بَدْء الخَلِيقَة حَقِيقَة أَفْحَمَت المُكَابِرِين
الخميس/يناير/2020
منذ القدم كان هذا الكون العجيب محط تساؤل الإنسان وفضوله؛ وتردد السؤال: هل صنعت الكون حقًّا مصادفة؟ ودافع المؤمنون بالأدلة العقلية أن الوجود لا يمكن أن يصنع ذاته، وإنما يشهد بضرورة المُبدع القدير، وظل الملحدون يُرَدِّدُون مقولة الدهريين بلا أثرة من منطق أو علم أن المادة أزلية؛ موجودة هكذا أبد الدهر، والطبيعة تجدد أشكالها بذاتها، ويكشف القرآن الكريم الأساس الواهي لزعم الدهريين في قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾ [الجاثية: 24]، وذكر المتقي المكي في مناقب أبي حنيفة (ص51) مناظرة جرت بين الإمام أبي حنيفة وجماعة من الدهريين الملحدين؛ ونقلت كحكاية وعظية مفادها انتظارهم على شاطئ دجلة بحضور السلطان والحاشية لمجيئه من الشاطئ المقابل ليحاورهم، وبرر تأخره باجتماع بعض ألواح ثبتتها مطرقة بالمسامير بلا طارق، وكونت قاربًا من ذاتها؛ فاعتلاه وقدم إليهم، فاتهموه بالجنون، فأقام الحجة عليهم بقوله: “كيف تُنْكِرُون صنع قارب بدون صانع، ثم تقبلون أن تكون سماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج من صنع العبث والوهم والمصادفة!”.
هل يُمكن أن تعتقد حقًا أن هذه الحجرة المُرَتَّبَة الأثاث هي التي قامت بتنظيمه؛ أو أنه قد رتَّب نفسه صدفة!. |
وقد جاءت الكشوف العلمية في كل مجالات العلوم شاهدةً للقرآن الكريم بالسبق، وأحدث اكتشاف قد نال أصحابه جائزة نوبل في الفيزياء لهذا العام 2011، وهو يعلن أن الكون على مستوى المجرات البعيدة يبدو في توسع يتسارع مع الابتعاد مما يؤكد أن له ابتداء؛ يعني لحظة خلق، وهو ما أعلنته مسبقا نظرية الانفجار الكبير Big Bang وأكده الاكتشاف الجديد باستخدام وسائل أحدث، وقد أسقط علم الفلك فرضيات الإلحاد التي شاعت في القرن التاسع عشر، وصدمت نظرية الانفجار الكبير الإلحاد بتأكيدها أن للكون ابتداء يُعلن بضرورة الخالق كحقيقة يشهد بها كل الخلق، وأيدت الفيزياء علم الفلك أن في الكون منذ البداية إبداعًا يفوق الوصف، وتوازنًا يهز الوجدان، وتصميم وتخطيط بإتقان يفوق الخيال، لا يمكن أن تصنعه مصادفة، ورغم النزوع الإلحادي اضطر الفيزيائي ستيفن هوكنج إلى الاعتراف في كتابه (تاريخ موجز للزمن) دافعًا الفوضى بقوله (ص 140): “ليس كل تاريخ العلم إلا التحقق التدريجي من أن الأحداث لم تقع بطريقة اعتباطية بل تعكس ترتيب ونظام ضمني أكيد”؛ وطعن في الإلحاد بقوله (ص 122): “طالما أن للكون بداية فحتما لا بد من خالق”، وبالمثل دفع إتقان التصميم في الكون الفيزيائي روس في كتاب (الكون والخالق) إلى الاعتراف أيضًا بقوله صريحًا (ص 123): “عندما أبحث عن إلحادي لأناقشه أذهب إلى قسم الفلسفة في الجامعة؛ لأنه لم يبق في علم الفيزياء Physics شيء يدل عليه”.
|
ثلاثة باحثين نالوا جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2011 |
وبالمثل قال ألفريد هويل: “تقول نظرية الانفجار الكبير: بأن الكون نشأ نتيجة انفجار كبير، ونحن نعلم أن كل انفجار يبعثر المادة دون نظام، ولكن الانفجار الكبير عمل العكس، إذ عمل على جمع المادة وفق تصميم وقدرة فريدة؛ لتشكيل المجرات والنجوم والتوابع، ونشأة الإنسان على هذه الأرض”، وقال جورج كرنشتاين: “كلما دقَّقنا في الأدلة التي يقدمها الكون المفتوح الصفحات أمامنا واجهتنا على الدوام الحقيقة نفسها، وهي أن هناك قدرة إلهية خلف بدء الخلق وكافة الأحداث”.
