أسرار البرزخ بين البحرين والحواجز المائية
الثلاثاء/ديسمبر/2019
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد: تضمن القرآن الكريم الذي أنزل قبل أكثر من (1400) عام بعض المعلومات عن ظواهر بحرية لم تكتشف إلا حديثاً بواسطة بعض الأجهزة المتطورة.
ففي قوله تعالى: ﴿وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً﴾[سورة الفرقان، الآية:53] وصف لنظام المصب، وتوضيح لامتزاج الماء العذب وماء البحر، وأن منطقة الامتزاج محمية ببعض القيود على ما يدخل إليها أو يخرج منها. وقد برهن العلم الحديث على خواص المصب هذه. كما برهنت علوم الأحياء الحديثة على أن هذه المنطقة هي منطقة محصورة تعيش فيها بعض الحيوانات الخاصة بهذه البيئة.
وبالإضافة إلى بيان وجود هذه الحواجز بين الماء العذب وماء البحر المالح فقد ذكر القرآن الكريم أيضاً وجود حواجز مماثلة في البحار نفسها قال تعالى: ﴿مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان﴾ [سورة الرحمن، الآية: 19-20] وتشبه هذه الحواجز الحدود المائية بين مياه المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، وبين مياه البحر الأحمر وخليج عدن وفي مواقع أخرى من بحار العالم.
المقـــدمة
علم البحار علم حديث يعنى بمختلف ظواهر عالم البحار. وبالرغم من أن الإنسان الأول كان على صلة قوية مع الأنهار والبحار إلا أنه لم يحاول فهم هذا الحقل فهماً علمياً. إذ كان اهتمامه منصباً على التعرف على خواص الأرض التي يعيش عليها، وعلى ما يحيط به من أمور أخرى سهلة المنال. وقد ذكر الفلاسفة الأوائل قبل عهد المسيح عليه السلام بعض الآراء عن الظواهر الطبيعية إلا أنهم لم يتطرقوا إلى ذكر البحار. ومع أن المفاهيم القديمة قد كونت بعض أسس العلوم الحديثة. إلا أنه لا يوجد ذكر عن القيام بأية محاولة لفهم أسرار البحار، ما عدا بعض المحاولات حول الملاحة لتسهيل أمر رحلاتهم البحرية وتجنب مخاطرها. وقد قام (بيثيس) في القرن الرابع قبل الميلاد بربط العلاقة بين القمر والمد والجزر.
وقد درس أرسطو في نفس الفترة الحياة في بحر إيجه وناقش نظريات الفلاسفة الأوائل. وقد جمع (سترابوا) بعد ذلك في القرن الثاني قبل الميلاد بعض المعلومات عن المد بطريقة غير معروفة.
وقد جاء في بحث للباحث محمد إبراهيم السمرة ما نصه:
(يحدثنا التاريخ أن العرب والفرس بعد ظهور الإسلام كانت لهم محاولات علمية في مجال علم البحار، ويذكر العالم الجغرافي ابن خرداذبة سنة (232هـ-846) ميلادية في كتابه (المسالك والممالك) أن الملاحين العرب والفرس في بحر العرب على علم بأن التيارات تعكس اتجاهها هناك مرتين في السنة. وبعد مرور مائة عام وصف المسعودي في موسوعته (مروج الذهب ومعادن الجوهر) حركات المحيط في جنوب بحر العرب قائلاً: (إن البحر الحبشي يمتد من الشرق إلى الغرب على طول خط الاستواء، وإن التيار يتغير في معظم أنحاء هذا البحر عندما تتغير الرياح الموسمية) ويحكي التاريخ أيضاً أن ابن ماجد قد دون معارفه عن بحر العرب في أربعين كتاباً، تتضمن إرشادات ملاحية، وكان ملماً بدورة الرياح في شمال خط الاستواء وجنوبه، فكيف إبرة البوصلة على قرص في علبة تضم دورة الرياح، كما كان يتحدث عن (فصول الملاحة في المحيط الهندي).
(وبالرغم من قيام الكثيرين بالعديد من الرحلات حول العالم، بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر، لكنهم لم يحاولوا توسيع دائرة معلوماتهم العلمية عن البحار.
ثم بدأ علم المحيطات يأخذ مكانه بين العلوم الحديثة عندما قامت السفينة البريطانية تشالنجر challenger برحلتها حول العالم من عام (1293هـ) (1872-1876م) ثم توالت الرحلات العلمية لاكتشاف البحار.
وفي نهاية القرن العشرين بدأ الأمل يزداد في فهم الإنسان للبحر عن طريق الأقمار الصناعية والتصوير عن بعد ويشهد التطور التاريخي في سير علم البحار بعدم وجود معلومات دقيقة عن البحار قبل (1400) عام، في فترة نزول القرآن الكريم على نبي أمي في أمة أمية، في صحراء جزيرة العرب، ومع ذلك فقد زخر القرآن الكريم بذكر أسرار الكون التي عرف الإنسان بعضها في عصرنا الحاضر.
ومنها أسرار علم البحار، والتي منها ما يبينه هذا البحث فيما يأتي :
1- أسرار المصب والحاجز بين النهر والبحر
في القرآن الكريم: قال تعالى: ﴿وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً﴾ [سورة الفرقان، الآية: 53].
