شبهة نزول الحديد من السماء
السبت/ديسمبر/2019
إعداد الأستاذ عبد الرحيم الشريف
ماجستير في علوم القرآن والتفسير
نص الشبهة حرفياً:
قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحديد: 25).
يدعي الإعجازيون بأن القرآن قال بـ”الحقيقة العلمية” أن الحديد أنزل من السماء الى الأرض والدليل قول القرآن “أنزلنا“.
ويقولون أن الحديد لم يتكون في المجموعة الشمسية، بل جاء اليها من الخارج! ويدعون أن المجموعة الشمسية لم يكن بها ما يكفي من طاقة لظهور عنصر الحديد. ولتفنيد هذا الادعاء، سأتناوله من وجهين:
أولا: هل فعلا الحديد لم يكن من العناصر المكونة لكوكب الأرض؟؟
حقائق:
1- عنصر الحديد أكثر العناصر انتشارا في الارض، و يشكل حوالي 35% من العناصر.
7http://www.arc.losrios.cc.ca.us/~jacksoh/Yuba/Lecture
ونفس الشيء في كواكب المجموعة الأخرى، حيث ينتشر عنصر الحديد انتشارا كبيرا بها، فكيف يمكن أن يكون عنصر بهذه الكثرة والانتشار لم يظهر في الأرض الا عن طريق هبوطه من الخارج عن طريق النيازك؟
2- اللب الداخلي للأرض يحتوي على الحديد:
http://www.ldgo.columbia.edu/press_releases/song/basic-facts.html
كيف يستوي هذا مع عدم ظهوره في كوكب الأرض الا عن طريق هبوطه بالنيازك؟
والحقيقة أنني بحثت كثيرا في المراجع العلمية عن هذا الادعاء، ولم أر ما يدعمه أبدا.
ثانيا: بغض النظر عن كون الموضوع حقيقة علمية أم لا، تعالوا لنبحث الموضوع من الناحية اللغوية والدينية.
يستند الاعجازيون في هذه الاية على كلمة {انزلنا} بمعنى انها تعني “هبوط” الحديد من الخارج الى الأرض.
و لكن هل تعني ذلك حقا؟ لغويا وسياقيا؟
تعالوا نرَ مواضع أخرى جاءت فيها نفس الكلمة بمعنى الخلق:
تقول سورة الزمر: { وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } (سورة الزمر 6).
يقول ابن كثير في تفسير الآية: وقوله تعالى: { وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } أي وخلق لكم من ظهور الأنعام ثمانية أزواج، وهي المذكورة في سورة الأنعام:{ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ … وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ } (سورة الأَنعام 143 – 144).
فهل هبطت الأنعام أيضا على أرضنا من الخارج؟
بدون حتى النظر الى التفسير، فواضح لأي شخص ان الكلمة “أنزلنا” عند اتيانها في الحديث عن نعمة أو شيء مخلوق للإنسان -وهو الشيء المشترك بين الايات الثلاث- تعني “خلقنا” أو “جعلنا”.
اية اخرى جاءت بنفس السياق: { يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا } (سورة الأَعراف 26)
وبطبيعة الحال تؤكد جميع التفاسير معنى الخلق لكلمة “انزلنا” في هذه الاية أيضا؛ كما يؤكده منطق أي شخص عاقل.
وبالرجوع الى التفسير حول الآية الاصلية محل الحديث المتحدثة عن الحديد؛ يتأكد لنا نفس الشيء.
هل هبط اللباس علينا من الخارج أيضا؟
باختصار قوله “انزلنا” لا تعني الا بكل بساطة: “جعلنا” أو “خلقنا”.
كل هذه الامثلة من الغش في معاني اللغة وتحريف الكلمات الى معاني مختلفة تماما عن الحقيقة يوضح لنا كم الكذب والتدليس الذي احترفه مرتزقة العلم هؤلاء، الذين أكاد أجزم انهم لا يؤمنون بحرف واحد مما يلوثون به عقول البسطاء من الناس.
متى نفيق من هذه الأوهام ونعلم أنفسنا علما حقيقيا يلحقنا بمؤخرة ركب التطور ؟”.
