وفي أنفسكم أفلا تبصرون – اليـــد
السبت/ديسمبر/2019
الدكتور منصور أبوشريعة العبادي
جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
من السهل جدا على الإنسان العاقل غير الجاحد مهما بلغ مستوى تعليمه أن يوقن بأن اليد البشرية لا بد وأنها قد صممت من قبل صانع عليم خبير سبحانه وتعالى وذلك فقط من خلال معرفة الوظائف العجيبة التي تقوم بها هذه اليد وخاصة عند مقارنتها مع أيادي بقية الحيوانات. ولكن هذا اليقين لا بد وأن يزداد أضعافا مضاعفة لدى الإنسان المتعلم الذي يمكنه أن يفهم تركيب اليد والطرق التي تعمل من خلالها لكي تقوم بأداء وظائفها.
ومن المعروف لمن يقومون بتصنيع الأجهزة والمعدات أن أول خطوات التصنيع هو تحديد الوظيفة أو الوظائف التي سيقوم بها الجهاز ومن ثم القيام بوضع التصميم الأمثل الذي سيصنع على أساسه هذا الجهاز وذلك بعد تحديد الشروط والقيود على مواصفاته كالحجم والكلفة وكمية الطاقة المستهلكة والعمر التشغيلي والشكل الخارجي وغيرها
الكثير.
وسيتبين للقارئ في هذه المقالة أن اليد البشرية هي معجزة من معجزات الخالق سبحانه وتعالى ولا يمكن في مثل المقالة القصيرة أن نبين جميع وجوه الإعجاز فيها وأنا على يقين أن عدة مجلدات لا تكفي لشرح تفصيلات تركيب اليد إذا ما كتبت من قبل المختصين كل في مجال تخصصه. فالذي يدرس شكل اليد الخارجي فقط سيجد أن هذا الشكل هو الشكل الأمثل والأجمل والذي يدرس تركيب عظامها بأشكالها وأبعادها وموادها يجد إبداعا في التصميم لا يمكن لأحد أن يعدل عليه وكذلك لمن يدرس مفاصلها وطرق ربطها وعضلاتها وطرق تثبيتها وجلدها وما فيه من مستقبلات حسية وأعصابها وشرايينها وأوردتها وطرق تمديدها.
وأما الذين يقومون بدراسة الطرق التي تقوم بها مراكز الحركة في الدماغ للتحكم بهذه اليد فإنهم يقفون عاجزين عن فهم أسرار البرامج المخزنة فيها والمسؤولة عن كل حركة من حركات اليد. ولا زال العلماء بمختلف تخصصاتهم الطبية والهندسية يعملون جاهدين على كشف أسرار تركيب اليد لا لكي يشكروا من قام بتصميمها سبحانه بل لكي يقوموا بتصنيع أيدي بنفس القدرات لمعدات مصانعهم وروبوتاتهم (الإنسان الآلي).
ومن السهل على القارئ مع وجود الإنترنت أن يتأكد بنفسه من الكم الهائل من الأبحاث والدراسات العلمية التي يجريها العلماء والمهندسون على هذه اليد البشرية لكشف أسرار عملها. وسنبدأ أولا بشرح الوظائف والقدرات التي تقوم بها اليد البشرية ومن ثم نقوم بشرح مبسط لتركيب مكوناتها والآليات التي تستخدمها للقيام بهذه الوظائف المعقدة.
لقد تم تصميم الأجزاء المختلفة لليد بحيث يمكنها القيام بوظائف عديدة ومعقدة وغاية في التباين بحيث يكاد يكون من المستحيل الجمع بينها في جهاز واحد.
إن أول وأهم قدرات اليد هو إمكانية وصولها إلى أي موضع على سطح جسم الإنسان كالوصول إلى الفم لتمكينه من أكل طعامه وشرب شرابه والوصول إلى بقية الأعضاء لحكها أو لغسلها أو لعلاجها.
فالإنسان هو الوحيد الذي كرمه الله عز وجل من أن يلتقط طعامه بفمه مباشرة كما تفعل بقية الحيوانات وكرمه سبحانه بأن مكنه من أن يغسل كامل جسمه بالماء ليخلصه من الأوساخ التي تخرج منها أو تقع عليه من الخارج. واليد قادرة كذلك على سحب ودفع الأجسام وكذلك حملها على ظهره أو كتفه أو رأسه.
