إنا كل شيء خلقناه بقدر


الخميس/يناير/2020
   

 

إنا كل شيء خلقناه بقدر

صورة لجزء من الكون تم تصويرها عبر ناسا في 10 أكتوبر 2010

إعداد الدكتور أحمد عواد عبد الهادي

أستاذ في كلية العلوم جامعة المنيا – مصر

الحمد لله ذي القوَّةِ القادرَة والحِكمةِ الباهِرَة، لا ينفُذ إلا أمرُه، ولا يمضِي إلا قدَرُه وبعد، كيف نستنتج أن شيئا ما قد تم صنعه ولم يأت بسبب الصدفة؟

 اذا وجدنا حروف محدده وواضحة على الصخر لن نقول بأن الرياح نتيجة لاصطدامها بتلك الصخرة على مر العصور قد تسببت بهذه الحروف لكننا سنستنتج بأنها من صنع شخص ما  نظرا لأنها تقدم لنا معلومة اي لها وظيفة وسبب. وبنفس الطريقة فان الخلق المعجز ليس بفعل الطبيعة بل الخلق (الكون – الأنسان – المادة – الذرة)  مصمم “مخلوق” يقول تعالى (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) [القمر:49] . ولم يتكون نتيجة عوامل طبيعية أو الصدفة!.

الكون:

يحوي الكون البلايين من المجرات وجميعها تسير بنظام عجيب لا يمكن أن نتصور أن الصدفة العمياء هي التي أحكمت مثل هذا النظام!. وقد تم حديثا وللمرة الأولى في التاريخ ايجاد حقائق يقينية عن شكل الكون، وتوزع المجرات فيه «النسيج الكوني». كما تم تحديد  الطرق التي تسلكها المجرات والنجوم. لقد تبين أن كل خيط من خيوط هذا النسيج يتألف من آلاف المجرات، وهذه المجرات قد رصفت بطريقة شديدة الإحكام، أي أن هذا النسيج محكم إحكاماً شديداً. ولذلك قال عنه هذا العالم:

“these collections of thousands of very bright galaxies very tightly packed together.”

“هذه المجموعات من آلاف المجرات شديدة اللمعان قد رُصّت بإحكام شديد” فتأمل دقة هذا الخيط الكوني، فهو رفيع جداً وطويل جداً، وعلى الرغم من ذلك نجده محكماً ومشدوداً بقوى كونية عظيمة. والسؤال: ألا يدل هذا على عظمة هذه الخيوط ودقة صنعها وإتقانها؟ ومن هنا ربما ندرك لماذا أقسم الله بها في كتابه المجيد (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) [الذاريات: 7].

و(الْحُبُكِ)  في أقوال المفسرين وعلماء كلمة تشير إلى النسيج المحكم. وهذا هو الإمام القرطبي يقول في تفسيره لكلمة (الحُبُك): «قال ابن عباس وقتادة ومجاهد: الخَلْق الحسن المستوي، وقاله عكرمة قال: ألم تر إلى النساج إذا نسج الثوب فأجاد نسجه، يقال منه حبك الثوب يحبِكه حبكاً، أي أجاد نسجه. قال ابن الأعرابي كل شيء أحكمته وأحسنت عمله فقد احتبكته».

الكون وتظهر فيه النجوم والغبار والدخان الكوني (إلى اليمين), مجرة حلزونية تسير في الكون وفق نظام محكم (إلى اليسار)

