العينان.. هذا خلق الله!

 
الأربعاء/مارس/2022
   

العينان جواهر ثمينة لا تُـقدر بثمن، يقول تعالي ممتناً علي خلقه: “أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ” (سورة البلد:8). وهي مرآة عاكسة لصحة الجسم، وعافيته. والجواهر النفيسة يتم حفظها، وصيانتها، ووقايتها من المخاطر المحدقة بها. فماهي أسرار العيون، وعجائب خلقها؟. وكيف نحافظ عليها من مشكلاتها؟.

العينان من أكثر أجزاء الجسم تعقيداً في الوظيفة، وروعة في الخلق والتقدير، وتميزاُ في سبل الوقاية والحماية والتدبير. وسيلة استقبال وتفاعل، واتصال وتواصل، وتعلم واستذكار، ودراية وإدراك، ومعرفة وأستبصار. وتمنع حواجب العينان تساقط حبات العرق داخلهما. لكن حرسهما اليقظ المدافع عنها دوماً هم الجفون Eyelids (العليا، والسفلي). وتحمله هذه الجفون رموشاً، تقي من الأثربة والمثيرات والأجسام الدقيقة الخ. وتنغلق الجفون تلقائيا مرة كل ست ثواني تقريباً، أو من عشر إلى خمس عشرة مرة في الدقيقة. وهي تنزلق وتتحاف بسلاسة فوق العين، دون احتكاك، بفضل مادة زيتية تفرزها غدة في غضروف الجفن، وبمساعدة الدموع أيضاً. فتغلق العيون عند الضرورة، وأنعكاساً لمثير مفاجئ. وتوقياً لها مما قد يضرها من انعكاسات ضوئية شديدة. أما الملتحمة Conjunctiva فغشاء رقيق يبطن تلك الجفون، كما يحيط بأطراف القرنية، ويكسو صلبة العين.
الدموع أسرار، وأنواع
الدموع أسرار، وأنواع. سائل يتم إفرازه من الجهاز الدمعي Lachrymal apparatus. ويتكون من غدة في الحافة العلوية الخارجية لكل عين، وكيس وقنوات دمعية، وأخري تصل للأنف. ومكونات الدموع هي: الماء (98-99% من السائل الدمعي). بالإضافة إلي نسب ضئيلة من الأكسجين، والصوديوم، والبوتاسيوم، والكالسيوم، والماغنسيوم، والأمونيا، والآزوت، وفيتامين ب12، وفيتامين (ج)، والأحماض الأمينية، والحديد، والنحاس، والزنك، والمنغنيز، والكلورين، والفسفور، والبيكروبونات، وحمض البوليك، والأنزيمات، وستّين نوعًا من البروتينات.
والدموع Tears نوعان: دموع أساسية صِّحية، إجبارية، وثابتة في نوعيتها وكميتها. تفيض بها العيون بانتظام، وتصرف عن طريق مجرى الدموع، وتتسلل لداخل الأنف والحلق. ودموع انعكاسية نتيجة انفعال عصبي، أو تعرض العين لزيادة في الضوء أو لمادة مُهيجة (كالنشادر، والبصل، الفلفل)، أو بعض الغازات والكيماويات. فالدموع تحمي شفافية القرنية وترطبها. وتجلو العين مما يهيجها أتربة، وكيماويات/ وأجسام غريبة. ومن لا تدمع عيونه يصاب بجفاف العين، فيحتاج لعلاج. كما تحتوي علي مضادات للبكتريا (الليسوزيم lysozyme )، تحافظ علي صحة العين، وتقيها من الميكروبات. وتساعد على وضوح الرؤية وقوة الابصار ودقتها. كما تعالج الاكتئاب، فتخلص الجسم من كيماويات متعلقة بالضغط النفسي.


طبقات جدار كرة العين
العين كروية الشكل، لا يتجاوز سمك جدارها الملليمترين. وهو يتكون من ثلاثة طبقات رئيسة: الطبقة الخارجية (الليفية): تتكون من جزء أمامي “القرنية” (خُمس جدار العين)، وجزء خلفي “الصلبة” (أربعة أخماسها). والجزءان متداخلان وملتحمان أحدهما بالأخر. والقرنية Cornea فجزء شفاف رقيق (نسيجها الضام لا يحوي أوعية دموية ولا أصباغ) ونافذة أمامية قليلة التحدب تمرر الضوء وصور المرئيات لداخلها. والقرنية تفوق سواها من أنسجة الجسم في طول البقاء.
أما صلبة العين (بياضها) Sclera فغشاء سميك معتم (لا ينفذ من الضوء من خلاله) ليحمي ما بداخلها. أما الطبقة المتوسطة: وهي المغذية للعين، وتتكون من أوعية دموية تحمل الغذاء لأجزاء العين المختلفة، ومنها تأتي سوائل العين التي تغذي القرنية، والعدسة Lens. وتحافظ على وجود ضغط طبيعي في العين، ويمتد جزئها الأمامي علي شكل قرص مستدير هو القزحية. بينما الطبقة الثالثة الحساسة هي شبكية العين (Retina)، الشفافة بالرغم من أنها تتكون من عشر طبقات. وتحتوي على نهايات عصبية حساسة للضوء، وتتجمع هذه النهايات العصبية معًا لتكوّن العصب البصري (Optic Nerve). وهي الغلاف الداخلي الحساس للضوء والذي ترتسم عليه صورة الأجسام.