المعاني اللغوية وأقوال المفسرين في الآية:
اللفظ مرج يأتي بمعنيين بارزين:
الأول: الخلط
قال تعالى: ﴿بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج﴾[سورة ق، الآية:5]. وجاء في لسان العرب (أمر مريج: أي مختلط) وقال الأصفهاني في المفردات: (أصل المرج: الخلط) وقال الزبيدي: (ومرج الله البحرين العذب والمالح خلطهما حتى التقيا…).
وقال الزجاج: مرج: خلط يعني البحر الملح والبحر العذب
وقال ابن جرير الطبري: (والله الذي خلط البحرين فأمرج أحدهما في الآخر وأفاضه فيه) وأصل المرج: الخلط ومنه قول الله: (في أمر مريج) أي: مختلط. وروي عن ابن عباس في قوله تعالى: (مرج البحرين) يعني خلع أحدهما على الآخر. وعن مجاهد: أفاض أحدهما على الآخر. وعن الضحاك بمثل قول ابن عباس وذهب إلى هذا المعنى جمهور من المفسرين منهم: القرطبي وأبو حيان والآلوسي والخازن ……. ………. والرازي والشوكاني والشنقيطي.
الثاني: مجيء وذهاب واضطراب (قلق)
قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: (الميم والراء والجيم أصل صحيح يدل على مجيء وذهاب واضطراب) وقال: مرج الخاتم في الأصبع: قلق. وقياس الباب كله، منه (ومرجت أمانات القوم وعهودهم): اضطربت واختلطت. وجاء نفس المعنى في الصحاح للجوهري ولسان العرب وبذلك قال الزبيدي والأصفهاني .
(البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج)
البحر العذب هو النهر، ووصفه القرآن الكريم بوصفين: عذب، وفرات ومعناهما: أن ماء هذا البحر شديد العذوبة، ويدل عليه وصف (فرات)، وبهذا الوصف خرج ماء المصب الذي يمكن أن يقال إن فيه عذوبة، ولكن لا يمكن أن يوصف بأنه فرات.
وما كان من الماء ملحاً أجاجاً فهو ماء البحار، ووصفه القرآن الكريم بوصفين (ملح) و(أجاج) وأجاج معناه شديد الملوحة، وبهذا خرج ماء المصب لأنه مزيج بين الملوحة والعذوبة فلا ينطبق عليه وصف: ملح أجاج.
وبهذه الأوصاف الأربعة تحددت حدود الكتل المائية الثلاث:
هذا عذب فرات: ماء النهر.
وهذا ملح أجاج: ماء البحر.
وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً: البرزخ هو الحاجز المائي المحيط بالمصب.
فما هو الحجر المحجور؟
الحِجْر والحَجْر: هو المنع والتضييق
يسمى العقل حِجْراً: لأنه يمنع من إتيان ما لا ينبغي قال تعالى: ﴿هل في ذلك قسم لذي حجر﴾ [سورة الفجر، الآية:5] والسفيه يَحْجُر عليه القاضي من التصرف في ماله فهو في حِجْر أو حَجْر والكسر أفصح. وجاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم للأعرابي: “لقد تحجرت واسعاً” رواه أبو داود والترمذي والنسائي وأحمد .قال ابن منظور: (لقد تحجرت واسعاً) أي ضيقت ما وسعه الله وخصصت به نفسك دون غيرك . ونستطيع أن نفهم الحجر هنا: بأن الكائنات الحية في منطقة اللقاء بين البحر والنهر تعيش في حجر ضيق ممنوعة أن تخرج من هذا الحجر.
ووصفت هذه المنطقة أيضاً بأنها محجورة أي ممنوعة، ونفهم من هذا اللفظ معنى مستقلاً عن الأول أي أنها أيضاً منطقة ممنوعة على كائنات أخرى من أن تدخل إليها فهي:
حجر (حبس، محجر) على الكائنات التي فيها.
محجورة على الكائنات الحية بخارجها.
ويكون المعنى عندئذٍ: وجعل بين البحر والنهر برزخاً مائياً هو: الحاجز المائي المحيط بماء المصب، وجعل الماء بين النهر والبحر حبساً على كائناته الحية ممنوعاً عن الكائنات الحية الخاصة بالبحر والنهر. ولم يتيسر للمفسرين الإحاطة بتفاصيل الأسرار التي ألمحت إليها الآية، لأنها كانت غائبة عن مشاهدتهم وتعددت أقوالهم في تفسير معانيها الخفية: فقال بعضهم في قوله تعالى: ﴿وهو الذي مرج البحرين﴾[سورة الفرقان، الآية:53] أي خلطهما فهما يلتقيان. ويستند هذا القول إلى المعنى اللغوي للفظ: (مرج)، وقررت طائفة أخرى من المفسرين أن معنى (وهو الذي مرج البحرين) أي (وهو الذي أرسلهما في مجاريهما فلا يختلطان.).قال ابن الجوزي: قال المفسرون: والمعنى أنه أرسلهما في مجاريهما فما يلتقيان، ولا يختلط الملح بالعذب، ولا العذب بالملح.
وقال أبو السعود: (وهو الذي مرج البحرين: أي خلاهما متجاورين متلاصقين بحيث لا يتمازجان، من: مرج دابته: أخلاها. وبمثله قال البيضاوي والشنقيطي في أحد قوليه وطنطاوي جوهري في تفسير الجواهر. والذين قرروا هذا المعنى نظروا إلى قوله تعالى: ﴿وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً﴾. وتقرير اختلاط الماءين يبدو متعارضاً مع وجود البرزخ والحجر المحجور. ولذلك رجح بعض المفسرين معنى الخلط. ورجح الآخرون معنى المنع. وكذلك الحال في تفسير البرزخ، فقد قرر بعض المفسرين أن برزخاً: حاجزاً من الأرض، وبمثله قال أبو حيان والرازي والآلوسي والشنقيطي.