وقد كتب السير فِرِيِد هويل Sir Fred Hoyle في مقالة نشرت عام 1981 أن: “احتمال الصدفة في ظهور الوجود بتوجيه رشيد يقارن بفرصة قيام سيل يمر بساحة خردة لتتجمع طائرة بوينج 747 صالحة للطيران”!!! والنتيجة التي يقود إليها العلم والمنطق وليس الإيمان فحسب هي أن كل الوجود قد جاء بتخطيط واعي وقصد أكيد، ومن يظل معتقدًا في عصرنا بالفلسفة المادية بعدما دحضها العلم في كل المجالات العلمية عليه ألا يحسب نفسه من المحققين، قال ماكس بلانك: “ينبغي على كل من يدرس العلم بجدية أن يقرأ العبارة الآتية على باب محراب العلم: تَحلَّى بالإيمان”!!
وقال الدكتور مايكل بيهي: “على مدى الأربعين سنة الماضية اكتشف علوم الحياة أسرار الخلية، واستلزم ذلك من عشرات الآلاف من الأشخاص تكريس أفضل سنوات حياتهم، وتجسَّدت نتيجة كل هذه الجهود المتراكمة لدراسة الخلية في صرخة عالية تقول: التصميم المُوَجَّه الرشيد Directed Design Rationally؛ وهو يؤدي حتماً إلى التسليم بوجود الخالق المُبدع”، وقد وصف تشاندرا كراماسنغي الحقيقة بقوله: “تعرض دماغي لعملية غسيل هائلة كي أعتقدَ أن العلوم لا يمكن أن تتوافق مع أي نوع من أنواع الخلق المقصود، ولكني الآن لا أستطيع أن أجد أية حجة يقبلها العقل تستطيع الوقوف أمام دلائل قدرة الخالق حولنا؛ الآن ندرك أن الإجابة المنطقية الوحيدة لظهور الوجود هي الخلق، وليس الخبط العشوائي غير المقصود”، وهذا ما يُعلنه القرآن الكريم بجلاء: {سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلَىَ * الّذِي خَلَقَ فَسَوّىَ * وَالّذِي قَدّرَ فَهَدَىَ} [الأعلى 1-3].
|
كل انفجار يبعثر المادة دون نظام؛ فكيف انتظمت عوالم |
وقد تجمع اليوم من الأدلة العلمية ما يكفي للقطع بخلق الكون منذ عدة مليارات من السنين، وأن سرمدية المادة وهم، والدليل العلمي يدفعه، وتلاشت الآن تماماً فرضية الكون الأزلي Steady State Theory التي تقول بأن الكون لا مولد له، أي: أنه لا نهائي في الزمان والمكان، رغم أنها كانت هي النظرية المقبولة في الأوساط العلمية حتى منتصف القرن العشرين، ومقتضى الاكتشاف الجديد تأكيد معاينة الآفاق الكبرى للكون في انحسار وتباعد، ومع التباعد تتزايد سرعة الانحسار مثل بالون رُسمت عليه المجرات كنقاط تتباعد مع نفخ البالون، وطالما أن الكون يبدو في توسع فبالعودة للماضي يكون له ابتداء كانفجار توسعت أطرافه له نقطة ابتداء؛ من هنا كانت التسمية بالانفجار الكبير، ولكن التوسعة كانت حين البناء، ومع اكتمال بناء طوابق البيت لا يصح القول بأن الارتفاع والتوسع دائم بلا نهاية؛ فهو أشبه بنفي البداية، والضوء الذي تُصدره المجرات البعيدة محدود السرعة، ولذا لا نُعاين من الكون سوى الماضي، وما يبدو من تباعد إنما هو قراءة للماضي البعيد، ولا يمكن لأحد غير الله تعالى معرفة الأحداث الآنية، والمُنزلق إذن قراءة الاكتشاف الجديد على أنه توسع بلا نهاية؛ فهو أقرب لتحايل الإلحاد بالقول بسرمدية الكون، ونفي البداية تشكيكًا بحتمية الخالق، وإلاَّ فإن الطرف الأقرب من الكون يُمكننا أن نستطلع فيه مجيء دلائل ارتداد الكون واقتراب النهاية؛ وكمثال تُرصد المَجَرَّة الأقرب مقتربة بسرعة 300 كم/ثانية بخلاف الطرف الأبعد، وإذا كان الطرف البعيد يعاني مما يعانيه الطرف الأقرب ولم تصلنا بعد شواهد اقترابه لبعده الشديد؛ فإن الكون فعلا في ارتداد، والنهاية في اقتراب تمضي بأقصى سرعة مقدرة للانتقال وتأتي بغتة؛ سبقتها شواهد الارتداد لتطوى صفحة الكون المُشَاهد.
