لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله

 
الخميس/ديسمبر/2019
   

         الـســؤال

أود أن أستفسر عن بعض الأمور التي أفكر فيها كثيراً، ولا أجد لها جواباً، ومنها سؤالان هما:
الأول: قال تعالى: “ويجعل من يشاء عقيماً” فقد فكرتُ في هذه الآية، وخطر على بالي موضوع العمليات التي تجرى اليوم وثبت نجاحها، وهي ما يسمى بـ(عمليات أطفال الأنابيب)، فهل من كان عقيماً يستطيع إجراء هذه العملية المذكورة آنفاً، وبالتالي يكون له أطفال، مع أن هذا الأمر (العقم) قدَّره الله عليه؟
ثانياً: قال تعالى: “ويعلم ما في الأرحام”. عندما نظرت في هذه الآية تذكرت أن العلم الحديث استطاع معرفة ما في رحم الأم هل هو ذكر أم أنثى، فطالما أن الآية أفادت أن علم ما في الأرحام يختص به الله وحده سبحانه، فكيف يعلم الأطباء –اليوم- ما في رحم المرأة هل هو ذكر أم أنثى؟ أرجو أن ترشدوني.

يجيب عليه:

الدكتور محمد دودح

 

الباحث العلمي في الهيئة العالمية للإعجاز العلمي

في القران والسنة برابطة العالم الإسلامي مكة المكرمة.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد:
فأقول مستعينا بالعلي القدير –سبحانه- القادر وحده على كل شيء:
في قوله تعالى: “لِلّهِ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذّكُورَ أَوْ يُزَوّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً إِنّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ” [الشورى:49-50]؛بيان بنفاذ مشيئة الله في كل شيء وطلاقة قدرته تعالى, والعقم اصطلاحاً: حالة لا أمل في علاجها كما في حال الفشل الدائم للخصيتين أو المبيضين, أما إذا عولجت الحالة فلا تسمى حينئذ عقما أصلاً، وإنما ضعفاً في الخصوبة لأسباب يمكن بوسيلة أو أخرى علاجها, فإن شفيت حالة فهي ضعف في الخصوبة, وأما العقم فلا علاج له.
ومن أصول الإيمان اليقين بأنه لا يقع شيء إلا بقدر الله وفق ما يشاء تعالى, فإن تقدم الطب وتمكن من معرفة بعض الأسباب المانعة للحمل وتمكن من علاجها فهو بقدر الله تعالى, وإن لم يتمكن الطب من علاج بعض حالات غير ممكنة العلاج أو مجهولة الأسباب فهو بقدر الله تعالى, وليس لأحد أن يدعي العلم بقدر الله تعالى.
وتتكون جميع بويضات المرأة عندما تكون جنينا ثم تنضج بويضة كل شهرين من كل مبيض بالتتابع عند البلوغ, ويستمر نضوج بويضة شهريًّا خلال فترة خصوبة المرأة حتى تستنفذ رصيدها من البويضات عند بلوغ سن اليأس, ولذا ينقطع الأمل في الإنجاب بكِبر الزوجة، بينما لا ينقطع بكِبر الزوج.
والعجيب أن يفرّق الذكر الحكيم بين عدم إنجاب المرأة مع الأمل بسبب كِبر الزوج بلفظ “عاقر”،وبين انقطاع الأمل بسبب كِبرها هي بلفظ “عقيم”؛ فلم يَحِد عن وصف حال زوجة زكريا -عليهما السلام- عند كِبره بلفظ “عاقر”,يقول تعالى: “ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيّآ إِذْ نَادَىَ رَبّهُ نِدَآءً خَفِيّاً قَالَ رَبّ إِنّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنّي وَاشْتَعَلَ الرّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبّ شَقِيّاً وَإِنّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَآئِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لّدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبّ رَضِيّاً يَا زَكَرِيّآ إِنّا نُبَشّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَىَ لَمْ نَجْعَل لّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً قَالَ رَبّ أَنّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبّكَ هُوَ عَلَيّ هَيّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً” [مريم:2-9]،ويقول تعالى: “هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيّا رَبّهُ قَالَ رَبّ هَبْ لِي مِن لّدُنْكَ ذُرّيّةً طَيّبَةً إِنّكَ سَمِيعُ الدّعَآءِ فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّي فِي الْمِحْرَابِ أَنّ اللّهَ يُبَشّرُكَ بِيَحْيَـىَ مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مّنَ اللّهِ وَسَيّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مّنَ الصّالِحِينَ قَالَ رَبّ أَنّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ” [آل عمران:38-40]،ومع اليأس من الحمل وانقطاع الأمل لكِبر الزوجة عدل في وصف حال زوجة إبراهيم -عليهما السلام- إلى التعبير بلفظ “عقيم”,يقول تعالى: “هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مّنكَرُونَ فَرَاغَ إِلَىَ أَهْلِهِ فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ وَبَشّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلَيمٍ فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرّةٍ فَصَكّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ قَالُواْ كَذَلِكِ قَالَ رَبّكِ إِنّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ” [الذاريات:24-30]،فالفارق أن زوجة إبراهيمعجوز” بينما لم يمثل كِبر الزوجين فارقا, يقول تعالى: “وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىَ قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ فَلَمّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنّا أُرْسِلْنَا إِلَىَ قَوْمِ لُوطٍ وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ قَالَتْ يَوَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنّ هََذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قَالُوَاْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنّهُ حَمِيدٌ مّجِيدٌ” [هود:69-73].
والتمييز بين اللفظين على لساني زكريا وامرأة إبراهيم -عليهم جميعا السلام- إنما هو في علم البشر، بينما قضت مشيئة الله تعالى لكليهما بالذرية, وإذا غابت مشيئة الله تعالى عن مدارك هؤلاء على فضلهم وفاجأهم قضاؤه فكيف يدعي اليوم من هو دونهم العلم بالغيب، ويتوهَّم أن الله حكم بالعقم على شخص فنجح طبيب في علاجه معارضًا المشيئة العلية!, وهل يُعارض قدر الله تعالى أحد!.
وفي قوله تعالى: “وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاّ فِي كِتَابٍ مّبِينٍ” [الأنعام:59]؛قصرت الآية الكريمة العلم التفصيلي المسبق بكل مقدر الحدوث قبل وقوعه على الله –تعالى- وحده، وجعلته غيبا عن علم البشر.