ولقد رد ابن جرير الطبري هذا القول، فقال: (لأن الله تعالى ذكره أخبر في أول الآية أنه مرج البحرين، والمرج هو الخلط في كلام العرب على ما بينت قبل فلو كان البرزخ الذي بين العذب الفرات من البحرين، والملح الأجاج أرضاً أو يبساً لم يكن هناك مرج للبحرين، وقد أخبر جل ثناؤه أنه مرجهما. وبين البرزخ فقال: ﴿وجعل بينهما برزخاً﴾: حاجزاً لا يراه أحد) .وقال ابن الجوزي عن هذا البرزخ: (مانع من قدرة الله لا يراه أحد) .وقال الزمخشري : (حائلاً من قدرته) كقوله تعالى: ﴿بغير عمد ترونها﴾ [سورة الرعد، الآية:2] وبمثلهم، قال الأكثرون، منهم: القرطبي والبقاعي.
فتأمل كيف عجز علم البشر عن إدراك تفاصيل ما قرره القرآن الكريم.فمن المفسرين من ذكر أن البرزخ أرضاً أو يبساً (حاجز من الأرض) ومنهم من أعلن عجزه عن تحديده وتفصيله فقال: (هو حاجز لا يراه أحد)، وهذا يبين لنا أن العلم الذي أوتيه محمد صلى الله عليه وسلم فيه ما هو فوق إدراك العقل البشري في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعد عصره بقرون وكذلك الأمر في الحجر المحجور. فقد ذهب بعض المفسرين إلى حملها على المجاز، وذلك بسبب نقص العلم البشري طوال القرون الماضية.قال الزمخشرين: (فإن قلت، حجراً محجوراً ما معناه؟ قلت: هي الكلمة التي يقولها المتعوذ وقد فسرناها، وهي هنا واقعة على سبيل المجاز كأن كل واحد من البحرين يتعوذ من صاحبه ويقول:حجراً محجوراً) وبمثل ما قال الزمخشري قال غيره من المفسرين كأبي حيان والرازي والآلوسي، والشنقيطي .
التحقيق العلمي :
شاهد الإنسان منذ القديم النهر يصب في البحر، ولاحظ أن ماء النهر يفقد –بالتدريج- لونه المميز، وطعمه الخاص كلما تعمق في البحر، ففهم من هذه المشاهدة أن النهر يمتزج بالتدريج بماء البحر، ولولا ذلك لكان النهر بحراً عذباً يتسع كل يوم حتى يطغى على البحر.
ومع تقدم العلم وانطلاقه لاكتشاف أسرار الكون أخذ يبحث عن كيفية اللقاء بين البحر والنهر، ودرس عينات من الماء حيث يلتقي النهر بالبحر، ودرس درجات الملوحة والعذوبة بأجهزة دقيقة، وقاس درجات الحرارة، وحدد مقادير الكثافة، وجمع عينات من الكائنات الحية وقام بتصنيفها، وحدد أماكن وجودها، ودرس قابليتها للعيش في البيئات النهرية والبحرية.
وبعد مسح لعدد كبير من مناطق اللقاء بين الأنهار والبحار اتضحت للعلماء بعض الأسرار التي كانت محجوبة عن الأنظار، واكتشف الباحثون أن المياه تنقسم إلى ثلاثة أنواع:
(1) مياه الأنهار وهي شديدة العذوبة.
(2) مياه البحار وهي شديدة الملوحة.
(3) مياه في منطقة المصب مزيج من الملوح والعذوبة، وهي منطقة فاصلة بين النهر والبحر متحركة بينهما بحسب مد البحر وجزره، وفيضان النهر وجفافه، وتزداد الملوحة فيها كلما قربت من البحر، وتزداد درجة العذوبة كلما قربت من النهر.
(4) يوجد برزخ مائي يحيط بمنطقة المصب ويحافظ على هذه المنطقة بخصائصها المميزة لها حتى ولو كان النهر يصب إلى البحر من مكان مرتفع في صورة شلال.
(5) عدم اللقاء المباشر بين ماء النهر وماء البحر في منطقة المصب بالرغم من حركة المد والجزر وحالات الفيضان والانحسار التي تعتبر من أقوى عوامل المزج، لأن البرزخ المحيط بمنطقة المصب يفصل بينهما على الدوام.
(6) يمتزج ماء النهر بماء البحر بصورة بطيئة مع وجود المنطقة الفاصلة من مياه المصب، والبرزخ المائي الذي يحيط بها ويحافظ على وجودها.
(7) تختلف الكتل المائية الثلاث (ماء النهر، ماء البحر، وماء المصب) في الملوحة والعذوبة، وقد شاهد الباحثون الذين قاموا بتصنيف الكائنات الحية الموجودة فيها ما يلي:
أ- معظم الكائنات التي في البحر والنهر والمصب لا تستطيع أن تعيش في غير بيئتها.
