التسخير الإلهي بين السماء والأرض: دلائل قدرة الله في آية واحدة

 
الجمعة/سبتمبر/2025
   

المعنى العام للآية

هذه الآية الكريمة تُبرز حقيقة كونية كبرى، وهي أن الله ﷻ سخَّر للإنسان كل ما في السماوات وما في الأرض، أي جعله تحت خدمته وانتفاعه، سواء كان هذا التسخير تسخيرَ إلهامٍ وتيسير أو تسخيرَ إجبارٍ ونظام كوني.
والآية ختمت بقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾، إشارةً إلى أن إدراك هذه الحقيقة لا يتم إلا عبر التفكر العلمي العميق في مظاهر الكون وقوانينه.

 دلالات الآية من منظور علمي

1. تسخير السماوات

يدخل في “ما في السماوات” جميع الأجرام والقوانين الكونية التي تعمل بدقة مذهلة. بعض الأمثلة العلمية:

أ. قوانين الجاذبية الكونية (Universal Gravitation)

  • قانون الجاذبية الذي اكتشفه نيوتن يضبط حركة الكواكب والنجوم والمجرات.

  • لو كانت الجاذبية أقوى قليلًا، لانهار الكون على نفسه، ولو كانت أضعف قليلًا، لتفككت المجرات والنجوم.

  • هذا الاتزان الدقيق يُظهر معنى “التسخير”، إذ يعمل لصالح استمرار الحياة على الأرض.(1)

ب. طبقة الأوزون والغلاف الجوي (Ozone Layer & Atmosphere)

  • الغلاف الجوي مُصمم بحيث يحمي الأرض من الأشعة الكونية الضارة ويُبقي الحرارة ضمن نطاق قابل للحياة.

  • بدون هذه الطبقة، تتعرض الأرض لفناء كامل الكائنات بسبب الأشعة فوق البنفسجية.(2)

ج. ثوابت فيزيائية دقيقة (Fine-Tuning of Constants)

  • هناك أكثر من 20 ثابتاً كونياً (مثل ثابت الجاذبية وثابت بلانك) تم ضبطها بدقة متناهية.

  • أي انحراف بمقدار واحد في المليار عن هذه القيم يجعل الحياة مستحيلة.

  • هذه الدقة من أقوى الأدلة على التصميم الذكي (Intelligent Design) وليس المصادفة العشوائية.(3)

2. تسخير الأرض

يدخل في “ما في الأرض” جميع الموارد الطبيعية والأنظمة البيئية المهيأة للإنسان:

أ. دورة الماء (Water Cycle)

  • تبخر مياه البحار ثم تكاثفها ثم نزول المطر ثم تغذية الأنهار والمياه الجوفية.

  • هذا النظام الدقيق يحفظ توازن الحياة ويعيد توزيع الموارد المائية باستمرار.(4)

ب. الموارد المعدنية والطاقة

  • تسخير الأرض شمل توفير عناصر أساسية كالحديد، والنحاس، والذهب، والنفط.

  • حتى الطاقة الشمسية والرياح والماء جميعها مسخرة لتلبية احتياجات الإنسان.

  • استخدام هذه الموارد أدى إلى نشوء الحضارة الحديثة.

ج. التنوع البيولوجي والدواء

  • النباتات تنتج الأكسجين والغذاء، كما تحتوي على آلاف المركبات الكيميائية التي تُستخدم لصناعة الأدوية.

  • على سبيل المثال، دواء الأسبرين (Aspirin) مستخلص من لحاء شجرة الصفصاف، والإنسولين مشتق من دراسات على بنكرياس الحيوانات. (5)

3. العلاقة بين الإنسان والتفكر العلمي

الآية لم تقل “لآيات لقوم يعلمون” بل قالت: ﴿لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾

  • العلم الحديث قائم على التأمل، الملاحظة، التجريب، والاستنتاج.

  • كلما ازداد علم الإنسان بالقوانين الطبيعية، كلما اقترب أكثر من إدراك عظمة الخالق.

  • بول ديفيز (Paul Davies) — عالم فيزياء نظرية — قال:

“القوانين الفيزيائية المعقدة تشير إلى أن الكون يبدو وكأنه مُعدّ مسبقاً لاستقبال الحياة.”
وهذا عين ما تقرره الآية.

ثالثاً: أمثلة تطبيقية من الواقع الحديث

المجال مثال علمي علاقته بالتسخير
الفضاء اكتشاف مسار الأرض الدقيق داخل المنطقة الصالحة للحياة (Habitable Zone) لو كانت الأرض أقرب للشمس أو أبعد، لاستحالت الحياة
البيئة الغلاف الجوي كدرع واقٍ يحمي من الإشعاعات القاتلة ويحافظ على حرارة مناسبة
الطاقة تسخير الرياح والأنهار توليد الكهرباء والطاقة النظيفة
الطب الأدوية من النباتات والكائنات الدقيقة إنقاذ حياة ملايين البشر بموارد متاحة في الطبيعة
الاتصالات تسخير قوانين الموجات الكهرومغناطيسية اختراع الإنترنت والهواتف والشبكات العالمية

 الخلاصة 

هذه الآية دعوة صريحة للبحث العلمي والاكتشاف. كلما ازداد الإنسان علماً، ازداد يقينًا بأن هذا الكون لم يُخلق عبثاً.
قال تعالى:
﴿مَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ﴾ [الحجر: 85]

والتأمل في التسخير الكوني يقود إلى نتيجتين أساسيتين:

  1. تثبيت الإيمان بالله من خلال رؤية الإحكام في الخلق.

  2. التحفيز على البحث العلمي لاكتشاف مزيد من أسرار الكون وتسخيرها لصالح البشرية.

المراجع : 

(1)  NASA – Universal Gravitation

(2)  NOAA – Ozone Layer Protection

(3)  Stanford Encyclopedia of Philosophy – Fine-Tuning Argument

(4)  USGS – Water Cycle

(5)  WHO – Essential Medicines

 


الوسوم:


مقالات ذات صلة