مشاهد من الهداية النبوية، وريادتها في استخدام التقنيات التربوية.
الخميس/ديسمبر/2019
بقلم .د./ ناصر أحمد سنه
كاتب وأكاديمي من مصر.
عبر التاريخ البشري.. الشفاهي، والكتابي، والمعلوماتي، شكلت التقنيات التربوية/ الوسائل التعليمية عموداً فقرياً قامت عليه عمليات التربية والتعليم والتعلم والبحث العلمي. وحديثاً.. ثمة علوم تُدرس، وأبحاث تُجري، ودورات تُعقد، ونظريات تُنشر، وشركات تُنفذ، ومُعدات تُنجز، وميزانيات تُخصص، ومنح داخلية وخارجية تُرصد لضمان تفعيل وتطوير استخدام التقنيات التربوية، وتعظيم كفاءتها في المنظومة التربوية والتعليمية. فماذا عن الهداية النبوية واستخدامها لهذا المجال في تربية وتعليم الآل والصحب وكافة الناس؟، يقول ربنا جل شأنه:“وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ”(الشوري:52).
لا يمكن الحديث عن التربية والتعليم والتعلم والبحث العلمي ومشكلاتها دون الحديث عن التقنيات التربوية/الوسائل التعليمية باعتبارها ركيزة هامة في تلك المنظومة. فالمُربي/ المُعلم/ الباحث الناجح – كما يراه كثيرون – هو الذي يحسن إستخدام هذه التقنيات، فيثري بها العلمية التربوية/ التعليمية/ البحثية، فضلاً عن عناصر ومهارات أخرى ينبغي أن يتمتع بها في المواقف التربوية المختلفة. ومن ثم ينعكس كل ذلك إيجاباً علي مُخرجات تلك العلمية، فتنضبط المنظومة، وتقل أو تكاد تنعدم مشكلاتها.
وتُعرف التقنيات التربويةEducational Technology بأنها: وسائل وطرق وأجهزة وأدوات ومواد يستخدمها المعلم لتحسين عملية التعليم والتعلم.
أو هي: أسلوب مبرمج في التربية يهدف إلى زيادة فعالية محاور العملية التربوية، ورفع كفايتها الإنتاجية وتحديدها خلال إعادة تخطيطها وتنظيمها وتنفيذها”.
وثمة تعريف آخر: “بأنها تلك التقنية / التكنولوجيا التي تتناول الدراسة الخاصة بزيادة الأثر التربوي إلى الحد الأقصى بواسطة مراقبة جميع العوامل الممكنة مثل الهدف التربوي والمواد التعليمية والطرق التربوية والبيئة التربوية وسلوك الطالب وسلوك المعلمين والعلاقة المتبادلة بين الطلبة والمعلمين”.
وقد تدّرج المربون في تسميتها فكان لها أسماء منها :وسائل الايضاح، الوسائل البصرية، الوسائل السمعية، الوسائل المعنية الخ. أما أحدث تسمية لها هي “تكنولوجيا التعليم” التي تعني: علم تطبيق المعرفة في الأغراض العلمية بطريقة منظمة وهي بمعناها الشامل تضم جميع الطرق والادوات والاجهزة والتنظيمات المستخدمة في نظام تعليمي بغرض تحقيق أهداف تعليمية محددة. وهذه التقنيات/ الوسائل ليست حشواً لفراغات لا يوجد غيرها لسدها، بل تقوم بأدوار أساسية في إيصال الرسالة التربوية/ التعلمية/ البحثية إلى المُتلقين بأساليب جذابة ومشوقة. حيث أنها تجعلهم في موقف إيجابي متفاعل مع البيئة التربوية، وهي تنقلهم – شاءوا أم أبوا- من أشخاص سلبيين إلى أفراد مندمجين ضمن مجالات من التفاعل المثمر مع العملية التربوية التي تمر بهم داخل وخارج غرفة الدرس. ومن المعلوم أن عملية التربية/ التعليم/ التواصل هي تلك التي يتم عن طريقها انتقال المعرفة من شخص لآخر، بحيث تؤدي إلى حدوث نوع من التفاهم بينهما أو أكثر مما يترتب عليه تعديل السلوك، وعناصرها تلك العملية:
فالمرسل: SENDER،وهو المُربي/ المعلم/ المحاضر، ولديه رسالة/ فكرة يريد إرسالها. وهناك المستقبل:RECEIVER، وهم المتعلمون/ المتلقون، وحتى يكون المستقبل حسن الاستقبال لا بد له من: راحة نفسية وبدنية، مكان وبيئة مناسبة، وأن يشعر بأهمية الخبرات التي تقدم إليه، وأن يكون مشاركا للمرسل في نقل الخبرة. ثم هناك الرسالة :MESSAGE وهي مجموعة من العقائد والقيم والإتجاهات والمهارات والخبرات والعادات التي يراد توصيلها من المرسل للمستقبلين ومن صفاتها: مناسبة لمستواهم، وأن تلبي حاجاتهم ورغباتهم، وأن تعرض عليهم بأسلوب شيق ومتسلسل المعلومات، وأن تكون كميتها مناسبة للوقت الذي تعرض فيه، وأن يشاركون في الحوار. أما الوسيلة MEDIUM: فهي كل ما يساعد المُربي/المعلم على تبسيط الرسالة لطلابه، وتشويقهم لتقبلها، فقد تكون الكلمات من خلال أسلوب سهل وبسيط، وقد تكون بسمته، وحركات يديه وتعبيرات وجهه الخ. وقد تكون كلمة مكتوبة على بطاقة أو صورة الخ. مشاهد من الهداية النبوية، وريادتها في استعمال التقنيات التربوية إبان حياته الكريمة بينهم، والتي أثمرت حفظ هذا الدين، وإبلاغ رسالة الإسلام للعالمين..
كان صلي الله عليه وسلم قدوة عملية حية “قرآناً يمشي علي الارض”. وفي هدايته، وتربيته، وتعليمه، صلي الله عليه وسلم، لأهله وصحبه والناس كافة تنوعت وتعددت السبل، وفيما يلي مشاهد ونماذج من هدايته صلي الله عليه وسلم، واستعماله لما يعرف اليوم “بالتقنيات التربوية”:
التربية والتعليم بضرب الأمثال: عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات ما تقولون؟، هل يبقى من درنه؟، قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: ذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بها الخطايا” (الشيباتي، أحمد بن حنبل، ج 3، ص: 77). ويقول: “مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فكان بعضهم أسفلها وكان بعضهم أعلاها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً فلم نؤذ من فوقنا، فإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً، وإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً”(البخاري).
وروي في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلي الله عليه وسلم قـال: “مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجه طعمها طيب، وريحها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ كمثل التمرة طعمها طيب ولا ريح لها.. ” وغيرها الكثير من الأمثال السنة المُطهرة.