[ويوجد بعض الأنواع القليلة مثل سمك السلمون، وثعابين البحر تستطيع أن تعيش في البيئات الثلاث، ولها قدرة على أن تتكيف مع كل بيئة فعديدات الأشواك (فيفينس) وَمَعِدِيَّاتُ الأرجل (لبتورينا، نيريتا) والسركانات توجد في المصبات ولكنها يمكن أن تعيش في المناطق البحرية عند مناسبة الظروف البيئية، أما (النيريس) وهي من عديدات الأشواك، ومَعِدِيَّات الأرجل (نيريتينا، هيدروبيا) والقشريات (سيانثورا) فتعتبر حيوانات لمنطقة المصب ولا توجد في البحر، ومعظم كائنات البيئات الثلاث تموت إذا خرجت من بيئتها الخاصة بها] .
ب- وبتصنيف البيئات الثلاث باعتبار الكائنات التي تعيش فيها تعتبر منطقة المصب منطقة حجر على معظم الكائنات الحية التي تعيش فيها، لأن هذه الكائنات لا تستطيع أن تعيش إلا في نفس الوسط المائي المتناسب في ملوحته وعذوبته مع درجة الضغط الاسموزي في تلك الكائنات، وتموت إذا خرجت من المنطقة المناسبة لها، وهي منطقة المصب.
وهي في نفس الوقت منطقة محجورة على معظم الكائنات الحية التي تعيش في البحر والنهر، لأن هذه الكائنات تموت إذا دخلتها بسبب اختلاف الضغط الاسموزي Osmosis أيضاً.
وبعد: فإن هذا النظام البديع قد جعله الله تعالى لحفظ الكتل المائية الملتقية من أن يفسد بعضها خصائص البعض الآخر، ليبقى ذلك الاختلاف رحمة للناس وسائر الكائنات. وإذا كانت العين المجردة لا تستطيع أن ترى هذا الحاجز الذي يحفظ الله تعالى به منطقة المصب، فإن الأقمار الصناعية اليوم قد زودتنا بصورة باهرة، تبين لنا حدود هذه الكتل المائية الثلاث، التي تزداد وضوحاً كلما ازداد الفارق في حرارة الماء وما يحمله من مواد. (انظر الشكل).
مصب نهر Río de la في الأرجنتين تظهر منطقة الحجر المحجور بشكل واضح والتي تفصل بين النهر العذب والبحر المالح |
شكل يوضح البرزخ المائي في مصب نهر فرايزر في مقاطعة كولومبيا البريطانية |
[وبالرغم من أن الماء العذب يمتزج مع ماء البحر فإن هناك حدوداً على طرفي منطقة الامتزاج المحدودة، التي تفرض قيوداً على ما يدخلها أو يخرج منها.وهذا الوصف ينطبق تماماً على نظام المصب.ويوجد اليوم اختلاف حول التعريف الأساسي لهذا المصطلح، ولكن العلم الحديث أثبت وجود حدود على طرفي منطقة الامتزاج].
فانظر كيف حارت العقول الكبيرة عدة قرون –بعد نزول القرآن الكريم- في فهم الدقائق والأسرار، وكيف جاء العلم مبيناً لتلك الأسرار، وصدق الله القائل: ﴿وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها﴾ [سورة النمل، الآية:93].وانظر كيف استقر المعنى بعد أن كان قلقاً.قال تعالى: ﴿لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون﴾ [سورة الأنعام، الآية:67].
وقال تعالى: ﴿ولتعلمن نبأه بعد حين﴾ [سورة ص، الآية:88].فمن أخبر النبي الأمي في الأمة الأمية في البيئة الصحراوية حيث لا وجود لنهر ولا لمصبه عن هذه الأسرار الدقيقة عن الكتل المائية المختلفة التركيب: عذب فرات، مالح أجاج، وبينهما برزخاً وحجراً محجوراً.والحَجْر: هو المكان المحجور لكائنات حية تعيش في هذه البيئات المائية الثلاث؟!.وكم استغرق الإنسان من الزمن؟ وكم استخدم من الآلات الدقيقة والأجهزة الحديثة حتى تمكن من الوصول إلى هذه الحقائق التي جرت على لسان النبي الأمي قبل ألف وأربعمائة عام بأوجز تعبير وأوضح بيان؟من أين جاء هذا العلم لمحمد عليه الصلاة والسلام إن لم يكن من عند الذي أحاط بكل شيء علماً.
2- وصف الحاجز بين البحرين
قال تعالى: ﴿مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان* فبأي آلاء ربكما تكذبان* يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان﴾ [سورة الرحمن، الآية: 19-22].
وقال تعالى: ﴿وجعل بين البحرين حاجزاً﴾ [سورة النمل، الآية:61].
المعاني اللغوية وأقوال المفسرين:
البحرين: قال ابن فارس: (الباء والحاء والراء. قال الخليل: سمي البحر بحراً لاستبحاره وهو انبساطه وسعته… ويقال للماء إذا غلظ بعد عذوبته استبحر، وماء بحري أي مالح) .وقال الأصفهاني: (وقال بعضهم: البحر يقال في الأصل للماء المالح دون العذب). وقال ابن منظور: (وقد غلب على المالح حتى قل في العذب) .فإذا أطلق البحر دل على البحر المالح، وإذا قيد دل على ما قيد به.والقرآن يستعمل لفظ الأنهار للدلالة على المياه العذبة.ويطلق البحر ليدل على البحر المالح قال تعالى: ﴿وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار﴾[سورة إبراهيم، الآية:32].
وكذلك إذا أطلق البحر في الحديث (إنا نركب البحر ومعنا القليل من الماء) يقصد بذلك البحر المالح.
