مراحل تطور الجنين بين القرآن الكريم والطب الحديث
السبت/نوفمبر/2024
خلق الإنسان هو إحدى أعظم المعجزات التي تدل على قدرة الله تعالى وحكمته البالغة، وقد تناول القرآن الكريم هذه المعجزة بأسلوب بديع ودقيق. وردت مراحل تطور الجنين في آياته المباركة بشكل يفوق الوصف، مما يعكس عظمة الخالق وعنايته بصنعه. وفي العصر الحديث، جاءت الأبحاث العلمية لتكشف عن تفاصيل هذه المراحل، مؤكدةً ما ورد في القرآن الكريم من وصف دقيق. هذا التوافق بين النص القرآني والعلم الحديث يُبرز إعجازًا علميًا ويؤكد وحدة المصدر، فهو من عند الله الذي أتقن كل شيء صنعًا.
سوف نقارن في هذه المقال بين ما جاء به القرآن وبين ما اكتشفه العلم الحديث:
النطفة: بداية الحياة
في القرآن الكريم:
قال تعالى ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ﴾ (المؤمنون: 13)، يشير الله تعالى إلى المرحلة الأولى من خلق الإنسان بعد خلق آدم عليه السلام. “النطفة” هنا تعني قطرة الماء، وتُستخدم للإشارة إلى السائل المنوي للذكر والانثى او للبيضة الملقحة. أما “القرار المكين”، فيُقصد به الرحم، وهو المكان الآمن والمستقر الذي يُهيئ لنمو الجنين.
في الطب الحديث:
في ضوء تقدم الطب الحديث، أصبح مفهومنا عن بداية الحياة وتطور الجنين أكثر وضوحاً من خلال الدراسة الدقيقة للعمليات البيولوجية التي تحدث عند الإخصاب. إذ تبدأ مراحل نمو الإنسان عندما يتم تخصيب البويضة بواسطة الحيوان المنوي، مما يُنشئ البويضة المُلقحة “الزيجوت” التي تبدأ بالانقسام بسرعة، لتتحرك بعد ذلك نحو جدار الرحم حيث تتم عملية الانغراس.
الاقتباس:
“Fertilization marks the beginning of human development. Once the sperm fertilizes the ovum, the zygote undergoes rapid cell division before implantation in the uterine wall.”
(Moore, K.L., Persaud, T.V.N., & Torchia, M.G., The Developing Human, p. 48)
الترجمة:
أن الإخصاب (Fertilization) يُمثّل بداية تطور الإنسان. فبمجرد أن يُخصّب الحيوان المنوي (sperm) البويضة (ovum)، يبدأ الزيجوت (zygote) في الانقسام السريع للخلايا قبل الانغراس في جدار الرحم (uterine wall). (مور، ك.ل.، وبيرسود، ت.ف.ن.، وتورشيا، م.ج.، الإنسان النامي، ص. 48)
العلقة: المرحلة المعلقة
في القرآن الكريم:
قال تعالى ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً﴾ (المؤمنون: 14)، يصف الله تعالى تطور الجنين من مرحلة النطفة إلى مرحلة العلقة. “العلقة” في اللغة تشير إلى شيء معلق، وتُستخدم أيضاً لوصف قطعة صغيرة من الدم المتجمد. في هذه المرحلة، يتحول الجنين إلى كتلة من الخلايا تلتصق بجدار الرحم، مشابهةً لقطعة دم متجمدة او تشبه دودة العلقة الطبية (Hirudo medicinalis) التي تتعلق بالارجل في الأنهار وتمتص الدماء.
في الطب الحديث:
تبدا مرحلة دقيقة يبدأ فيها الجنين بالالتصاق بجدار الرحم، وتُعرف علمياً بمرحلة انغراس الكيسة الأريمية (blastocyst)، والتي تحدث عادةً في اليوم السادس أو السابع بعد الإخصاب. هذه المرحلة تمثل بداية الفترة الجنينية، حيث يتعلق الجنين بجدار الرحم، في صورة تشبه ما تصفه النصوص القرآنية من تحول “النطفة” إلى “علقة”.