أما علماء الإعجاز العلمي حديثاً فقد فهموا هذه الآية بشكل يوافق الحقائق العلمية المكتشفة في القرن العشرين، ومنهم الدكتور زغلول النجار الذي تحدث عن هذه الآية بقوله: «وهنا يتضح جانب من الوصف القرآني للسماء،‏ بأنها ذات (حُبُك) أي ذات ترابط محكم شديد يربط بين جميع مكوناتها‏، من أدق دقائقها وهي اللبنات الأولية في داخل نواة الذرة‏، إلى أكبر وحداتها وهي التجمعات المجرية العظمى إلى كل الكون». ثم يختم بحثه بقوله: «وقد يرى القادمون في هذا الوصف القرآني ما لا نراه الآن،‏ لتظل اللفظة القرآنية مهيمنة على المعرفة الإنسانية مهما اتسعت دوائرها وتظل دلالاتها تتسع مع الزمن ومع اتساع معرفة الإنسان في تكامل لا يعرف التضاد‏، وليس هذا لغير كلام الله‏.

أما القاموس المحيط فيعطينا معنى هذه الكلمة كما يلي: «الحَبْكُ هو الشدّ والإحكام، وتحسين أثر الصنعة في الثوب». و (الحُبُك) تجمع عدة صفات منها انها تشير إلى نسيج متعدد من خيوط محكمة مترابطة قوية متينة ومتماسكة. وتشير هذه الكلمة أيضاً لوجود نظام ما في هذه الخيوط، لأن الحائك عندما ينسج الثوب فإنه يستخدم نظاماً محدداً لنسج الخيوط، وهذا النظام يجعل النسيج محكماً، وإلا فإنه سيكون مفككاً وضعيفاً. وجميع هذه المعاني جمعتها كلمة (الحُبُك)، وهذا من إعجاز القرآن أيضاً، أنه يعطينا التعبير الدقيق ويترك البشر ليبحثوا ويكتشفوا ويغيروا مصطلحاتهم مع مر الزمن، ولكنهم في النهاية عندما يتوصلون إلى الحقيقة اليقينية فإنهم يجدونها واضحة في كتاب الله تعالى، فهل هنالك أعظم من هذا القرآن!

جسم الإنسان:

يتكون جسم الإنسان من أعضاء كل عضو يتركب من  نسيج ( و النسيج يتكون من عدة خلايا) وهناك عدد من الأنسجة في جسم الإنسان و كل منها له وظيفة مثل النسيج العصبي مثلا،  إن أصغر وحدة بنائية في قيام الكائن الحي هي الخلية، والخلية تتكون في أبسط أحوالها من أجزاء بالغة التعقيد لا يوازيها شيء مما صنع عقل الإنسان من (كومبيوترات) معقدة وبرامج هائلة، بل وما تحويه كل مصانع العالم ومختبراته.

كما في كل خلية نواة. الآن كل ما نراه في الخلية هو عبارة عن نواة و سيتوبلازم فقط، ولكن تركيب الخلية أعقد من ذلك بكثير، السيتوبلازم ليس سائل فقط بل يحتوي على العديد من الأجهزة و المركبات الكيميائية، فهناك أجهزة تولد الطاقة التي تحتاجها الخلية تماما كمولد الكهرباء (الميتوكندريا)، و هناك أجهزة تعمل على بناء البروتينات التي تحتاجها الخلية (الرايبوسوم)، وهناك أجهزة تنقل المركبات الكيميائية من موقع الى آخر داخل الخلية تماما كشاحنات النقل التي تنقل المواد الأولية بين المصانع وغيرها الكثير من الأجهزة، أي باختصار فان هذه الخلية الصغيرة جدا هي عبارة عن مصنع يقوم بأعمال يعجز أن يعملها ألف مصنع بهذه الدقة و السرعة، أفكل هذا تكوّن بالصدفة؟!

