعادتها عن إنبات من أعجاب الأذناب، حسبما ورد به الأثر، لأنّ الناشىء عن الشيء إنما هو منه كالنخلة من النواة.
ويقول الشعراوي (في تفسيره “خواطر”): … و”نُصْلِيهِمْ” من الاصطلاء، قد يقول قائل: ما دام يصلى النار، وكلنا يعرف أن نار الدنيا حين تحرق شيئا ينتهي إلى عدم، وحين ينتهي إلى عدم، إذن: فلا يوجد ألم! ونقول: لتنتبه إلى أن الحق سبحانه وتعالى يقول في هذا الأمر “كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ” إذن، فالعذاب ليس كنار الدنيا، لأن نار الدنيا تحرق وتنتهي المسألة، أما نار الآخرة فإنها عذاب سرمدي دائم مكرر، فإذا ما حرّقت الجلود فإن جلودا أخرى ستأتي، أهى عين الأولى أم غيرها؟ وحتى أوضح ذلك: أنت عندما يكون عندك خاتم مثلا، ثم تقول: أنا صنعت من الخاتم خاتما آخر، فالمادة واحدة أيضا، فهل التعذيب للجلود أم للأعضاء؟ إن العذاب دائما للنفس الواعية، بدليل أن الإنسان قد يصيبه ورم فيه بعض الصديد “دُمّل” يتعبه ولا يقدر على ألمه، وبعد ذلك يغفل فينام، بمجرد أن ينام فلا ألم. لكن عندما يستيقظ يتألم من جديد. إذن، فالألم ليس للعضو بل للنفس الواعية. وهكذا تجد أن الجلود والأعضاء ليس لها شأن بالعذاب، إنما هى موصلة للمعذب، والمعذَّب هى النفس الواعية، بدليل أنها ستشهد علينا يوم القيامة، تشهد الجلود والجوارح، وستكون آلة لتوصيل العذاب. “كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ..” ، فتكون علّة التبديل للجلود التي أحرقت بجلود جديدة كي يدوم العذاب… ويذيل الحق الآية: “إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً”، والعزيز هو الذي لا يُغلب ولا تَقدر أن تحتاط من أنه يهزمك أبدا، فقد يقول كافر: لقد تلذذنا بالمعصية مرة لمدة خمس دقائق، ومرة لمدة ساعتين فما يضيرني أن يحترق جلدي وتنتهي المسألة!! نقول له: لا، إن الذي يعذبك لا يُغلب فسوف يديم عليك العذاب بأن يبدل لك الجلد بجلد آخر، وسبحانه حكيم. فالمسألة ليست مسألة جبروت يستعمله، لا، هو يستعمل جبروته بعدالة… وبعد أن جاء بالعذاب أو بالجزاء المناسب لمن رفضوا الإيمان، لم ينس المقابل لكي يكون البيان للغايتين: غاية الملتزم وغاية المنحرف، ولذلك يقول الحق بعد ذلك: “وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً{57}”[سورة النساء].

الشبكة العصبية في الجلد:
الجلد أكبر عضو من أعضاء جسم الإنسان، من حيث المساحة، فمتوسط مساحته هو 1.8 متر مربع، وهو يحيط بالجسم كله فيحميه ويكسبه مظهر جميلا، كما أنه يتلقى المؤثرات الواقعة على الجسم من خارجه، وتظهر عليه انفعالات الجسم… ويتــركب الجــلد- كــما توصــلت إلــيه البحوث الحديثة – من ثلاث طبقات، الخارجية (السطحية) الرقيقة، وتسمى البشرة (Epidermis) ، والوســطى (المتوسطة)، وتســــمى الأدمة Dermis))، وهى الجلد الحقيقي، والداخلية (السفلي) وتسمى النسيج تحت الجلدي (Subcutaneus tissue). وأما البشرة فهى طبقة خالية من الأوعية الدموية، وتقوم بحماية الجسم من التأثيرات الخارجية والصدمات. وهى أرق طبقات الجلد، وإن كانت تتألف من أربع طبقات ثانوية، بالإضافة إلى طبقة خامسة في مناطق، مثل راحة اليد وباطن القدم، وتسمى “الطبقة الصافية”، أيْ “الطبقة الرائقة “. وأما الأدمة فتحتوي أوعية دموية، وغدد عرقية، وبصيلات الشعر، والنهايات العصيبة المستقبلة للألم والشعور بالحرارة والبرودة واللمس وخلافه، كما أنها هى التي تحدد “تخانة” الجلد في مناطق مثل راحة اليد وباطن القدم. وتتراوح تخــانة الجلد بين 2/1 ــ 5 ملليمترات، بحسب مناطق الجسم.
هكذا، يتضح بالتشريح الدقيق للجلد وجود شبكة من الألياف العصبية، توجد بها نهايات عصبية حرة، في طبقات الجلد، وتقوم هذه النهايات باستقبال جميع المؤثرات الواقعة على الجلد من البيئة الخارجية المحيطة به، من درجة حرارة، إلى رطوبة، إلى ضغط، إلى لمس، إلى ألم … إلخ . كما تتحمل هذه الشبكة العصبية المسئولية في تنظيم عمل المكونات الأخرى الموجودة بالجلد، مثل الغدد الجلدية وأجربة (Follicles) الشعر والأوعية الدموية (Blood vessels).
ومـما يـذكر فـي هــذا المقــام أن الطــبقة السفلي “تحت الأدمة ” غنية بالنهايات العصبية المسئولة عن الإحساس بالضغط ، لكنها ــ أي إن الطبــقة السفــلي ــ فقــيرة فــي مستقبلات الألم واللمس. وتتباين هذه النهايات العصبية (المستقبــلات ــ Receptors) في الإحساس بالألـم والشـعـور بــه ، وهى المســـــــئولة عــن اللمّـــس “الاحتكاك” والضغط وغيرهما… وخلاصة القول: إن الجلد عضو إحساس من الطراز الأول، وبه خريطة مدهشة من الأعصاب، لم يتم الكشف عنها إلا في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين، بعدما تقدم وســائل البحــوث الحديـثة فــي كــل مــن علــم التشريح (Anatomy)، وعلـم الأنسجة (Histology) وغيرهما من العلوم …
إننا لن نفصّل القول في الآلية (الميكانيكية) التي تعمل بها الأعصاب في جسم الإنسان، فمن يريد هذا التفصيل عليه مطالعة الكتب الطبية، ولسوف نوجز فنقول: إن هذه المستقبلات الحسية المنتشرة في طبقات الجلد تستقبل المؤثرات البيئية الواقعة عليها طوال اليوم، ويتحول كل مؤثر (حرارة أو لمس أو ضغط أو كي أو غيرها) إلى نبضات كهربية (Electric impulses) بداخل الأعصاب التي توجد هذه المستقبلات بأطرافها، وتنتشر وتنتقل هذه النبضات على امتداد هذه الأعصاب إلى الدماغ (المخ) ــ وهو المركز الرئيـس فــي الجـهاز العــصبي للإنــسان ــ فــتتم تــرجمة الـمؤثر المـستقـبل (Received stimulus) وبيان نوعه، وتحديد الاستجابة (Response) المناسبة تجاهه، إن كانت بالسلب أم بالإيجاب. أما في الأولى فتنفعل عضلات الإنسان لإبعاده عن موقع المؤثر السيئ، وأما في الثانية فتنفعل عضلاته نحو هذا المؤثر وتقترب منه أكثر… ويستطيع الإنسان أن يشعر بالمؤثر الواقع على الجلد مادام يقع هذا المؤثر يفع داخل حدود معينة من الشدة (التردد Frequency) ، فإذا انخفضت شدته عن الحدّ الأدنى لم يشعر به الجلد، وإذا ارتفعت شدته عن الحدّ الأقصى شعر الجلد بألم… وقد ترتفع شدة المؤثر بدرجات كبيرة فتكون استجابة الجلد عنيفة وتؤدي إلى حدوث صدمة أو هبوط في الدورة الدموية وفقدان للوعي. وبالطبع، فإن هناك أجهزة أخرى غير الجلد يصيبها الإعياء والهبوط الوظيفي والتوقف عن العمل نتيجة تألم الجلد، أيْ استجابته للمؤثر الواقع عليه، ولكن يبقى الجلد هو العضو الوحيد في جسم الإنسان المسئول عن الشعور بالألم.
عندما يتعرض الجلد للإحراق فإنه يتألم، أيْ ينقل الإحراق (كمؤثر) إلى الدماغ فيترجمه، وتكون النتيجة هى شعور الجسم بالألم، وإذا كان الحرق من الدرجة الأولى
(سطحي) تلتهب الطبقة الخارجية للجلد وتحمر ويتورم الجلد، ويصحب هذا آلام موضعية شديدة نتيجة لتأثير الحرق في الألياف العصبية. وتحدث هذه الحروق- مثلا- نتيجة التعرض فترة طويلة للشمس المباشرة ساعات الظهيرة… وإذا كان الحرق من الدرجة الثانية (أدمي) يشتد الألم لدرجة أن الجسم يفقد من السوائل ويتأثر ضغط الدم الشرياني وتتضرر الدورة الدموية، وقد يصاب الجسم بصدمة عنيفة. ويلاحظ في هذه الدرجة تكون أكياس مائية مختلفة الأحجام على البشرة، وقد تتمزق بسهولة، لتخرج سائلا ملحيا، أو تنزف دما… وإذا كان الحرق من الدرجة الثالثة (تحت جلدي) فإن الحرارة الشديدة للحرق تؤدي إلى حدوث تلف شديد للطبقات العميقة بالجلد والأنسجة المجاورة، وتؤدى أيضا إلى التفحم الجلدي، واضطراب وظائف العظام والعضلات، كما تؤدي إلى تجلط بروتينات الألياف العصبية،وتكون النتيجة هى توقف هذه الألياف عن العمل، أيْ لا تكون قادرة على الإحساس بالمؤثر(الحرق)، وبالتالي يتوقف شعور الإنسان بالألم …!! وإلى اللقاء في الحلقة القادمة لنتعرف على إشارات علمية مدهشة في الآية محل التدبر…

مصدر الصورة https://commons.wikimedia.org/wiki/File:Skin_layers.svg


الوسوم:

مقالات ذات صلة