البرزخ:هو الحاجز: وقد ذهب أكثر المفسرين إلى أنه لا يرى.
البغي: قال ابن منظور: (وأصل البغي مجاوزة الحد) وبمثله قال الجوهري والأصفهاني .
المرجان: قال ابن الجوزي: (وحكى القاضي أبو يعلى أن المرجان ضرب من اللؤلؤ كالقضبان) وروي عن الزجاج قوله: (المرجان أبيض شديد البياض) .وقال ابن مسعود: المرجان الخرز الأحمر .وقال أبو حيان: (وقال أبو عبدالله وأبو مالك: المرجان الحجر الأحمر، وقال الزجاج: حجر شديد البياض، وحكى القاضي أبو يعلي: أنه ضرب من اللؤلؤ كالقضبان) .وقال القرطبي: (وقيل المرجان عظام اللؤلؤ وكباره قاله علي وابن عباس رضي الله عنهما، واللؤلؤ صغاره، وعنهما أيضاً بالعكس أن اللؤلؤ كبار اللؤلؤ والمرجان صغاره وقاله الضحاك وقتادة) .وقال الآلوسي: (يخرج منها اللؤلؤ: صغار الدر. والمرجان كباره) .وقد رووا ذلك عن علي ومجاهد وابن عباس، وروي أيضاً عن ابن عباس ومجاهد وقتادة العكس، (وأظن أنه إن اعتبر في اللؤلؤ معنى التلألؤ واللمعان، وفي المرجان معنى المرج والاختلاط فالأوفق لذلك ما قيل ثانياً فيهما).
وروي عن ابن مسعود أنه قال: (المرجان الخرز الأحمر).وحاصل ما سبق أن المرجان نوع من الزينة يكون بألوان مختلفة بيضاء وحمراء وكبيراً وصغيراً، وهو حجر يكون كالقضبان، وقد يكون صغيراً كاللؤلؤ أو الخرز، وهو في الآية غير اللؤلؤ، وحرف العطف بينها يقتضي المغايرة. والمرجان لا يوجد إلا في البحار المالحة.وهيا إلى النص القرآني الكريم لنرى دقائق الأسرار التي كشف عنها اليوم علم البحار: قال تعالى: ﴿مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان* فبأي آلاء ربكما تكذبان*يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان﴾ [سورة الرحمن، الآية:19-22].
تصف الآيات اللقاء بين البحار المالحة، ودليل ذلك:
أ- لقد أطلقت الآية البحرين، فدل ذلك على أن البحرين مالحان.
ب- بينت الآية الأخيرة أن البحرين يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان وقد تبين أن المرجان لا يكون إلا في البحار المالحة، فدل ذلك على أن الآية تتحدث عن بحرين مالحين.
ج- عندما ذكرت منطقة اللقاء بين البحر والنهر في سورة الفرقان بينت الآية أن بينهما شيئين: (1) البرزخ، (2) الحجر المحجور، قال تعالى: ﴿وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً﴾ [سورة الفرقان، الآية:53] أما في هذه الآيات من سورة الرحمن فقد بينت أن الفاصل هو البرزخ فدل ذلك على أن اللقاء هنا بين بحرين لا بين عذب ومالح. بسبب اختلاف ما يحدث عند اللقاء في الحالتين.
فمن الذي كان يعلم أن البحار المالحة تتمايز فيما بينها رغم اتحادها في الأوصاف التي تدركها الأبصار والحواس: (مالحة-زرقاء-ذات أمواج) وكيف تتمايز وهي تلتقي مع بعضها؟ والمعروف أن المياه إذا اختلطت في إناء واحد تجانست، فكيف وعوامل المزج في البحار كثيرة من مد وجزر وأمواج وتيارات وأعاصير؟؟
والآية تذكر اللقاء بين بحرين مالحين يختلف كل منهما عن الآخر، إذ لو كان البحران لا يختلف أحدهما عن الآخر لكانا بحراً واحداً، ولكن التفريق بينهما في اللفظ القرآني دال على اختلاف بينهما مع كونهما مالحين.
و(مرج البحرين يلتقيان) أي أن البحرين مختلطان، وهما في حالة ذهاب وإياب واختلاط واضطراب. وهذا ما كشفه العلم من مد وجزر في البحار يجعلها مضطربة بأكملها في مناطق الالتقاء، لكن البحار يجعلها مضطربة بأكملها في مناطق الالتقاء، لكن البحار المختلطة تختلط مع بعضها ببطء شديد.ومن يسمع هذه الآية فقط، يتصور أن امتزاجاً واختلاطاً كبيراً يحدث بين هذه البحار يفقدها خصائصها المميزة بها. ولكن العليم الخبير يقرر في الآية بعدها ﴿بينها برزخ لا يبغيان﴾ أي ومع حالة الاختلاط والاضطراب هذا التي توجد في البحار فإن حاجزاً يحجز بينهما يمنع كلاً منهما أن يطغى ويتجاوز حده. وهذا ما شاهده الإنسان بعدما تقدم في علومه وأجهزته، فقد وجد ماء ثالثاً يختلف في خصائصه عن خصائص كل من البحرين، ويفصل كلاً من البحرين المالحين المتمايزين في خصائصهما من حيث الملوحة والحرارة، والكثافة، والأحياء المائية، وقابلية ذوبان الأوكسجين. ووجد أن هذا الحاجز المائي متحرك بين البحرين على اختلاف فصول السنة، وهذا المعنى يندرج أيضاً تحت قوله تعالى: (مرج) الذي يعني أيضاً الذهاب والإياب والاختلاط والاضطراب. ومع وجود البرزخ فإن ماء البحرين المتجاورين يختلط ببطء شديد، ولكن دون أن يبغي أحد البحرين على الآخر. لأن البرزخ منطقة تقلب فيه المياه العابرة من بحر إلى آخر لتكتسب المياه المتنقلة من بحر إلى بحر آخر صفات البحر الذي ستدخل إليه، وتفقد صفات البحر الذي جاءت منه وبهذا يمتنع طغيان بحر بخصائصه على البحر الآخر مع أنهما يختلطان أثناء اللقاء وصدق الله القائل:﴿مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان﴾.