الرد على الشبهة:
كل كتب الإعجاز العلمي التي تناولت هذا الموضوع تحدثت عن نسبة الحديد إلى الأرض، وعن وجوده في لب الأرض أكثر بكثير من قشرتها. ولكنهم لتدليسهم وبترهم للنصوص لا يذكرون ذلك!
ولتوضيح الإعجاز العلمي في الآية الكريمة بصورة واضحة، سيتم نقل رأي الدكتور زغلول النجار مطولاً في ذلك.
قال الدكتور زغلول النجار: ” بينما لا تتعدى نسبة الحديد في شمسنا 0.0037%، فإن نسبته في التركيب الكيميائي لأرضنا تصل إلى 35.9 % من مجموع كتلة الأرض، المقدرة بحوالي ستة آلاف مليون مليون مليون طن. وعلى ذلك فإن كمية الحديد في الأرض تقدر بأكثر من ألفي مليون مليون مليون طن. ويتركز الحديد في قلب الأرض، أو ما يعرف باسم لب الأرض، وتصل نسبة الحديد فيه إلى90 % ، ونسبة النيكل -وهو من مجموعة الحديد-إلى9 %. وتتناقص نسبة الحديد من لب الأرض إلى الخارج باستمرار حتى تصل إلى5.6 % في قشرة الأرض.
وإلى أواخر الخمسينيات من القرن العشرين لم يكن لأحد من العلماء إمكانية التصور-ولو من قبيل التخيل- أن هذا القدر الهائل من الحديد قد أنزل إلى الأرض من السماء إنزالاً حقيقياًً!
كيف أنزل؟ وكيف تسني له اختراق الغلاف الصخري للأرض بهذه الكميات المذهلة؟ وكيف أمكنه الاستمرار في التحرك بداخل الأرض حتى وصل إلى لبها؟ وكيف شكل كلاً من لب الأرض الصلب، ولبها السائل على هيئة كرة ضخمة من الحديد والنيكل، يحيط بها وشاح منصهر من نفس التركيب، ثم أخذت نسبته في التناقص باستمرار في اتجاه قشرة الأرض الصلبة ؟
في أواخر القرن العشرين ثبت لعلماء الفلك والفيزياء الفلكية أن الحديد لا يتكون في الجزء المدرك من الكون إلا في مراحل محددة من حياة النجوم تسمي بالعماليق الحمر، والعماليق العظام، والتي بعد أن يتحول لبها بالكامل إلى حديد تنفجر علي هيئة المستعرات العظام، وبانفجارها تتناثر مكوناتها بما فيها الحديد في صفحة الكون، فيدخل هذا الحديد بتقدير من الله Y في مجال جاذبية أجرام سماوية تحتاج إليه مثل أرضنا الابتدائية التي وصلها الحديد الكوني، وهي كومة من الرماد.
فاندفع إلى قلب تلك الكومة، بحكم كثافته العالية وسرعته المندفع بها، فانصهر بحرارة الاستقرار في قلب الأرض وصهرها، ومايزها إلى سبع أرضين! وبهذا ثبت أن الحديد في أرضنا، بل في مجموعتنا الشمسية بالكامل قد أنزل إليها إنزالاً حقيقيا.
1) إنزال الحديد من السماء:
في دراسة لتوزيع العناصر المختلفة في الجزء المدرك من الكون، لوحظ أن غاز الإيدروجين هو أكثر العناصر شيوعاً إذ يكون أكثر من 74 % من مادة الكون المنظور، ويليه في الكثرة غاز الهيليوم الذي يكون حوالي24 % من مادة الكون المنظور، وأن هذين الغازين وهما يمثلان أخف العناصر وأبسطها بناء يكونان معا أكثر من98 % من مادة الجزء المدرك من الكون، بينما باقي العناصر المعروفة لنا وهي(103) عناصر تكون مجتمعة أقل من2 % من مادة الكون المنظور.
