التراكيب النباتية والرحمة الإلهية
السبت/ديسمبر/2019
بقلم الدكتور نظمي خليل أبو العطا
أستاذ النبات في جامعة عين شمس
يقول الدارونيون إن الحياة خلقت بالمصادفة و العشوائية, و الحقيقة العلمية و الشواهد النباتية تبين أن كل مخلوق ميسر لما خلق الله كما قال تعالى: (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) [طه:50].أي أعطاه صورته و هيئته الخاصة بخاصيته وأداء وظيفته في الحياة ثم هداه إلى ما يصلح عليه هذه الحياة, و عند دراستنا للنباتات الأرضية نجد أن هناك الطحالب و هي من النباتات الدنيا و التي يعيش معظمها في المياه, و هناك النباتات العليا التي يعيش معظمها على اليابسة فمعظمها نباتات برية, و قد خلق الله سبحانه وتعالى هذه النباتات الأرضية و يسرها للمعيشة في بيئتها الأرضية مصداقا لقوله تعالى: (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) [طه:50] فما الصفات التي خص الله بها هذه النباتات الأرضية للتكيف مع الحياة البرية والتغلب على المشكلات والخصائص الأرضية؟ المشكلة الأولى للنباتات البرية: إن الماء و المعادن لا تحيط بالنبات من جميع الجهات كما هو الحال في الطحالب المائية, و هنا زود الخالق سبحانه وتعالى النباتات الأرضية بأشباه الجذور(Rhizoids) أو الجذور(Roots), المهيئة للانغماس والتعمق داخل التربة وامتصاص الماء من الأرض و تجميعه للنباتات, وهذه الجذور طويلة ومتفرعة,ومتشعبة وعميقة حتى تؤدي الوظيفة التي خلقها الله تعالى من أجلها, ولا يعقل أن تخلق هذه التراكيب المعجزة بالمصادفة والعشوائية كما يدعي أصحاب النظرية الدارونية التطورية. والمشكلة الثانية والخاصية الثانية التي يتعرض لهما النبات الأرضي هما كيفية نقل الماء من أشباه الجذور والجذور إلى جميع أجزاء النبات, وهنا وهب الله سبحانه وتعالى تلك النباتات ورزقها قنوات توصيل معجزة وهي الخشب(Xylem) الذي يقوم بتوصيل الماء والعناصر الضرورية من التربة عبر أنسجة الجذور إلى الساق والأوراق والأزهار والثمار, وباقي أجزاء النبات وتقابل تلك النباتات مشكلة أخرى وهي كيفية نقل الغذاء المصنع في الأوراق عادة إلى باقي أجزاء الكائن الحي, وهنا رزق الله النبات أوعية اللحاء (Phloem) المتخصصة في نقل الغذاء المجهز في الأوراق عادة إلى باقي أجزاء النبات ويقابل النبات الأرضي مشكلة تبخر الماء من جسم النبات بعد دخوله إليه مما يؤدي إلى جفاف النبات خاصة في البيئات الصحراوية وموت النبات, وهنا رزق الله النباتات الأرضية مادة الكيوتين (Cuticle) غير المنفذة للماء, وغطى بها الأوراق وباقي أجزاء النبات, وساعدها بمادة شمعية تمنع تبخر الماء, وأمد النبات بآليات لمنع تبخر الماء, كما بينا في مقال النباتات الصحراوية والرحمة الإلهية,والعجيب أن تلك المواد تقل في البيئات غير الجافة وتزداد في البيئات الجافة. وتحتاج النباتات الأرضية إلى الغازات اللازمة للتنفس كالأكسجين, والبناء الضوئي وثاني أكسيد الكربون, وهنا زود الله سبحانه و تعالى تلك النباتات بفتحات تهوية, وثقوب (Air pors) وثغور (Stomata) تفتح وتغلق بآليات معجزة بحسب الحاجة للغازات الهوائية وهيأها للحصول على تلك الغازات بآليات معجزة. وتحتاج النباتات الأرضية إلى ضوء الشمس للقيام بعملية البناء الضوئي وإعداد الغذاء باستخدام ثاني أكسيد الكربون الهوائي والمذاب في الماء, وطاقة ضوء الشمس و تكوين أول منتجات البناء الضوئي وهو السكر (Sugar) وإنتاج الأكسجين (Oxygen) ورزق الله سبحانه وتعالى تلك النباتات الأوراق (Leaves) وهيأها لوظيفتها بأن جعلها مفلطحة لاقتناص أكبر كمية من الضوء خاصة في نباتات الظل وجعل تلك الأوراق إبرية في البيئات الصحراوية والبيئات الباردة, وجعل في تلك الأوراق مفاعلات حيوية معجزة تقوم باقتناص الطاقة الضوئية وامتصاص الماء وثاني أكسيد الكربون لتكوين الغذاء وهي البلاستيدات الخضراء (Chloroplast) وخلق فيها صبغ اليخضور (Chlorophyll) ورتب هذه البلاستيدات وتراكيبها بطريقة معجزة لهدايتها إلى أداء وظيفتها الحيوية على الوجه الأكمل. وتحتاج تلك النباتات الأرضية إلى دعامة لتجابه الضغوط والمؤثرات الخارجية من جميع الجهات, فزودها الله سبحانه وتعالى خلايا وأنسجة وأعضاء التدعيم الملجننة السميكة الجدار والقوية ومنها أنسجة الخشب. وحيث إن هذه النباتات ثابتة فإنها تحتاج إلى الالتقاء للتلقيح والتزاوج لإنتاج الذرية,
فزودها الله سبحانه وتعالى الأزهار وألوانها الجذابة, ورحيقها المميزة, وتركيبها المعجز لجذب الحشرات وباقي الكائنات الحية المساعدة على نقل حبوب اللقاء من النباتات المذكرة إلى النباتات المؤنثة, وجعل بعضها هوائي التلقيح وخلق لها آليات مساعدة على ذلك, وجعل أجزاء تذكيرها متلاعبة بالهواء لنثر حبوب اللقاح, وجعل للأزهار المؤنثة أعضاء تأنيث صائدة لتلك الحبوب من الهواء وجعل حبوب اللقاح خفيفة غير لزجة وبأعداد وفيرة لتتم عملية التلقيح الهوائي بنجاح. والنباتات الأرضية تحتاج إلى انتقال إنتاجها وأنسالها من مكان نموها إلى مكان آخر منعاً للتكدس و بحثاً عن بيئة مناسبة فكانت الجراثيم المحمولة بالهواء (Borne Spors) والبذور (Seeds) والثمار ووسائل انتثار وانتشار الجراثيم والبذور والحبوب وباقي الثمار وهذا ما فصلناه في كتبنا إعجاز النبات في القرآن الكريم, وآيات معجزات من القرآن الكريم و عالم النبات, ومعجزات حيوية, والكائنات الحية والبيئة والكائنات الحية و البيئة.هذا وبالله التوفيق.
يمكن التواصل على الإيميل التالي: