عظمة خلق السماوات والأرض في ضوء العلم الحديث: قراءة في قوله تعالى ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ﴾

 
الأثنين/يونيو/2025
   

بين يديكم قراءةٌ تحليلية تجمع بين التفسير البلاغي والرؤية الكونية الحديثة لقول الله تعالى:
﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (غافر: ٥٧)،
في محاولة لتأمل أبعاد القدرة الإلهية والردّ على من يُنكر البعث.

١. مدخلٌ تفسيريٌّ وتمهيدٌ بلاغيّ

  • المعنى الكليّ: تُقيم الآيةُ الدليلَ على إمكان البعث؛ فمَن أوجدَ الأكبَرَ – أي السماواتِ والأرضَ – لا يعجزُه أن يُعيدَ خلقَ الإنسان. [1]
  • اللمحة البلاغيّة: صيغةُ التفضيل «أكبر» تُضفي مبالغةً في بيان العظمة، أمّا «لكنَّ» فتُنبه إلى غفلةِ معظمِ البشر عن هذه الحقيقةِ القطعيّة. [2]

ومضةُ تدبُّرٍ
الجملةُ الاسميّةُ في صدرِ الآيةِ تُعطي ثبوتًا واستمرارًا لِعِظَم الخلق، في حين أنَّ جملةَ الشرطِ المُضمرَةَ («ومع ذلك») تُفهِم أنّ غفلةَ الناس ليست عذرًا.

ثانياً: إشارات كونيّة معاصرة

  • حجم الكون المرصود (Observable-Universe Radius): يقدّر علماءُ الفلك نصفَ قُطره بـ 46.5 مليار سنة ضوئية، أي قُطرًا يقارب 92 مليار سنة. astronomy.com

  • عدد المجرّات (Number of Galaxies): تُظهر أحدثُ المحاكيات وجودَ نحو تريليونَيْن (2×10¹²) مجرّة—أضعاف تقديرات تلسكوب هابل الأولى. forbes.com

  • كتلة المادّة العاديّة (Baryonic Mass): تبلغ الكتلة الإجمالية للمادّة العاديّة في الكون المرصود قرابة 1.5 × 10⁵³ كغ، وهو رقم يتجاوز الإدراك الحسيّ. en.wikipedia.org

  • عُمْر الكون (Age of the Universe): حدّدت بعثة Planck العمرَ بنحو 13.8 مليار سنة. en.wikipedia.org

  • الخلفيّة الميكروويّة الكونيّة (Cosmic Microwave Background — CMB): تُقدّم CMB دليلًا راسخًا على الانفجار العظيم (Big Bang). esa.int

  • الضبط الدقيق (Fine-Tuning of Physical Constants): تُظهر الثوابتُ الفيزيائية الأساسية ضبطًا دقيقًا يسمح بظهور الحياة، الأمر الذي يعزّز أطروحة «التصميم الذكي» (Intelligent Design). en.wikipedia.org

إيضاحٌ مُهمّ
إذا كان بَلغُ هذا الضبطِ في خلق الكون، فالأولى ألا يستغربَ العاقلُ قدرةَ الخالقِ على بعثِ الإنسان؛ إذ «مَن ملكَ العُظمى فلن يعجزَ عن الصغرى».

٣. موازنةٌ بين خلقِ الإنسان والكون

وجهُ المقارنة خلقُ الإنسان خلقُ السماوات والأرض
المادّة الابتدائيّة طينٌ ثمَّ شيفرةٌ وراثيّةٌ تحوي ≈ 3 مليارات زوجٍ قاعديّ بلازما بدائيّةٌ كثيفة، ثم عناصرُ دوريّةٌ تتجاوز 90 عنصرًا
الحجم متوسّطُ كتلة الفرد ≈ 70 كغ كتلةُ الكون ≈ 10^53 كغ
الزمن اللازم للتشكُّل تخلُّقُ الجنين ≈ 9 أشهر تشكُّلُ المجرّات عبر مليارات السنين
التعقيد الوظيفي أجهزةٌ: عصبيّ – دوريّ – هضميّ… شبكةٌ نجمية‑مجرّية تضمُّ بلايين الأنظمة الكوكبيّة
الشاهد القرآنيّ ﴿فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ (الانفطار 8) ﴿أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ﴾ (فصّلت 9)

هذه الموازنةُ تُبرزُ المقصدَ الإلهيَّ: خلقُ العظيم آيةٌ على يُسرِ إعادةِ الأصغر.

٤. البُعدُ الإيمانيُّ وجدَلُ البعث

  • سياقُ الآيةِ ردٌّ على مُنكري القيامة؛ إذ تجعلُ من بنيةِ الكونِ برهانًا عقليًّا كونيًّا على القدرة. [1]
  • تحثُّ على التفكُّرِ المنهجيّ بدلَ الاقتصارِ على المحسوساتِ القريبة.

٦. الخلاصةُ والرِّسالة

من خَلَقَ كونًا بعمق 46.5 مليار سنةٍ ضوئيّة، وضبَطَ قوانينَه على نحوٍ يُتيحُ وجودَ الحياة، قادرٌ بلا ريبٍ على بعثِ البشرِ يومَ القيامة. تلك هي الرسالةُ الإيمانيّةُ والعلميّةُ الكامنةُ في الآية.


المراجع

[1] https://quran.ksu.edu.sa/tafseer/katheer/sura40-aya57.html
[2] https://surahquran.com/aya-57-sora-40.html
[3] https://en.wikipedia.org/wiki/Observable_universe
[4] https://bigthink.com/starts-with-a-bang/galaxies-in-universe/
[5] https://www.aau.edu/research-scholarship/featured-research-topics/scientists-confirm-age-universe-138-billion-years
[6] https://en.wikipedia.org/wiki/Age_of_the_universe
[7] https://www.space.com/33892-cosmic-microwave-background.html
[8] https://link.springer.com/article/10.1007/s11229-024-04621-z
[9] https://spacefed.com/physics/life-and-the-question-of-a-fine-tuned-universe/
[10] https://dorar.net/h/mH1YwJCU


الوسوم:


مقالات ذات صلة