الإخبار النبوي عن قتال الفئتين العظيمتين: قراءة شرعية وتاريخية

الثلاثاء/يونيو/2025
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حتّى تَقْتَتِلَ فِئَتانِ عَظِيمَتانِ، يَكُونُ بَيْنَهُما مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، دَعْوَاهُما واحِدَةٌ.”
الراوي: أبو هريرة رضي الله عنه
المصدر: صحيح البخاري
الحديث رقم: 3606
درجة الحديث: صحيح
أولاً: شرح الحديث الشريف
يُعدّ هذا الحديث من النصوص النبويّة التي تحمل إشارات غيبيّة عميقة ودلالات دقيقة، نُبِّه إليها العلماء والمحدّثون في ضوء الوقائع التاريخية التي لحقت بعصر النبوّة. الفئتان العظيمتان: أي جماعتان كبيرتان من المسلمين، تجمع بينهما القوة والعدد والنفوذ، وقد تقع بينهما حرب طاحنة.
مقتلة عظيمة: أي أن نتيجة هذا القتال ستكون دامية إلى أبعد الحدود، بحيث يُقتل عدد كبير من الطرفين.
دعواهما واحدة: أي أن كلا الفريقين يرفع شعارًا واحدًا، وينادي بالحق ذاته، وليس بينهما خلاف في الدين أو التوحيد، وإنما النزاع هو في تأويلات فقهية أو سياسية أو حول الخلافة والحكم.
ثانياً: وقوع الحديث في التاريخ الإسلامي المعركة المقصودة: معركة صفّين
السنة: 37 هـ
المكان: بين العراق والشام، على ضفاف نهر الفرات
الأطراف:
الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه (الخليفة الراشد الرابع، يمثل جيش الكوفة والعراق)
معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه (والي الشام، طالب بدم عثمان رضي الله عنه) مجريات المعركة:
استمر القتال عدة أيام.
بلغت الخسائر البشرية أعدادًا ضخمة: قُدّرت بعشرات الآلاف من المسلمين.
توقفت المعركة بالتحكيم بعد أن رفع جيش معاوية المصاحف.
لم يكن الصراع بين كفر وإيمان، بل كان بين تأويلين مختلفين لنصرة الحق واستعادة وحدة الأمة.
ثالثاً: الإعجاز الغيبي في الحديث الشريف
يتجلّى وجه الإعجاز الغيبي في هذا الحديث من عدّة وجوه:
1. إخبار عن أحداث لم تقع بعد
النبي ﷺ أخبر عن واقعة مستقبلية كبيرة ومفصلية، لم يكن لها في زمانه أي مؤشرات ظاهرية، فقد كانت الأمة موحدة، والخلافة مستقرة، والإيمان قوي.
2. دقة التفاصيل
وصف النبي ﷺ بدقة أن:
القتال سيكون بين مسلمين وليس مع الكفار.
القتال سيكون عنيفًا ومصحوبًا بـ”مقتلة عظيمة”.
الفريقان سيرفعان الشعار ذاته: نصرة الإسلام، مما يدل على وحدة العقيدة واختلاف التفسير السياسي.
3. عدم وجود سوابق تاريخية مشابهة زمن النبوة
في زمن النبوة لم يكن هنالك ما يُشير إلى أن المسلمين سيتقاتلون فيما بينهم بهذا الحجم، مما يُثبت أن هذا الإخبار لا يمكن أن يكون مبنيًا على قراءة للأحداث، بل هو وحي من الله تعالى.
﴿مَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ﴾
سورة النجم، الآيتان 3–4
لقد صدق النبي ﷺ فيما أخبر، ووقعت نبوءته كما هي، بأدق تفاصيلها، لتكون شاهدًا إضافيًا على نبوته الصادقة والحق الذي جاء به. وما ذلك إلا دليل على أن هذا الدين من عند الله سبحانه، الذي يعلم ما كان وما يكون وما سيكون. المراجع التاريخية:
الطبري، تاريخ الأمم والملوك
ابن كثير، البداية والنهاية
ابن حجر، فتح الباري شرح صحيح البخاري، شرح الحديث رقم 3606