رسم يصور آلية تركيب الكروموسومات داخل نواة الخلية

نظرة داخل النواة (الكروموسومات والشفرة الوراثية):

داخل النواة المركب الكيميائي المعقد وهو ما يسمى بالحمض النووي DNA، وهو مركب كيميائي يحتوي على عدد هائل جدا من المعلومات مما جعل العلماء يلقبونه بأكبر مخزن للمعلومات في هذا الكون، هذا الحمض النووي اذا أردت أن تضع المعلومات التي يحويها في كتاب لاحتجت الى موسوعة تتكون من مئات الآلاف من الصفحات، هذا الحمض النووي يحوي كل ما يحتاجه الجسم من المعلومات مثل لون الشعر، إطالة الشعر، البلوغ، طول الجسم، لون البشرة، لون العيون، فئة الدم، المعلومات التي يحتاجها الجسم لتكوين كل البروتينات التي يحتاجها (عددها يزيد عن المليون)، كل ذلك مسجل في الحمض النووي، فهل الحمض النووي من قبيل الصدفة أم مصمم (مخلوق)؟!

فالمواد الكيميائية هي شيء نراه كل يوم، والحمض النووي مادة كيميائية متكونة من السكر الخماسي والقواعد النيتروجينية والمجموعات الفسفورية، و لكن ما لا نراه هو مواد كيميائية تحمل معلومات، فلن نستطيع في أي مختبر كيميائي أن نفاعل مواد كيميائية مع بعضها لتنتج معلومات، و لا المواد الكيميائية نفسها يمكن أن تنتج معلومة، بل إن هذه المعلومات هي نتيجة لقدرة فائقة وابتكار الخالق سبحانه وتعالى عما يصفون!.

 حتى نظرية داروين فهي تؤكد على وحدة الخالق و عظمته، فالتصميم الذكي للحمض النووي هو ما أدى الى امكانية حدوث هذه الظاهرة، فالحمض النووي لديه المعلومات التي تجعله يضيف معلومات جديدة مفيدة للكائن الحي و يحفظها، و اذا كان الدارونيون يحاولون تفسير الحياة دون الخالق فعليهم أن يفسروا لنا ما هو مصدر تلك المعلومات التي بالحمض النووي،   هناك 4 قواعد نيتروجينية في الحمض النووي و هي A T C G و لا يمكن للA الا أن يتحد مع T و لا يمكن للC الا أن يتحد مع G فعلهم ان يوضحوا لماذا هذه الخاصية، و كيف يمكن للطبيعة وحدها أن تضيف معلومات جديدة للحمض النووي، بل عليهم أن يفسروا لنا من أين أتت الطبيعة نفسها، فهم يجهلون كيف يمكن للطبيعة و عواملها أن تنشأ و كلها تدل على تصميم فنحن نرى أن كل ظاهرة فيزيائية لها قيمة حسابية و قانون رياضي معين إن اختل قليلا لكانت الحياة مستحيلة في هذا الكون، فهذا كله يدل على تصميم من قدرة جبارة.

إن خلايا جسم الإنسان تبلغ حوالي 100 تريليون خلية، وفي كل خلية توجد نواة واحدة.. وفي كل نواة يوجد (64 كروموسوم) مرتبة على شكل أزواج (23) زوجاً، وفي كل كروموسوم واحد توجد ظفيرة (حلزون) الـ(DNA)، وفي كل جزء من هذه الظفيرة توجد عدة جينات.. والجين الواحد مؤلف من أربع من القواعد النتروجينية مرتبة بشكل متسلسل ومتقابل ومنسجم (أي أن هناك 3 بلايين قاعدة نتروجينية في الخلية الواحدة) كل ثلاث منها تكوّن حامضاً أمينياً .. والأحماض الأمينية هي التي يتكون منها البروتين الذي تتحدد به وعنه الوظائف الحياتية.

يصل طول التعليمات التي تحتويها ظفيرة الـDNA إلى حوالي مترين.. وكل جزيئة من هذا الحامض النووي الريبوزي تحتوي على عدد كبير من الجينات. ولكي نتصور مقدار المعلومات المخبوءة في جزيئات الـDNA الموجودة في جسم إنسان واحد ومن خلال هذه الأرقام.. فإن جزيئات الـDNA الموجودة في خلايا جسم الإنسان كلها لو ربطت تعليماتها مع بعضها البعض لوصلت إلى سطح القمر ورجعت منه ثمانية آلاف مرة. وإن غراماً واحداً من الـDNA يختزن معلومات بقدر ما يختزنه ألف مليار (10 12) قرص كومبيوتري(1).