وهي قادرة كذلك على قذف الأجسام كالحجارة مثلا لمسافات بعيدة وذلك لاصطياد الحيوانات والطيور أو للدفاع عن نفسه عند تعرضه للخطر من قبل الحيوانات المفترسة أو من قبل أعدائه من البشر. وهي قادرة على إمساك والتقاط مختلف الأجسام التي تتراوح في أحجامها من حبات الرمل وبذور النباتات إلى قطع الصخور وجذوع الأشجار.
ولقد زود الله سبحانه وتعالى جلد رؤوس الأصابع بمستقبلات حسية من مختلف الأنواع وبكثافة عالية تمكن الإنسان من معرفة مختلف خصائص الأشياء التي تمسك بها من حيث الصلابة والليونة والخشونة والنعومة واليبوسة والرطوبة والسخونة والبرودة والثقل والخفة.
وقد استخدم الإنسان هذه الأيدي الماهرة لتحضير وأكل طعامه وخياطة وارتداء ملابسه وغسل جميع أجزاء جسمه وتصنيع ما يلزمه من أدوات ومعدات لزراعة الأرض وبناء السكن وصناعة السلاح وإلى غير ذلك من مستلزمات الحياة. أما الاستخدامات التي تظهر البراعة العالية لليد فهي الكتابة والرسم والنحت حيث يمكن لليد الإمساك بالقلم في وضعية معينة وتحريك رأسه في مختلف الاتجاهات بدقة عالية لكي يتمكن من كتابة الأحرف والكلمات ومختلف أنواع الرسومات وصدق الله العظيم القائل ” اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) “، القلم 1-5.
إن تصميم اليد التي تقوم بكل هذه الوظائف المعقدة يتطلب، لو أوكل الأمر إلى البشر، وضع تصاميم متعددة ومختلفة ومعقدة لما سيكون عليه تركيب اليد ومن ثم يتم اختيار التصميم الأفضل والذي في الغالب لن يكون الأمثل لقصور علم وقدرة البشر. ففي هذه التصاميم يجب أن يحدد طول اليد وعدد مفاصلها واتجاه حركاتها وأبعاد وأشكال عظامها وكذلك عدد وأماكن وأشكال العضلات التي تحرك العظام وكذلك شكل كف اليد وعدد أصابعها وأطوالها واتجاه حركاتها وغير ذلك من التفصيلات.
إن أبسط طريقة لإثبات أن اليد البشرية قد صممها الله سبحانه وتعالى على أكمل وجه هو الطلب من العلماء المشتغلين في هذا المجال اقتراح أي تعديل على مكوناتها لتكون أفضل مما هي عليه كتغير طولها الكلي أو أطوال عظامها أو زيادة أو تقليل عدد مفاصلها أو زيادة عدد الأصابع أو تقليلها أو زيادة أطوال الأصابع أو تقليلها أو غير ذلك.
ونحن كمسلمين موقنون أنه لا يمكن لأحد مهما بلغ علمه أن يجد عيبا واحدا في تصميم هذه اليد العجيبة أو في أي مخلوق من مخلوقات الله سبحانه وتعالى لقوله عز وجل “الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)” تبارك.
إن أهم ما يميز اليد البشرية هو عدد مفاصلها واتجاهات حركتها فعدد المفاصل الواقعة بين الكتف وأطراف الأصابع هو ستة مفاصل ما عدا في الإبهام حيث يوجد خمسة مفاصل بين طرفه وطرف الكتف وبهذا يوجد في اليد سبعة عشر مفصلا. ولكل مفصل من هذه المفاصل تركيبه الخاص الذي يسمح بحركته في اتجاهات وزوايا محددة. فمفصل الكتف يسمح بتحريك عضد اليد في مستويين متعامدين وبزاويتين كبيرتين قد تصلان إلى 180 درجة مما يجعلها قادرة للوصول إلى أي مكان على الجسم. أما مفصل الكوع فيسمح بحركة ساعد اليد في مستوى واحد على امتداد العضد ويمكن ثنيه باتجاه العضد بزاوية تصل إلى 145 درجة هذا إلى جانب إمكانية تدويره بزاوية قد تصل إلى 180 درجة مما يساعد على قلب كف اليد من اتجاه إلى الاتجاه المعاكس .
أما مفصل الرسغ فيسمح بحركة كف اليد في مستويين متعامدين حيث يمكن تحريك الكف يمينا وشمالا بزاوية تبلغ 50 درجة وإلى الأعلى والأسفل بزاوية تبلغ 120 درجة. أما التعديل الأكثر أهمية فهو الذي تم إجراؤه على كف اليد بحيث أصبحت قادرة على القيام بمهام مختلفة تمكن الإنسان من خلالها استغلال كثير من خيرات هذه الأرض. ولو أن يد الإنسان بقيت على الهيئة التي هي عليها أيدي بقية الحيوانات لما تمكن من تصنيع أيّ شيء مهما بلغت قدرات عقله.