 

 

الشكل التالي يبين رحم المرأة

وذكر القرآن خمسا تتعلق بحياة الإنسان ومصيره؛ يقول تعالى: “إِنّ اللّهَ عِندَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنّ اللّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ”[لقمان:34]،أطلق التعبير (وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ)على الله فشمل كل مغيب عن مشروع الإنسان المقبل ومستقبله ومصيره بعد الحساب مما ليس بمقدور بشر إدراكه فضلا عن الإحاطة بتفاصيله.
ولا يعارض القرآن إذن معرفة الطب حالياً ببعض أحوال الجنين، لأن المحجوب هو العلم المحيط به قبل أن يخلَّق.
وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-: كيف نوفق بين علم الأطباء الآن بذكورة الجنين وأنوثته، وقوله تعالى: (وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ)؟فأجاب بقوله: “قبل أن أتكلم عن هذه المسألة أحب أن أبين أنه لا يمكن أن يتعارض صريح القرآن الكريم مع الواقع أبداً، وأنه إذا ظهر في الواقع ما ظاهره المعارضة فإما أن يكون الواقع مجرد دعوى لا حقيقة له، وإما أن يكون القرآن الكريم غير صريح في معارضته؛ لأن صريح القرآن الكريم وحقيقة الواقع كلاهما قطعي، ولا يمكن تعارض القطعيين أبداً, فإذا تبين ذلك فقد قيل: إنهم الآن توصلوا بواسطة الآلات الدقيقة للكشف عما في الأرحام، والعلم بكونه أنثى أو ذكراً، فإن كان ما قيل باطلاً فلا كلام، وإن كان صدقاً فإنه لا يعارض الآية، حيث إن الآية تدل على أمر غيبي هو متعلق علم الله تعالى في هذه الأمور الخمسة، والأمور الغيبية في حال الجنين هي: مقدار مدته في بطن أمه وحياته وعمله ورزقه، وشقاوته أو سعادته، وكونه ذكراً أم أنثى قبل أن يخلَّق، أما بعد أن يخلق فليس العلم بذكورته أو أنوثته من علم الغيب؛ لأنه بتخليقه صار من علم الشهادة، إلا أنه مستتر في الظلمات الثلاث التي لو أزيلت لتبين أمره.