وتشتمل الصبغيات (الكروموسومات) التي نرثها من أحد الأبوين على 3.5 ×10 9 نكليوتيد. فإذا كان طول النكليوتيد الواحد يساوي 3.4 انغستروماً وكان وزن الكروموسومات المورثة من أحد الأبوين يساوي 10-12غ. إذن فإن جسم الإنسان البالغ الذي يتألف من (60 ×10 12) خلية يحتوي على 6 × 2 × 10-12 × 60 × 10 12= 720 غرام.ويبلغ طول أشرطة ظفائر الـ DNA في نواة كل خلية من خلايا جسمنا 2.4م تقريباً = (3.4 × 10-1 × 3.5 × 10 9 × 2).وهكذا فإن طول أشرطة كامل DNA لجسمنا = 144 مليار كيلو متر، أي يساوي 2.4 × 10-3 × 60 × 10 12 = 144 × 10 9-متر.إن هذا الطول يزيد على قطر المجموعة الشمسية بـ(12) ضعفاً.

الذرة:

هي جسيمات دقيقة جداً تمثل أساس كل شيء حي وغير حي، يتألف الكون بما فيه الإنسان والحيوان والحجر والنبات والهواء والكواكب والنجوم وكل مانستشعره أو نراه من ذرات بالغة الصغر لاترى بالعين المجردة.  فالذرة هي أصغر جزء من مادة عنصر كيميائي يمكن أن تنقسم إليه المادة وتظل حاملة لصفاتها الكيميائية، هذا ينطبق على الهيدروجين أخف العناصر كما ينطبق على أثقل العناصر المشعة مرورا بالعناصر الكثيرة الموجود وعلى العناصر النادرة سواء بسواء. وتتكون كل ذرة من نواة وعدد من الإلكترونات تتحرك في أغلفة مدارية تبعد مسافة كبيرة جدا عن النواة. وتتألف من عدد معين من البروتونات موجبة الشحنة ويصاحبها جسيمات لها نفس وزن البروتونات تسمي بالنيوترونات متعادلة الشحنة.  

يبلغ نصف قطر الذرة (0,00000001)  سم، في حين يبلغ نصف قطر النواة (0,000000000001)  سم. على الرغم من فإن كتلة النواة تشكل 99,95% من كتلة الذرة  ما يعني أن كتلة الذرة كلها تقريباً مجمعة في النواة·

الذرة وحركة الالكترونات

السباحة الكونية:

 أكد الله تعالى لنا في كتابه المبين أن كل شيء يدور في فلك محدد، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [الأنبياء 33]

وتسير الكواكب في نظامنا الشمسي وفقا لهذا المنطق، لأن من الطبيعي أن تستقر الكواكب ذات الكتل والسرعات المختلفة تماماً في مدارات مختلفة حول الشمس. إن الأرض تدور حول الشمس مرة كل 365.25 يوماً بسرعة مدارية قدرها في المتوسط 67000 ميل / ساعة وذلك في مدار نصف قطره المتوسط 93 مليون ميل، كما تَدُور الأرض حول محورها المائل في غضون 24 ساعة (23 ساعة، 56 دقيقة 04 09053 ثانية).  عند خطِ الاستواء 25,000 ميل، أي أكثر من 1000 ميلِ في السّاعة وينشأ من الحركة المغزلية تبادل الليل والنهار. ودوران الجرم حول نفسه وحول شيء آخر يكون مصحوباً بحركة مغزلية ذاتية من الجسم المتحرك، ويتوازن الجرم في مداره بتعادل قوتين أحدهما الجذب العام لمركز الدوران والثانية رد الفعل أو القوة المركزية الطاردة التي تدفع الجرم خارج مركز الدوران تماماً، فالكون لا يعرف السكون فكأن الحركة صفة سائدة تشمل حتى ما تراءى لنا ثباته وسكونه.