فكف اليد هو الآلة التي تقوم بتنفيذ الأفكار التي يولدها العقل فما الذي يمكن أن يعمله حمار له عقل إنسان في غياب مثل هذه اليد؟! وتتميز كف اليد البشرية بكبر مساحة باطنها مما مكنها من الإمساك بأجسام أكبر حجما. ويبلغ عدد الأصابع فيها خمسة أصابع بثلاثة مفاصل لأربعة منها ومفصلين للإبهام وقد تم وضع الأربعة في مستوى واحد بينما وضع الإصبع الخامس وهو الإبهام في وضع يمكنه فيه مواجه بقية الأصابع.
ويمكن تحريك الأصابع الأربعة المتجاورة في مستوى واحد من خلال ثني كل من سلامياتها الثلاث بزاوية تصل إلى 90 درجة مما يمكن كف اليد من الإمساك بالأشياء بشكل بالغ السهولة. ويمكن كذلك إبعاد أو فرد هذه الأصابع الأربعة عن بعضها مما يزيد من مساحة سطحها وتمكينها من التعامل مع الأجسام الكبيرة. أما إصبع الإبهام فيعتبر اللاعب الأكبر في تحديد مهارات اليد فبدونه تصبح اليد البشرية مشابهة لأيدي القرود في قدراتها. ويتميز الإبهام على بقية أصابع اليد بأنه موضوع في مواجهة بقية الأصابع بحيث يمكنه ملامسة أي جزئ من هذه الأصابع سواء من الداخل أو من الخارج. وعلى خلاف أمشاط الأصابع الأربع التي تتحرك مجتمعة فإن مشط الإبهام يتحرك لوحده من مفصل الرسغ في مستويين اثنين متعامدين. فالمستوى الأول هو مستوى الكف حيث يمكن للإبهام أن يكون بموازاة الأصابع الأربع أو يبتعد عنها بزاوية قد تصل إلى تسعين درجة. أما المستوى الثاني فهو عامودي على مستوى الكف حيث يمكن للإبهام عمل زاوية قائمة مع هذا المستوى.
وعلى الرغم من أن الإبهام له سلاميتان بخلاف الأصابع الأخرى التي لها ثلاث سلاميات إلا أن التحكم بحركة هاتان السلاميتان أكثر دقة من التحكم ببقية السلاميات. تتكون اليد البشرية من ثلاثة أجزاء رئيسية وهي العضد والساعد والكف حيث يبلغ معدل طول العضد عند الرجال 32 سم وعند النساء 27 سم وطول الساعد عند الرجال 29 سم وعند النساء 25 سم وطول الكف عند الرجال 19 سم وعند النساء 17 سم.
ويتكون العضد من عظمة واحدة تسمى عظمة العضد بينما يتكون الساعد من عظمتين تسميان الكعبرة والزند ويتكون الكف مع مفصل الرسغ من سبعة وعشرين عظمة. وعادة ما يعتبر العلماء عظمتي الترقوة ولوح الكتف من عظام اليد وذلك لأن العضلات المحركة للذراع مثبتة عليها.
وقد تم تصميم كل عظمة من هذه العظام بطريقة بالغة الإتقان من حيث أبعادها وشكل أسطحها لكي يتم تثبيت مختلف أنواع العضلات عليها. وترتبط هذه العظام مع بعضها البعض بسبعة عشر مفصلا من أنواع مختلفة تسمح في حركة هذه العظام إما في اتجاه واحد أو اتجاهين أو ثلاثة اتجاهات أو بشكل دوراني.
ويتم تحريك عظام اليد حول مفاصلها من خلال عدد كبير من العضلات المثبتة على هذه العظام وعلى شكل طبقات بسبب كثرتها. ويتم التحكم بهذه العضلات باستخدام الأعصاب القادمة من مراكز الحركة في الدماغ أو من خلال العقد العصبية.
ويتم تغذية عظام وعضلات اليد من خلال الشرايين والأوردة والتي تم اختيار مساراتها وكذلك مسارات الأعصاب بشكل متقن بين عضلات ومفاصل لضمان عدم تعرضها للتلف أو القطع أثناء قيام اليد بحركاتها المختلفة أو من الخارج.
