المعجزات الربانية في التركيب الداخلي للورقة النباتية

 
الثلاثاء/ديسمبر/2019
   

 

 

 

 

 

 

المعجزات الربانية في التركيب الداخلي للورقة النباتية

مقطع عرضي في ورقة نباتية

إعداد الدكتور نظمي خليل أبو العطا موسى

عندما يقضم الواحد منا ويأكل ورقة نبات الخس أو الفجل أو الجرجير فإنه لا يتخيل أنه أكل أعظم وأفخم لوحة فنية في العالم، وأدخل في جوفه العديد من المصانع الغذائية، وإذا درسنا التركيب الداخلي لهذا المجمع الصناعي الضخم فإننا سنجد أنفسنا أمام الإحكام في الخلق والإبداع في البناء والتركيب. وإذا صبغنا التراكيب الداخلية لقطاع في الورقة النباتية بالصبغ المزدوج المستخدم في صبغ القطاعات النباتية، والمكون من صبغ السفرانين الأحمر اللون والمتخصص في صبغ الخلايا الملجنتة والمسوبرة باللون الأحمر أو البرتقالي، وصبغ الأخضر الضوئي الذي يقوم بصبغ الخلايا النباتية الرقيقة الجدر باللون الأخضر فإننا في النهاية نحصل على قطاع فني غاية في الجمال والإبداع والإتقان (لتعلم طريقة صبغ القطاعات النباتية انظر كتاب التدريبات العملية في دراسة علم النبات، محمد صلاح الدين شركس، دار البحوث العلمية – الكويت (ط1)(ص16)، (1978م).

 والمعلوم علميا وتشريحيا أن للورقة سطحين احدهما علوي والثاني سفلي، يواجه السطح العلوي عادة ضوء الشمس، ويحمي السطح السفلي من أشعة الشمس. وتغطى الورقة جميعها من الخارج بطبقة شمعية شفافة من مادة الكيوتين (cutine) مكونة طبقة الأدمة (cuticle)، وهي بمثابة غلاف خارجي يحمي الخلايا الداخلية للورقة من فقدان الماء، أو تراكم الماء على الورقة أو دخول الفطريات والبكتيريا والفيروسات إلى الورقة، وتتكيف هذه الطبقة مع البيئة الخارجية للنبات، حيث يزداد سمكها في البيئات الجافة القاسية وتقل في نباتات الظل والنباتات المائية.

 وبذلك سبقت الورقة بتركيبها السابق جميع محال ومصانع تغليف المنتجات الغذائية والنباتية وغيرها، فعندما تغطي طعامك في الصباح بهذا الغشاء الأبيض الشفاف النايلوني لتحميه من الجفاف والتلوث اعلم أن الله سبحانه وتعالى غلف الورقة النباتية بغلاف كيوتيني شمعي أعجب من هذا الغلاف البلاستيكي الرقيق والمتين والشفاف والقوي.

 وتلي طبقة الأدمة إلى الداخل طبقة البشرة العليا (upper epiderms) وهي طبقة من صف واحد من الخلايا برميلية الشكل متراصة بجوار بعضها من دون مسافات تخرج منها أحيانا زوائد خلوية عجيبة الشكل والتركيب الإبري والشوكي ووحيد الخلية وعديد الخلايا تقف حامية للتراكيب الداخلية للورقة من الضوء والحرارة والرعي الجائر والقطع ومعلنة أن بداخلها تراكيب يجب عدم الاعتداء عليها.

 فمن خلق هذا؟ ومن قدر هذا؟ ومن أبدع هذا؟

 يقولون المصادفة والعشوائية، نقول لهم وأين المصادفة والعشوائية في هذه التراكيب المعجزة والعجيبة المتقنة والمقدرة والدقيقة؟ تلي طبقة البشرة من الداخل في النباتات الوسطية والصحراوية بخاصة طبقة من الخلايا العمادية الطويلة أو طبقتان حسب الظروف الخارجية، مهمتها استقبال الضوء والقيام بعملية البناء الضوئي بما تحتويه من بلاستيدات خضراء، وبعض الأوراق يحتوي على أصباغ أخرى تضفي الجمال على الورقة أو تحميها من الأشعة الضوئية الخطرة وتسمى النسيج العمادي (palisade tissue)، وقد هيأ الله سبحانه وتعالى هذا النسيج للقيام بعملية البناء الضوئي وهيأ خلاياه للحماية الداخلية من الضوء الشديد.

تلي الطبقة العمادية إلى الداخل طبقات من النسيج الأسفنجي (spongy tissue) وهذا النسيج مكون من عدد كبير من الخلايا البرانشمية الرقيقة الجدر القليلة المحتوى أو الخالية عادة من البلاستيدات الخضراء تقوم بتخزين المواد الغذائية واستقبال طلائعها المتكونة بالنسيج العمادي والبلاستيدات الخضراء في الخلايا المحيطة بها، وهي غير منتظمة الجدر لكي توجد مسافات بينية بينها وبين بعضها للقيام بعملية التبادل الغازي، وتكون الخلايا العمادية والنسيج الأسفنجي النسيج الوسطي (mesophyll).