الاقتباس :
“The blastocyst implants into the uterine wall around day 6-7 after fertilization, marking the beginning of the embryonic period.”
(Sadler, T.W., Langman’s Medical Embryology, p. 60)
الترجمة :
تُعرف هذه المرحلة بمرحلة الانغراس (Implantation)، حيث تنغرس الكيسة الأريمية (Blastocyst) في بطانة الرحم حوالي اليوم السادس أو السابع بعد الإخصاب، مما يُشير إلى بداية الفترة الجنينية. (سادلر، تي دبليو، علم الأجنة الطبي لانغمان، ص 60).
المضغة: بداية التشكُّل
في القرآن الكريم:
قال تعالى: ﴿فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً﴾ (المؤمنون: 14)، يصف الله تعالى تطور الجنين من مرحلة “العلقة” إلى مرحلة “المضغة”. “المضغة” في اللغة تشير إلى قطعة صغيرة من اللحم بحجم ما يُمضغ، وتُشبه في مظهرها مادة ممضوغة.
في الطب الحديث:
وفقاً للمعرفة الطبية الحديثة، تتضح مرحلة جديدة في تكوين الجنين تُعرف بمرحلة “somite” أو “التَفَصُّص” (المضغة)، حيث يأخذ الجنين شكل بنية صغيرة منحنية، تشبه المادة الممضوغة، وهو ما يتوافق مع وصف النص القرآني لتطور الجنين من “العلقة” إلى “المضغة”.
الاقتباس:
“By the end of the fourth week, the embryo has the appearance of a small, somewhat curved structure, resembling a chewed substance (mudgha).”
(Moore, K.L., Persaud, T.V.N., Before We Are Born, p. 76)
الترجمة:
بحلول نهاية الأسبوع الرابع، يتخذ الجنين شكلاً صغيراً ومنحنياً إلى حد ما، يشبه مادة ممضوغة (مضغة). (مور، ك.ل.، بيرسود، ت.ف.ن.، قبل أن نولد، ص 76).
تكوين العظام: بناء الهيكل
في القرآن الكريم:
قال تعالى ﴿فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا﴾ (المؤمنون: 14)، يصف الله تعالى تطور الجنين من مرحلة “المضغة” إلى تكوُّن العظام. “المضغة” تشير إلى قطعة صغيرة من اللحم بحجم ما يُمضغ، وفي هذه المرحلة يبدأ الجنين في تشكيل الهيكل العظمي، حيث تتحول هذه القطعة اللحمية إلى عظام صلبة تُشكّل الدعامة الأساسية لجسم الإنسان.
في الطب الحديث:
تبدأ مرحلة حاسمة في تكوين الجنين تُعرف بمرحلة تكوين العظام (ossification)، حيث تبدأ الخلايا الميزانشيمية في براعم الأطراف بالتمايز إلى خلايا غضروفية (chondrocytes)، لتشكل نموذجاً غضروفياً لعظام المستقبل. يبدأ هذا النموذج الغضروفي بالتعظُّم الغضروفي (endochondral ossification) حوالي الأسبوع السابع حيث يبدأ الجنين بتشكيل هيكله العظمي، الذي سيكون الدعامة الأساسية لجسم الإنسان.
الأقتباس:
“The mesenchymal cells in the limb buds differentiate into chondrocytes, forming a cartilage model of the future bones. Endochondral ossification begins in these cartilage models around the seventh week of development.”