وعلى الرغم من أن كل مكون من مكونات اليد فيه من إعجاز التصميم ما فيه إلا أن الإعجاز يتجلى في تصميم مفاصلها من حيث عدة اعتبارات. فالاعتبار الأول هو اختيار المفصل المناسب لكل نوع من أنواع الحركة المراد إجراؤها في المكان المناسب فلو ترك الأمر للصدفة لتصمم هذه اليد كما يدعي المبطلون لوضعت مفاصل في غير أماكنها ولما تحركت اليد بهذه الطريقة البديعة.
أما الثاني فهو اختيار نوع خاص من العظام عند المفصل ليتحمل الاحتكاك المستمر بين العظام ومن السخف أن يعتقد أي إنسان عاقل أن الصدفة تأبه كثيرا لتآكل عظام المفاصل.
ومن الاعتبارات الأخرى الطريقة التي تم بها ربط العظام عند المفصل والطريقة التي تم بها تزييت المفاصل لحمايتها من التآكل والطرق التي تم بها تثبيت العضلات على العظام لتحريكها في الاتجاهات المختلفة.
وتستخدم اليد وكذلك بقية عظام الجسم ستة أنواع مختلفة من المفاصل وهي موجودة في مفاصل الكتف والكوع والرسغ والأصابع. ونبدأ بمفصل الكتف الذي يربط عظمة العضد بعظمة لوح الكتف وهو من النوع المسمى بالمفصل الكروي الحقي (Ball and socket joint) وهذا النوع من المفاصل يسمح بحركة عظمة العضد في جميع الاتجاهات مع إمكانية تدويرها مما يمكن الشخص من تحريك ذراعه إلى الأمام والخلف والأعلى والأسفل والجوانب كما شرحنا سابقا.
ولو حصل أن تم اختيار مفصلا من غير هذا النوع في هذا المكان لما كان مجال حركة اليد بهذا الاتساع. أما الكوع فيتكون من مفصلين أولهما من النوع المسمى بالمفصل الرزي (Hinge joint) وهو يربط عظمة العضد مع عظمة الزند ويسمح بحركة الساعد في مستوى واحد فقط حيث يتم مد الساعد أو ثنيه بالنسبة للعضد.
وأما المفصل الآخر في الكوع فهو من النوع المسمى المفصل المداري (Pivot joint) وهو يسمح بحركة عظمة الكعبرة بشكل دوراني حول عظمة الزند مما يمكن تدوير كف اليد بمقدار 180 درجة.
أما مفصل الرسغ فهو من أعقد المفاصل تركيبا وهو يربط ما بين عظمتي الساعد مع عظام الأمشاط للأصابع الخمس وهو من النوع المنزلق (gliding joint) ويتكون من ثماني عظمات صغيرة مرتبة في صفين وتسمح بتحريك كف اليد في مستويين متعامدين وتحريك الإبهام في مستويين متعامدين كذلك.
وأما مفاصل الأصابع فهي من نوعين النوع الأول يسمى المفصل السرجي (saddle joints) والثاني يسمى المفصل اللقمي (condyloid joints) وهي تسمح بحركة الأصابع في مستوى واحد كالثني والمد مع إمكانية فرد الأصابع عن بعضها البعض.
ويغطي سطوح العظام المتلامسة عند المفاصل غضاريف (Articular Cartilage) تسمى الغضاريف الزجاجية (Hyaline Cartilage) وهي شبه شفافة بيضاء اللون تميل للزرقة وذات لمعان.
ولهذه الغضاريف خصائص عجيبة لا يجمع بينها إلا مصمم لا حدود لعلمه وقدرته سبحانه فقد صممها لتحقق متطلبات كثيرة لكي تقوم بالوظائف التي تقوم بها.
فسطحها أولا في غاية النعومة أو الملاسة لم يتمكن البشر من تصنيع أجسام بنفس الدرجة من الملاسة إلا في العصر الحديث وهذه الخاصية هي التي تسمح بحركة العظام فوق بعضها البعض بأقل احتكاك ممكن.
أما الخاصية الثانية فهي أنها عالية المرونة أي أنها قابل للإنضغاط وذلك لكي تقوم بامتصاص الصدمات المتكررة التي تتعرض لها مفاصل اليد. أما الخاصية الثالثة فهي في غاية المتانة رغم أنها طبقة رقيقة لا تتجاوز عدة ملليمترات ولذلك فإنها تتحمل ضغوط ميكانيكية عالية لعشرات السنوات دون أن تتمزق. أما الخاصية الرابعة فهي أنها تخلو من الشرايين والأعصاب ويتم تغذية خلاياها من السائل المحيط بها من خلال الانتشار.
