معجزات النباتات – غبار الطلع
الخميس/يناير/2020
تمتلك النباتات -التي لها أهم دور في التوازن البيئي العالمي وفي استمرارية الحياة- نظام تكاثر أكثر فاعلية نسبياً من أي نظام آخر لدى الكائنات الحية، وبفضل هذه الخاصية المميزة تتكاثر النباتات بدون صعوبة، ويكفي أحياناً أن تُقطع ساق نبات وتوضع في التربة أو أن تحط حشرة على زهرته ليتكاثر.
إن نظام التكاثر في النباتات والذي يعتبر معقدا أذهل العلماء على الرغم من أنه يبدو بسيطاً ظاهرياً. حياة جديدة تبدأ بعد ترك النبات الأصلي، بعض النباتات ليس لها جنس منفصل لكنها تستمر في عملية تكاثر السلالة كجنس واحد بواسطة طرق خاصة، فالجيل الجديد الذي ينشأ نتيجة لعملية التكاثر بهذه الطريقة هو نسخة طبق الأصل، وأفضل وسيلة تكاثر لا جنسي معروفة لدى النباتات هي فصل سويقات النبات إلى أجزاء مختلفة، تتم طريقة التكاثر (بتقسيم السويقات أو تعديلها) -بمساعدة بعض الأنزيمات الخاصة- بشكل نموذجي لعدد كبير من النباتات، فعلى سبيل المثال: تتكاثر الأعشاب والفريز باستخدام سويقات أفقية تُعرف بــ ـ‘الأغصان الهوائية ‘، أما في حالة البطاطا وهي نبات ينمو تحت الأرض فتتكاثر بتشكيل جذمورات تكبر لتصبح في النهاية سويقات أرضية شبيهة بالجذر، بالنسبة إلى أنواع معينة من النباتات يكفي وقوع قسم من أوراقها على الأرض لينبت نبات آخر.
مثال: ينتج النبات الطحلبي المسمى Bryophyllum daigremontianumالأعراس تلقائياً على حافة أوراقه، وتسقط في النهاية على الأرض وتبدأ في حياة مستقلة (1)، في بعض النباتات الأخرى مثل البيغونية الاستوائية عندما تسقط أوراقها على تربة رملية رطبة سرعان ما تبدأ الأعراس في النمو حول قاعدة الورقة، وفي وقت قصير تبدأ في تشكيل نبات جديد يشبه الأصل (2) ما هو الشيء الضروري والأساسي للنبات لكي يتكاثر؟ هل هو بقطع قسم منه؟ إذا أخذنا الأمثلة السابقة بعين الاعتبار فمن السهل الإجابة على هذا السؤال بعد فحص الهيكلية الجينية للنبات المقصود مثل جميع الكائنات الحية فإن للنباتات خواص هيكلية مميزة في تركيب الـ DNA في خلاياها بمعنى آخر:
كيف يتكاثر النبات؟ كيف يتنفس؟
كيف يحصل على غذائه ولونه ورائحته وطعمه؟
ما هو مقدار السكر فيه؟
توجد هذه المعلومات وغيرها بدون استثناء في خلايا النبات، وتمتلك خلايا جذر النبات معرفة كيفية قيام الأوراق بالتركيب الضوئي، وتعرف خلايا الأوراق كذلك مقدار الماء الذي ستمتصه الجذور من التربة، وباختصار توجد شفرة وتصميم لتكوين نبات جديد كامل في أي فرع يترك النبات، وتوجد جميع خواص النبتة الأم الجينية كاملة بأدق التفاصيل في كل خلية، وفي كل جزء صغير يقتطع منها في هذه الحالة، كيف ومن أعطى المعلومات المخزنة في كل جزء من النبات لتشكيل نبات جديد؟
إن المعلومات الكاملة الموجودة داخل كل خلية من خلايا النبات لا يمكن أن تنسب إلى الصدفة؛ أو إلى النبات نفسه أو إلى المعادن والفلزات الموجودة في التربة هذه أجزاء النظام التي تكون النبات، وكما يحتاج مهندس المعمل إلى برنامج لروبوتات خط الإنتاج لأن الرجال الآليين لا يمكنهم وضع التعليمات بأنفسهم، فكذلك يجب أن يكون هناك من يعطي النباتات الصيغة الضرورية للنمو والتكاثر؛ لأنها تشبه الروبوتات.
إنّ الله تعالى هو الذي وضع المعلومات الضرورية في خلايا النباتات كما هو الأمر مع جميع الكائنات الحية في العالم، الله تعالى بدون شك هو خالق كل شيء بشكل كامل، وهو عالم بخلقه وتكوينه، ويشير الله إلى هذه الحقيقة في عدد من الآيات القرآنية الكريمة:
قال الله تعالى: (الذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِع البَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ أَرْجِع البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِب إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهوَ حَسِيرٌ) [سورة الملك:3-4].
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ الله لَطِيفٌ خَبِيرٌ)[سورة الحج:63].
التكاثر الجنسي:
يسمى التكاثر بواسطة أعضاء التكاثر المذكرة والمؤنثة في النبات بالتكاثر الجنسي، وتُظهر الأزهار اختلافات في الخواص مثل الشكل واللون وغلاف خلايا التكاثر والبتلات؛ لكن بالرغم من هذا التنوع في التركيب فجميع الأزهار لها الوظائف الأساسية نفسها، وهي إنتاج خلايا تكاثر والتحضير لانتثارها وتخصيب خلايا التكاثر الأخرى التي تصلها عند تفتح الأزهار يظهر غبار الطلع وهو الخلايا الذكرية للنبات، ودورها هو أن تصل إلى الأعضاء الأنثوية في أزهار السلالة نفسها وتلقحها لتضمن استمرارية النوع، لكل نبات طريقته الخاصة أو آليته التي يستخدمها لإرسال غبار الطلع، فبعض النباتات تستفيد من الحشرات بينما تستفيد نباتات أخرى من قوة الريح، وأهم نقطة في تخصيب النباتات هي بدون شك حقيقة أن كل نبات يخصب نباتاً آخر من النوع نفسه أو السلالة نفسها، ولهذا السبب فمن المهم جداً أن يصل غبار الطلع إلى النبات الصحيح، كيف لا تحدث فوضى خلال عملية التخصيب خاصة في فصل الربيع حيث يكون هناك العديد من حبات غبار الطلع في الجو؟ وكيف تتحمل حبات غبار الطلع الرحلات الطويلة والظروف المتغيرة؟ سنعرف الجواب على هذه الأسئلة عندما ندرس تركيب غبار الطلع وأنظمة انتثارها.
غبار الطلع جينات معبأة بشكل مثالي:
غبار الطلع هو مادة على شكل مسحوق يُنتج في الأسدية (الأعضاء الذكرية للأزهار)، ومن ثم ينتقل إلى القسم الخارجي من الزهرة؛ وعند وصوله يبدأ في النمو ويصبح جاهزاً لتخصيب النسل التالي، وهذه هي أول مرحلة في حياة غبار الطلع، لنلق نظرة على تركيب غبار الطلع فهو مصنوع من عضويات بالغة الصغر لا ترى بالعين المجردة، (حجم كل حبة غبار طلع لشجرة الزان يساوي 2 ميكرون، أما حجم حبة غبار طلع اليقطين فيساوي 200 ميكرون)، والميكرون جزء من ألف من المليمتر، وتتألف حبة غبار الطلع من خليتي نطاف نباتية (خلية مولدة) محتواة في خلية أكبر (خلية أنبوبية).