إن قوانين الفيزياء في الكون قد نشأت بعد الإنفجار العظيم وتستند هذه القوانين إلىالقوى الأساسية الأربعةالمعروفة في الفيزياء الحديثة اليوم وهذه القوى هي: قوة جذب الكتل المعروفة باسم القوة  التجاذبية  gravitational force  مسؤولة عن تماسك الكون وهذه القوة هي السبب في بقاء المجرات والنجوم الموجودة بالكون في مدارات محددة، فالكتل الكبيرة جدا تنجذب بواسطتها نحو بعضها البعض، والقوة الكهرومغناطيسيةelectromagnetic force  تُبقي الإلكترونات في المدارات، والقوة النووية الشديدة strong nuclear force  تضمن بقاء البروتونات والنيوترونات مع بعضها البعض في النواة، والقوة النووية الضعيفةweak nuclear force  تحافظ على التوازن في النيوترون والبروتون وتتسم كل واحدة من هذه القوى بشدة مميزة ومجال مؤثر ولا تعمل القوى النووية الشديدة والضعيفة إلا عند النطاق دون الذري وتقوم القوتان المتبقيتان – القوة التجاذبية والقوة الكهرومغناطيسية- بالتحكم في تجمعات الذرات، وفي عبارة أخرى في ”المادة قال الله تعالى في القرآن الكريم (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) [سورة فاطر: 41] وفي حال حدوث أدنى زيادة في قيمة هذه القوة تتصادم النجوم ببعضها البعض، وتصطدم الأرض بالشمس، وتنجذب نحن نحو القشرة الأرضية. وتعمل كل القوى وفقا ًللحدودالتي قدرها الله (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) [الفرقان:2]

فالسموات والأرض ومن فيهما وما فيهما في وحدة متناسقة متجانسة وكأنها أجزاء في آلة واحدة، أو أعضاء في جسد واحد أو لبنات في بناء متناسق بديع، كل لبنة منه في مكانها الصحيح، وهكذا كل شيء إنما هو بمقدار وميزان. قال تعالى: {إنا كل شيء خلقناه بقدر}، وهذه الوحدة المتناسقة في الخلق كله من الذرة الصغيرة إلى المجرة الكبيرة من أعظم الأدلة على أن الخالق إله واحد لا إله إلا هو سبحانه وتعالى، وأنه ليس هناك من ينازعه أو يغالبه أو يشاركه.

إبداع في الخلق، أيكون مصادفة؟

تحدث عملية الدوران التي تقوم بها الالكترونات والكواكب بشكل متواصل وبطريقة متقنة، في مسارات تسمى المدارات، ولا تتعرض ولو لحادثة صغيرة،  وفي الواقع فإن أي حادث صغير داخل الذرة من شأنه أن يتسبب في حدوث كارثة بالنسبة إليها، ومع ذلك لا يحدث مثل هذا الحادث مطلقاً، وتسير العملية بأكملها دون أخطاء، ذلك أن الإلكترونات التي تدور حول النواة بسرعة مربكة للعقل تبلغ 1000 كم/ثانية لا تتصادم أبدا ببعضها البعض، ومن المدهش حقا أن هذه الإلكترونات التي لا تختلف عن بعضها البعض في شيء، تدور في مدارات منفصلة، ومن الواضح أن ذلك نتيجة  “خَلْق محكمفلو كانت لهذه الإلكترونات كتل وسرعات مختلفة، فربما كان من الطبيعي بالنسبة إليها أن تستقر في مدارات مختلفة حول النواة، فعلى سبيل المثال تسير الكواكب في نظامنا الشمسي وفقا لهذا المنطق، لأن من الطبيعي أن تستقر الكواكب ذات الكتل والسرعات المختلفة تماماً في مدارات مختلفة حول الشمس، ولكن وضع الإلكترونات في الذرة مختلف تماماً عن وضع تلك الكواكب، فالإلكترونات متشابهة تماماً ولكنها تدور في مدارات مختلفة حول النواة، ولكن كيف تتبع الإلكترونات هذه المسارات دون إخفاق؟ وكيف لا تصطدم ببعضها البعض على الرغم من أبعادها متناهية الصغر وسرعاتها المدهشة التي تتحرك بها؟ وتقودنا هذه الأسئلة إلى نقطة واحدة: تتجسد الحقيقة الوحيدة التي نواجهها في هذا النظام الفريد والتوازن الدقيق في الخلق المتقن الذي أبدعه الله سبحانه وتعالى.