التربية والتعليم بالقصة: ومن أمثلتها قصة الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم بابه، فدعوا الله بصالح أعمالهم (متفق عليه)، وقصة الأبرص والأعرج والأعمى، وقصة الذي قتل تسعة وتسعين نفساً(متفق عليه)، وأمثالها كثير، ومن أمثلة القصص القصيرة ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئراً فنزل فشرب، ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ بي، فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه، فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له، قالوا: يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجرا؟، فقال: في كل ذات كبدٍ رطبة أجر” (البخاري، ج8، ص: 16).
وكما في قوله:“لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة”(متفق عليه). وفي رواية لمسلم:”…فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح”. مما يدلل على أهمية هذا الأسلوب في إيصال القيم والمفاهيم.
أسلوب التهيئة بطلب الانصات والسماع : يستخدم غالباً قبل البدء في إلقاء الموضوع ” عن جرير بن عبد الله أن النبي في حجة الوداع : استنصت الناس، فقــال:”لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض”(البخاري ـ مسلم ـ أحمد ـ النسائي ـ ابن ماجة ـ الدارمي). يقول الحافظ بن حجر: ” وذلك أن الخطبة كانت في حجة الوداع، والجمع كثير، وكان اجتماعهم لرمي الجماروغير ذلك من أمور الحج، فلما خطبهم ليعلمهم ناسب أن يأمرهم بالإنصات”.
الرسوم التوضيحية: استخدم النبي صلي الله عليه وسلم “الرسوم التوضيحية” على هيئة خطوط زوايا وأشكال في توضيح هدايته لقضايا معنوية، وتشخيصها، وتبسيطها ومن أمثلة ذلك:
1- رسم يوضح طريقي الخير والشر: روى الإمام أحمد في مسنده عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه، قال: “كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فخط خطا هكذا أمامه، فقال: هذا سبيل الله عز وجل، وخطين عن يمينه، وخطين عن شماله، قال: هذا سبيل الشيطان، ثم وضع يده في الخط الأوسط ثم تلا الآية: “وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”(لأنعام:153).
2– رسم يوضح الإنسان وأجله وأمله والأعراض التي تقابله: أخرج البخاري في صحيحه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: خط النبي خطا مربعاً، وخط خطا في الوسط خارجا منه، وخط خططاً صغاراً، وهذا الذي في الوسط وقال: هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به، أو قد أحاط به، وهذا الذي خارج منه أمله، وهذه الخطط الصغار: الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا ” (البخاري، ج8، ص 164).
3- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (خط رسول الله في الأرض أربعة خطوط)، قال: تدرون ما هذا؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله: أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم -امرأة فرعون – ومريم ابنة عمران رضي الله عنهن أجمعين”.
فالرسم وسيلة تعليـمية ناجحة، إذ من المسلمات لدى التربويين أنه كلما زاد عدد الحواس التي تشترك في الموقف التعليمي، زادت فرص الإدراك والفهم، كما أن المتعلم يحتفظ بأثر التعليم فترة أطول. وفي هذا الصدد يقال: (أما الرسم فإنه أسلوب تعليمي يجلو الأمر ويوضحه أتم توضيح، وإنه لمستوى رفيع في التوجيه والإبلاغ أن يكون الرسم أداة في قوم أميين).
الشروح العملية: ورد في السنة النبوية المطهرة أحاديث كثيرة تدل على استخدام النبي صلى الله عليه وسلم العروض العملية في تعليم الصحابة أمور الدين كالطهارة والوضوء: روى مسلم أن عثمان بن عفان رضي الله عنه، دعا بوضوء فتوضأ، فغسل كفيه ثلاث مرات; ثم مضمض واستنثر; ثم غسل وجهه ثلاث مرات; ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات; ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك; ثم مسح رأسه; ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات; ثم غسل اليسرى مثل ذلك ثم قال: رأيت رسول الله توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال رسول الله: “من توضـأ نحو وضوئي هذا، ثم قام فركع ركعتين، لا يحدّث فيهما نفسه، غُفر له ما تقدم من ذنبه”. قال ابن شهاب: وكان علمــاؤنا يقــولـون: هذا الوضـوء أسبغ ما يتوضأ به أحد للصلاة. كما أخرج أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال:” إن رجلاً أتى النبي فقال: يا رسول الله كيف الطهور؟ فدعاء بماء في إناء فغسل كفيه ثلاثًا; ثم غسل وجهه ثلاثًا; ثم غسل ذراعيه ثلاثًا; ثم مسح برأسه وأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه على ظاهر أذنيه وبالسباحتين باطن أذنيه; ثم غسل رجليه ثلاثًا، ثم قال: هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم” (أو ظلم وأساء).
– وكيفية الصلاة: أخرج البخاري أن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: “أتينا إلى النبي، ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين يومًا وليلة، وكان رسول الله رحيمًا رفيقًا، فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا، أو قد اشتقنا، سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه، قال: ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم -وذكر أشياء أحفظها أو لا أحفظها- وصلوا كما رأيتموني أصلي، فإذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمَّكم أكبركم”(البخاري برقم:595).
– وبيان عملي لكيفية تحديد أوقاتها: روى مسلم عن بريدة رضي الله عنه عن النــبي: أن رجلاً سأله عن وقت الصلاة، فقال له: صل معنا هذين -يعني اليومين – فلما زالت الشمس أمر بلالاً فأذن، ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر. فلما أن كان اليوم الثاني أمره فأبرد بالظهر فأبرد بها ( الإبراد هو الدخول في البرد )، فَأَنْعَم أن يُبرد بها. وصلى العصر والشمس مرتفعة، أخرّها فوق الذي كان، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء بعدما ذهب ثلث الليل، وصلى الفجر فأسفر بها ( أي أدخلها في وقت إسفار الصبح، أي انكشافه وإضاءته”. ثم قال: أين السائل عن وقت الصلاة؟ فقال الرجل: أنا يا رسول الله، قال: وقت صلاتكم بين ما رأيتم”. – فهنا نجد أن الرسول لم يقدم للسائل عن وقت الصلاة إجابة شفوية، بل أحاله على الخبرة المباشرة التي هي أعلى مستويات التعليم كما هو معــلوم، حيث أمره بالصلاة معه لمدة يومين، وذلك ليتمكن من فهم وإدراك أوقات الصلاة عبر الممارسة الفعلية، وقد كان.
وفي هذا الصدد يقول الإمام النووي في شرح هذا الحديث: (فيه بيان أن للصلاة وقت فضيلة ووقت اختيار; وفيه أن وقت المغرب ممتد; وفيه البيان بالفعل فإنه أبلغ في الإيضاح، والفعل تعم فائدته السائل وغيره; وفيه تأخير البيان إلى وقت الحاجة، وهو مذهب جمهور الأصوليين.
