أضرار التبول في الماء الراكد والمسابح

الأحد/يوليو/2025
يُعد الماء سر الحياة وأساس صحة الإنسان والبيئة. ومن أهم التحديات التي تواجه المجتمعات اليوم هو الحفاظ على جودة المياه ونظافتها، خاصةً في ظل تزايد الأنشطة البشرية التي تؤدي إلى التلوث. ومن بين السلوكيات الخاطئة المنتشرة في بعض المجتمعات هو التبول في الماء الراكد أو المسابح، وهو سلوك له أضرار صحية وبيئية جسيمة أثبتتها الأبحاث العلمية الحديثة.
لقد سبق الإسلام هذا الإدراك العلمي منذ أكثر من 1400 سنة من خلال قول النبي ﷺ:
(لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه) [رواه البخاري ومسلم].
ليكون هذا التوجيه مثالًا رائعًا للإعجاز النبوي الذي يحمي الإنسان والبيئة.
أولاً: التبول في المسابح وتعقيم المياه
المسابح العامة والخاصة عادةً تُعقم باستخدام مركبات الكلور لمكافحة الجراثيم. ولكن عند التبول في الماء، يتفاعل البول — الغني باليوريا والأمونيا — مع الكلور، مُكوّنًا مركبات خطيرة تُعرف باسم مُنتجات التطهير الثانوية (Disinfection Byproducts – DBPs) مثل ثلاثي الهالوميثانات (THMs) والأحماض الأسيتيكية الهالوجينية (HAAs) والكلورامينات [1][2].
وقد أظهرت دراسة حديثة أن حمام سباحة واحد بحجم قياسي يحتوي على حوالي 75 لترًا من البول المتراكم في المتوسط بسبب تبول السباحين فيه [1]. وتُقدّر بعض الدراسات أن حوالي 20% من مرتادي المسابح اعترفوا بالتبول في الماء، وهو ما يزيد من التلوث العضوي ويؤدي إلى إنتاج المزيد من المواد المسرطنة المحتملة.
وفقًا لأبحاث منشورة في Environmental Science & Technology، تبين أن اليوريا الموجودة في البول هي المساهم الأساسي في إنتاج الكلورامينات وثلاثي الهالوميثانات، وهي مركبات مُهيجة للعينين والجهاز التنفسي، كما أن التعرض المزمن لها قد يرتبط بخطر الإصابة بالسرطان [2].
“رائحة المسابح لا تأتي من الكلور وحده، بل من تفاعله مع العرق والبول والمواد العضوية لتكوين مركبات الكلورامين والسيانوجين، وهي المسؤولة عن الرائحة المميزة وتهيج العينين.”
ثانيًا: أضرار التبول في المياه الراكدة والبرك والترع
1- التلوث العضوي والتغيرات البيئية
عند التبول في الماء الراكد مثل البرك والترع، تنتقل مركبات البول (اليوريا والأمونيا) إلى الماء، فتتحلل بفعل البكتيريا لتكوّن الأمونيا والنيتريت والنترات، وهي مواد تُخصب المياه وتحفّز نمو الطحالب بكثافة مفرطة، ما يؤدي إلى ظاهرة التحمّض الغذائي (Eutrophication) [4][5].
وتشير تقارير وكالة حماية البيئة الأمريكية (EPA) إلى أن المغذيات الزائدة تسبب حوالي 70% من ظاهرة الإثراء الغذائي في المياه الداخلية [5]. ومع نمو الطحالب بكثافة، ينخفض مستوى الأكسجين الذائب، مما يؤدي إلى نفوق الأسماك واختلال التوازن البيئي.
2- . انتشار الأمراض الطفيلية والبكتيرية
من أخطر الأضرار الصحية المرتبطة بالتبول في المياه الراكدة انتشار الأمراض الطفيلية مثل البلهارسيا البولية (Schistosoma haematobium).
تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية (WHO) إلى أن البلهارسيا تُعد من أخطر الأمراض المدارية المهملة، إذ تُصيب أكثر من 140 مليون إنسان حول العالم، 90% منهم في إفريقيا جنوب الصحراء [6].
وتنتقل بويضات الطفيل عبر البول إلى المياه الراكدة، ثم تدخل إلى القواقع المائية لتكمل دورة حياتها، قبل أن تُعاود إصابة الإنسان عبر اختراق الجلد. وتسبب البلهارسيا أضرارًا جسيمة مثل فقر الدم، تلف الكبد والمثانة، والتهابات مزمنة [7].