 

صورة للجنين في مرحلة العلقة بعد التلقيح

ولا يبعد أن يكون فيما خلق الله تعالى من الأشعة أشعة قوية تخترق هذه الظلمات حتى يتبين الجنين ذكراً أم أنثى.. قال ابن كثير رحمه الله..: (وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه تعالى سواه، ولكن إذا أمر بكونه ذكراً أو أنثى أو شقياً أو سعيداً علم الملائكة الموكلون بذلك ومن شاء من خلقه).., وإذا كانت الآية لا تتناول ما بعد التخليق، وإنما يراد بها ما قبله فليس فيها ما يعارض ما قيل من العلم بذكورة الجنين وأنوثته.., ولا يمكن أن يناقض صريح القرآن الكريم أمراً معلوماً بالعيان” [مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح بن العثيمين].
وعندما يُصَب المني في المجاري التناسلية للمرأة ينقبض الرحم ويغور للداخل بسبب مادة منوية تسمى بروستاجلاندين (Prostaglandin) ويعينها تقلص لا إرادي يقع للمرأة يصاحب نشوة الجماع(Orgasm), وبهذا يعمل الرحم عمل المضخ(pumpaction) بطريقة تماثل عمل شفاطة لبن الثدي المطاطية التي تنقبض لتدفع الهواء، ومع الانبساط يقل الضغط داخلها فتشفط اللبن, وبالمثل ينبسط الرحم لاحقا فيعين الحيوانات المنوية على بلوغ البويضة قرب نهاية قناة الرحم, ولذا لا يقل دوره هذا أهمية عن دوره في حفظ الحمل على طول مراحله، حيث يزداد حجما بما يتناسب ومتطلبات الجنين, وتحمل البويضة نصف عدد الفتائل الوراثية (الكروموزومات)، ويحمل الحوين النصف الآخر, وتتسابق الحيوانات المنوية وتعلو في المجاري التناسلية للمرأة ليحقق الفوز في بلوغ البويضة وإخصابها إما حيوان يحمل شارة الذكورة كروموزوم بهيئةY فيكون الجنين المرتقب ذكراً -بإذن الله- وإما حيوان يحمل شارة الأنوثة كروموزوم بهيئةX فيكون الجنين أنثى بإذن الله, والبويضة الملقحة (Zygot) أشبه ما تكون بقطيرة أو “نطفة”لكنها تعرض لمن يمكنه القراءة كتابا بمشروع الجنين, وقبل تلقيح البويضة وتشكل الخريطة الوراثية وتخلَّق الجنين لا يمكن الحديث طبيًّا عن جنسه أو صفاته الجسدية, وبتلقيحها تتضاعف الفتائل الوراثية، وبالانقسام تتزايد الخلايا وبنمو الجنين يزداد الرحم، ولذا يعتبر الحمل كله وجوها من الازدياد.
وفي قوله تعالى: “اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلّ أُنثَىَ وَمَا تَغِيضُ الأرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ” [الرعد:8-9]،أكدت الآية الكريمة قصر العلم التفصيلي المسبق بكل مقدر الحدوث قبل وقوعه على الله تعالى وحده، لكنها جمعت لله تعالى وحده ما هو بالنسبة للبشر غيب لم يقع بعد، فضلا عما هو شهادة متحقق الحدوث, وراعت ترتيب علم الله تعالى بالغيب بالنسبة للبشر ليناظر غيض الأرحام وترتيب العلم بالشهادة ليناظر زيادتها, ويعرف هذا الأسلوب عند اللغويين باسم “اللف والنشر” ويعني أن الأرحام تغيض قبيل تخلّق الجنين وازديادها, وبالفعل ينقبض الرحم ويغور للداخل قبل وقوع الإخصاب، وتشكل الخريطة الوراثية، ولا يمكن لأحد حينئذ سوى الله تعالى وحده العلم بخصائص الجنين أو ذكورته وأنوثته.
وفعل (تَغِيضُ)منسوب ابتداء في الآية الكريمة إلى (الأرْحَام)،وفي مقابل الازدياد خاصة يفيد كما في اللغة الغور والنقصان, وكذلك في القرآن؛ يقول تعالى: “وَقِيلَ يَأَرْضُ ابْلَعِي مَآءَكِ وَيَسَمَآءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَآءُ” [هود:44]،ويقول تعالى: “أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً” [الكهف:41]،ويقول تعالى: “قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مّعِينٍ” [الملك:30]، وفي لسان العرب: “غاض الماء يغيض غيضا.. نقص أو غار” [لسان العرب (7/201)]
والخلاصة أن الله تعالى يعلم بمستقبل ومصير الإنسان المقبل الذي لم يتخلق بعد حال غيض الأرحام تماما كما هو حال زيادتها بعد تخلقه.
ويأتي الحديث مؤيداً نسق القرآن الكريم في قصر الغيب المطلق عن علم البشر على حال غيض الأرحام قبل تخلق الجنين دون حال ازديادها بعد تخلقه؛ففي الحديث الذي رواه البخاري وغير واحد: “عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي –صلى الله عليه وسلمقال: “مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله، لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله)”[صحيح البخاري (6/2687), (4/1733), تفسير ابن كثير (2/503), تفسير الثوري (1/239), الدر المنثور (3/277), صحيح ابن حبان (1/273), السنن الكبرى (6/370), عمدة القاري (18/313), (25/86).