القزحية، وأجزاء العين الأخري
يُعزي لون العينين (الأخضر/ العسلي/ الأزرق الخ) إلي القزحية التي يتوسطها جزء أسود صغير هو إنسان العين/ البوبوء أو الحدقة. تحتوي القزحية علي عضلات تتحكم في مرور الضوء عبر عدسة العين محدبة الوجهين، وهي أيضا كشأن القرنية شفافة من الأصباغ والدم، بيضاوية تفصل الحجرة الأمامية للعين (بها السائل المائي) عن الخلفية التي يملئها الجسم الزجاجي (السائل الزجاجي). يوجد على جانبي الحجرة الخلفية جسم هدبي يقوم بفرز سوائل الرطوبة المائية.
وحجرة العين الخلفية تبطنها من الداخل الشبكية، وهي غلاف حساس تتجمع عليه صور المرئيات، (يماثلها الفيلم الحساس في آلة التصوير) وترتبط ارتباطا وثيقا بأجزاء العين. تحوي الشبكية خلايا شديدة التخصص (لا توجد في أي عضو آخر من أعضاء الجسم) تسمي العصي (لإدراك درجة سطوع الضوء وشدته)، والمخاريط (تضفي الألوان علي الصورة المتكونة). تستمد العين أعصابها من الأعصاب المخية الثالث، والرابع، والسادس، بينما هناك ست عضلات تحوطها وتقع خلفها تتحكم في حركتها داخل محجرها، ذلك المحجر (التجويف العظمي داخل عظام الجمجمة)، وما به من دهون، لحماية الجوهرة الغالية/ العين من الصدمات: “هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ” (سورة لقمان:11).


كيف نحافظ علي العين؟.
ينبغي عدم الاقتراب كثيراً من التلفزيون أو شاشة الكومبيوتر. ويفضل استخدام شاشات توضع أمام الكمبيوتر كي تقلل من الإشعاعات المنبعثة منه. كما لا تُفضل القراءة في ضوء خافت، مع عدم إجهاد العينين بالنظر إلى الأشياء القريبة لفترة طويلة، لذلك يجب على القارئ أن يمنح عينيه فترة من الراحة (إما بإغماض عينيه أو بالنظر إلى أشياء أخري بعيدة الخ) لبضع دقائق كل ساعتين تقريباً. وينبغي استخدام نظارات مخصصة للقراءة لمن هم فوق سن الأربعين وتقل قدرتهم على تمييز الحروف والمقرؤة.
كما يجب عدم لمس العين بأصابع متسخة قبل غسلهما جيداً، وإذا دخل جسم غريب دقيق للعين فيجب التأني وعدم فرك أو دعك العين المصابة. وإذا أصيبت العين بكدمة فيوضع عليها مؤقتاً كمادات ماء بارد. وإذا كان هناك شعوراً بتشويش البصر أو عدم القدرة على فتح العين، فيتم مراجعة الطبيب فورا. وإذا أصيبت العين أو الجفن بجرح فيجب عدم فتحها أو فركها بقوة بل التقليل من حركتها. ووضع ضمادة نظيفة من الشاش المعقم عليها، ثم التوجه إلى أقرب مشفى. كما يجب عدم التعرض لمناخ عدوي العيون ومسبباتها. وعدم استعمال أدوات المرضي الخاصة (كالعدسات اللاصقة، أو أقلام التجميل، أو مناشف وغيرها). متعنا الله بالصحة، والعافية الدائمة.
“ذوو البصيرة”
لقد أولى الاسلام، دين الله تعالى، وخاتم شرائعه، اهتمامه الكبير بكل شؤون الحياة ونُظمها.. عامة وخاصة، فردية وجماعية الخ. لذا فقد اهتم اهتماماً فائقاً بحقوق ذوي الإحتياجات الخاصة، ومنهم من كُفّ بصره. فحرص على تلبية احتياجاتهم، ودمجهم في مجتمعاتهم. ويكفي أن الله تعالى عاتب نبيه “صلى الله عليه وسلم” في شأن صحابي من هؤلاء المكفوفين (عبدالله بن أم مكتوم، رضي الله عنه): {عَبَسَ وَتَوَلَّى. أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى. وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى. أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى. أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى. فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى. وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى. وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى. وَهُوَ يَخْشَى. فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى. كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} (عبس: 1-11). فكان “صلى الله عليه وسلم” حين يقابل “ابن أم مكتوم” يقول له: “مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي. وكان إذا غاب عن المدينة- بعد الهجرة- يوليه عليها حتى يعود.
ولقد أكرم الله تعالى المكفوفين بما يجبر خواطرهم، ويُعلي مكانتهم، فقال رسول الله “صلى الله عليه وسلم” : “إن الله عز وجل قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته بها الجنة” (يريد عينيه) (رواه البخاري). فالمؤمن المُبتلى بفقد نعمة البصر (يتراوح الابتلاء بين عمى كامل، وحالات قريبة منه) يستقبل قضاء الله وقدره بكل إيمان ورضا. ولقد كان المؤمنون، قديمًا وحديثًاً، أمام هذا الابتلاء أطيب قلوبًا، وأسلم صدورًا.
وتبقي علاقة المكفوفين بمجتمعهم تحكمها أطر متباينة: ففي بعض المجتمعات يعتبرونهم “عبئاً ثقيلاً، وكماً مهملاً”، أو “قصّرًا تحت الوصاية”، أو النظر إليهم كأعضاء عاملين نافعين. وهذا الإطار الأخير تبناه المجتمع المسلم، وأخذ به. فعمِل على حسن دمجهم فيه. إذا إن كف البصر ليس عائقًا للكفيف، فهو يحمل من القدرات ما يؤهله للعمل الذي يتفق مع ميوله واستعداداته. وهو قادر، بإذن الله، على المساهمة في العطاء والمشاركة في البناء الحضاري والتنموي إذا تم تأهيله التأهيل المناسب، الذي لا يقل بحال عن الإهتمام بغيرهم من ذوي البصر.


الوسوم:

مقالات ذات صلة