ومن لطف الله عز وجل بالإنسان وبقية مخلوقاته أن هذه الطبقة الغضروفية يمكن أن تصلح نفسها إذا ما أصابها أي عطب نتيجة الاستخدام المتواصل لليد على مدى عمر الإنسان.
وينم تحقيق هذه المواصفات العجيبة للغضروف باستخدام تراكيب معقدة من حيث نوع المواد المستخدمة وطرق تشكيلها حيث تتكون من عدة طبقات من شبكات معقدة من الألياف المختلفة والتي أهمها ألياف الكولاجين.
إن الغضاريف مهما بلغت نعومة سطحها لا يمكنها منع الاحتكاك تماما ولذا فقد أبدع الله سبحانه وتعالى طريقة مكملة للتقليل من الاحتكاك وهي استخدام سائل لتزييت سطوح هذه الغضاريف يطلق عليه اسم السائل المصلي أو الزلالي (Synovial fluid).
ويكون هذا السائل طبقة بالغة الرقة على سطح الغضروف لا تتجاوز 50 ميكروميتر تقوم إلى جانب تزييت المفصل بتوفير الغذاء والأكسجين للغضروف الذي يخلو كما أسلفنا من الشرايين.
وللحفاظ على هذا السائل الثمين يتم إحاطة كامل المفصل بألياف قوية بيضاء اللون محكمة الإغلاق لتكون ما يسمى بحافظة أو كبسولة المفصل (joint capsule).
ويبطن ألياف المحفظة الغشاء المصلي (Synovial membrane) الذي يتكون من خلايا طلائية إفرازية تفرز السائل المصلي الذي يغطي جميع أجزاء العظام في داخل المحفظة.
كما تقوم الحافظة إلى جانب الحفاظ على السائل المصلي بربط عظام المفصل ببعضها إلى جانب الأربطة والعضلات لضمان قوة المفاصل والحيلولة دون خلعها.
,ويوجد في الحافظة أيضا أكياس صغيرة تدعى البورصة تعمل كعازل يحول دون احتكاك العظام فيما بينها أو مع الروابط أو الأوتار أو الجلد. ويتجلى الإبداع في تصميم اليد في الطرق المستخدمة في ربط عظام المفاصل ببعضها البعض في غياب البراغي والصواميل التي يستخدمها البشر لربط الأجزاء المتحركة في آلاتهم ومعداتهم.
وتوجد ثلاثة مستويات من الربط في المفاصل أولها ألياف المحفظة حيث يتم تثبيت أطراف الألياف على كامل محيط كل من العظميين المكونين للمفصل.
أما المستوى الثاني فهو باستخدام الأربطة الليفية (fibrous ligaments) وهي عبارة عن حزم منفصلة من النسيج الليفي تثبت أطرافها على عظمتي المفصل خارج المحفظة.
وتختلف الأربطة عن ألياف المحفظة بأنها موضوعة في أماكن محددة حول المفصل وبأطوال محسوبة بدقة بالغة حيث تعمل هذه الأربطة إلى جانب وظيفة الربط على تحديد حركة المفاصل في الاتجاهات المختلفة.
فهذه الأربطة لا تسمح لعظام المفصل بالحركة إلا في الاتجاهات المحددة لها وكذلك ضمن المدى المسموح به وتمنع تجاوزها الحد الأعلى لزاوية حركتها.
وتتميز ألياف الأربطة بمتانتها العالية وبوجود درجة من المرونة تسمح بزيادة طولها قليلا عن الحد المسموح به وذلك لكي لا تنقطع في حالة تعرض المفصل لضغط خارجي.
وتعتبر العضلات المحركات التي تقوم بتحريك عظام اليد حول مفاصلها ويتم ذلك من خلال انقباض خلايا العضلات فيقصر طولها عن حالها وهي في حالة الانبساط. ولكي يتم تحريك إحدى عظمات اليد حول مفصلها فإنه يلزم تثبيت أحد طرفي العضلة المحركة له على العظم المقابل والطرف الآخر على العظم القابل للحركة حول المفصل.
ويلزم لتحريك أي عظمة مفصلية في مستوى واحد عضلتان أحدهما تقوم بشد العظمة في الاتجاه المطلوب بينما تقوم الثانية بشده في الاتجاه المعاكس.
فعلى سبيل المثال يوجد عضلتان على عظمة العضد تقومان بثني وبسط ساعد اليد حول مفصل الكوع حيث تم تثبيت الأطراف الثابتة للعضلتين عند أعلى عظمة العضد وعظمة لوح الكتف بينما تم تثبيت الأطراف المتحركة على عظمتي الزند والكعبرة كما واضح من الشكل المرفق.