وقد أدت هذه الملاحظة إلى الاستنتاج المنطقي أن أنوية غاز الإيدروجين، هي لبنات بناء جميع العناصر المعروفة لنا، وأنها جميعا قد تخلقت باندماج أنوية هذا الغاز البسيط مع بعضها في داخل النجوم بعملية تعرف باسم عملية الاندماج النووي تنطلق منها كميات هائلة من الحرارة، وتتم بتسلسل من أخف العناصر إلى أعلاها وزنا ذريا وتعقيدا في البناء.
فشمسنا تتكون أساساً من غاز الإيدروجين الذي تندمج أنويته مع بعضها لتكون غاز الهيليوم ، وتنطلق طاقة هائلة تبلغ عشرة ملايين درجة مئوية، ويتحكم في هذا التفاعل -بقدرة الخالق العظيم- عاملان هما: زيادة نسبة غاز الهيليوم المتخلق بالتدريج، وتمدد الشمس بالارتفاع المطرد في درجة حرارة لبها. وباستمرار هذه العملية، تزداد درجة الحرارة في داخل الشمس تدريجيا، وبازديادها ينتقل التفاعل إلى المرحلة التالية التي تندمج فيها نوى ذرات الهيليوم مع بعضها منتجة نوى ذرات الكربون12، ثم الأوكسجين16 ثم النيون20، وهكذا.
وفي نجم عادي مثل شمسنا، التي تقدر درجة حرارة سطحها بحوالي ستة آلاف درجة مئوية، وتزداد هذه الحرارة تدريجيا في اتجاه مركز الشمس حتي تصل إلى حوالي15 مليون درجة مئوية يقدر علماء الفيزياء الفلكية أنه بتحول نصف كمية الإيدروجين الشمسي تقريباً إلى الهيليوم، فإن درجة الحرارة في لب الشمس ستصل إلى مائة مليون درجة مئوية، مما يدفع بنوى ذرات الهيليوم المتخلقة إلى الاندماج في المراحل التالية من عملية الاندماج النووي، مكونة عناصر أعلى في وزنها الذري مثل الكربون. ومطلقة كمَّاً أعلى من الطاقة.
ويقدر العلماء، أنه عندما تصل درجة حرارة لب الشمس إلى ستمائة مليون درجة مئوية، يتحول الكربون إلى صوديوم ومغنيسيوم ونيون، ثم تنتج عمليات الاندماج النووي التالية عناصر الألومنيوم، والسيليكون، والكبريت، والفوسفور، والكلور، والأرجون، والبوتاسيوم، والكالسيوم على التوالي.، مع ارتفاع مطرد في درجة الحرارة، حتى تصل إلى ألفي مليون درجة مئوية، حين يتحول لب النجم إلى مجموعات التيتانيوم، والفاناديوم، والكروم، والمنجنيز والحديد (الحديد والكوبالت والنيكل).
ولما كان تخليق هذه العناصر يحتاج إلى درجات حرارة مرتفعة جداً لا تتوافر إلا في مراحل خاصة من مراحل حياة النجوم تعرف باسم العماليق الحمر والعماليق العظام، وهي مراحل توهج شديد في حياة النجوم، فإنها لا تتم في كل نجم من نجوم السماء. ولكن حين يتحول لب النجم إلى الحديد فانه يستهلك طاقة النجم بدلاً من إضافة مزيد من الطاقة إليه، وذلك لأن نواة ذرة الحديد هي أشد نوى العناصر تماسكاً.
وهنا ينفجر النجم على هيئة ما يسمي باسم: المستعر الأعظمـ من النمط الأول أو الثاني حسب الكتلة الابتدائية للنجم ـ وتتناثر أشلاء النجم المنفجر في صفحة السماء، لتدخل في نطاق جاذبية أجرام سماوية تحتاج إلى هذا الحديد، تماماً كما تصل النيازك الحديدية إلى أرضنا بملايين الأطنان في كل عام.