بدء الخلق حقيقة علمية أفحمت المكابرين؟
وتُقاس الأبعاد فلكيًّا بوحدة الزمن المناسبة وأقصى سرعة للانتقال؛ وهي حوالي 300 ألف كم، فنقول يبعد القمر حوالي ثانية ضوئية؛ أي المسافة التي يقطعها الضوء في ثانية، وتبعد الشمس ثمان دقائق ضوئية، وأقرب نجم Alpha Centauri يبعد 4.37 سنة ضوئية، فلا نشاهد أي حدث كوني إذن إلا بعد وقوعه بفترة تتناسب مع بعده عنا، وما نعاينه في الكون من تباعد المجرات البعيدة إنما هو قراءة لحدث وقع في الماضي، وليس قراءة لحدث آني، وفي قوله تعالى: {أَتَىَ أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل 1]؛ إعلان صريح بقدوم قوى الدمار، وإن لم تصل بعد، فهي تسري بأقصى حد مُقَدَّر للسرعة في الخلاء، وهو يزيد قليلا عن سرعة لمح ضوء يُبْصَر في جو الأرض، والحدث الآني إذن محجوب ولا يعلمه سوى المُبدع القدير، يقول العلي القدير: {وَلِلّهِ غَيْبُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَآ أَمْرُ السّاعَةِ إِلاّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [النحل 77].
والقرآن الكريم يؤكد على قرب ساعة الدمار والخراب وموعد الحساب؛ قال تعالى: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) [الأنبياء 1]، وقال تعالى: (أزِفَتْ الْآزِفَة) [النجم 57]، وقال تعالى: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا) [محمد 18]، وقال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبّي لاَ يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنّكَ حَفِيّ عَنْهَا قُلْ إِنّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ) [الأعراف 187]، قال ابن كثير رحمه الله تعالى: “وفي كل هذا يخبر تعالى عن اقتراب الساعة وفراغ الدنيا وانقضائها كما قال تعالى: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوه) [النحل 1]”، ومن الدقة إذن القول بأن الكون على مستوى المجرات البعيدة يبدو للراصد في تباعد، وحاله آنياً محجوب، وبدء الخليقة حقيقة علمية قضت للأبد على وهم أزلية المادة وسرمدية الكون؛ وكشفت زيف الإلحاد فطواه الزمن.
|
بدء الخليقة حقيقة علمية قضت للأبد على وهم أزلية المادة وسرمدية الكون. |
ولا يفوت المُتَأَمِّل أن التعبير عن التوسع برفع السماء جاء بصيغة الماضي لفعل (الرفع) بلا استثناء؛ مما يقصر التوسع على وقت البناء ويعارض التوهم بالاستمرار بلا نهاية، يقول تعالى: (أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ* وَإِلَى السّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ) [الغاشية 17-18]، ويقول تعالى: (وَالسّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ) [الرحمن 7]، ويقول تعالى:( اللّهُ الّذِي رَفَعَ السّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) [الرعد 2]، وجاء التعبير عن الرفع بلفظ الخلق بالماضي بيانا لتكامل البناء في قوله تعالى: (خَلَقَ السّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) [لقمان 10]، إنه إذن عمل كامل والبناء تام التشييد، والسماء اليوم مرفوعة ومترابطة الأركان، وقد ورد بيان خلقها بالماضي بفعل (البناء) كذلك بلا استثناء، يقول تعالى: (أَفَلَمْ يَنظُرُوَاْ إِلَى السّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا) [ق 6]، ويقول تعالى: (وَالسّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا) [الشمس 5]، وفي قوله تعالى: (وَالسّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنّا لَمُوسِعُون) [الذاريات 47]؛ فعل (البناء) بالماضي يفيد التكامل، والصيغة (مُوسِعُونَ) من السعة في القدرة، وهي غير الصيغة (مُوَسِّعُون) من التوسعة في الحيز؛ أي نوسعها دومًا، وقوله تعالى (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ) [البقرة 236]؛ يُرَجِّح أن لفظ (مُوسِعُونَ) أي قادرون على إعادتها؛ كما هو قول جمهور المفسرين مصداقًا لقوله تعالى: ( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) [الأنبياء 104]، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: “(وإنا لموسعون): لقادرون”، وقال مجاهد: “معناه يسع قدرتنا أن تخلق سماء مثلها”، وقال الرازي: “وبناء السماء دليل على القدرة على خلق الأجسام ثانيا”، وفي تفسير قوله تعالى: (أَأَنتُمْ أَشَدّ خَلْقاً أَمِ السّمَآءُ بَنَاهَا* رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوّاهَا) [النازعات 27-28]؛ تعبير رفع السمك بالماضي يعني التوسع في مرحلة التكوين قبل أن يستقر الكون ويكتمل البناء، قال ابن كثير: “قوله تعالى (بناها) فسره بقوله (رفع سمكها فسواها) أي جعلها عالية البناء.. مكللة بالكواكب والنجوم”، وقال الرازي: “المراد برفع سمكها شدة علوها”، وقال السيوطي: “رفع بنيانها”، وقال أبو السعود: “رفع سمكها.. أي جعل مقدار ارتفاعها من الأرض.. مديدًا”، وقال الألوسي: “فالمعنى جعل ثخنها مرتفعا في جهة العلو”، فتأمل الدقة في التعبير عن قضايا تتعلق بالكون الكبير تفوق أفق المعرفة في بيئة التنزيل؛ وبتلطف لا يلفت عن الغرض!، ويكفي القرآن الكريم لفت النظر إلى شواهد بدء الخلق على مستوى الكون الكبير ليستبين الفطين قدرة الخالق، قال تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [العنكبوت: 20]، ويكفي إعلان القرآن عن خفايا التكوين قبل أن يدركها بشر كدليل حاسم على التنزيل، وهكذا يجد المُتَأَمِّل في الكتاب الكريم من المضامين ما يسبق بكشف قصة الخلق على مستوى آفاق التكوين على نحو يتفق تمامًا مع الكشوف العلمية؛ مصداقًا لوعد أكَّده القرآن الكريم في مثل قوله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [فصلت: 53].