ويتم تثبيت أطراف العضلات على العظام باستخدام الأوتار (Tendons) وهي عبارة عن ألياف دقيقة بيضاء اللون بالغة المتانة ولكنها ليست مرنة كالأربطة.
وترتبط الأوتار بأطراف العضلات بعد أن يستدق رأسها وهي تقوم مقام الأسلاك في الآلات الحديثة حيث تقوم بإيصال قوة شد العضلة إلى مسافات بعيدة كما هو الحال مع العضلات الموجودة على الساعد وتقوم بتحريك الأصابع من خلال الأوتار.
وبما أن مفصل الكتف يقوم بتحريك العضد بما يتصل به من عظام اليد في جميع الاتجاهات وكذلك تدويره فإنه يحتاج إلى أكبر عدد من العضلات وكذلك أقواها.
ويبلغ عدد هذه العضلات ستة عضلات تم تثبيتها بإحكام على جميع وجوه عظمة اللوح وكذلك على عظمة الترقوة ولهذا السبب تم تصميم شكل لوح الكتف بهذه المساحة الواسعة لسطحه لكي يتسع لهذا العدد من العضلات المحركة للعضد وكذلك الساعد.
أما مفصل الكوع فيتم تحريكه من خلال أربع عضلات قوية تستند على عظمة العضد وتقوم بتحريك عظمتي الساعد في مستوى واحد وكذلك تدوير الساعد وبالتالي تدوير كف اليد.
أما مفصل الرسغ فيتم تحريكه من خلال العضلات المثبتة على الساعد حيث يلزم أربع عضلات لتحريكه في مستويين.
أما مفاصل أصابع اليد الأربعة عشر فيتم تحريكها من خلال خمسة وثلاثون عضلة مثبت على الساعد عشرين عضلة والبقية في الكف وذلك لحكمة بالغة لا يمكن أن ينتبه إليها البشر بسهولة.
فلو وضعت هذه العضلات بأكملها في كف اليد لكانت أضخم بكثير مما عليه ولما كانت الكف بهذه الرشاقة والقوة عند قيامها بأداء وظائفها.
ويتم نقل قوة شد العضلات المثبتة على الساعد إلى الأصابع باستخدام أوتار طويلة ودقيقة لا تحتل حيزا كبيرا في كف اليد كما هو واضح من الشكل المرفق.
على الرغم من التعقيد البالغ لتصميم عظام ومفاصل وعضلات اليد إلا أن هذا التعقيد لا يكاد يذكر مع التعقيد الموجود في الطرق المستخدمة للتحكم بحركة اليد من خلال تحريك عضلاتها المختلفة.
وسنبدأ أولا بشرح الطريقة التي يتم بها التحكم بحركة العضلة الواحدة ثم نشرح لاحقا طرق التحكم بعضلات اليد مجتمعة لتمكن اليد من القيام بمهمة معينة.
لكي تتمكن العضلة من تحريك العظمة بزوايا مختلفة ضمن المدى المسموح به فإن يلزم تصميمها بحيث يمكنها أن تتقلص بأطوال مختلفة.
وقد تم ذلك بطريقة بارعة من خلال تقسيم ألياف العضلة إلى مجموعات يطلق عليها اسم وحدة التحريك (Motor Unit) كل مجموعة تحتوي على عدد من الألياف ويتم التحكم بكل مجموعة بليف عصبي واحد يتفرع ليتصل بكل ألياف المجموعة وعندما يرسل العصبون بنبضاته إلى الوحدة فإن جميع أليافها تتقلص بنفس الوقت وبنفس المقدار.
وبما أن العضلة تتكون من آلاف الوحدات فإنه يمكن تفليص كامل العضلة بالطول المطلوب من خلال إرسال نبضات تحكم لعدد محدد من الوحدات يتناسب مع الطول المطلوب.
ويمكن تحديد عدد الأعصاب اللازمة للتحكم بعضلات اليد المختلفة من خلال تحديد عدد وحدات التحريك الموجودة في هذه العضلات.
ويتم التحكم بعضلات اليد من خلال الأعصاب الموجودة في خمسة جذور (Roots) تتفرع من الحبل الشوكي أربعة منها تخرج من بين فقرات العنق الأخيرة والخامس من الفقرة الصدرية الأولى.
ويتم إعادة ترتيب الألياف ألعصبية الموجودة هذه الجذور الخمسة في المشبك (brachial plexus) لتخرج في ثلاث حزم تسمى الجذوع (Trunks) وينقسم كل جذع إلى قسمين (Division) لتعود لتتحد مع بقية الأقسام بعد أن تسير مسافة قصيرة لتخرج على شكل ثلاث حزم تسمى الحبال (Cords) والتي تبدأ بالتفرع تدريجيا لترتبط بمختلف عضلات اليد.