يمكن أن نشبه كل حبة من غبار الطلع بصندوق يحوي داخله خلايا تكاثر، ومن الضروري أن تكون مخبأة جيداً لحماية حياتها وحفظها من الأخطار الخارجية؛ ولهذا السبب فإن بنية الصندوق قوية جداً وهو محاط بجدار يدعى ‘الكيس الطلعي’، أما الطبقة الخارجية للجدار فتدعى أكسين، وهي المادة العضوية الأكثر مقاومة حسب ما هو معروف في العالم، ولم يعرف تركيبها الكيميائي بشكل كلي حتى الآن، وهذه المادة تقاوم أذى الحوامض والأنزيمات، وعلاوة على ذلك لا تتأثر بدرجة الحرارة العالية أو بالضغط العالي، وكما رأينا فقد اتخُذت احتياطات كثيرة ودقيقة لحماية غبار الطلع الهام جداً لاستمرارية وجود النباتات، فحبات الطلع مغلفة جيداً بمادة مقاومة قوية، وبفضل هذا التغليف مهما كانت طريقة انتثار غبار الطلع فيمكنه البقاء حياًّ حتى مسافات بعيدة عن النبات الأم، بالإضافة إلى ذلك تنتثر حبات غبار الطلع بأعداد ضخمة مما يضمن تضاعف النبات مثلما يلاحظ من التركيب الدقيق لغبار الطلع، فقد كشف الله تعالى لنا عن قدرته التي لا تضاهى في جميع الأشياء التي خلقها، وطلب منا أن نتفكر فيها، وقد أشير إلى ذلك في العديد من آيات القرآن الكريم، وفي الآية التالية فيها إشارات خاصة: (وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[سورة الرعد:4].
ترسل النباتات بلايين حبوب غبار الطلع في كل مرحلة إنتاج لها وسبب ذلك أن غبار الطلع يتعرض لمخاطر كثيرة تمنع وصول معظمه إلى الهدف المرسوم له، في الأعلى بعض أشكال حبيبات غبار الطلع والتي يختلف شكلها من نبات آخر
|
عموماً هناك طريقتان مختلفتان لوصول غبار الطلع إلى الأزهار كي تخصبها خلال عملية الانتثار أول مرحلة في عملية التخصيب:
1- يلتصق غبار الطلع بجسم نحلة أو فراشة أو أية حشرة أخرى.
2- تحمل تيارات الهواء غبار الطلع المحمول بالريح، حيث تستفيد العديد من النباتات من الريح لتنثر غبار طلعها من أجل استمرار سلالتها. ويتم تلقيح نباتات مثل البلوط والصفصاف والحور والصنوبر والعشب والقمح.. الخ بواسطة الريح التي تحمل هذه الجسيمات الدقيقة من النباتات إلى نباتات أخرى من الفصيلة نفسها، وبهذا تضمن التخصيب.
ما تزال هناك عدة نقاط لا يستطيع العلماء تفسيرها، والعديد من الأسئلة التي تنتظر الإجابة عليها بخصوص التلقيح بواسطة الريح، ومن ذلك على سبيل المثال:
-كيف تستطيع حبة غبار الطلع من آلاف متنوعة تحملها الريح تمييز نباتات من فصيلتها نفسها؟
-كيف يمكن لحبات الطلع التي يطرحها النبات الوصول إلى أعضاء النبات الأنثوية دون أن تلتصق في مكان آخر؟
– كيف تتخصب الآلاف من النباتات بهذه الطريقة مع أن احتمالات التخصيب منخفضة؟
-وكيف فعلت ذلك عبر ملايين السنين؟
للإجابة على هذه الأسئلة شرع كارل ج نيكلاس وفريقه من جامعة كورنيل في دراسة النباتات الملقحة بواسطة الريح، وكانت النتائج التي تم التوصل إليها مذهلة بالفعل، فقد اكتشف نيكلاس وفريقه أن للنباتات الملقحة بالريح أزهار ذات تركيب ديناميكي هوائي (أيرودينامي) تمكنها من جذب كميات كبيرة من غبار الطلع من الهواء.
ما هو هذا التركيب الأيرودينامي في النباتات؟ ما هو تأثيره؟
للإجابة على هذه الأسئلة علينا أن نشرح ماذا يعني ‘التركيب الأيرودينامي’: تعمل القوى الناشئة من تيارات الهواء على الأجسام المتحركة في الهواء، وتعرف بالقوى الأيرودينامية، والأجسام التي تستطيع التحرك في الهواء تدعى الأجسام ‘ذات التركيب الأيرودينامي’ وتستخدم بعض النباتات تركيبها الأيرودينامي بشكل فعال جداً لكي تستفيد من الريح للتلقيح، وأفضل مثال على ذلك مخاريط الصنوبر المخاريط الأيروديناميكية، ربما يكون أهم سؤال جعل كارل نيكلاس وفريقه يدرسون التلقيح بواسطة الريح هو:
‘كيف تصل كل حبة غبار طلع إلى فصيلتها نفسها دون غيرها على الرغم من وجود عدد ضخم من حبات غبار الطلع في الهواء؟’
هذا ما جعل العلماء يدرسون النباتات التي يتم تخصيبها بواسطة الرياح وخاصة أكواز الصنوبر مخروطية الشكل، تعرف الأشجار ذات المخاريط بارتفاعها وعمرها المديد، وتراكيب المخاريط مذكرة ومؤنثة، ويمكن أن توجد في الشجرة نفسها أو في أشجار مختلفة، وهناك قنوات مصممة خصيصاً في المخاريط لترسم لنفسها المسالك التي تحمل غبار الطلع الذي يصل بسهولة إلى المناطق التي تحتاج إلى تخصيب بفضل هذه القنوات، إنّ المخاريط المؤنثة أكبر من المذكّرة، وتنمو الواحدة بعد الأخرى، وتتألف المخاريط المؤنثة من محور مركزي وحوله العديد من الأبواغ مشابهة لتراكيب الأوراق، وهذه التراكيب على شكل أغطية مشابهة لحراشف السمك، وتشكل كل حرشفة مبيضاً مفتوحاً (ليس له قلم ولا ميسم) مؤلف من خباء واحد في أسفله زائدة صغيرة تسمى القنابة، وفي أعلاه بذيرتان عاريتان (لهذا تسمى عريانات البذور)، وعندما تكون المخاريط مستعدة للإلقاح تأخذ حراشفها في التباعد بعضها عن بعض مما يمكن غبار طلع المخاريط الذكرية من الدخول، بالإضافة إلى ذلك توجد تراكيب خاصة تمكن غبار الطلع من الدخول بسهولة إلى المخروط. مثال: حراشف المخروط المؤنثة مغطاة بوبر دبق، وبفضل ذلك يلتصق به غبار الطلع ويؤخذ بسهولة إلى الداخل للتخصيب، وتتحول المخاريط المؤنثة بعد التخصيب إلى تراكيب متخشبة تحوي البذور، وبعد ذلك تُنبت البذور نباتاً جديداً في ظروف مناسبة، كما تملك المخاريط المؤنثة خاصية مميزة أخرى، فالمنطقة التي تتشكل فيها البيضة (المبيض) قريبة جداً من مركز المخروط، وظاهرياً من الصعب على غبار الطلع أن يصل إلى هذه المنطقة؛ لأنه لكي يصل إلى القسم الداخلي من المخروط عليه الدخول من ممر خاص إلى المركز، ومن النظرة الأولى تبدو هذه المسألة معيقة لتخصيب المخاريط، لكن الدراسات أثبتت أن هذه ليست مشكلة. أجُريت تجربة من خلال تحضير نموذج لمخروط لمعرفة كيفية عمل نظام التخصيب الخاص بالمخاريط، وتمت مراقبة حركة بالونات صغيرة مملوءة بغاز الهليوم في مجرى من الهواء، وتبين أن البالونات الصغيرة تبعت بسهولة مجرى الهواء، وامتلكت خاصية سهولة الدخول إلى الدهاليز الضيقة في المخروط بعد ذلك تم تصوير حركات البالونات في النموذج التجريبي باستخدام تقنية تصوير فوتوغرافية خاصة، ثم تحليل الصور بمساعدة الكومبيوتر وتثبيت اتجاه الرياح وسرعتها اكُتشف تبعاً لنتائج الحاسب أن المخاريط غيرت حركة الريح بثلاث طرق:
أولاً: تم تحويل اتجاه الريح إلى المركز بواسطة الأوراق، ثم بعد ذلك حركت بحركة دائرية وسحبت إلى مكان تشكل البيض.