ثم انظر كيف جاء الوصف القرآني في آية سورة الفرقان مبيناً خصائص اللقاء بين البحر العذب والبحر المالح، جاء الوصف الدقيق أيضاً في آيات سورة الرحمن مبيناً خصائص اللقاء بين البحرين المالحين، فظهر في عصرنا اليوم سر تلك الفوارق الدقيقة بين الوصفين:
جدول يبين الفرق في الوصف القرآني لمنطقتي اللقاء بين بحرين عذب ومالح يزيد بشيء ذكره القرآن الكريم وهو: (حجراً محجوراً)، وهذا ما بينه الدارسون فيما يسمى بمصبات الأنهار التي تحاط ببرزخ مائي يفصلها عن البحر والنهر، وتعتبر منطقة حجر للكائنات الحية الخاصة بها، ومنطقة محجورة على الكائنات الحية الخاصة بالبحر والنهر.
وبينت الآية أن البحرين المذكورين فيها، يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان، والمرجان لا يكون إلا في البحار المالحة، ولذلك لا توجد بين البحرين المالحين منطقة (حجراً محجوراً) على الكائنات الحية، لأن الاختلاف في درجة الملوحة ليس شديداً ليكون مانعاً لانتقال الكثير من الأحياء البحرية من بيئة إلى بيئة أخرى.
ولقد ذهب أكثر المفسرين إلى أن الحاجز الذي يفصل بين البحرين المذكورين هو حاجز من قدرة الله لا يرى كما قال ابن الجوزي وغيره، وذلك يوضح عجز أكابر العلماء عن أن يحيطوا بتفاصيل ودقائق ما ذكره القرآن.
وصدق الله القائل: ﴿ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء﴾ [سورة البقرة، الآية:255] وعندما شاء المولى أن يُري الإنسان تفاصيل هذه الآية كشف لهم قدراً من العلوم ازدادوا به علماً في هذا المجال، ومع كل كشف يتضح للإنسان حدود علمه، ولله در المفسرين الذين يقولون بعد كل تفسير والله أعلم.
وقد أشكل على المفسرين التوفيق بين وجود برزخ حاجز من طغيان بحر على الآخر وبين وجود حالة اختلاط بين البحرين وهو ما يدل عليه لفظ (مرج) لأن من قرر أن البحرين مختلطان، فقد أهمل دور البرزخ ووظيفته في منع البغي بين البحرين، ومن قرر وجود الحاجز المانع اضطر إلى تأويل لفظ (مرج) إلى معنى غير معناه الأصلي الدال على الاختلاط.
التحقيق العلمي
لقد توصل علماء البحار بعد تقدم العلوم في هذا العصر إلى اكتشاف الحاجز بين البحرين كما يلي:
هناك برزخ بين البحرين يتحرك بينهما يسميه علماء البحار (الجبهة) تشبيهاً له بالجبهة التي تفصل بين الجبهتين، وبهذا يحافظ كل بحر على خصائصه التي قدرها الله له، ويكون مناسباً لما فيه من كائنات حية تعيش في تلك البيئة.
وهناك اختلاط بين البحرين رغم وجود هذا البرزخ لكنه اختلاط بطيء يجعل القدر الذي يعبر من بحر إلى بحر آخر يتحول إلى خصائص البحر الذي ينتقل إليه، دون أن يؤثر على تلك الخصائص.
اكتشف علماء البحار سر اختلاف تركيب البحار المالحة في عام (1284هـ 1873م) على يد البعثة العلمية البحرية الإنجليزية في رحلة (تشالنجر) فعرف الإنسان أن المياه في البحار تختلف في تركيبها عن بعضها من حيث درجة الملوحة، ودرجة الحرارة، ومقادير الكثافة، وأنواع الأحياء المائية، ولقد كانت هذه الأسرار ثمرة رحلة علمية استمرت ثلاثة أعوام وهي تجوب في جميع بحار العالم.