– وفي الحج يقول صلي الله عليه وسلم:” يا أيها الناس: خذوا مناسككم، فإني لا ادري لعلي لا أحج بعد عامي هذا” (سنن النسائي: برقم 3012). – ودرس عملي رائع في الاعتماد على النفس، ومكافحة المسألة: عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً من الأنصار جاء إلى النبي يسأله، فقال: “لك في بيتك شيء؟ قال: بلى، حِلْسٌ نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقدح نشرب فيه الماء، قال: ائتني بهما، قال: فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله بيده، ثم قال: من يشتري هذين ؟ فقال رجل: أنا آخذهما بدرهم، قال: من يزيد على درهم ؟ ( مرتين أو ثلاثًا)، قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين، فأعطاهما الأنصاري، وقال: اشتر بأحدهما طعامًا فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قَدومًا، فأتني به، ففعل. فأخذه رسول الله، فشدَّ فيه عوداً بيده، وقال: اذهب فاحتطب ولا أراك خمسةَ عشر يومًا، فجعل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فقال: اشتر ببعضها طعامًا وببعضها ثوبًا، ثم قال: هذا خير لك من أن تجيء والمسألة نكتة في وجهك يوم القيامة. إن المسألة لا تصلح إلا لِذِي فقرٍ مُدْقِع، أو لذي غُرْمٍ مُفْظِع، أو دمٍ موجِع”.
في هذا الهدي الشريف يتجلى أمامنا موقف تعليمي رائع، فالرسول كان بإمكانه أن يمنح السائل شيئًا من ماله، أو يندب الصحابة إلى إعطائه ما يسد حاجته ذلك اليوم أو بضعة أيام. غير أنه أراد أن يلقن ذلك السائل القادر على الكسب والحاضرين جميعًا درسًا عمليًا في الاعتماد على النفس، وذم المسألة وبيان عواقبها الوخيمة على الإنسان في الدنيا والآخرة. ولقد تولى رسول الله بنفسه بيع ممتلكات السائل الزهيدة، في مزاد علني، ثم أمره أن يشتري بدرهم طعامًا لأهله وبالآخر قدومًا. وقد حرص عليه الصلاة والسلام على أن يشد في القدوم عودًا بيده الشريفة، إظهارًا لأهمية الموقف وجدية الأمر وشرف العمل، ثم أمره أن يحتطب ويتكسب من بيع الحطب.
– ومشهد بليغ من مشاهد “التدريب المهني”: أخرج ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله مر بغلام يسلخ شاة، فقال له رسول الله: “تنح حتى أريك، فأدخل رسول الله يديه بين الجلد واللحم، فدحس بها حتى توارت إلى الإبط، وقال: يا غلام هكذا فاسلخ، ثم مضى وصلى للناس ولم يتوضأ”.(الدحس) هو إدخال اليد بين جلد الشاة ولحمها. إن هذا الحديث الشريف إلى جانب كونه برهاناً على اعتماد الرسول على التوضيح العملي في تعليم أصحابه رضي الله عنهم المسائل التي تتطلب ذلك، فإنه يمثل أيضًا لونًا من ألوان “التدريب المهني” لهذا الشاب المسلم ومن شارك في ذلك الموقف التعليمي، ويتضمن توجيهًا نبويًا للأمة المسلمة في كل العصور للعناية بتدريب أبنائها على المهن التي تتطلبها حاجات المجتمع المسلم.
الحركات المعبرة: “ومنها الإشارة بالأصابع أو اليد أو اليدين أو غيرهما أو تغير ملامح الوجه أو هيئة الجلسة الخ بهدف التعبير أو تجسيم الأحاسيس وبلورتها، وهي تختلف عن أفعال الإنسان الأصلية التي يقوم بها في أكله وشربه. ومن أمثلة استخدام الإشارة بالإصبع ففي عدة مواقف مثل تشبيه التكاتف بين المؤمنين بالبنيان المرصوص، وشدة قرب الساعة مع البعثة النبوية. ونراه، صلى الله عليه وسلم، يشير بقوله:”أنا وكافل اليتيم كهاتين وأشار بأصبعه السبابة والوسطى”(البخاري).
وعن عوف بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله: “أنا وامرأةٌ سَفْعَاءَ الخدين كهاتين يوم القيامة -وجمع بين إصبعيه السبابة والوسطى – امرأة ذات منصب وجمال آمت من زوجها، حبست نفسها على أيتامها حتى بانوا أو ماتوا”.(سفعاء الخدين): قال في الصحاح: سفعته النار والسَّموم، إذا لفحته لفحًا يسيرًا فغيرت لون البشرة. والسفعة في الوجه سواد في خدي المرأة الشاحبة.
– وعــن البــراء بن عازب قـال: سمــعت رســول الله وأشار بأصابعه- وأصابعي أقصر من أصابع رسول الله – يشير بإصبعه يقول: “لا يجوز من الضحايا: العوراء البين عَوَرُها، والعرجاء البين عرجــها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تَنْقِي”.(العجفاء) المهزولة.(التي لا تنقي) أي التي لا نقي لها، أي لا مخ لها لضعفها وهزالها. وعن أبي عثمان قال: كتب إلينا عمر ونحن بأذربيجان أن النبي نهى عن لبس الحرير إلا هكذا، وصفَّ لنا النبي إصبعَيْه، ورفع زهير -أحد الرواة – الوسطى والسبابة. ففي هذا الحديث نجد أن التوضيح العملي من قبل النبي للمقدار المباح من الحرير للرجال، بأن صفّ إصبعيه أمام المتعلمين، يساعد على بقاء أثر التعلم لديهم بأقوى من اللفظ المجرد عن هذه الوسيلة. وقوله:“الفتنة من هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان” وأشار بيده إلى المشرق”(متفق عليه).
– الإشارة بالأصابع على شكل حلقة: عن زينب بنت جحش رضي الله عنها أن رسول الله دخل عليها يومًا فزعًا يقول:”لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه (وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها).. قالت زينب بنت جحش: فقلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث”. (ردم ) سد. (الخبث) الفسوق والفجور والمعاصي.
– الإشارة بالأصابع مثل القبة: عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: أتى رسول الله أعرابي فقال: يا رسول الله، جهدت الأنفس، وضاعت العيال، ونهكت الأموال، وهلكت الأنعام، فاستسق الله لنا، فإنا نستشفع بك على الله، ونستشفع بالله عليك.. قال رسول الله: ويحك أتدري ما تقول؟ وسبح رسول الله، فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه. ثم قال: “ويحك، إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه، شأن الله أعظم من ذلك، ويحك، أتدري ما الله؟ إن عرشه على سمواته لهكذا (وقال بأصابعه مثل القبة عليه) وأنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب”. (ليئط) أي يُصوِّت، (أطيط الرحل) أي كصوته.