توجد قوة واحدة تبقي كل القوى مع بعضها البعض في توافق، وهذه القوة هي قوة الله سبحانه وتعالى، مالك كل القدرة والقوة ويبدي الله قوته أينما يشاء ووقتما يشاء، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) [سورة فاطر:41]، فإن بقاء الكون كله في الوجود، من أصغر الذرات إلى المجرات اللانهائية مرهون فقط بمشيئة الله وحفظه، ويقول الله في محكم آياته: إنه لا قوة غير قوته قال تعالى: (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا) [الكهف: 39]، وقال أيضاً: (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ[البقرة: 165].  

وحتى الآن، لم يستطع أي عالم أن يفسر سبب القوى الموجودة في الذرة ومصدرها، ومن ثم تلك الموجودة في الكون، والسبب في أن بعض القوى تعمل في ظروف معينة ولا يفعل العلم شيئا غير تسجيل الملاحظات والقياسات، وتعيينأسماء” لها، وتعد مثل هذه التسميات اكتشافات عظيمة في دنيا العلوم، وفي الواقع إن ما يقوم به العلماء هو مجرد جهد لفهم سر التوازن الجلي في الكون وتوضيحه، وإن ما يفعلوه هو مجرد رصد لواحدة من عجائب خلق الله في الكون، التي لا حصر لها. وإذا تفكرنا في مخلوقات الله عرفنا أن الحكمة التي فيها من حكيم، والخبرة من خبير، والقوة من قوي، والصور البديعة من مصور بديع، والنظام الموحد المستقر المتسع  من إله واحد. فالقائلون بالصدفة واهمون، فلم تشذ ذرة بالصدفة عن هذا البناء الدقيق وإحكام فى الخلق.

للتواصل مع الكاتب:

Mobile: 20 0101338964
[email protected]

المراجع:

1.     الدكتور محمد راتب النابلسي.  تفسير القرآن الكريم  ـ عظمة الكون الفضائي ـ .

2.     الدكتور عبد الدائم الكحيل. النسيج الكوني … رؤية قرآنية- www.kaheel7.com.

3.     الدكتور عبد الدائم الكحيل. أسـرار الكون بين العلم والقرآن – www.kaheel7.com .

4.  الدكتور زغلول راغب النجار. مقالة بعنوان: من أسرار القرآن – الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزى دلالتها العلمية: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ)، جريدة الأهرام، العدد الصادر بتاريخ 3 سبتمبر 2001.

5.  الدكتور أحمد عوض عبد الهادي. مقالة بعنوان:  وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً . موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

6.  الدكتور أحمد عوض عبد الهادي. مقالة بعنوان:  وحدة الخلق مع التنوع والأتساع  دليل وحدة الخالق مع العظمة والإبداع. موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

7.  الدكتور أحمد عوض عبد الهادي. مقالة بعنوان:  أحداث النهاية بين العلم والقرآن والسنة “طلوع الشمس من مغربها”,. موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

hatay escort bayan


الوسوم:

مقالات ذات صلة