معنى الأحرف المفردة في القرآن الكريم


الأحد/ديسمبر/2019
   

معنى الأحرف المفردة في القرآن الكريمنص السؤال:

السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
أحد الملحدين أراد مني أن أثبت له أن القرآن لا يحتوي كلمات لا معنى لها، و كان يقصد بتلك الأحرف مثل سورة يس و القرآن على حسب قوله ان أحرف ” يس” هي مجرد أحرف لا معنى لها و جائت من عبث استغفر الله العظيم.
و أردت من فضيلتك بعض من الدلائل التي تثبت أن هذه الأحرف اعجاز عملي لكي يصدق هذا الملحد ولعلي أكون سبب في هدايته للدين الإسلامي
أرجو الرد للأهمية.
أخوكم
قام بالرد على هذا السؤال:

فضيلة الشيخ الدكتور المحامي مسلم محمد جودت اليوسف أستاذ الفقه الإسلامي.

أقول مستعيناً بالله العظيم :
ورد في القرآن الكريم تسع وعشرون سورة ا فتُتِحَت بحروف هجائية تُقرأ مقطعةً بأسمائها هكذا : ألف – لام – ميم.. و كان منها ما افتتح بحرف واحد مثل : ص – ق – ن.
و منها ما افتتح بحرفين مثل : طه – يس.
و منها ما افتتح بثلاثة أحرف مثل : ألم.
و منها ما افتتح بأكثر من ذلك مثل : كهيعص.
و ليس لهذه الحروف في اللغة العربية سوى مسمياتها التي ينطق بها في الكلمات المركبة. و لم يرد من طريق صحيح عن النبي – صلى الله عليه وسلم -بيان للمـراد منها , و لذلك اختلف أهل العلم فيها اختلافاً كثيراً , و هذه الأراء على كثرتها و تنوعها ترجع إلى رأيين اثنين :
أولاً : أنها جميعاً مما استأثر الله به و لا يعلم معناه أحد سواه و هذا رأي كثيرمن سلف هذه الأمة.
ثانياً : أن لها معنى , و ذهبوا في معناها مذاهب شتى نُثِرت في كتب التفسير و لعل أقرب هذه الآراء إليَّ هي : أن هذه الأحرف ما هي إلا زيادة في التحدي بالقرآن , بمعنى أن هذه الأحرف ليست مادة غريبة عليكم و لا مجهولة لكم , و رغم هذا فأنتم لا يمكن أن تأتوا بمثلها مما يدل على أن هذا القرآن ليس من صنع البشر إنما هو من عند الله تعالى , قال عز و جل : ( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة:23)
و قال أيضاً : ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الاسراء:88).
و يقال عزو جل: ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (هود:13)
( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِين * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) (الشعراء:192-193-194 )
و يدل قو لـه تعالى : ( نزل به الروح الأمين).

دلالة قطعية على عدة أمور عدة منها :
1- أن هذا القرآن منزل من عند الله تعالى و نزل به الروح الأمين و هو جبريل عليه السلام فأوحاه للنبي محمد – صلى الله عليه وسلم -.
2- أن هذا القرآن هو من عند الله عز و جل و ليس فيض من نفس النبي – صلى الله عليه وسلم – أو غير ذلك مما تقول طوائف من الفلاسفة و الملحدين و أمثالهم.
و قد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء عن بعض معاني الآيات مثل ( حم – ألم – ألمص – حم – عسق ) ( الفتوى رقم 6395) فأجابت بما يلي :
فيه آراء للعلماء , و الراجح أنها ذكرت هذه الحروف – و الله أعلم – في أول السور التي ذكرت فيها , بياناً لإعجاز القرآن , و أن الخلق عاجزون عن معارضة بمثله , هذا مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها , و هذا هو الذي نصره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله و ارتضاه أبو الحجاج المزي رحمه الله.
و اعلم أخي الفاضل : أننا نبين الحق كما هو فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر والله الهادي إلى سواء السبيل.
قال تعالى في محكم التنزيل : ( وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً) (الكهف:29).
فنحن يا أخي لا نملك إلا هداية الدلالة لمن في قلبه نور ، فنبين لـه الحق فيهديه الله , و أنت بِّين لهذا السائل الحق كما هو و اسأل الله لـه الهداية و لا تحزن إن لم يؤمن , فإن آمن فلله الحمد و المنة على هدايته و لك الأجر و الثواب لقاء هذا العمل الجليل , و إن لم يؤمن فا الله جعلك حجة عليه في الموقف العظيم.

و أختم مقالتي هذه بكلام نقلته من كتا ب الفوائد المشوِّق إلى علوم القرآن وعلم البيان لابن قيم الجوزية رحمه الله , حيث قال : ( روي أن يهودياً في مجلس المتوكل فأحسن الكلام , و ناظر فعلم أنه من حملة الإعلام و ناضل فتحققوا أنه مسدد السهام فدعاه المتوكل إلى الإسلام فأبى و أقام بفرط الإباء على مذهب الآباء بعد أ ن بذل له المتوكل ضروباً من الأنعام و صنوفاً من الرفعة والاكرام و راجعه في ذلك مرة بعد أخرى فلم يزده ذلك إلا طغياناً و كفراً فغاب عنه مدة ثم دخل إلى مجلسه و هو يعلن الإسلام و يدين دينه فقال لـه المتوكل : أسلمت ؟ قال : نعم. قال : ما سبب إسلامك ؟ فقال : لما قطعت من عنقي قلادة التقليد و صرتُ من رتبة الاجتهاد إلى مرتقى ما عليه مزيد نظرت في الأديان و طلبت الحق حيث كان فأخذت التوراة فنظرت فيها و تدبرت معانيها و كتبتها بخطي و زدت فيها و نقصت و دخلت بها السوق و بعتها فلم ينكر أحد من اليهود شيئاً , و أخذت الانجيل و زد ت فيه و نقصت و دخلت به السوق و بعته فلم ينكر أحد من النصارى منه شيئاً , و زدت فيه و نقصت و دخلت به السوق و بعته فلم ينكر أحد من النصارى منه شيئاً , و أخذت القرآن و قرأته و تأملته فإذا : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا لـه لحافظون ) فكتبت و زدت فيه و نقصت و دخلت السوق و بعته فنظر فيه المسلمون فعرفوا المواضع التي زدت فيها و نقصت , و ردوا كل كلمة إلى موضعها و كل حرف إلى مكانه , فعلمت أنه الحق لتحقيق وصفه بأنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فآمنت به و صدَّ قت ما جاء به.
و الله الهادي

يمكن مراسلة فضيلة الدكتور مسلم اليوسف

[email protected]


الوسوم:

مقالات ذات صلة