|
رسم يوضح بدأ الكون بعد الانفجار العظيم الذي يعتبر بداية الكون |
وعندما يكون مصدر موجة صوتية أو ضوئية مقتربًا تتضاغط أمامه الموجات، ويتزايد ترددها، بينما تتخلخل إذا كان مبتعداً، ويُعرف هذا بتأثير دوبلر Doppler Effect، وبرصد انحراف خطوط الطيف نحو الجانب الأحمر Red Shift اكتشف إدوين هابل Edwin Hubble عام 1929 أن المجرات العظمى تبدو في تباعد تتزايد سرعته مع البعد بمعدل ثابت سُمِّيَ بثابت هابل Hubble Constant، ومع بلوغ سرعة التباعد قيمة سرعة الضوء لا يُشاهد الضوء القادم، ويَتَعَيَّن حد الكون المُمْكِن الرَّصد؛ وبالتالي يُمكن تقدير عمر الكون وفق قانون هابل: (عمر الكون = {سرعة الضوء × مليون} ثابت هابل)، وباعتبار ترواح قيمة ثابت هابل بين 30 و20 كم/ثانية يكون عمر الكون في حدود 10 إلى 15 بليون سنة، وفي عام 2001 قَدَّر تشارليس بينيت Charles Bennett للكون العمر: 13.75 بليون سنة، ومن العجيب أن تُستنتج نفس القيمة تمامًا إذا اعتبرت أيام الخلق الستة في القرآن الكريم تمثيل لمراحل متطاولة يُمكن تقسيمها لمراحل ثلاث كل مرحلة تُمَثَّل بيومين، وأن العمر الجيولوجي للأرض 4.75 (4.5 – 5) بليون سنة، واكتمالها منذ حوالي 0.25 بليون سنة؛ فيكون بدء الخلق منذ: 13.75 بليون سنة، بينما استنتج الأسقف جيمس أوشرJames Ussher (1581-1656) من الأسفار أن بدء خلق العالم ليلة الأحد 23 أكتوبر عام 4004 ق.م، واختار القس لايتفوت Lightfoot (1602- 1675) عام 3929 ق.م؛ أي بعد نشأة الحضارة بقرون.
|
وخلاصة القول أنه منذ إعلان هابل Hubble عام 1929 أن المجرات العظمى تبدو في تباعد يتناسب تسارعه مع البعد؛ تأكد أن الكون كان مكدَّسًا في حيز ضئيل ذو حرارة هائلة ليس لها في الكون الحالي مثيل، وتأيد بدء الخلق باكتشاف بنزياس وولسن عام 1973 لإشعاع يتناسب مع شدَّة الحرارة عند الابتداء سموه الخلفية الإشعاعية Background Radiation، وجاء الكشف العلمي الجديد مؤيدًا لبدء الخلق، وحينئذ لم تكن قد وُجِدَت بعد تنوُّعَات؛ لا جسيم ولا ذرة ولا مجرة، لم يكن سوى حركة جسيمات أولية في عجل؛ اهتزاز في الخلاء بأقصى سرعة، فسموها حالة التفردSingularity ، ولك أن تتساءل مذهولاً: أي قدرة مُفزعة خَلَقَت في نهاية المطاف من عَجَل إنسانًا؛ حيث لا أجسام عند الابتداء سوى العَجَل! وأي رهبة تأخذك عندما يُخبرك المُبدع القدير بالنبأ؛ قال تعالى: {خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ} [الأنبياء 37].
المراجع:
• المكتبة الشاملة (آلاف المراجع الإسلامية).
• الموسوعة البريطانية وموسوعة إنكارتا.
• الشبكة الدولية للمعلومات (الانترنت).