ثانياً: وجُهت الريح -التي تدور بشكل دوامة وتلمس الأخبية الصغيرة- إلى منطقة تؤدي إلى مركز المخروط.
ثالثاً: تحول المخاريط بفضل نتوءاتها التي تعطي دفعاً للمجاري الصغيرة الريح إلى الأسفل، وتوجهها نحو الأخبية، يصل معظم غبار الطلع في الهواء إلى المكان المقصود بفضل هذه الحركات.
والنقطة الجديرة بالاهتمام هنا أن العمليات الثلاثة-التي تكّمل بعضها البعض- يجب أن تكون متوالية، وينشأ التخطيط الكامل للمخاريط عند هذه النقطة. تدّعي نظرية التطور أن هناك تطورا مرحليا عبر الزمن في النباتات أيضا-كما في جميع الكائنات الحية-، ووفقاً لدعاة هذه النظرية فإن سبب التركيب الدقيق للنباتات هو المصادفة؛ ولكي ندرك بطلان هذا الزعم يكفي أن نتفحص التركيب الدقيق لنظام تكاثر المخاريط، من غير الممكن لسلالة حية أن تتواصل بدون نظام تكاثر، وتنطبق هذه الحقيقة الحتمية بالطبع على أشجار الصنوبر ومخاريطها؛ وبمعنى آخر وجد نظام التكاثر في المخاريط مع نشأة أشجار الصنوبر حتماً، ومن غير المحتمل لتركيب المخاريط التام أن يظهر للوجود بمفرده عبر فترة من الزمن في مراحل مختلفة، إنّ التركيب الذي يقود الريح للأكواز ثم لتركيب آخر يوجهها إلى القنوات التي تؤدي إلى حيث توجد البيوض، وكل ما سبق من الضروري أن يوجد في الوقت نفسه بدون أي نقص، لأنه إذا فُقد أحد هذه التراكيب فمن المستحيل أن يعمل نظام التكاثر. بقي أن نقول أيضا إن هناك استحالة لتواجد خلية البيضة في المخروط والخلايا التي ستخصبها بالمصادفة، وهذا مأزق آخر لنظرية التطور، من المستحيل أن ينشأ جزء واحد من النظام لوحده بالصدفة، فكيف بكل الأجزاء؟
الصورة إلى في الأعلى: توضح الأوراق إبرية الشكل المحيطة بالبذرة الصنوبرية الأنثوية.
|
يلعب التيار الهوائي (المتكون بفعل الريح) حول البذرة الصنوبرية الأنثوية دورا كبيرا في عملية التلقيح. فالتيار الهوائي يتجه نحو مركز البذرة (الشكل أ) وبعد دورانه حول المحور يفعل فعل الفرشاة مؤثرا على سطح البذرة (الشكل ب)، ومن ثم تبدأ حبوب اللقاح في التكون بصورة عشوائية في الناحية القريبة من فتحة البويضة (الشكل ج). ويتم توجيه التيار الهوائي في البذرة الأنثوية نحو البذرة الذكرية بموازاة الريح. |
إنه أمر لا يصدق لقد دحضت المكتشفات العلمية ادعاءات نظرية التطور؛ بأن كل شيء نشأ بالمصادفة، ولهذا السبب فمن الجلي أن المخاريط من لحظة ظهورها كانت بشكلها الكامل ونظامها الدقيق؛ لأن الله قد خلقها كذلك.
هناك ميزات أخرى لأشجار الصنوبر تسرّع اصطياد حبات غبار الطلع، فعلى سبيل المثال تتشكل المخاريط الأنثوية عموماً في أطراف الأغصان، وهذا يخفف من نقصان غبار الطلع إلى أدنى درجة، علاوة على ذلك تساعد الأوراق بفضل ترتيبها التناظري حول المخاريط في التقاط غبار الطلع القادم من جميع الجهات بتخفيفها من سرعة تيارات الهواء، إنّ غبار طلع الصنوبر ككل أنواع غبار الطلع له أشكال وأحجام وكثافات مختلفة تبعاً للسلالة التي ينتمي إليها.
مثال: إنّ حبات غبار طلع لسلالة معينة لها كثافة تمنعها من إتباع تيار الهواء الذي تقوم به المخاريط لسلالة أخرى، ولهذا السبب تقع على الأرض وتُحدث المخاريط المتنوعة تيارات هوائية تتناسب مع حبات غبار الطلع لسلالتها، وهذه الميزة في المخاريط ليست فقط لالتقاط غبار الطلع بل تستخدم النباتات هذه الفلترة (التصفية) لتيارات الهواء لأعمال مختلفة أخرى، فالمخاريط المؤنثة تستطيع بهذه الطريقة تغيير اتجاه غبار الطلع المصاب بالفطريات الذي يمكن أن يؤذي خلايا البيض فيها، لا تقتصر الاحتياطات أو التدابير الوقائية التي تقوم بها النباتات كي يصل إليها غبار الطلع المتناثر في الهواء ويخصبها على ذلك بل تتعداه، فالنبات ينتج كمية كبيرة من غبار الطلع أكثر من المطلوب إلى حد يضمن معه عملية الإلقاح، وبذلك لا يتأثر النبات بنقص غبار الطلع الذي يمكن أن يكون لأسباب عديدة، مثال ذلك أن كل مخروط مذكر يُنتج على شجرة الصنوبر أكثر من 5 مليون حبة غبار طلع في السنة، وتنتج شجرة صنوبر واحدة في المنطقة 12,5 بليون حبة غبار طلع في السنة، وهو رقم ضخم وغير عادي مقارنة بالكائنات الحية الأخرى (3) بالرغم مما سبق يواجه غبار الطلع الذي تحمله الرياح عدداً من الصعوبات أو العوائق؛ إحداها الأوراق، لذلك عندما يتناثر غبار الطلع في الهواء تتفتح أزهار بعض النباتات (البندق، الجوز، الخ) قبل أوراقها حتى يحدث الإلقاح بينما لا تزال أوراقها غير نامية. وتوجد الأزهار في ثلاثة أقسام من الفصيلة النجيلية (الحبوب) والصنوبر لتسهيل الإلقاح، وفي هذه الحالة تكون الأوراق منظمة بشكل لا يجعلها عائقاً أمام حركة غبار الطلع، يمكن لغبار الطلع بواسطة هذه الترتيبات المسبقة أن يقطع مسافات طويلة نسبياً، وتتنوع المسافة حسب السلالة مثال: يمكن أن تسافر حبات غبار الطلع المزودة بجيوب هوائية إلى مسافات أبعد من غيرها، وقد تبين أن حبات غبار طلع الصنوبر التي لديها جيبين هوائيين يمكن أن تقطع مسافة تصل إلى 300 كم في تيارات الهواء العالية (4). ويوازي ذلك في الأهمية حقيقة أن آلاف الأنواع من غبار الطلع تقطع مثل هذه المسافات في الجو محمولة بنفس الريح لكن دون أن تحدث أي فوضى بينها، توجه حبات غبار الطلع نحو هدفها. لكي نفهم بشكل أفضل الميزات المدهشة للنباتات المُخصَبة بواسطة الريح نأخذ مثالاً آخر: تتبع الصواريخ مساراً محددا مسبقاً لتصل إلى أهدافها، ولهذا السبب يجب أن تكون هناك حسابات دقيقة جداً في التخطيط لمسار الصاروخ ليصل إلى هدفه، وميزات الصاروخ هي: قدرة المحرك، وسرعة الطيران، بالإضافة إلى ما يرافقها من خصائص الظروف الجوية، مثل كثافة الهواء، مع البرمجة الدقيقة لكل ما سبق وبالإضافة إلى ذلك يجب أن تكون هناك معرفة دقيقة بتركيب منطقة الهدف، والظروف السائدة هناك؛ ولكي نصل إلى هذا الأمر علينا القيام بقياسات دقيقة، وإلا فإن الصاروخ يخرج عن مساره ويفشل في الوصول إلى هدفه، ويتعين على المهندسين العمل بشكل جماعي والتفكير في كل التفاصيل لكي يصيب الصاروخ هدفه بنجاح، ومن الواضح أن النجاح في التصويب وبلوغ الهدف هو نتاج عمل جماعي وحسابات دقيقة وتقنية عالية، يشبه التصميم الدقيق لنظام التكاثر في المخاريط نظام الصاروخ وتصويبه نحو هدفه لكون كل شيء محسوب بدقة وبشكل مسبق مع تعديلات حساسة جداً، وقد أخذ في الحسبان العديد من التفاصيل مثل: اتجاه تيار الهواء، والكثافات المختلفة للمخاريط، وشكل الأوراق.. الخ، وبنيت خطط التكاثر على أساس هذه المعلومات. يطرح وجود مثل هذه التراكيب المعقدة في النباتات السؤال عن كيفية ظهور هذه الآليات، ولكن لنجب على هذا السؤال بسؤال آخر، هل يمكن أن يكون هذا التركيب في المخاريط محض مصادفة؟
إنّ النظام المعمول به داخل الصواريخ هو نتاج سنوات طويلة من الدراسة والعمل الشاق لمهندسين خبراء في مجالهم يتمتعون بالذكاء والمعرفة والتراكيب المعقدة في المخاريط والتي تشبه النظام الذي يعمل في الصواريخ خططت بالطريقة نفسها، والادعاء بأن الصاروخ تكون بالمصادفة وأنه يمكن أن يصيب هدفه بأتباع مسار عشوائي هو شيء غير منطقي كالادعاء بأن الحركات غير العادية لحبات غبار الطلع المصوبة إلى هدفها بالطريقة نفسها، والتراكيب الدقيقة في المخاريط هي نتيجة المصادفة من المستحيل بالطبع أن تكون لحبات غبار الطلع القدرة والمعرفة حتى تجد طرقها المختلفة في هذه الرحلة وفي نهاية المطاف فحبات غبار الطلع هي عبارة عن مجموعة من الخلايا، وإذا تمعنا فيها نجد أنها مصنوعة من ذرات غير مدركة، ولا مجال للشك بأن امتلاك مخروط لنظام مليء بالمعلومات المفصلة عن التخصيب هو نتيجة لخلق الله العليم العلي القدير، هناك نقطة هامة أخرى في تخصيب أشجار الصنوبر؛ ألا وهي أن الريح الموضوعة قيد التحكم تقوم بواجبات النقل بشكل دقيق دون أي خطأ، وهذا دون شك من عمل الله رب العالمين الذي يوجه العملية برمتها من السّماوات إلى الأرض، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك في هذه الآية:(وَأَرْسَلْنَا الرِّيحَ لَوَاقِحَ سورة)[الحجر: 22].
تقوم جميع النباتات في العالم بدون استثناء بالعمليات نفسها وكل سلالة تعرف ما عليها القيام به منذ نشأتها، وهذا الحدث الذي يجري بمساعدة تيارات الريح منذ ملايين السنين وحتى الآن يتم دون صعوبة بالرغم من أنه معتمد على احتمالات مختلفة، وكما رأينا فكل شيء يحدث في مكانه المناسب وتوقيته الصحيح؛ لأن كل آلية من هذه الآليات ملزمة بالعمل في انسجام مع غيرها في المكان والزمان، وإذا فُقدت أو غابت إحداها فهذا يعني نهاية السلالة النباتية لهذا الصنف من النبات. من الواضح أن هذه الأنظمة التي ليس لديها ذكاء أو إرادة أو إدراك تلعب دورها في هذه الأحداث التي لا تصدق بأمر من خالقها من الله تعالى ذي القوة المطلقة و المعرفة، فهو الذي يتحكم في كل شيء في كل لحظة، وخطط لكل شيء حتى أدق التفاصيل فالله هو الذي أوجد كل شيء حي وجامد وكل، ويبين الله تعالى هذا السر في الآية الكريمة:(الله الذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ الله قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا)[ سورة الطلاق: 12].
لكي نشرح هذه النقطة علينا أن نتخيل أننا نشهد إنجازاً تكنولوجياً دقيقاً أو معملاً أو مبنى كل تفصيل فيه تم التخطيط له بدقة وروّية: فنحن نشعر -بدون شك- أن وراء ما ذكر مُخطِط أو مُصمِم نحن نعرف بالطبع أن من قام بالتخطيط هم أُناس مختصون ذوو معرفة ودراية، وأن هناك فهما دقيقا لكل مرحلة ولا يمكن لأحد بعد ذلك أن يقف ويدّعي بأن هذه الأشياء ظهرت لوحدها عبر الزمن، نحن نقدر ذكاء المخططين ونثني على براعتهم.
إن جميع الكائنات خُلقت مزودة بأنظمة في غاية الدقة ومعتمدة على أدق الموازين نرى هذا أينما نظرنا من حولنا بدون استثناء، وليس هناك أدنى شك في أن الله يستحق المديح والثناء، فهو خالق جميع الكائنات الحية ومبدعها، والنباتات ككل شيء آخر في الكون تحافظ على وجودها بفضل الأنظمة التي خلقها الله، وبتعبير آخر فهي تحت رقابته وسيطرته: (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنَّ الله لَهوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ). [سورة الحج:64] (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ )[سورة الأنعام:59].
الملقحات أثناء العمل:
كما ذكرنا سابقاً فإن بعض السلالات النباتية تتكاثر بواسطة غبار الطلع الذي تحمله الحيوانات مثل الحشرات والطيور والنحل والفراشات أذهلت العلاقة بين النباتات -التي تسمح للحيوانات بنثر غبار طلعها- والحيوانات التي تقوم بهذا الواجب، وتؤثر هذه الكائنات الحية على بعضها البعض بأساليب خبيرة بهدف المحافظة على استمرارية نظام الأخذ والعطاء المتبادل.
وفي البدء كان الاعتقاد الشائع أن النباتات تلعب دوراً صغيرًا في هذه العلاقة، في حين بيّنت نتائج الباحثين خلاف هذا الرأي، فالنباتات تلعب دوراً فعالاً ومباشر في التأثير على سلوك الحيوانات. ولقد اتبعت استراتيجيات مثالية لتوجيه الحيوانات التي تحمل غبار طلعها مثال ذلك أنّ الإشارات اللونية للنبات تدل الطيور والحيوانات الأخرى على الثمرات الناضجة والجاهزة للانتثار، كما ترتبط كمية الرحيق الموجودة مع لون الأزهار لتزيد فرص التخصيب بتشجيع الملقح للبقاء مدة أطول فوق النبات، وهناك روائح زهرية خاصة تجذب الملقحين الملائمين في الوقت المناسب تماماً (5)، وفي بعض الأحيان تستخدم النباتات طرق خداع لبدء عملية التلقيح، وبشكل عام يقع الحيوان الذي سيحمل ذرات غبار الطلع المنتثرة في الشرك الذي نصبه النبات وبهذا يبلغ النبات هدفه.