 قال ابن كثير: “هذه مفاتيح الغيب التي استأثر الله تعالى بعلمها فلا يعلمها أحد.. فعلم وقت الساعة لا يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب.. وكذلك إنزال الغيث لا يعلمه إلا الله، ولكن إذا أمر به علمته الملائكة، ومن يشاء الله من خلقه، وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه تعالى سواه، ولكن إذا أمر علمته الملائكة، ومن شاء الله من خلقه، وكذا لا تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت.. وقد وردت السنة بتسمية هذه الخمس مفاتيح الغيب“[ تفسير ابن كثير (3/454)].
وقد ورد في الحديث أن الملائكة تعلم بحال الجنين منذ بدء تكون النطفة, ففي الحديث الذي رواه البخاري وغير واحد: عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: “إن الله عز وجل وكل بالرحم ملكا يقول: يا رب نطفة، يا رب علقة، يا رب مضغة. فإذا أراد أن يقضي خلقه، قال: أذكر أم أنثى؟ شقي أم سعيد؟ فما الرزق والأجل؟ فيكتب في بطن أمه”. [صحيح البخاري (1/121), (3/1213), (6/2433), وصحيح مسلم (4/2038), مسند أحمد (3/116), (3/148)].

يقول فضيلة الشيخ عبد المجيد الزنداني: “وإذًا هناك نصوص قد بينت بجلاء أن الأمر المحجوب عن علم غير الله إنما هو في مرحلة ما قبل تكون الجنين، فعلمنا أن الأرحام قبل أن تزداد حتى يراها كل المحيطين بالحامل تعاني من حالة تقلص وانكماش وغور ونقصان, وفي تلك الفترة حال الجنين المرتقب محجوب عن علم غير الله تعالى.., (فهو) مفتاح من مفاتيح الغيب يفتح على أبواب مغلقة، ولا يملكه دون الخالق سبحانه أحد.. وأما حمل الغيض على دم الحيض (أو السقط) فلا يتفق مع كونه مفتاحا للغيب لأنه لن ينشأ منه جنين, وبإجماع علماء المسلمين مفتاح الغيب متعلق بالإنسان الذي سيخلق وقد تقرر في علم الله تعالى أن له مستقبلا مغيبا وليس دم الحيض (أو السقط) كذلك.
وفي مرحلة الغيض يستحيل على إنسان أن يعرف صفات الجنين المقبل.. ولو جئت بصفين؛ وقلت: أنا سأصنع من هذه الأحجار بناء هل سيعلم أحد السامعين يقينا أيكون من الصفين مدرسة أم مستشفى؟ فيلا أم عمارة ؟ هكذا الجنين في مرحلة الغيض لا يعلم أحد -غير الله تعالىبما سيكون عليه حاله” [من مقالات الشيخ عبد المجيد الزنداني].
ولو افترضنا جدلا إذن إمكان قراءة الخريطة الوراثية عند تخلق الجنين ومعرفة صفاته وجنسه فلن ينقض هذا نصوص الوحي.

 يمكن مراسلة الدكتور محمد دودح على الإيميل التالي

[email protected]


الوسوم:

مقالات ذات صلة