(Sadler, T.W., Langman’s Medical Embryology, pp. 101-103)
الترجمة :
أن الخلايا الميزنشيمية (mesenchymal cells) في براعم الأطراف (limb buds) تتمايز إلى خلايا غضروفية (chondrocytes)، مكوّنةً نموذجاً غضروفياً للعظام المستقبلية. تبدأ عملية التعظّم داخل الغضروف (endochondral ossification) في هذه النماذج الغضروفية حوالي الأسبوع السابع من التطور الجنيني. (سادلر، تي دبليو، علم الأجنة الطبي لانغمان، ص 101-103)
اقتباس 2:
“By the end of the sixth week, the limb skeleton is cartilaginous. Ossification of the bones begins in the seventh week and continues throughout fetal life.”
(Moore, K.L., Persaud, T.V.N., The Developing Human, p. 115)
الترجمة :
بحلول نهاية الأسبوع السادس، يكون هيكل الأطراف غضروفياً. تبدأ عملية تعظّم العظام في الأسبوع السابع وتستمر طوال فترة الحياة الجنينية. (مور، ك.ل.، بيرسود، ت.ف.ن.، الإنسان النامي، ص 115)
كساء العظام باللحم: اكتمال التكوين
في القرآن الكريم:
قال تعالى: ﴿فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا﴾ (المؤمنون: 14)، يصف الله تعالى مرحلة من مراحل تطور الجنين، حيث تُغطى العظام باللحم. بعد تكوُّن الهيكل العظمي، تبدأ العضلات والأنسجة اللحمية في التشكُّل حول العظام، مما يمنح الجنين شكله النهائي. هذه العملية تشبه ارتداء الملابس، حيث يُغطي اللحم العظام ويمنح الجسم مظهره المتكامل.
في الطب الحديث:
تبدأ مرحلة متقدمة في تكوين الجنين حيث تبدأ العضلات بالتشكل حول العظام، وهي المرحلة المعروفة بكساء العظام باللحم (muscle development). بعد تشكّل الهيكل العظمي، تهاجر الخلايا العضلية الأولية (myogenic cells) لتُحيط بالعظام المتكوّنة، مكوّنةً العضلات التي ستقوم بتحريك هذا الجهاز الهيكلي. وتبدأ هذه العضلات بالتطور من النسيج المحيط (mesenchyme) وتلتصق بالعظام المتشكلة حديثاً، لتمنح الجنين هيكله المتكامل.
الاقتباس:
“Muscle development follows bone formation; myogenic cells migrate to surround the developing bones, forming the muscles that will move the skeletal system.”
(Sadler, T.W., Langman’s Medical Embryology, pp. 146-149)
الترجمة :
يحدث تكوّن العضلات بعد تكوّن العظام مباشرة؛ إذ تنتقل الخلايا المسؤولة عن تشكيل العضلات، المعروفة بالخلايا العضلية الأولية (myogenic cells)، إلى المنطقة المحيطة بالعظام النامية، حيث تبدأ بتشكيل الأنسجة العضلية. هذه العضلات ستعمل فيما بعد على تحريك الهيكل العظمي في جسم الإنسان.. (سادلر، تي دبليو، علم الأجنة الطبي لانغمان، ص 146-149)
“The muscles of the limbs develop slightly later than the bones, arising from the surrounding mesenchyme and attaching to the newly formed bones.”
(Moore, K.L., Persaud, T.V.N., The Developing Human, p. 118)
الترجمة :
تتطور عضلات الأطراف بعد تكوّن العظام بقليل، حيث تنشأ من النسيج المتوسط المحيط (mesenchyme) وتلتصق بالعظام المتكوّنة حديثاً. (مور، ك.ل.، بيرسود، ت.ف.ن.، الإنسان النامي، ص 118)
التطابق بين الوحي والعلم
تتجلَّى في هذه المراحل الدقة المتناهية في وصف القرآن الكريم لتطوُّر الجنين، وهو ما أكَّده العلم الحديث بعد قرون من نزول الوحي. هذا التوافق يُبرز إعجاز القرآن الكريم، ويُثبت أنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
إن مراحل تطوُّر الجنين من النطفة، فالعلقة، فالمضغة، ثم تكوُّن العظام وكسائها باللحم، تعكس رحلةً مذهلة من الخلق والإبداع الإلهي. هذه الرحلة تبدأ من خلية لا تُرى بالعين المجردة، لتتحوَّل إلى كائن بشري كامل مُزوَّد بالعقل والروح.