الأساليب التي تستخدمها النباتات: اللون، الشكل، الرائحة.
يساعد اللون في إعلام الملقحين بوجود الأزهار، وليس ذلك فحسب بل إنه يعلن عن مكافأة وهي رحيق الزهرة، فعندما يقترب ملقح ما تعطي الزهرة إشارات منبهة مثل الرائحة لترشد الحشرة لموقع الرحيق، أما الأزهار التي ترشد الملقحين بواسطة اللون فهي توجههم إلى المركز حيث يوجد الرحيق، وهكذا يحدث التخصيب (6)، تُعرف النباتات بالوظيفة الإرشادية لألوانها، وفي الواقع فهي تخدع الحيوانات باستخدام هذه الميزة بإدراك قويو تستخدم بعض النباتات التي لا رحيق لها الميزات اللونية للأزهار منتجة الرحيق لتجذب الحشرات إليها. وأحد الأمثلة الجيدة على ذلك:cephelanthera الحمراء وهي صنف من الأوركيد (نبتة من الفصيلة السحلبية) وbeltflowers الزرقاء التي تنمو في الغابات في المناخ المتوسطي بينما تعطي beltflowers الزرقاء الرحيق الذي يجذب النحل لا تملك cephelanthera الحمراء هذه الميزة لتعمل الشيء نفسه، ولكن -وفي الوقت نفسه- فإنّ النحلة البرية المعروفة بـ ‘قاطعة الأوراق’ تخصب هذين النباتين المختلفين كلياًّ، وعندما يقوم النحل البري بتخصيب الأزهار الزرقاء فإنه يشعر بالحاجة إلى تخصيب الأزهار الحمراء أيضاً. ولقد جذب تلقيح النحل لنبات لا يحوي رحيقاً اهتمام العلماء، وبحثوا عن سبب تصرف النحل هذا؟ يأتي جواب هذا السؤال نتيجة بحث أنجز بواسطة أداة تدعى ‘spectrophotometer‘ (أداة لقياس شدة الضوء في أقسام مختلفة من الطيف الضوئي الصادر من مادة أو محلول بطول موجي معين) عُرف أن النحل البري لا يقدر على التمييز بين الطول الموجي للضوء الخارج من الزهرتين المختلفتين؛وبكلام آخر بالرغم من أن البشر يمكن أن يميزوا بين الطول الموجي الخارج من الزرقاء وذلك الخارج من الحمراء؛ لأنهم يستطيعون رؤية الفرق في اللون بين الأزهار، لكن النحل البري لا يستطيع رؤية هذا الاختلاف، فاللون عامل هام للملقحين. والنحلة التي تذهب للزهرة الزرقاء وتعطي اللقاح تزور الزهرة الحمراء التي تنمو بجانب الزرقاء وتخصبها وتراها على أنها من اللون نفسه، وكما نرى يستمر الأوركيد في الحياة والفضل في ذلك يعود لتشابهه الخفي مع الزهرة الزرقاء (7) تعلن بعض الفصائل النباتية عن جائزة تلقيح للحشرات بتغيير لون براعمها ويبين المثال التالي ذلك:
تحدث فريتز مولر -وهو عالم في التاريخ الطبيعي- في رسالة له عن نبات يدعى اللنتانة ينمو في الغابات البرازيلية: ‘لدينا أزهار اللنتانة (نبتة استوائية) التي تبقى لثلاثة أيام، يكون لونها أصفر في اليوم الأول، وبرتقالي في اليوم الثاني، وأرجواني في اليوم الثالث، وتزور هذه النبتة أنواع متعددة من الفراشات، وكما رأيتُ فإن الأزهار الأرجوانية لا تُلمس أبداً ويُدخل بعض أنواع الفراش خرطومه ( الأجزاء الفموية) في داخل الأزهار الصفراء والبرتقالية؛ بينما يقتصر بعضها الآخر على الأزهار الصفراء في اليوم الأول، وهذه في اعتقادي مسألة تثير الاهتمام، وفي نهاية اليوم الأول من الإزهار تقع بعض الأزهار أو تصبح أقل بروزاً، وإذا لم تغير لونها مع الزمن فستضيع الفراشات وتدخل خراطيمها في الأزهار الملقحة سابقاً’ (8)، كما لاحظ مولر فإن تغير لون الزهرة هو من مصلحة النبات والملقح معاً، وتقدم النباتات التي تغير لونها الكثير من الرحيق للملقحين عندما تكون أزهارها فتية، وعندما يزداد عمر الزهرة يتغير لونها ويقل رحيقها؛ وبالتفسير الصحيح لتغيرات اللون يوفر الملقحون طاقة قد تضيع هباءً بزيارة النباتات التي لديها القليل من الرحيق أو لا شيء على الإطلاق.
تستخدم النباتات طريقة أخرى لتجذب الطيور أو الحشرات وهي الرائحة العطرة التي تفوح من أزهارها، وتستخدم النباتات العطور-التي تنعشنا- لجذب الحشرات، ولعطر الزهرة خاصية إظهار الطريق للحشرات من حولها، فعندما تشمّ الحشرة العطر تدرك أن هناك رحيقاً لذيذاً مخزناً بالقرب منها، بعد ذلك تتجه مباشرة نحو مصدر الرائحة، وعندما تصل إلى الزهرة تحاول أن تحصل على الرحيق، وعندئذ يلتصق غبار الطلع بها؛ وتترك الحشرة نفسها خلفها غبار الطلع الذي علق بها من زهرة أخرى زارتها وبهذا تقوم بالتخصيب. إن هدفها الوحيد هو الوصول إلى الرحيق الذي شمت رائحته، وإن كانت لا تعلم بالدور المهم الذي تقوم به.
أساليب خداع النبات:
قلنا إنّ بعض النباتات تستخدم أساليب من الخداع، وهذه النباتات لا تملك الرحيق الذي يجذب الحشرات. وتتخصب هذه الأنواع من النباتات بالاستفادة من تشابهها بالنسبة إلى الحشرات، وأحد أنواع الأوركيد – الأوركيد المرآة– لديه شكل ولون أنثى النحل كي يجذب النحل، وحتى أن هذا النوع من الأوركيد قادر على طرح مادة كيميائية مناسبة تدعى الفيرومون لجذب ذكور النحل. إن أوركيد نحلة قبرص هو نوع آخر من النباتات التي تقلد الحشرات لتضمن تخصيبها، وعدد أنواع الأوركيد التي تستخدم هذه الطريقة كبير، وتختلف الأساليب من نوع إلى آخر؛ بعضها يقلد أنثى النحلة ورأسها للأعلى، أما البعض الآخر فيكون رأسها للأسفل.
مثال: يستخدم أوركيد النحلة الصفراء الطريقة الثانية ولهذا السبب تختلف أشكال تخصيب الأوركيد (9)، يقلد نوع آخر من الأوركيد يدعى أوركيد التنين أنثى الدبور حيث تشبه حافة زهرة أوركيد التنين شكل أنثى الدبور عديمة الأجنحة، لدرجة أن ذكر الدبور فقط ينجذب إليها وتنجح بعض أنواع فصيلة الأوركيد في جذب الحشرات إليها حتى وإن كانت لا تحوي أي رحيق على الإطلاق، وهي تضمن الهبوط الآمن لذكر الدبور في أخفض منطقة في الزهرة بتقليد شكل أنثى الدبور، وطرح عطر جذاب. ويحاول ذكر الدبور الذي يهبط على الزهرة أن يتزاوج، ونتيجة لذلك يلتصق غبار طلع الأوركيد بجسمه، وبفضل هذا الخداع ينتقل غبار الطلع الملتصق بجسمه عندما يهبط إلى زهرة أخرى للهدف نفسه (10).