إن عملية إعادة ترتيب الألياف العصبية في المشبك عملية بالغة التعقيد لا يمكن للبشر مهما بلغت إمكانياتهم أن يقوموا بها. فكل جذر من الجذور الخمس يحتوي على مئات الآلاف من الألياف العصبية بعضها حسية وبعضها حركية ويجب أن يذهب كل ليف من هذه الألياف إلى مكان محدد في اليد ولهذا يلزم تجميع الألياف الذاهبة إلى منطقة معينة في اليد مع بعضها ولفها في حبل واحد لإيصالها بطريقة آمنة إلى المنطقة المعنية لتبدأ بالتفرع إلى أماكنها في تلك المنطقة.
تقع المراكز العصبية المسؤولة عن الحركات الإرادية في الجزء الخلفي من فص المخ الأمامي وهي تغطي مساحة واسعة منه. ويتبين لنا من الشكل المرفق كيف أن اليد بذراعها وبأصابعها الخمس تحتل مساحة كبيرة من المساحة الكلية المخصصة للحركات الإرادية في الجسم.
ولا يدرك أكثر الناس حجم العمليات والمعالجات التي تجري في مراكز الحركة في الدماغ وكذلك كمية المعلومات الذاهبة والقادمة بين اليد والدماغ عند القيام بتحريك اليد لأداء مهمة معينة مهما بلغت بساطتها.
فمعظم الناس يعتقد أن جميع خطوات عملية تحريك أيديهم وأرجلهم وألسنتهم إنما تتم بشكل كامل تحت سيطرتهم وهي ليست كذلك أبدا حيث أن جميع الخطوات تتم بشكل غير إرادي ما عدا الخطوة الأولى وهي خطوة تحديد نوع الحركة ووقت ابتدائها.
فعندما ينوي الشخص تحريك يده في وضعية ما فإن هنالك برنامجا ضخما مخزن في مركز الحركة الرئيسي والمراكز المساعدة له يلزم تشغيله ليحدد سلسلة النبضات العصبية التي يجب أن ترسل لمختلف عضلات اليد وبتزامن منقطع النظير.
فعندما ينوي الشخص الإمساك بكوب من الماء ليشرب منه فإن يلزم تحريك جميع عضلات اليد لنقلها من وضعها التي كانت فيه إلى موضع الكوب فتقوم بالإمساك به ثم نقله إلى فمه.
وخلال هذه الفترة الزمنية يتم إرسال مئات الملايين من لإشارات العصبية من الدماغ لعضلات اليد ومن عضلات اليد إلى الدماغ تحدد العضلات المراد تحريكها ومقدار شدها في كل لحظة زمنية.
وكيف للإنسان أن يعطي سلسلة الأوامر لتحريك يده وهو يجهل أصلا تركيب يده وكم فيها من عضلات ومفاصل وألياف عصبية وغير ذلك وحتى لو علم ذلك فإنه لا حول له ولا قوة في فعل ذلك.
ويتضح ذلك جليا إذا ما أصاب أعصاب اليد أي خلل أو قطع فالشخص المصاب يعطي الأوامر لدماغه لتحريك يده ولكن اليد لا تستجيب أبدا لعدم وصول الإشارات من الدماغ إلى عضلات اليد.
إن عملية تحريك اليد للقيام بمهمة معينة لا تتم فقط من خلال إرسال الإشارات الكهربائية من الدماغ إلى عضلات اليد بل تحتاج لتغذية راجعة من اليد إلى الدماغ تحدد وضعية المفاصل المختلفة ومقدار شد العضلات في كل لحظة زمنية.
ويتم ذلك من خلال استخدام عدد كبير من المستقبلات الحسية (sensory receptors) التي يتم زرعها في داخل المفاصل والعضلات والأربطة والأوتار والتي تقوم بإرسال إشارات كهربائية إلى الدماغ أو الحبل الشوكي تحدد وضع كل من هذه المكونات في كل لحظة زمنية.
والمستقبلات الحسية المصممة خصيصا للقيام بهذه المهمة هي من نوع المستقبلات الميكانيكية (mechanoreceptors) والتي تستجيب لحركات العضلات والمفاصل والتي توجد بأشكال مختلفة حسب نوع المكون الموجودة فيه كالمغزل العضلي (muscle spindle) الموجود في العضلات و (Golgi tendon organ) الموجود في الأوتار. ويعتبر المغزل العضلي من أشهر المستقبلات الميكانيكية المستخدمة في اليد والذي يتم زرعه في بطن العضلة من خلال لفه عدة لفات حول بعض الألياف العضلية الداخلية.