– التشبيك بين الأصابع: استخدم الرسول التشبيك بين أصابعه الشريفة للكناية عن القوة والتماسك حينًا، وللتداخل بين شيئين حينًا آخر، وللاختلاط والاختلاف حينًا ثالثًا، ومن ذلك عن أبي موسى رضى الله عنه عن النبي قال: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، وشبك بين أصابعه”.
– وإذا كنا رأينا الرسول في الأحاديث السابقة يستخدم أصابعه الشريفة، فإنه قد يستخدم أحيانًا أصابع المتعلم لتوضيح المعنى المراد، فقد أخرج الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ( من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يُعـلِّم من يعمل بــهن)؟ فقال أبو هريرة: فقـلت: أنا يا رسول الله. فأخذ بيدي، فعد خمسًا وقال: “اتق المحارم تكن أعبد الناس.. وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس.. وأحسـن إلى جارك تكن مــؤمنًا.. وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلمًا.. ولا تكثر الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب”.
-بالإضافة إلى إشارته إلى صدره، ورد في السنة أنه كان يشير إلى صدر المخاطب أحيانًا ويدنيه منه، فعن وابصة بن معبد قال: أتيــت رســول الله وأنـا أريـد أن لا أدع شيـئــًا من البـر والإثــم إلا سألته عنه، وإذا عنده جمع فذهبت أتخطى الناس. فقالوا: إليك يا وابصة عن رسول الله، إليك يا وابصة. فقلت: أنا وابصة، دعوني أدنو منه فإنه من أحب الناس إلي أن أدنو منه، فقال لي: ادن يا وابصة، أدن يا وابصة، فدنوت منه حتى مست ركبتي ركبته فقال: يا وابصة أخبرك ما جئت تسألني عنه، أو تسألني، فقلت: يا رسول الله فأخبرني، قال: جئت تسألني عن البر والإثم، قلت: نعم، ( فجمع أصابعه الثلاث فجعل ينكت بها في صدري ) ويقول: يا وابصة استفتِ نفسَك، البر ما اطمأن إليه القلب واطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس، قال سفيان: وأفتوك”. – وكان أحياناً يغير نبرات صوته: “كان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم”(مسلم)، وأحياناً يغير جلسته كما في حديث أكبر الكبائر: “وكان متكئاً فجلس فقال ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور”(الشيخان).
التشويق وتنويع المثيرات والاستجابات ومنها السكوت أثناء الإلقاء لجذب الانتباه :روى البخاري ومسلم عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أي شهر هذا؟ قلنا الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه؟..الحديث.
– استشهاده بالأشياء الحقيقية والعينات: استخدم النبي صلى الله عليه وسلم الأشياء الحقيقية في مواقف عديدة منها مشهد يُبين هديه صلي الله عليه وسلم في حرمة الحرير والذهب علي رجال الأمة: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: خرج إلينا رسول الله – وفي إحدى يديه ثوب من حرير، وفي الأخرى ذهب، فقال:” إن هذين محرمٌ على ذكور أمتي حلٌ لإناثهم”. ولا شك أن رفع الرسول للحرير والذهب في يديه الشريفتين، أقوى بيانًا، وأعمق أثرًا من القول: إن الذهب والحرير محرمان.
– ومـثلـه الحديث الـذي أخرجه النسائي عن عبد الله ابن عمرو أن رسول الله أتى بعيرًا فأخذ من سنامه وبرة بين إصبعيه، ثم قال: “إنه ليس لي من الفيء ولا هذه، إلا الخمس، والخمس مردود فيكم”. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن رسول الله مر بالسوق داخلاً من بعض العالية، والناس كَنَفَتَه، فمر بجدي أسك ميت، فتناوله فأخذه بأذنه، ثم قال: “أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟ فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟ قال: أتحبون أنه لكم؟ قالوا: والله لو كان حيًا كان عيبًا فيه لأنه أسك، فكيف وهو ميت فقال: فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم”.(كَنَفَتَه) وفي بعض النسخ (كنفتيه) يعني الأول جانبه، والثاني جانبيه.(جدي أسك) أي صغير الأذنين. – ومنها تبيانه العملي لأهمية اللسان.
فعن معاذ رضي الله عنـه قال: قال رسول الله: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنــامه الجهاد. ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا نبي الله (فأخذ بلسانه) وقال: كف عليك هذا، فقلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب النــاس في النار على وجوههم -أو على مناخرهم – إلا حصائد ألسنتهم”؟ قال الترمذي: حديث صحيح. وقال المباركفوري: وإنما أخذ عليه الصلاة والسلام بلسانه وأشار إليه من غير اكتفاء بالقول تنبيهًا على أن أمر اللسان صعب.
– استخدام الحصى: عن بريدة رضي الله عنه قال:”قال النبي: هل تدرون ما هذه وهذه؟ ورمى بحصاتين. قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هذاك الأمل، وهذاك الأجل”.وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله: أخذ ثلاث حصيات، فوضع واحدة، ثم وضع أخرى بين يديه، ورمى بالثالثة”، فقال: هذا ابن آدم، وهذا أجله، وذاك أمله ” التي رمي بها”.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: “دخلت على رسول الله في بيت بعض نسائه، فقلت: يا رسول الله أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟ قال: “فأخذ كفًا من حصباء فضرب به الأرض”، ثم قال: هو مسجدكم هذا” (لمسجد المدينة). قال النووي في شرح هذا الحديث: “وأما أخذه الحصباء وضربه في الأرض، فالمراد به المبالغة في الإيضاح لبيان أنه مسجد المدينة. والحصباء بالمد الحصى الصغار.
– استخدام العصا:عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي: “غرز بين يديه غرزًا، ثم غرز إلى جنبه آخر، ثم غرز الثالث فأبعده”، ثم قال: هل تدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا الإنسان، وهذا أجله، وهذا أمله، يتعاطى الأملَ والأجلُ يختلجه دون ذلك”.
– المجسمات/ الدمى، و”الألعاب التربوية”: عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت ألعب بالبنات عند النبي، وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله إذا دخل يتقمَّعْن منه، فيُسرِّبُهُنّ إلي فيلعبن معي”.(يتقمعن منه) يدخلن البيت ويستترن منه.