أظهرت دراسة متعددة السنوات شملت تسع دول (منها اليمن و8 دول إفريقية) أن معظم البرامج الوطنية لمكافحة البلهارسيا نجحت في خفض نسبة العدوى الشديدة بشكل أسرع من توقعات منظمة الصحة العالمية، بشرط التزام المجتمعات بالوقاية والتوعية [8]. ومع ذلك، تظل مشكلة التبول في مصادر المياه أكبر تحدٍ أمام القضاء على البلهارسيا تماماً.
- أمراض أخرى مرتبطة بالمياه الملوثة بالبول
تشير الموسوعة البريطانية إلى أن التلوث البكتيري لمصادر المياه يؤدي إلى تفشي أمراض مثل الإشريكية القولونية (E. coli) [9]، وهي بكتيريا ممرضة قد تسبب التهابات معوية وجلدية خطيرة، خاصة إذا استُخدم الماء الملوث في الاغتسال أو الشرب. كذلك قد يزيد خطر الإصابة بداء اللولبية النحيفة (Leptospirosis) الذي ينتقل عن طريق التبول في المياه الراكدة الملوثة [10].
ثالثًا: الإعجاز النبوي
إذا تأملنا الحديث الشريف: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه» نجد فيه ربطًا بديعًا بين حماية صحة الفرد وصحة المجتمع. فقد نهى النبي ﷺ عن التبول في الماء الراكد حمايةً للماء من التلوث العضوي والكائنات الممرضة التي قد تنتقل عن طريق الغسل.
إن هذا التوجيه يسبق التقدم العلمي الحديث، إذ لم يكن في زمن النبوة أجهزة تحليل كيميائي أو معملية تثبت تكوين مركبات الكلورامينات المسرطنة أو تحلل البول إلى مغذيات تغذي الطفيليات. ومع ذلك، جاء النهي النبوي ليمنع هذا الضرر قبل حدوثه.
وقد أكد الباحثون في دراسات مكافحة البلهارسيا أن التعليمات الصحية والتوجيهات الدينية تلعب دورًا أساسيًا في الوقاية من المرض وتقليل الإصابات [6[[7] [8]
التوصيات العملية
? الامتناع التام عن التبول في المياه الراكدة والمسابح.
? التشجيع على الاستحمام الجيد قبل النزول للمسابح لتقليل الملوثات العضوية.
? الصيانة الدورية لمياه المسابح وتحليل جودة المياه بانتظام.
? التوسع في برامج العلاج الجماعي للبلهارسيا مع التوعية بأهمية السلوكيات الصحية.
? تطوير أنظمة الصرف الصحي لحماية المياه السطحية من التلوث.
قائمة المصادر (مفهرسة)
-
Li, J., & Blatchley III, E. R. (2014). Uric acid in urine generates hazardous volatile disinfection byproducts in swimming pools by reacting with chlorine. Environmental Science & Technology, 48(3), 1505–1511.
-
Lara, P., Ramírez, V., Castrillón, F., & Peñuela, G. A. (2020). Presence of Disinfection Byproducts in Public Swimming Pools in Medellín, Colombia. IJERPH, 17(12), 4659.
-
Richardson, S. D., & Ternes, T. A. (2018). Water analysis: Emerging contaminants and current issues. Analytical Chemistry, 90(1), 398–428.
-
Environmental Protection Agency (EPA). (2021). Eutrophication and Harmful Algal Blooms.
-
Smith, V. H., & Schindler, D. W. (2009). Eutrophication science: where do we go from here? Trends in Ecology & Evolution, 24(4), 201–207.
-
WHO. (2023). Schistosomiasis Fact Sheet. World Health Organization.
-
Leclerc, H., Mossel, D. A. A., Edberg, S. C., & Struijk, C. B. (2001). Advances in the bacteriology of the coliform group. Annual Review of Microbiology, 55, 201–234.
-
Kura, K., et al. (2020). Multi-country progress toward control and elimination of schistosomiasis. International Journal of Infectious Diseases.
-
Encyclopædia Britannica. (2025). Water pollution.
-
Levett, P. N. (2001). Leptospirosis. Clinical Microbiology Reviews, 14(2), 296–326.