إن حجم العمليات العصبية التي يجريها الدماغ لكي يمكن اليد من أداء وظائفها بكل سهولة لا يدرك تعقيدها إلا المهندسون الذين يعملون في مجال تصنيع الروبوتات أو الأطباء والمهندسون الطبييون الذين يعالجون مرضى أصيبوا بعاهات في أيديهم أو في أعصابها أو في مراكز الحركة وذلك من خلال تركيب أطراف صناعية لهم. فمهندسي التحكم بالروبوتات يعتبرون اليد البشرية النموذج الأمثل الذين ويسعون جاهدين لصنع أيدي لروبوتاتهم تحاكي ولو بشكل جزئي قدرات اليد البشرية.
ولكي يتمكن المهندسون من تقليد اليد البشرية فقد قاموا في مراكز أبحاثهم بدراسات معمقة وكثيرة لهذه اليد المعجزة حاولوا خلالها كشف أسرارها المختلفة.
وقد انصبت جهود بعضهم على دراسة الجانب الميكانيكي من حيث تركيب العظام والعضلات والمفاصل وبعضهم على دراسة الأعصاب المحركة والمستقبلات الحسية من حيث أنواعها وطرق عملها وطرق توزيعها في اليد وبعضهم على دراسة البرامج الضخمة المخزنة في الدماغ والعمل على محاكاتها باستخدام الحواسيب العملاقة.
ويبين المخطط المرفق مدى التعقيد الموجود في النماذج التي يقوم المهندسون بوضعها لتمثيل عمل اليد البشرية حيث يلزم أنواع معقدة من المتحكمات بوجود التغذية
لقد تمكن المهندسون من تصنيع أنواع مختلفة من الأيدي لروبوتاتهم ولكن قدراتها لا زالت بعيدة كل البعد عن قدرات اليد البشرية |
الراجعة.
لقد تمكن المهندسون من تصنيع أنواع مختلفة من الأيدي لروبوتاتهم ولكن قدراتها لا زالت بعيدة كل البعد عن قدرات اليد البشرية وذلك باعتراف المنصفون منهم حيث يقول أحدهم معلقا على قدرات اليد الصناعية التي قام بتطويرها: (إن تصميمنا لا يملك القدرات الخارقة لليد البشرية من حيث القوة والقدرات ولكنها أقرب إلى اليد البشرية من أي يد صناعية أخرى مشغلة ذاتيا ولها نفس وزن اليد البشرية) (“Our design does not have superhuman strength or capability, but it is closer in terms of function and power to a human arm than any previous prosthetic device that is self-powered and weighs about the same as a natural arm,” said researcher Michael Goldfarb, a roboticist at Vanderbilt University in Nashville. ).
ومرة أخرى أريد أن أذكر القارئ بنعمة الله عليه بتزويده بهذه الأيدي الماهرة وعليه أن يتذكر أنه عندما يقوم بتحريك يده بحركة مهما بلغت بساطتها فإن برامج ضخمة يتم تنفيذها في الدماغ ويتم تراسل ملايين النبضات الكهربائية بين اليد والدماغ.
فلو أن شخصا أراد أن يحك أرنبة أنفه برأس إصبعه أو أي جزء من جسمه وهو مغلق عينيه فما عليه إلا أن يعطى الأمر لدماغه بفعل ذلك ومن ثم تقوم المراكز المسؤولة بتنفيذ برامج معقدة لتنفيذ هذه الحركة التي تبدو بسيطة لمن لا يدرك أبعادها.
فعلى الدماغ أولا أن يحدد وضعية اليد الابتدائية ويتم الحصول على هذه المعلومات من المخيخ والذي سبق له أن حصل عليها من المستقبلات الحسية الموجودة في اليد ومن ثم يحدد الوضعية النهائية لليد وهي أرنبة الأنف وعلى ضوء هذه المعلومات يقوم الدماغ بتحديد سلسلة النبضات العصبية المرسلة إلى مختلف عضلات اليد المختلفة
لتحركها بتسلسل محدد لكي تصل إلى هدفها المحدد وصدق الله العظيم القائل “وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)” ابراهيم.
مع الكاتب: [email protected]
المراجع
1- القرآن الكريم
2- مواقع متفرقة على الإنترنت للتواصل
لمزيد من المقالات للكاتب:
http://mansourabbadi.maktoobblog.com