وفي رواية (ينقمعن).(فيسرِّبهُن إليّ) يرسلهن واحدة بعد الأخرى. عن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله من غزوة تبوك أو خيبر، وفي سَهْوَتها ستر، فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لُعَبٍ، فقال: ما هذا يا عائشة؟ قالت: بناتي. ورأي بينهن فرسًا له جناحان من رقاع، فقال: ما هذا الذي أرى وسطهن؟ قالت: فرس، قال: وما هذا الذي عليه؟ قالت: جناحان، قال: فرس له جناحان! قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة! قالت: فضحك رسول الله حتى بدت نواجذه”. (السهوة) كالصفة تكون بين يدي البيت، وقيل شبيهة بالرف والطاق يوضع فيه الشيء. (ناحية الستر): طرفه، (نواجذه) أي: أواخر أسنانه. يقول الحافظ بن حجر: (واستدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور البنات واللعب من أجل لعب البنات بهن. وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور، وبه جزم عياض ونقله عن الجمهور، وأنهم أجازوا بيع اللعب للبنات لتدريبهن من صغرهن على أمر بيوتهن وأولادهن ) (1 ).
وما أشار إليه الحافظ بن حجر يرحمه الله في تعليله لجواز بيع اللعب للبنات، يعد من أحدث الاتجاهات التربوية الحديثة، وهو “التعلم عن طريق اللعب”، حيث أجريت بحوث كثيرة حول أهمية وأثر الألعاب التربوية في تعليم الطلبة. وأظهرت هذه البحوث أن الألعاب التربوية وسائل تعليمية فعالة وقوية التأثير في تغيير سلوك المتعلم واتجاهه، وذلك باكتسابه معارف ومهارات دقيقة يواجهها في واقع حياته العملية، ومن ثم في اتجاهه نحو الهيئات والوسائل التي يتفاعل معها. ومن أهم فوائد الألعاب التربوية أنها تعمل على إشراك المتعلم إيجابيًا في عملية التعلم، أكثرمن أية وسيلة أخرى مشابهة، لأنه يستخدم قدراته في أثناء اللعب. ولذلك تعتبر الألعاب التربوية وسائل فعالة لقياس اتجاهات المتعلمين وتنميتها وتعزيزها.
استثمار المواقف في التربية/ التعليم: قدم على النبي – صلى الله عليه وسلم – سبي، فإذا امرأة من السبي تحلَّبَ ثديها تسقي؛ إذ وجدت صبياً في السبي أخذته فألصقته ببطنها، وأرضعته، فقال: “أترون هذه طارحة ولدها في النار”، قالوا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه، قال: “لله أرحم بعباده من هذه بولدها”(متفق عليه). ونشاهده صلى الله عليه وسلم يقول لأبي ذر رضي الله عنه وهو يعلمه الزهد في الدنيا: “ما يسرني أن عندي مثل أحد ذهبًا..” حال مشاهدتهما لجبل أحد، لا شك أنه أشد وقعًا، وأبقى أثرًا، وأقوى إثارة لانتباهه، عما لو كان بعيدًا عنه. وقديمًا قيل: ما جاء في وقته وقر. وكلنا يعلم أن أبا ذر رضي الله عنه أصبح من أشد الناس زهدًا في الدنيا، وإعراضًا عن زخارفها. المحاكاة والتدريب العملي: من هذا هديه صلى الله عليه وسلم للآباء لتعويد أبنائهم بالصلاة لسبع سنين وضربهم عليها إذا بلغوا عشر.
الجمع بين التعليم الفردي والجماعي: في كثير من النصوص نقرأ: كان النبي – صلى الله عليه وسلم – جالساً مع أصحابه، بينما كنا مع النبي – صلى الله عليه وسلم، فهذا نموذج للتعليم الجماعي. وأما التعليم الفردي فنماذجه كثيرة، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: “علمني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – التشهد كفي بين كفيه”(متفق عليه). ومن ذلك ما ورد من غير واحد من أصحابه: أوصاني رسول الله – صلى الله عليه وسلم -. ومن ذلك حديث معاذ :”كنت رديف النبي – صلى الله عليه وسلم- على حمار فقال : يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله..”(الشيخان).
عناصر الكون المادية (البيئة): كان صلى الله عليه وسلم يذكر هذه العناصر في مواقف متعددة ويقرب بها المراد: كفضل العالم على العابد، وتوضيح فضل قراءة القرآن والفرق بين المؤمن والمنافق والكافر في ذلك، وفي فضل التبكير إلى الجمعة، ورؤية الله بالنسبة للمؤمنين، ففي الصحيحين: أن الناس قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله هل تضارون في القمر ليلة البدر؟ (البخاري ومسلم وأحمد). وقد كان اللوح من ضمن ما يستخدم من أدوات لكتابة القرآن الكريم.
الرحلات التعليمية: حث النبي صلى الله عليه وسلم أمته على طلب العلم وبين لها مكانة طالب العلم.
التعويد على معرفة العلة ومناط الحكم: فلما سئل عن بيع الرطب بالتمر، قال: “أينقص الرطب إذا جف؟”، قالوا نعم، فنهى عن ذلك” (رواه الخمسة).
وحين نهاهم عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها قال: “أرأيت إن منع الله الثمرة بم تستحل مال أخيك؟”(البخاري ومسلم). وحين قال: “وفي بضع أحدكم صدقة”، قالوا له: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر، قال: “أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر”، قالوا: نعم، قال: “فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجراً”(مسلم).
التعويد على آداب ومهارات ومنهج طرح الأسئلة: ففي موضع يقول صلي الله عليه وسلم: “إن أعظم المسلمين في المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم على المسلمين، فحرم من أجل مسألته”(البخاري ومسلم)، ويقول:”إن الله كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال، وإضاعة المال”(متفق عليه). فها هنا يذم السؤال، لكن في موضع آخر يأمر به، ويثني عليه:”ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال”(أبو داود)، “ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟…”، “لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث”(البخاري).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن الناس سألوا النبي بالمسألة، فخرج ذات يوم فصعد المنبر فقال:” سلوني، لا تسألوني عن شيء إلا بينته لكم” (مسلم: 2359).
وعن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي قال: “إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم، حدثوني ما هي؟ (البخاري ومسلم والترمذي وأحمد). يقول ابن حجر رحمه الله : وفي هذا الحديث من الفوائد امتحان العالم أذهان الطلبة بما يخفى عن بيانه لهم إن لم يفهموه “. التشويق والتنويع في العرض: فهو أحياناً يطرح المسألة على أصحابه متسائلاً : “أتدرون ما الغيبة”(مسلم)، “أتدرون من المفلس”(أحمد)، “إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وإنما مثلها مثل المسلم فأخبروني ما هي”(متفق عليه). ولا شك أن السؤال مدعاة للتفكير وتنميته، ومدعاة للاشتياق لمعرفة الجواب مما يكون أرسخ في الذهن.