وأقام الإنسان مئات المحطات البحرية لدراسة خصائص البحار المختلفة فقرر العلماء أن الاختلاف في هذه الخصائص يفصل مياه البحار المختلفة بعضها عن بعض، لكن لماذا لا تمتزج البحار وتتجانس رغم تأثير قوتي المد والجزر التي تحرك مياه البحار مرتين كل يوم، وتجعل البحار في حالة ذهاب وإياب، واختلاط واضطراب، إلى جانب العوامل الأخرى التي تجعل مياه البحر متحركة مضطربة على الدوام؟
ولأول مرة يظهر الجواب على صفحات الكتب العلمية في عام (1361هـ-1942م)، فقد أسفرت الدراسات الواسعة لخصائص البحار عن وجود خواص مائية تفصل بين البحار الملتقية، وتحافظ على الخصائص المميزة لكل بحر من حيث الكثافة والملوحة، والأحياء المائية، والحرارة، وقابلية ذوبان الأوكسجين في الماء، ويكون الاختلاط بين ماء البحار عبر هذه الحواجز بطريقة بطيئة، يتحول معها الماء الذي يعبر الحاجز إلى خصائص البحر الذي دخل فيه.وهكذا يحدث الاختلاط بين البحار المالحة، مع محافظة كل بحر على خصائصه وحدوده المحددة بوجود تلك الحواجز المائية بين البحار.وأخيراً تمكن الإنسان من تصوير هذه الحواجز المتحركة المتعرجة بين البحار المالحة عن طريق تقنية خاصة بالتصوير الحراري بواسطة الأقمار الصناعية.
وقد جاء في بحث الظواهر البحرية ما يلي:
إن مياه البحار بالرغم من أنها تبدو متجانسة إلا أن هناك فروقاً كبيرة بين بعض الكتل المائية في بعض مناطق البحار العالمية.
وتتحرك هذه الكتل على شكل وحدات متفرقة تفصلها عن بعضها البعض حدود واضحة وتحتفظ بخواصها رغم تحركها إلى مسافات بعيدة دون أن تمتزج مع بعضها.
صورة مأخوذة بالأقمار الصناعية لمضيق جبل طارق حيث تبين حدود مياه البحر الأبيض المتوسط الساخنة والمالحة، عند دخولها في المحيط الأطلسي ذي المياه الباردة والأقل ملوحة منها.كما توجد مثل هذه الحدود بين مياه البحر الأحمر ومياه خليج عدن. |
يوضح الرسم الأنواع المختلفة للكتل المائية في المحيطات العالمية والحدود الموجودة بينها.كما يوضح كتل المياه السطحية المختلفة في بحار العالم |
وهناك نقطة مهمة أخرى وهي الفرق الدقيق بين نوعي الحاجز كما ظهر بالدراسات العلمية الحديثة ووصف وصفاً دقيقاً. إذ لا توجد بين الكتل المائية في البحار منطقة محدودة كتلك التي توجد في منطقة المصب.ومن المهم جداً أن نجد ذكراً للؤلؤ والمرجان في هذه المنطقة من البحار، وأن لا نجد مثل ذلك عند بحث (التقاء المياه العذبة مع المياه المالحة)، ويدل ذلك على أن اللؤلؤ والمرجان يتكونان في المناطق البحرية النقية ولا يتكونان في مناطق امتزاج المياه العذبة مع مياه البحر. وتؤكد الدراسات البحرية الحديثة على أن المرجان يوجد فقط في المناطق المدارية –دون الاستوائية- غير الممطرة أو قليلة المطر، ولا ينمو في مناطق المياه العذبة.ومن المدهش جداً أن نرى هذا التمييز بين المنطقتين دون الحاجة إلى فحص مياه البحار بالأجهزة الحديثة المعقدة.وللباحث محمد إبراهيم السمرة الأستاذ بكلية العلوم –قسم علوم البحار، في جامعة قطر دراسة ميدانية في خليج عمان الخليج العربي ذكر فيها نتائج دراسات كيميائية قامت بها سفينة البحوث (مختبر البحار) التابعة لجامعة قطر، في الخليج العربي وخليج عمان في الفترة (1404-1406هـ –1984-1986م) وتضمن البحث مقارنة واقعية بين الخليجين بالأرقام والحسابات والرسومات والتحليل الكيميائي، وبين اختلاف خواص كل منهما عن الآخر من الناحية الكيميائية والنباتات السائدة في كل منهما. ووضح البحث وجود منطقة بين الخليجين تسمى في علوم البحار (منطقة المياه المختلطة) Mixed-Water Area (منطقة البرزخ).
وبينت النتائج أن عمود الماء في هذه المنطقة يتكون من طبقتين من المياه، إحداهما سطحية أصلها من خليج عمان، والأخرى سفلية أصلها من الخليج العربي. أما في المناطق البعيدة والتي لا يصل إليه تأثير عملية الاختلاط (Mixing) بين الخليجين فإن عمود الماء يتكون من طبقة واحدة متجانسة وليس من طبقتين.وأكدت النتائج أنه برغم هذا الاختلاط (في المناطق التي بها مياه مختلطة)، وتواجد نوعين من المياه فوق بعضهما البعض فإن حاجزاً ثابتاً له استقرار الجاذبية وقوتها (Gravitational Stability) يقع بين طبقتي المياه، ويمنع مزجهما أو تجانسهما حيث يتكون بذلك مخلوط غير متجانس (Heterogeneous Mixture)، وأوضحت النتائج أن هذا الحاجز إما أن يكون في الأعماق (من 10إلى50متر) إذا كان اختلاط مياه الخليجين رأسياً أي أن أحدهما فوق الآخر، وإما أن يكون هذا الحاجز على السطح إذا تجاوزت المياه السطحية لكل من الخليجين. (انظر الأشكال: رقم (5،6،7).
أوجه الإعجاز في الآيات السابقة
مما سبق يتبين:
أن العلماء الدارسين لمناطق اللقاء بين الأنهار والبحار (مناطق المصبات) اكتشفوا أن ماء النهر والبحر في منطقة اللقاء بينهما في حالة ذهاب وإياب واختلاط واضطراب، ويفصل بينهما ماء المصب الذي يعتبر حجراً على الكائنات الحية التي فيه محجوراً على الكائنات الخاصة بالبحار والأنهار، وأن ماء المصب محاط ببرزخ مائي يفصل بين البحر والنهر.