مما تجدر الإشارة إليه أن تميز النسيج الوسطي في الورقة النباتية إلى نسيج عمادي وآخر إسفنجي شائع في أوراق نباتات ذوات الفلقتين وليس شائعا في أوراق نباتات ذوات الفلقة الواحدة شيوعه بين أوراق ذوات الفلقتين (النبات العام، أحمد مجاهد وآخرون، مكتبة الأنجلو المصرية – القاهرة: مصر (ط6) (ص229)، (1968م).

 وتحتاج الورقة إلى أوعية توصيل للماء والمعادن والأملاح والمغذيات في التربة وتوزيعها على جميع خلايا الورقة، كما تحتاج الورقة إلى أوعية نقل للغذاء المتكون فيها ونقله إلى جميع خلايا النبات للتغذية عليه وتخزينه في الأماكن المخصصة لتخزين الغذاء في النبات ويقوم بهذه المهام كل من الخشب واللحاء، وتتوزع في الورقة شبكة محكمة لهذا، وتتركز هذه الأوعية في العرق الوسطي والعروق المجاورة والمتفرعة منه، وتساعد هذه الأوعية على أداء وظيفتها الحيوية مجموعة من الأنسجة الدعامية الأخرى إما مرافقة للحزم الوعائية وإما موزعة في أجزاء مختلفة من نصل الورقة وتوجد هذه الأنسجة الدعامية الاسكلرنشيمية والكولنشيمية بوجه خاص حول الحزم الوعائية الرئيسة في الورقة (النبات العام مرجع سابق، (ص 230).

 وتتكون أوعية التوصيل في حزم تسمى الحزم الوعائية وهي مكونة من الخشب ناحية السطح العلوي للورقة، ولحاء ناحية السطح السفلي، ويتكون الخشب من صفوف من الأوعية – أصغرها – وهو الخشب الأول (proto xylem) يتجه ناحية السطح العلوي، وأكبرها – وهو الخشب التالي (meta xylem) – يتجه ناحية اللحاء، ويتكون اللحاء من الأوعية الغربالية.

 وتلي ذلك طبقة البشرة السفلى وهي طبقة من الخلايا المشابهة لخلايا البشرة العليا ماعدا وجود الثغور والخلايا الحارسة، ويتحور التركيب الداخلي للورقة حسب البيئة التي تعيش فيها، فأوراق نبات الكافور وأوراق نبات الدفلة توجد لها طبقتان من النسيج العمادي على السطحين العلوي والسفلي للورقة لحمايتها من الأشعة الضوئية الزائدة. وفي نبات البشنين المائي توجد بالورقة فجوات هوائية تساعد الورقة على الطفو وتخزين الغازات.

في نبات البشنين المائي توجد بالورقة فجوات هوائية تساعد الورقة على الطفو وتخزين الغازات

وفي نبات الأولوديا المائي توجد بشرة عليا رقيقة الجدر وبشرة سفلى وحزمة وعائية مختزلة.

 وفي نبات قصب الرمال الصحراوي توجد خلايا مفصلية تعمل عند امتلائها على فك الورقة ونشر نصلها، وعند الجفاف تفقد تلك الخلايا الماء وتنكمش فتعمل على التفاف الورقة كما يلف السيجار، وجعل البشرة العليا في الداخل، والبشرة السفلى السميكة للخارج، وفي نبات الدفلة تتكون شعيرات حول الثغور من ناحية البشرة السفلى لتحميها من الجفاف وقت عدم توافر الماء. وفي نباتات الظل تصبح الأوراق مفلطحة كثيرة الخلايا الأسفنجية قليلة الخلايا العمادية لاقتناص أي كمية من الطاقة الضوئية تسقط على الورقة. وفي النباتات الصحراوية تختزل الأوراق أو تتكون خلايا عمادية في صفوف، وتسمك البشرة ويرتفع المحتوى الحيوي المؤدي إلى زيادة الضغط الأسموزي للورقة.

وهكذا تتجلى العظمة الربانية في هذا الكم الهائل من الأوراق النباتية في مختلف البيئات الأرضية وعندما يأذن الله سبحانه وتعالى بسقوط الورقة النباتية تتكون لها طبقة انفصال أو طبقة سقوط (Abscission layer) محدودة عند قاعدة عنق الورقة تتميز بصغر خلاياها ورقة جدرها وغزارة محتوياتها الحية، ولذلك فهي تمثل موضع ضعف في عنق الورقة، وتطرأ على جدر الخلايا في هذه المنطقة تغيرات كيماوية تحول الصفائح الوسطى – بين الخلايا المجاورة – إلى طبقات مخاطية، لا تلبث أن تذوب مما يؤدي إلى تفكك الخلايا وانفصالها، وتتكون تحت طبقة الانفصال طبقة واقية من الفلين، ولا تقوى بذلك الحزم الوعائية طويلا على مغالبة الرياح وبذلك تنفصل الورقة وتسقط (كما جاء في كتاب النبات العام مرجع سابق، (ص262)).

وهذا يدل على إن كل شيء يقع في كون الله مقدر ومعلوم كما قال تعالى: “وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ{59} ” (الأنعام/59).

أ.د. نظمي خليل أبوالعطا موسى

 www.nazme.net

 أخبار الخليج- الملحق الإسلامي – العدد(11802)- الجمعة 4 شعبان 1431هـ – 16 يوليو 2010م


الوسوم:

مقالات ذات صلة