الإجابة بالقواعد العامة: سأله رجل: إنا نركب البحر ومعنا القليل من الماء فإذا توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فلم يقتصر – صلى الله عليه وسلم – في إجابته على قوله نعم، وإلا كان الحكم قاصراً على الحالة موضع السؤال وحدها، إنما أعطاه حكم ماء البحر وزاده فائدة أخرى يحتاج إليها حين قال :”هو الطهور ماؤه الحل ميتته”(الترمذي وصححه)، ويعني هذا أن ماء البحر له سائر أحكام الماء الطهور، وليس فقط يجوز الوضوء به في هذه الحالة. وسئل: ما يلبس المحرم من الثياب؟، فقال: “لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة ولا السراويل ولا البرنس ولا ثوباً مسه ورس ولا زعفران ولا الخفين”(الشيخان)، فلم يعدد له ما يجوز للمحرم لبسه بل أعطاه قاعدة عامة فيما يحل وما لا يحل للمحرم لبسه.
تربيته لأصحابه على منهج التلقي: عن العرباض بن سارية -رضي الله عنه- قال: وعظنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – موعظة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، فقال: “أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجد”(الترمذي وقال حسن صحيح)، وقال في وصف الطائفة الناجية:”من كانوا على ما مثل أنا عليه اليوم وأصحابي”(أبو داود). وحين رأى مع عمر صحيفة من التوراة غضب، ونهاه عن ذلك، وقال: “لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي”(أحمد).
تربيتهم على منهج التعامل مع النصوص: خرج على أصحابه وهم يتمارون في القدر، هذا ينزع آية، وهذا ينزع آية فغضب حتى كأنما فقىء في وجهه حب الرمان من الغضب، وقال: “بهذا أمرتم، أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟!،انظروا إلى ما أمرتكم به فاتبعوه، وما نهيتم عنه فاجتنبوه”(أحمد).
تعويدهم على الاستنباط: سأل أصحابه يوماً: “إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، فحدثوني ما هي”. قال ابن عمر – راوي الحديث – فوقع الناس في شجر البوادي، قال عبد الله ووقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت.
ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: “هي النخلة”(الشيخان).
أسلوب الإقناع العقلي : روى احمد عن أبي أمامه قال : إن شابا أتى النبي فقال يا رسول الله ائذن لي بالزنا، فاقبل القوم فزجروه و قالوا :مه مه ! فقال :أدنه، فدنا قريباً، قال : فجلس قال أتحبه لأمك قال : لا والله جعلني الله فداءك …”، (رواه البخاري). وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلاً أتى النبي فقال: يا رسول الله ولد لي غلام أسود، فقال : هل لك من إبل؟ قال :نعم، قال ما ألوانها؟ قال: حمر، قال: هل فيها من أورق؟ قال: نعم، قال: فأنى ذلك ؟ قال: نزعه عرق؟، قال: فلعل ابنك هذا نزع ؟.
توضيح المسائل عن طريق التعليل : ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن قال: “إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه فإن في إحدى جناحه داء وفي الآخر شفاء”. وقد عقد “ابن القيم” فصلاً في كتابة أعلام الموقعين ساق فيه بعض ما ورد في السنة من تعليل الأحكام. التوضيح، والتفصيل أثناء الشرح: روى الترمذى عن عائشة رضي الله عنها قالت :”ما كان رسول الله يسرد كسردكم هذا، ولكنه كان يتكلم بكلام بين فصل، يحفظه من جلس إليه” (حسنه الألباني رحمه الله).
تأكيد ما يحتاج التأكيد: فقد حلف على مسائل كثيرة تزيد على الثمانين: “والله لا يؤمن.. والذي نفسي بيده.. وأيم الله..” وغيرها كثير.
تكرار الكلام إذا اقتضى المقام، وتجنبه بلا داع : روى البخاري وأحمد بن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي: أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً حتى تفهم عنه. يقول المباركفوري: والمراد أنه كان يكرر الكلام ثلاثاً إذا اقتضى المقام وذلك لصعوبة المعنى أو غرابته أو كثرة السامعين لا دائماً فإن تكرير الكلام من غير حاجة لتكريره ليس من البلاغة.
عدم التشدق، والتقعر في الكلام: روى الترمذي عن جابر رضي الله عنه قال : إن رسول قال: “إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقاً الله، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة ” الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون” قالوا يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون؟ قال: “المتكبرون” (قال النووي حديث حسن).
ترغيبه أصحابه في العلم، وعنايته به: لا شك أن لذلك الترغيب دوراً كبيراً في إيجاد الحماسة لدى طالب العلم للتعلم، والاستزادة من ينابيعه. فحين جاء ثلاثة نفر وهو جالس مع أصحابه فجلس أحدهم خلف الحلقة، والآخر رأى فرجة فجلس فيها، وأما الثالث فأعرض، فقال – صلى الله عليه وسلم – بعد ذلك : “أما الأول فآوى فآواه الله، وأما الثاني فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الثالث فأعرض، فأعرض الله عنه”(البخاري).
وفي البعد عن المشتتات كان – صلى الله عليه وسلم – يحدث أصحابه فجاء رجل فسأل عن الساعة فمضى في حديثه. فقال قوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال قوم: لم يسمع. ثم سأل مرة أخرى: متى الساعة؟ فمضى في حديثه، فلما انتهى من حديثه قال: أين أراه السائل عن الساعة، فقال: أنا، فقال – صلى الله عليه وسلم: إذا ضُيِّعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: وما إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة”(مسلم)، فهو – صلى الله عليه وسلم – رغم أنه لم يقطع حديثه لم ينسَ هذا السائل ولم يهمله. وحين خطب في حجة الوداع قال أبو شاه: اكتبوا لي: فقال:اكتبوا لأبي شاه”(البخاري).
التدرج في التربية والتعليم والتعلم : وذلك فيما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي بعث معاذاً رضي الله عنه فقال: ” إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات..الحديث”.
والتدرج كما هو في الحديث يعني عدم الانتقال من جزء إلى آخر إلا بعد تحقق هدف الجزء الأول وهكذا إلى حين اكتمال جميع أجزاء المنهاج.
مراجعة العلم والحفظ: أوصى حفاظ القرآن بتعاهده والعناية به: “تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها”(الشيخان)، وكان جبريل يدارسه القرآن” (البخاري).
وحين علم – صلى الله عليه وسلم – البراء دعاء النوم قال أعده علي فقال:وبرسولك -الذي أرسلت فقال – صلى الله عليه وسلم – بل وبنبيك الذي أرسلت”(الشيخان).
تربيتهم على القيام بواجب العلم: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:”من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار”(أحمد)، وقال – صلى الله عليه وسلم: “بلغوا عني ولو آية”(البخاري)، وقال – صلى الله عليه وسلم – : “نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع”. وقد روى هذا الحديث (24) من أصحابه مما يشعر أنه قاله – صلى الله عليه وسلم – في أكثر من مناسبة.