ولما كانت نسبة الحديد في شمسنا لا تتعدى0.0037 % من كتلتها، وهي أقل بكثير من نسبة الحديد في كل من الأرض والنيازك الحديدية التي تصل إليها من فسحة الكون، ولما كانت درجة حرارة لب الشمس لم تصل بعد إلى الحد الذي يمكنها من إنتاج السيليكون أو المغنيسيوم -فضلاً عن الحديد- كان من البديهي استنتاج أن كلاً من الأرض والشمس قد استمد ما به من حديد من مصدر خارجي عنه في فسحة الكون، وأن أرضنا حينما انفصلت عن الشمس لم تكن سوى كومة من الرماد المكون من العناصر الخفيفة، ثم رجمت هذه الكومة بوابل من النيازك الحديدية التي انطلقت إليها من السماء، فاستقرت في لبها بفضل كثافتها العالية وسرعاتها الكونية فانصهرت بحرارة الاستقرار، وصهرت كومة الرماد وما يزنها إلى سبع أرضين: لب صلب على هيئة كرة ضخمة من الحديد(90 %) والنيكل(9 %) وبعض العناصر الخفيفة من مثل الكبريت، والفوسفور، والكربون(1 %) يليه إلى الخارج لب سائل له نفس التركيب الكيميائي تقريباًً، ويكون لب الأرض الصلب والسائل معا حوالي31 % من مجموع كتلة الأرض، ويلي لب الأرض إلى الخارج وشاح الأرض المكون من ثلاثة نطق، ثم الغلاف الصخري للأرض، وهو مكون من نطاقين، وتتناقص نسبة الحديد من لب الأرض إلى الخارج باستمرار حتى تصل إلى 5.6 % في قشرة الأرض، وهي النطاق الخارجي من غلاف الأرض الصخري.
من هنا ساد الاعتقاد بأن الحديد الموجود في الأرض والذي يشكل35.9 % من كتلتها لابد وأنه قد تكون في داخل عدد من النجوم المستعرة من مثل العماليق الحمر، والعماليق العظام. والتي انفجرت على هيئة المستعرات العظام، فتناثرت أشلاؤها في صفحة الكون، ونزلت إلى الأرض على هيئة وابل من النيازك الحديدية.
وبذلك أصبح من الثابت علمياً أن حديد الأرض قد أنزل إليها من السماء، وأن الحديد في مجموعتنا الشمسية كلها قد أنزل كذلك إليها من السماء، وهي حقيقة لم يتوصل العلماء إلى فهمها إلا في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين.
2) البأس الشديد للحديد:
الحديد عنصر فلزي شديد البأس، وهو أكثر العناصر ثباتاً؛ وذلك لشدة تماسك مكونات النواة في ذرته التي تتكون من ستة وعشرين بروتوناً، وثلاثين نيوتروناً، وستة وعشرين إلكتروناً.
ولذلك تمتلك نواة ذرة الحديد أعلى قدر من طاقة التماسك بين جميع نوى العناصر الأخرى، ولذا فهي تحتاج إلى كميات هائلة من الطاقة لتفتيتها، أو للإضافة إليها.
ويتميز الحديد وسبائكه المختلفة بين جميع العناصر والسبائك المعروفة بأعلى قدر من الخصائص المغناطيسية، والمرونة -القابلية للطرق والسحب وللتشكل- والمقاومة للحرارة ولعوامل التعرية الجوية، فالحديد لا ينصهر قبل درجة 1536 مئوية، ويغلي عند درجة 3023 درجة مئوية تحت الضغط الجوي العادي عند سطح البحر، وتبلغ كثافة الحديد 7.874 جرام للسنتيمتر المكعب عند درجة حرارة الصفر المطلق.
3) منافع الحديد للناس:
للحديد منافع جمة وفوائد أساسية لجعل الأرض صالحة للعمران بتقدير من الله، ولبناء اللبنات الأساسية للحياة التي خلقها ربنا تبارك وتعالى، فكمية الحديد الهائلة في كل من لب الأرض الصلب ولبها السائل تلعب دورا مهما في توليد المجال المغناطيسي للأرض، وهذا المجال هو الذي يمسك بكل من الغلاف الغازي والمائي والحيوي للأرض، وغلاف الأرض الغازي يحميها من الأشعة والجسيمات الكونية، ومن العديد من أشعات الشمس الضارة، ومن ملايين الأطنان من النيازك، ويساعد على ضبط العديد من العمليات الأرضية المهمة من مثل دورة كل من الماء، والأوكسجين، وثاني أكسيد الكربون، والأوزون وغيرها من العمليات اللازمة لجعل الأرض كوكبا صالحا للعمران.