هناك نبات آخر يقلد شكل أنثى الحيوانات وهو أوركيد هامر: إن آلية تكاثر هذا النوع من الأوركيد الذي ينمو في الأراضي العشبية الجافة جنوب أستراليا مذهلة حقاً، فلدى أوركيد هامر ورقة واحدة فقط على شكل قلب، ويشبه كلياً أنثى الدبور، وبينما تطير ذكور الدبابير لا تملك إناث الدبابير أجنحة وتقضي معظم وقتها في التراب، وعندما يحين وقت التزاوج تخرج الإناث من الأرض وتتسلق إلى أعلى ساق نبات طويل لكي تجدها الذكور وحالما تصبح في القمة تطرح رائحة خاصة بالتزاوج، وتنتظر وصول الذكور.
لذكور الدبابير ميزة خاصة أنها تصل إلى الأوركيد قبل أسبوعين من وصول الإناث، وهذا وضع مشوق؛ لأنه لا توجد أية أنثى دبور في الجوار، إنما الأوركيد فقط الذي يبدو وكأنه أنثى الدبور تنتظر التخصيب، وعندما تصل ذكور الدبابير إلى الأوركيد تشم رائحة مشابهة لتلك التي تصدر عن إناث الدبابير وتطرحها نباتات الأوركيد، وتحت تأثير هذه الرائحة يهبط ذكر الدبور على الأوركيد محاولاً التزاوج، وعندما يحاول الهروب من الزهرة يلتصق كيسان محملان بغبار الطلع خلف رأسه أو على ظهره، وبهذه الطريقة عندما يتنقل الدبور إلى زهرة أوركيد ثانية فإن غبار الطلع الملتصق به يقوم بعملية التخصيب (11).
وكما رأينا هناك علاقة متناغمة ومنسجمة بين أوركيد هامر والدبور، وهذا التعايش مهم جدًّا لتكاثر النبات؛ لأنه إذا لم يحدث الإلقاح بنجاح، أو بتعبير آخر إذا لم تحمل الحشرة غبار الطلع إلى نبات آخر من الفصيلة نفسها فلن يحدث التخصيب.
تبين العديد من الأمثلة في الطبيعة مثل هذا التوافق الموجود بين أوركيد هامر والنحل البري، وفي بعض الأحيان يكون الاختلاف بين الأزهار هو السبب لمثل هذه العلاقة.
ومثال ذلك: من السهل جدّاً لبعض الحشرات أن تدخل بعض الأزهار؛ لأن ذلك القسم من الزهرة حيث يوجد غبار الطلع مفتوح، وتستطيع الحشرات أن تدخل بسهولة إلى هذه المناطق، وتصل إلى غبار الطلع، وبعض النباتات لديها مدخل للرحيق بحجم مخصص لنوع محدد من الحيوانات . فعلى سبيل المثال في بعض الحالات تدفع النحلات نفسها داخل هذه الفتحات لتصل إلى رحيق الزهرة، إنه لمن الصعب بل من المستحيل لكائنات حية أخرى أن تفعل ما يفعله النحل بسهولة من ناحية أخرى، فالنحل وبعض الحشرات الأخرى لا تقدر على تخصيب الأزهار التي لها أنابيب تويجية دقيقة، ويمكن للحشرات ذات الخرطوم الطويل فقط كالفراشات والبشارات أن تخصب هذه الأزهار (12).
إنّ الأمثلة السابقة تبين لنا أن هناك انسجاماً وتوافقاً دقيقاً بين الحشرات وأشكالها التي تناسب النباتات وكذلك بين النباتات بعضها مع بعض، من المستحيل لمثل هذه العلاقة التبادلية ‘التي تشبه القفل والمفتاح’ أن تكون بمحض المصادفة كما يدعي التطوريون، فهي تناقض منطق نظرية التطور نفسها. فتبعاً لهؤلاء فإن الاصطفاء الطبيعي حسب زعمهم هو: أنّ أي حياة لا تتكيف مع البيئة المحيطة بها عليها، إما أن تطور آليات جديدة أو تختفي، وفي هذه الحالة وتبعاً لآلية الاصطفاء الطبيعي فعلى النباتات التي لم تخُصب من الحشرات بسبب تركيبة شكلها الخاص عليها إما الاختفاء أو تغيير شكل أزهارها، وبالطريقة نفسها على الحشرات التي تُخصب هذا النوع فقط من الأزهار بسبب تركيبة أعضائها الفموية أن تختفي بسبب نقص الطعام أو أن تُغير تركيبة أعضائها التي تستخدمها لجمع الغذاء. لكننا عندما ننظر إلى النباتات ذات الأنابيب التويجية الطويلة أو غيرها من النباتات نرى أنها لم تطور أي تكيف أو تغير من أي نوع، وكذلك لم تفعل الكائنات الحية مثل الفراشات والبشارات. استمرت الأزهار -المستفيدة من هذه العلاقة التبادلية أو التكافلية مع الملقحات التي تخصبها- بالعيش على هذا المنوال لسنوات عديدة حتى يومنا هذا.
ما تم شرحه حتى الآن هو موجز قصير للأساليب التي تتبعها بعض الفصائل المختلفة من النباتات لتبقى على قيد الحياة لأجيال قادمة. إنك قد ترى جميع هذه التفاصيل في أي كتاب بيولوجي، لكن هذه المصادر لا تستطيع تقديم أي تفسير مقنع للأسباب التي دعت النباتات لاستخدام عملية انتثار غبار الطلع؛ لأنه في كل عملية تُنفذ، فخواص مثل الفكر والإدراك واتخاذ القرار والحسابات التي لا نستطيع نسبها إلى النبات واضحة، فنحن نعلم جميعاً بأن النبات ليس لديه إدراك لينفذ هذه العملية برمتها من تلقاء نفسه. حيث يحسب النبات أن تركيبه الأيروديناميكي مناسب لانتثار غبار الطلع بواسطة الريح، وكل جيل لاحق يستخدم الطريقة نفسها، أما النباتات الأخرى ‘فتفهم’ أنها لن تقدر على الاستفادة الكافية من الريح، ولهذا السبب تستفيد من الحشرات لتحمل غبار طلعها؛ كما ‘تعلم’ النباتات بأنها يجب أن تجذب الحشرات نحوها لكي تستطيع التكاثر، وتحاول بشتى الأساليب ليتم ذلك وتتعرف النباتات على ما يجب أن يكون عليه شكل الحشرات وبعد اكتشاف أي رحيق وأي رائحة فعالة لكل حشرة فإنها تُنتج الروائح بواسطة عمليات كيميائية، وتنشرها في الوقت المناسب تماماً، وتتعرف على طعم الرحيق التي تفضله الحشرات وما يحوي من مواد وتنتجها بنفسها وإذا لم تكف الرائحة والرحيق لجذب الحشرات فإنها تقرر القيام بطريقة أخرى لتتناسب مع الوضع وتقوم بـ‘التقليد الخادع’؛ بالإضافة إلى ذلك فإنها ‘تحسب’ مقدار غبار الطلع الذي سيصل إلى نبات آخر من الفصيلة والمسافة نفسها التي سيقطعها، وعلى هذا الأساس تقوم بإنتاج غبار الطلع بأفضل الكميات وأنسب الأوقات. فالنباتات ‘تفكر’ في احتمالات عدم وصول غبار الطلع و’تقوم باتخاذ الإجراءات الوقائية’ بهذا الخصوص بالطبع، إنّ مثل هذا السيناريو لا يمكن أن يكون حقيقة، وفي الواقع يخرق هذا السيناريو كل قواعد المنطق، ولا يستطيع نبات عادي أن يستنبط أياً من الإستراتيجيات المذكورة؛ لأن النبات لا يدرك ولا يحسب الزمن ولا يقرر الحجم والشكل ولا يستطيع أن يحسب قوة الريح واتجاهه، ولا يمكنه أن يقرر بنفسه أي تقنية يحتاجها للتخصيب، ولا يفكر في أن عليه جذب حشرة ما لم يرها قط، وعلاوة على ذلك لا يستطيع أن يقرر أيّ الأساليب يحتاج ليتمكن من عمل أي مما ذُكر مهما كثرت التفصيلات، ومن أي جهة تم التطرق إلى هذا الموضوع، وأي منطق اُستخدم فلن يتغير الاستنتاج بأن هناك شيئا استثنائيا في العلاقة بين النباتات والحيوانات. لقد خُلقت هذه الكائنات الحية منسجمة مع بعضها البعض ويظهر لنا هذا النظام الدقيق من المنفعة المتبادلة أن القوة التي خلقت النباتات والحشرات لها علم دقيق بطبيعة النوعين، وتدرك احتياجاتهما كاملة وخلقتهما ليكمل أحدهما الآخر، إنّهما من صنع الله تعالى الذي يعلمهما جيداً، ويعلم بكل شيء، إنهما دليل آخر على عظمة الله وقوته المطلقة وعمله المنزه عن كل عيب مقارنة بعمل الإنسان. لا تعلم النبتة سبب وجودها ولا بعملها الخارق الذي تقوم به؛ لأنها تحت سيطرة الله الذي خطط مستقبلها وخلق كل شيء في الكون، ويستمر في خلقه كل لحظة. وقد أشار الله عز وجل إلى هذه الحقيقة في القرآن الكريم: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ } [سورة الرحمن:6].