وانظر إلى أثر هذه التربية في قول أبي ذر -رضي الله عنه- : “لو وضعتم الصمصامة – السيف – على هذه – وأشار إلى رقبته – واستطعت أن أنفذ كلمة سمعتها من رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قبل أن تجهزوا علي لأنفذتها” (البخاري).
تشجيع الطالب والثناء عليه: سأله أبو هريرة -رضي الله عنه- يوماً: من أسعد الناس بشفاعتك؟ فقال – صلى الله عليه وسلم :”لقد ظننت أن لا يسألني أحد عن هذا الحديث أول منك لما علمت من حرصك على الحديث”(البخاري)، فما الظن بوموقف أبي هريرة رضي الله عنه، وهو يسمع هذا الثناء وتلك الشهادة منه- صلى الله عليه وسلم-، بحرصه على العلم بل وتفوقه على الكثير من أقرانه؟، وكيف سيكون أثر هذا الشعور كدافع لمزيد من الحرص والاجتهاد. وحين سأل أبي بن كعب: “أبا المنذر أي آية في كتاب الله أعظم؟”، فقال أبي: “آية الكرسي”، قال له : “ليهنك العلم أبا المنذر”(مسلم).
معرفة قدرات من حوله، ومراعاة الفروق الفردية، ونشاطهم لتلقي العلم: :”أرحم أمتي بأمتي أبو بكر يقول وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقرأهم لكتاب الله أبي بن كعب، وافرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح “.
ونشاهده يقول لأبي هريرة حين سأله عن الشفاعة: لقد ظننت أن لا يسألني أحد عن هذا الحديث أول منك لما أعلم من حرصك على الحديث(البخاري). كما ورد أنه كان – صلى الله عليه وسلم – يخطب فدخل رجل فقال: يا رسول الله رجل غريب يسأل عن دينه، فترك خطبته ودعا بكرسي فجلس يعلمه ثم عاد لخطبته”(متفق عليه)، قال:”نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل منازلهم، ونكلمهم على قدر عقولهم). وعن علي بن أبي طالب قال:”حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذّب الله ورسوله(رواه البخاري ج1 /225). عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان يتخولنا الموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا “(البخاري 682).
مراعاة الجوانب النفسية والتربوية للمتعلم، وبيئته :عن أنس بن مالك قال: “بينما نحن في المسجد مع رسول الله رسول جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله مه مه قال صلى الله عليه وسلم ” لا تزر موه، دعوه ” فتركوه حتى بال : ثم أن رسول الله دعاه فقال له : ” إن هذه المساجد لا تصلح لشيء مثل هذا البول والقذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن ” أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلوا من ماء فشنه عليه ” (مسلم).
تجنب إحراج المتعلم : وذلك بالابتعاد عن سؤال المتعلم عن أمر خاص لا يود أن يطلع عليه أحداً من الناس، يقول تعالى: “يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم” (المائدة: 101).
العناية بتعليم المرأة: فحين صلى العيد – صلى الله عليه وسلم – اتجه إلى النساء فوعظهن وأمرهن بالصدقة(البخاري)، بل تجاوز الأمر مجرد استغلال اللقاءات العابرة، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النساء قلن لرسول الله – صلى الله عليه وسلم- :”غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوماً من نفسك”، فوعدهن يوماً لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن فكان فيما قال لهن:”ما منكن امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجاباً من النار”، فقالت امرأة: واثنين؟ فقال: “واثنين”(البخاري).
التوجيه للتخصص المناسب: روى البخاري تعليقاً والترمذي عن زيد بن ثابت: أن قومه قالوا للنبي – صلى الله عليه وسلم -:ها هنا غلام من بني النجار حفظ بضع عشرة سورة فاستقرأني فقرأت سورة ق، فقال إني أكتب إلى قوم فأخاف أن يزيدوا علي أو ينقصوا، فتعلم السريانية. فتعلمها – رضي الله عنه – في سبعة عشر يوماً.
مخاطبة المتعلمين بأحب أسمائهم واستخدام الكنى: عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله يكني أصحابه، إكراماً لهم” (مسلم 1/271).:يقول ابن عباس رضي الله عنهما: “أعز الناس علىًَّ جليسي الذي يتخطى الناس إليَّ، أما والله إن الذباب يقع عليه فيشق علي “، وقال الأحنف بن قيس: “لو جلست إلى مائة لأحببت أن التمس رضا كل واحد منهم ” (بهجة المجالس 1/45).
ولعله من المـهم أن يـوضــع في الاعتــبار ما يلي: – إن ما ورد من أساليب وسبل تربوية/ تعليمية ما هو إلا غيض من فيض، وكتب السنة المطهرة تزخر بالكثير من ذلك. – أن الرسول صلي الله عليه وسلم قد استخدم وسائل تربوية/ تعليمية متنوعة ما بين بصرية وسمعية بصرية، بما يتناسب مع مقتضيات الموقف، ومن تلك الوسائل: الإشارة بالأصابع; وباليد; وباليدين معًا: والتشبيك بين الأصابع; والإشارة إلى الوجه والكفين، وإلى السمع والبصر، وإلى الصدر، وإلى الحلق، وإلى اللسان، واستخدام الحصى والعصا، والرسم على الأرض، والعروض أو التوضيحات العملية، استخدام المجسمات/ الدمى، واستخدام الأشياء الحقيقية الخ. – مع تذكر أن البيئة في عهده، صلي لله عليه وسلم، لم تكن لتساعد عـلى توفـير الوسائل التقنية/التعليمية، وأنه لم يكن ليتكلف صنع تلك الوسائل، بل كان يوظف الإمكانات المتاحة في البيئة المحلية، وأن الرسول أمـي لا يقرأ ولا يكتب:“الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ. قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِ وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ”(الأعراف: 157ـ158). كما أن معظم الصحابة رضي الله عنهم أميون.
– إن تلك الوسائل التربوية/ التعليمية، كان لها آثاراً إيجابية واضحة مثل: تأكيد معنى، وزيادة وضوح وبيان، وإبراز أهمية الموقف التربوي التعليمي، وإطالة أمد التعلم، وإثارة انتباه المتعلمين، ونحو ذلك من الفوائد والمزايا التربوية.
حتى أن بعض الصحابة ظلوا يتذكرون الوسيلة التعليمية التي استخدمها الرسول أمامهم بعد سنوات من مشاهدتها، مما يؤكد عظيم الأثر الذي تركته في نفوسهم، مثل قول البراء بن عازب رضي الله عنه: سمعت رسول الله – وأشار بأصابعه – وأصابعي أقصر من أصابع رسول الله. – ثمة سؤال يُطرح: إذا كان الرسول قد استخدم مثل الوسائل التعليمية في تعليم أصحابه، فماذا يعني ذلك بالنسبة للمربين المسلمين حالياً؟.