وذلك ما قرره القرآن الكريم قبل ألف وأربعمائة عام على لسان نبي أمي عاش في أرض صحراوية ليس فيها نهر ولا مصب، قال تعالى: ﴿وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينها برزخاً وحجراً محجورا﴾.فهل تيسر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في زمنه من أبحاث وآلات ودراسات ما تيسر للعلماء الذين اكتشفوا تلك الأسرار بالبحث والدراسة؟؟والواقع أن الذي تيسر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر من ذلك فقد جاءه النبأ من العليم الخبير الذي أنزل عليه: ﴿قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض﴾ [سورة الفرقان، الآية:6].ولقد دل الوصف التاريخي في أول البحث عن تطور علوم البحار على عدم وجود أية معلومات علمية في هذا الموضوع قبل أربعة عشر قرناً من الزمان عند نزول القرآن الكريم على رسول الله .كما أن علوم البحار لم تتقدم إلا في القرنين الأخيرين وخاصة في النصف الأخير من القرن العشرين. وقبل ذلك كان البحر مجهولاً مخيفاً تكثر عنه الأساطير والخرافات، وكل ما يهتم به راكبوه هو السلامة، والاهتداء إلى الطريق الصحيح أثناء رحلاتهم الطويلة، وما عرف الإنسان أن البحار المالحة بحار مختلفة إلا في الأربعينات من هذا القرن، بعد أن أقام الدارسون آلاف المحطات البحرية لتحليل عينات من مياه البحار، وقاسوا في كل منها الفروق في درجات الحرارة، ونسبة الملوحة، ومقدار الكثافة، ومقدار ذوبان الأوكسجين في مياه البحار في كل المحطات فأدركوا بعدئذٍ أن البحار متنوعة.وما عرف الإنسان البرزخ الذي يفصل بين البحار المالحة، إلا بعد أن أقام محطات الدراسة البحرية المشار إليها، وبعد أن قضى وقتاً طويلاً في تتبع وجود هذه البرازخ المتعرجة المتحركة.
التي تتغير في موقعها الجغرافي بتغير فصول العام.وما عرف الإنسان أن مائي البحرين منفصلان عن بعضهما بالحاجز المائي، ومختلطان في نفس الوقت إلا بعد أن عكف يدرس بأجهزته وسفنه حركة المياه في مناطق الالتقاء بين البحار، وقام بتحليل تلك الكتل المائية في تلك المناطق.وما قرر الإنسان هذه القاعدة على كل البحار التي تلتقي إلا بعد استقصاء ومسح علمي واسع لهذه الظاهرة التي تحدث بين كل بحرين.فهل كان يملك رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المحطات البحرية، وأجهزة تحليل كتل المياه، والقدرة على تتبع حركة الكتل المائية المتنوعة؟.وهل قام بعملية مسح شاملة، وهو الذي لم يركب البحر قط، وعاش في زمن كانت الأساطير هي الغالبة على تفكير الإنسان وخاصة في ميدان البحار؟؟وصدق الله القائل: ﴿سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد﴾ [سورة فصلت، الآية:53].
هذا والله تعالى أعلم
المراجع القرآن الكريم:
الجامع لأحكام القرآن: ط دار إحياء التراث العربي بيروت. جامع البيان: ط دار الفكر بيروت.روح المعاني للآلوسي: ط دار الفكر بيروت. الفخر الرازي ط دار إحياء التراث العربي بيروت.البحر المحيط لأبي حيان:ط دار الفكر بيروت. فتح القدير للشوكاني: ط دار المعرفة بيروت. أضواء البيان للشنقيطي: الرياض.الكشاف للزمخشري: ط دار المعرفة بيروت. نظم الدرر: للبقاعي: زاد المسير: ط المكتب الإسلامي بيروت.
تفسير أبي السعود: ط دار إحياء التراث العربي بيروت. تفسير ابن كثير: ط دار الكتب العلمية بيروت. مجموعة التفاسير:الجواهر: طنطاوي جوهري. مسند أحمد: تحفة الأحوذي: سنن أبي داود: سنن الترمذي: سنن ابن ماجة: سنن الدارمي: سنن النسائي:
المفردات للأصفهاني: لسان العرب: ط دار صادر بيروت. تاج العروس: ط دار الفكر للنشر والتوزيع. الصحاح للجوهري: القاهرة.مقاييس اللغة: ط مكتبة ومطبعة الحلبي – مصر. الأعلام للزركلي: بحث أوجه الإعجاز في ملتقى البحرين: للزنداني.
بحث أوجه الإعجاز في اللقاء بين البحر والنهر: للزنداني. بحث مرج البحرين يلتقيان: لمحمد إبراهيم السمرة.بحث الظواهر البحرية: للزنداني، د. رار.
المراجع العلمية :
Where the rivers meet the sea: the transition from salt to fresh water is turbulent, vulnerable, and incredibly bountiful.
http://www.accessmylibrary.com/coms2/summary_0286-18962664_ITM
Where the rivers meet the sea: the transition from salt to fresh water is turbulent, vulnerable, and incredibly bountiful.
http://www.articlearchives.com/environment-natural-resources/ecology-environmental/738518-1.html