تحتوي النبتة المسماة بالثريا على أوراق كبيرة تتخذ شكلا شبيها بالـ ”بروش-دبوس الزينة“. ويقع في مركز هذا التركيب الورقي سويق يحمل زهرة هذه النبتة. وتتميز النبتة أيضا بأن حبوب اللقاح فيها تقع في جزء منحن أو مائل. ولهذا السبب لا تستطيع أية حشرة الوصول إلى مكان تجمع حبوب اللقاح إلا إذا كانت ذات فم معقوف. ومن هنا يتضح لنا أن حشرة العث تستطيع القيام بهذه العملية بسهولة، فهي تقوم بجمع حبوب اللقاح حتى تصبح على شكل كرة، ومن ثم تنقلها إلى زهرة ثريا أخرى حيث تقوم أولا بالنزول إلى أسفل الزهرة لوضع البيض ثم تصعد إلى القمة لكي تقوم بهز كرات حبوب اللقاح المتجمعة لديها من زهرة أخرى لكي تسقط نحو الأسفل. ويفقص البيض بعد فترة عن يرقات صغيرة تتغذى على هذه الحبوب. ولولا العث لما استطاعت نباتات الثريا التكاثر بنفسها. |
تتميز بعض الأزهار بكون رحيقها يقع في أعماقها. وللوهلة الأولى تبدو هذه الميزة مانعة للتلقيح الحاصل بفعل الطيور والحشرات. إلا أن هذا لا يمنع من تلقيح الأزهار أبدا، ذلك أن الله سبحانه وتعالى خلق كائنات حية ذات صفات ومزايا تستطيع بواسطتها أن تصل إلى هذا الرحيق القابع في العمق وإتمام عملية التلقيح. |
الإلقاح والتكاثر في النباتات تحت الماء:
على النقيض من الاعتقاد السائد فإن التكاثر بواسطة غبار الطلع لا يقتصر على النباتات الموجودة على سطح الأرض وهناك نباتات بحرية أيضاً تتكاثر بالطريقة نفسها .
وقد اُكتشف أول نبات دُعي ‘زوسترا’ يعيش في البحر ويتكاثر بطريقة الإلقام عام 1787م من قبل عالم النبات الإيطالي فيليبو كافوليني (15). إنّ سبب الاعتقاد بأن الإلقاح يقتصر على النباتات الموجودة على اليابسة أن حبات غبار طلع نباتات اليابسة التي تلامس الماء تتفرق وتتعطل عن العمل. أظهرت الدراسات التي أُجريت على النباتات التي تتكاثر بإلقاح غبار الطلع في الماء أن هذا موضوع آخر وجدت فيه نظرية التطور نفسها في ورطة تصنف النباتات التي تنثر غبار طلعها عبر الماء إلى 31 نوعاً في مناطق مختلفة جداً من شمال السويد إلى جنوب الأرجنتين، ومن 40 متراً تحت مستوى سطح الماء إلى 4800 متر.
في بحيرة تيتيكاكا في جبال الأنديز وقد عاشت هذه النباتات -حسب وجهة نظر علم البيئة- في ظروف مختلفة تماما، بدءاً من الغابات المطرية الاستوائية إلى البحيرات الصحراوية الموسمية (16)، ظهرت صعوبات كبيرة أمام دعاة التطور حول هذا الموضوع؛ لأنه وحسب النظرية فالإلقاح كان طريقة للتكاثر بدأت النباتات في استخدامها بعد أن عاشت على الأرض؛ وعلاوة على ذلك تبين أن هناك بعض النباتات البحرية استخدمت هذه الطريقة، مما دعا التطوريين إلى تسميتها بـ’ النباتات المزهرة التي رجعت إلى الماء’، ولم يستطع هؤلاء أن يعطوا أي تفسير منطقي وعلمي عن سبب عودة النباتات إلى الماء وكيف تمت تلك العودة، كما لم يقدموا أي تفسير للأشكال الانتقالية التي اتخذتها.
نشأت مشكلة أخرى أمام دعاة التطور من بعض خواص الماء، وكما أوضحنا سابقاً فالماء بيئة لا تناسب البتة انتشار غبار الطلع، بل وتؤدي إلى تفرق البذور، ومن الصعب التنبؤ بحركة المياه. قد تُوجد تيارات مائية غير منتظمة أو مدّ قد يُغرق النباتات أو يحملها إلى مسافات بعيدة على سطحه، وعلى الرغم من هذه العوامل تستخدم النباتات المائية بنجاح الماء كملقح كونها خُلقت بهذه الطريقة لتتمكن من العمل تحت سطح الماء، وإليك بعض الأمثلة عن هذه النباتات:
الفاليسنيريا:
تتطور أزهار الفاليسنيريا المذكرة في قسم النبات الذي يبقى تحت الماء، وبعد ذلك تترك جسم النبات وتطفو بحرية لكي تصل إلى النباتات ذات الخواص الأنثوية، وقد خُلقت هذه الزهرة بطريقة تساعدها على الظهور بسهولة إلى السطح حالما تكون حرة، وعند هذه النقطة تبدو الزهرة كبرعم كروي وتغلق الأوراق من حولها وتلفها مثل قشرة البرتقال، وهذا الشكل التركيبي الخاص يؤمن لها الحماية من التأثيرات السلبية للماء على القسم الذي يحمل غبار الطلع، وعندما تظهر الزهرة على السطح تتباعد البتلات التي كانت مغلقة سابقا الواحدة عن الأخرى ملتفة للوراء منتشرة على سطح الماء وتظهر الأعضاء الحاملة لغبار الطلع فوق الأوراق التي تعمل كأشرعة مصغرة قادرة على الحركة حتى بأقل نسمة من الهواء،
يستخدم نبات الفاليسنيريا الماء لنقل حبوب لقاحه. ويتبين لنا أن النبات خلق بطريقة أكسبته القدرة على معرفة التوقيت المضبوط لفتح الأزهار ومكانها وعلى جعل حبوب لقاحه قادرة على مقاومة تأثيرات الوسط المائي. |
كما أنها تُبقي غبار طلع الفاليسنيريا فوق سطح الماء، أما بالنسبة إلى أزهار النبات المؤنثة فإنها تطفو على سطح الماء في نهاية ساق طويلة جذرها في البحيرة أو قاع البركة، وتفتح أوراق الزهرة المؤنثة على السطح مشكلة منخفضاً سطحياً يساعد على خلق قوة جذب للنبتة المذكرة عند اقترابها من النبتة المؤنثة، وفي الواقع عندما تمر الزهرة المذكرة بالقرب من المؤنثة فإنها تنجذب نحوها وتجتمع الزهرتان معاً، وبهذه الطريقة يصل غبار الطلع إلى عضو التكاثر في الزهرة المؤنثة ويتم الإلقاح (17).