إن ذلك يبرر استخدامها في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وفي تدريس مادة التربية الإسلامية وغيرها من المواد الدراسية، لما في ذلك من مزايا وفوائد تساعد على نجاح أداء الرسالة التربوية/التعليمية. وتمكن إلى النفاد إلى قلوب المدعوين.
فحري بالمعلمين والدعاة التأسي بهديه في تعليم الناس أمور دينهم ودنياهم. – وإذا كان الرسول المعلم صلي الله عليه وسلم قد استخدم وسائل تعليمية في تعليم الكبار، فإن من البديهي أن الصغار أشد حاجة إليها، لأنه يصعب عليهم إدراك المفهومات المجردة بدون استخدام وسائل تساعدهم على الفهم والإدراك، وتعينهم على التركيز والانتباه لشرح المعلم والتفاعل الإيجابي معه، ولذلك فإن على المربين/ المعلمين/ الدعاة الحرص على توظيف هذه الوسائل النافعة أثناء أدائهم لعملهم خدمة لأهدافهم، وتشويقًا لسامعيهم، وتوفيرًا لوقتهم، وقبل ذلك كله تأسيًا بنبيهم.
– لـم يعد اعتماد النظم التعليمية الحديثة على التقنيات التربوية والوسائل التعليمية درباً من الترف، بل بات ضرورة من الضرورات لضمان نجاح تلك النظم. لذا فقد تطورت تطوراً متلاحقاً كبيراً حتى وصلت إلى أرقى مراحلها التي نشهدها اليوم في ظل ارتباطها بنظرية الاتصال الحديثة Communication Theory واعــتـــمادهـا على مـدخل النظم Systems Approach.
– تلعب دوراً جوهرياً في إثراء التعليم من خلال إضافة أبعاد ومؤثرات خاصة وبرامج متميزة تساعد على اشتراك جميع حواس المتعلم. فاشتراك جميع الحواس في عمليات التعليم يؤدي إلى ترسيخه وتعميقه. كما تساعد على استثارة اهتمام المُتعلم واشباع حاجته للتعلم To Motivate The Learner، فيكتسب خبرات واقعية متراكمة تحقيق أهدافه.
وتُزيد من مشاركته الايجابية في اكتساب خبراته. ولها اهميتها في تيسير بناء مفاهيم سليمة، وتنمية أفكار وقدرات ومهارات متتعددة، وتعـديل الــسـلوك، وتـكـوين الاتـجـاهـات الجديدة، وتنويع أساليب التعزيز التي تؤدي إلى تثبيت الاستجابات الصحيحة (نظرية سكنر). كما تساعد تلك التقنيات/ الوسائل التعليمية عـلى تـحاشي الوقوع في “اللفظية”.
فالمُعلم قد يستعمل ألفاظاً ليست لها عند المُتعلم الدلالة التي لها عند الأول، ولا يحاول توضيح هذه الألفاظ المجردة بوسائل مادية محسوسة تساعد على تكوين صور مرئية لها في ذهن الطالب، ولكن اذا تنوعت هذه الوسائل فإن اللفظ يكتسب أبعاداً من المعنى تقترب به من الحقيقة الامر الذي يساعد على زيادة التقارب والتطابق بين معاني الألفاظ في ذهن كل من اطراف العملية التربوية والتعليمية. كما تُسهم في تنويع أساليب التعليم لمواجهة الفروق الفردية بين المتعلمين. – التقنيات التربوية/التعليمية تساعد على التفكير العلمي السليم،حيث أن الملاحظة والتجريب عمليتين رئيسيتين في هذا المجال، وتحقق أهداف التربية الحديثة في التعلم الذاتي والتعلم المستمر، فمشاهدة وسيلة معينة قد يغني عن حديث طويل. وتساهم في تنمية البحث العلمي. كما تعتبر الوسائل التعليمية سجلاً للأحداث والظواهر التي تنتهي، فالاحتفالات والمناسبات التاريخية تسجلها الوسائل التعليمية وتحفظها للأجيال. فضلاً عن أنها تساعد في خلق الحاجة للتعلم.
– كل ذلك وغيره ينعكس في جعل عملية التعليم في صورة أفضل، واقتصادية بدرجة أكبر من خلال زيادة نسبة التعلم إلى تكلفته. فالهدف الرئيس لها تحقيق أهداف تعلم قابلة للقياس بمستوى فعال من حيث التكلفة وتوفير الكثير من الوقت والجهد والمال. -من المفيد الاستعانة بالتقنيات الحديثة في الاتصال والتعليم وفي تصميم وعرض بعض الوسائل التعليمية، وبخاصة التليفزيون التربوي/ التعليمي Educational Television، والتعليم بمساعدة الحاسوب: Computer Assisted Instruction، والإنترنت Internet، كذلك استخدام المسجل، وجهاز عرض الشرائح، Slide Projector، وجهاز العرض العلوي The Overhead Projector، وجهاز عرض الأفلام الثابتة 35 مم، والفيلم التعليمي المسجل على شريط فيديو الخ.
. خلاصة القول بغية التأصيل الإسلامي للعلوم التربوية والنفسية تمثل تلك الوسائل التربوية التعليمية التي استخدمها الرسول صلي الله عليه وسلم في تعليم أصحابه والناس كافة، نماذج رائدة، وافية بالغرض، فالعبـــرة ليس بعـــدد الوســائل التي استعان بها في عملية التربية والتعليم، وإنما بتقرير المبدأ والفكرة. وحيث إن الرسول مُشرع، فيكفي استخدامه الوسيلة لمرة واحدة، ليكون في ذلك أسوة وهديًا للمربين في كل العصور. كل ذلك وغيره يشكل ذخيرة تربوية قيمة لنا اليوم.
فحري بنا دراستها واستيعابها، وإتخاذها نبراسًا نستنير به في جهودنا الرامية إلى تربية أجيال مسلمة قادرة على بناء حضارة إسلامية معاصرة. فصلاة وسلامأ دائمين متلازمين علي معلم الناس الهدي.
يمكن التواصل مع الكاتب
.د./ ناصر أحمد سنه على الإيميل التالي:
المراجع
– لمن أراد أن يستزيد فعليه بكتب السيرة النبوية، وكتب الصحاح. – التقنيات التربوية،
تأليف مجموعة من المختصين، ترجمة د.مصباح الحاج عيسي، ط.2، 1984م
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، إدارة التأليف والترجمة. – د.عبد الرحمن بلعوص: الوسائل التعليمية في القرآن والسنة
مجلة كلية العلوم الاجتماعية جامعة الإمام محمد بن سعود، ذو القعدة 1415 هـ.
Haas and Packer: Preparation and use of Audio-Visual Aids, 3rd edition, 1963’ U.S.A.
– عدد من البحوث المنشورة ألكترونياً.