كما أن هذا التوافق بين النص القرآني والعلم الحديث يُذكِّرنا بأن العلم والوحي لا يتعارضان، بل يتكاملان في فهمنا للعالم والكون. فكلما تقدم العلم، ازداد إيماننا بعظمة الخالق، وازداد تقديرنا لمعجزات القرآن الكريم.
المراجع :
Langman’s Medical Embryology (الطبعة الرابعة عشرة، 2019)
علم الأجنة الطبية لانغمان
المؤلف: T.W. Sadler (توماس دبليو سادلر)
الناشر: Wolters Kluwer
تفاصيل النشر:
Sadler, T.W. (2019). Langman’s Medical Embryology. 14th Edition. Wolters Kluwe
________________________________________
The Developing Human: Clinically Oriented Embryology (الطبعة الحادية عشرة، 2020)
الإنسان النامي: علم الأجنة الموجه سريريًا
المؤلفون: Keith L. Moore (كيث إل. مور)، T.V.N. Persaud (تي. في. إن. بيرساد)، Mark G. Torchia (مارك جي. تورشيا)
الناشر: Elsevier
تفاصيل النشر:
Moore, K.L., Persaud, T.V.N., & Torchia, M.G. (2020). The Developing Human: Clinically Oriented Embryology. 11th Edition. Elsevier.
________________________________________
Before We Are Born: Essentials of Embryology and Birth Defects (الطبعة العاشرة، 2019)
قبل أن نولد: أساسيات علم الأجنة والعيوب الخلقية
المؤلفون: Keith L. Moore (كيث إل. مور)، T.V.N. Persaud (تي. في. إن. بيرساد)، Mark G. Torchia (مارك جي. تورشيا)
الناشر: Elsevier
تفاصيل النشر:
Moore, K.L., Persaud, T.V.N., & Torchia, M.G. (2019). Before We Are Born: Essentials of Embryology and Birth Defects. 10th Edition. Elsevier.
________________________________________
Human Embryology and Developmental Biology (الطبعة السادسة، 2020)
علم الأجنة البشري وعلم الأحياء التطوري
o المؤلف: Bruce M. Carlson (بروس إم. كارلسون)
o الناشر: Elsevier
o تفاصيل النشر:
Carlson, B.M. (2020). Human Embryology and Developmental Biology. 6th Edition. Elsevier.
________________________________________
Williams Obstetrics (الطبعة الخامسة والعشرون، 2018)
طب التوليد لويليامز
المؤلفون: F. Gary Cunningham (إف. جاري كانينغهام)، Kenneth J. Leveno (كينيث جيه. ليفينو)، Steven L. Bloom (ستيفن إل. بلوم)، وغيرهم
الناشر: McGraw-Hill Education
تفاصيل النشر:
Cunningham, F.G., Leveno, K.J., Bloom, S.L., Dashe, J.S., Hoffman, B.L., Casey, B.M., & Sheffield, J.S. (2018). Williams Obstetrics. 25th Edition. McGraw-Hill Education.
________________________________________
Gray’s Anatomy: The Anatomical Basis of Clinical Practice (الطبعة الثانية والأربعون، 2020)
تشريح جراي: الأساس التشريحي للممارسة السريرية
المؤلف: Susan Standring (سوزان ستاندريغ)
الناشر: Elsevier
تفاصيل النشر:
Standring, S. (Ed.). (2020). Gray’s Anatomy: The Anatomical Basis of Clinical Practice. 42nd Edition. Elsevier.
________________________________________