إن حماية الزهرة المذكرة لغبار الطلع عندما تكون مغلقة في الماء ثم ظهورها على سطح الماء واختيارها للشكل الذي يمكّنها من الحركة بحرية أمرٌ يتطلب تفكيراً خاصاً. وخواص الزهرة هذه شبيهة بقوارب النجاة المستخدمة في البحر والتي تُفتح أتوماتيكياً عند رميها في البحر، وقد ظهرت هذه القوارب نتيجة لجهود مشتركة طويلة من قبل مصممين ومتخصصين في المنتجات الصناعية، ولا شك أنه كانت هناك أخطاء في التخطيط عند إنتاج القوارب في بادئ الأمر، ثم ظهرت أخطاء أخرى عند التجارب تم أخذها بعين الاعتبار وصُححت وتم التوصل إلى نظام يعمل بشكل مناسب.
نتيجة للتجارب المستمرة دعنا نفكر في هذه الدراسات مقارنة مع وضع الفاليسنيريا: على النقيض من مصممي قارب النجاة لم تحظ الفاليسنيريا سوى بفرصة واحدة، وكان لأول فاليسنيريا في العالم فرصة واحدة فقط، إن استخدام نظام ناجح تماماً من أول تجربة هو الذي ضمن فرصة البقاء للأجيال اللاحقة؛ لن يلقّح الزهرة المؤنثة نظام خاطئ، وإلاّ فإن النبات سوف يختفي من العالم؛ لكونه لن يستطيع التكاثر. وكما رأينا فمن المستحيل أن تكون استراتيجية إلقاح الفاليسنيريا حصلت على مراحل، وهذا يعني أن النبات قد خُلق بتركيب يمكّنه من إرسال غبار طلعه في الماء .
الهالودي:
ولنبات مائي آخر يمتلك استراتيجية إلقاح فعالة، وهو ينمو على طول السواحل الرملية في جزر فيجي، ويطفو هذا النبات في شكل شرائط، وتتأرجح حبات غبار الطلع مرتفعة إلى سطح الماء، وهذا التصميم يمكّن نبات الهالوديول من إحراز علامات أعلى من نبات الفليسنيريا، بالإضافة إلى ذلك تكون شرائط غبار الطلع مغلفة ببروتينات وكربوهيدرات تجعلها دبقة فتلتصق ببعضها البعض على سطح الماء مشكلة طوفاً طويلة، ويحمل المد الملايين من مراكب النقل النباتية. الاستكشافية هذه عندما يعود للبرك الضحلة حيث تطفو النباتات المؤنثة وعند اصطدام هذه المراكب بأعضاء التكاثر في النبات المؤنث التي تطفو على السطح يتم الإلقاح بسهولة ونجاح (18).
يقوم نبات ”الهالوديول“– بنجاح باهر -بعملية إيصال حبوب لقاحه الذكرية إلى النبات المؤنث باستخدام استطالاته الجسمية التذاكرية، والتي تتميز بالقدرة على الاتصاق والسباحة مستفيدا من حركة المد والجزر.
|
الثالاسيا:
لقد تحدثنا عن النباتات التي ينتقل غبار طلعها فوق سطح الماء أو يكون ملامسا له، في هذه الحالة يكون لغبار الطلع بُعدان، وبعض الأنواع لها أنظمة إلقاح ثلاثية الأبعاد -أي تعمل تحت السطح-. إن تنفيذ إستراتيجيات الإلقاح تحت الماء أكثر صعوبة من تلك التي تكون فوق الماء؛ لأن أي تغير طفيف في حركة غبار الطلع سيكون له تأثير كبير على الإلقاح، ولهذا السبب فاتصال غبار الطلع بالعضو المؤنث تحت الماء أصعب من اتصاله على سطح الماء ومع ذلك يعيش الثالاسيا النبات الموجود على سواحل الكاريبي دائماً تحت الماء؛ لأنه خُلق باستراتيجية لقاح تجعل الظروف بادية الصعوبة للإلقاح سهلة. وتطلق الثالاسيا حبات غبار طلعها المدورة تحت الماء بشكل جدائل أو أشرطة طويلة، ثم يحملها الموج لتلتصق بأعضاء الأزهار المؤنثة مما يمكن النبات من التكاثر (19). يزيد غبار طلع الثالاسيا والهالوديول المرسل بشكل شرائط المسافة التي تقطعها مراكب البحث، وليس هناك أيّ شك في أن هذا التصميم الذكي هو من إبداع الله الذي خلق النباتات المائية واستراتيجية إلقاحها في الماء وهو العليم بخلقه.
يختلف نبات ”الثالاسيا“ عن باقي النباتات المائية؛ لأنه يقضي كل حياته تحت سطح الماء. وبالرغم من ذلك يستطيع ذكره إيصال حبوب لقاحه إلى أنثاه. ويتضح من الشكل أعلاه أن ذكر هذا النبات له استطالات خيطية ذات قدرة على الالتصاق، أي أنه أعطي هذه الميزة لكي يستطيع البقاء حيا تحت سطح الماء. |
مقالة لهارون يحيى
الهوامش:
1. Malcolm Wilkins, Plantwatching, New York, Facts on File Publications, 1988, P. 164
2. Malcolm Wilkins, Plantwatching, New York, Facts on File Publications, 1988, p. 164
3. Bilim ve Teknik Dergisi (Science and Technology Journal), May 1995, p.76
4. Bilim ve Teknik Dergisi (Science and Technology Journal), May 1995, p.77
5. John King, Reaching for The Sun, 1997, Cambridge University Press, Cambridge, p.152
6. John King, Reaching for The Sun, 1997, Cambridge University Press, Cambridge, p.150
7. Bilim ve Teknik Dergisi, (Science and Technology Journal), February 1988, p.22
8. John King, Reaching for The Sun, Cambridge University Press, Cambridge, p.148-149
9. David Attenborough, The Private Life of Plants, Princeton University Press, Princeton, New Jersey, p.128
10. David Attenborough, The Private Life of Plants, Princeton University Press, Princeton, New Jersey, p.130
11. Malcolm Wilkins, Plantwatching, New York, Facts on File Publications, 1988, p.143
12. The Guinness Encyclopedia of the Living World, Guinness Publishing, 1992, p.42-43
13. Robert, R.Halpern, Green Planet Rescue, A.B.D, The Zoological Society of Cincinnati Inc., p.26
14. David Attenborough, Life on Earth, Collins British Broadcasting Corporation, 1985, p.84
15. Scientific American, October 1993, p.68
16. Scientific American, October 1993, p.69
17. Scientific American, October 1993, p.70-71
18. Scientific American, October 1993, p.70
19. Scientific American, October 1993, p.71