ومادة الحديد لازمة من لوازم بناء الخلية الحية في كل من النبات والحيوان والانسان، إذ تدخل مركبات الحديد في تكوين المادة الخضراء في النباتات (الكلوروفيل)، وهو المكون الأساسي للبلاستيدات الخضراء التي تقوم بعملية التمثيل الضوئي اللازمة لنمو النباتات، ولانتاج الأنسجة النباتية المختلفة من مثل الأوراق والأزهار، والبذور والثمار والتي عن طريقها يدخل الحديد إلى أنسجة ودماء كل من الإنسان والحيوان، وعملية التمثيل الضوئي هي الوسيلة الوحيدة لتحويل طاقة الشمس إلى روابط كيميائية تختزن في أجساد جميع الكائنات الحية، وتكون مصدرا لنشاطها أثناء حياتها، وبعد تحلل أجساد تلك الكائنات بمعزل عن الهواء تتحول إلى مختلف صور الطاقة المعروفة: (القش، والحطب، والفحم النباتي، والفحم الحجري، والغاز الفحمي والنفط، والغاز الطبيعي وغيرها)، والحديد يدخل في تركيب بروتينات نواة الخلية الحية الموجودة في المادة الحاملة للشفرة الوراثية للخلية (الصبغيات)، كما يوجد في سوائل الجسم المختلفة، وهو أحد مكونات الهيموجلوبين، وهي المادة الأساسية في كرات الدم الحمراء، ويقوم الحديد بدور مهم في عملية الاحتراق الداخلي للأنسجة والتمثيل الحيوي بها. ويوجد في كل من الكبد، والطحال والكلى، والعضلات والنخاع الأحمر، ويحتاج الكائن الحي إلى قدر محدد من الحديد إذا نقص تعرض للكثير من الأمراض التي أوضحها فقر الدم، والحديد عصب الصناعات المدنية والعسكرية، فلا تكاد صناعة معدنية أن تقوم في غيبة الحديد”. أ.هـ
بهذا يتبين أن في الآية الكريمة إشارات كثيرة في الإعجاز العلمي لم يذكرها في نقده، لماذا؟
أما عن اختلاف النزول مع نزول الأنعام واللباس (وهي بمعنى الخلق) فجواب ذلك: إن لفظ النزول تكرر في القرآن الكريم أكثر من ثلاثمائة مرة، ليس كلها بمعنى الخلق، بل أكثرها بمعنى النزول.
ولا مانع في أن تكون نوعاً من البلاغة، مجازاً مرسلاً علاقته السببية، فيكون: ” تفسير إنزال أزواج الأنعام في قوله تعالى: “وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ” [الزمر: 6]، بإنزال الماء على وجه الأرض؛ لأنها لا تعيش إلا بالنبات، والنبات لا يقوم إلا بالماء، وقد أنزل الماء فكأنه أنزلها ” (1).
وكذا قوله تعالى: “وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا” [غافر: 13]: أي مطراً هو سبب الرزق.
وقوله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا” [النساء: 10] أي: ما يسبب دخولهم النار.
(1) انظر: الإيضاح في علوم البلاغة، القزويني، ص412.
وقال: ابن فارس في الصاحبي في فقه اللغة، ص106: “جاز أن يقول: “أنزل”؛ لأن الأنعام لا تقوم إِلاَّ بالنبات، والنبات لا يقوم إِلاَّ بالماء، والله جلّ ثناؤه ينزل الماء من السماء. قال: ومثله “قَدْ أنْزِلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسَاً” [الأعراف: 26]، وهو جلّ ثناؤه إنما أنْزَلَ الماء، لكن اللباس من القطن، والقطن لا يكون إِلاَّ بالماء. قال: ومنه قال جلّ ثناؤه: “وليَسْتَعْففِ الَّذِين لا يجدون نكاحاً” [النور: 33] إنما أراد -والله أعلم- الشيء يُنْكَحُ بِهِ من مَهْر ونَفقة، ولا بد للمتزوج بِهِ منه”.