و َمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا
الخميس/يناير/2020
سنعيش اليوم مع قول الله سبحانه وتعالى: “و َمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ “ (فصلت/47).
قال الأصفهاني رحمه الله في مفردات ألفاظ القرآن: الكُم: ما يغطي اليد من القميص.
والكِم: ما يغطي الثمرة، وجمعه أكمام. قال تعالى: “وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ{11}” (الرحمن/11).
وجاء في معجم النبات من قاموس القرآن الكريم: الكم: الوعاء والغلاف، والجمع أكمام، فأكمام الزرع: غلفها التي تخرج منها، والكم ما غطى الطلع أو الثمر، وأكمام النخل: ما غطى جمارها من السعف والليف والجذع، فالعذق والطلع قبل أن يخرجا مغلفان في أكمام، والحبة تغلفها قشرة أسفل السفاة تسمى الكم.
وتجدر هنا الإشارة إلى ارتباط خروج الثمرات من أكمامها بحمل المرأة: “و َمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ” (فصلت/47)، فالثمرات في الأكمام ما هي إلا مبايض لقحت بويضاتها بحبوب اللقاح وأخصبت، وتنتج كل بويضة مخصبة بذرة وتوجد البذرة أو البذور في الثمرة، وكل هذا مغلف بأغلفة هي الأكمام وخروج الثمرة بعد إخصاب البويضات في المبيض يتشابه مع خروج الجنين من بطن الأم عند الولادة، وكلاهما لا يحدث إلا بعلمه جل شأنه من خالق قدير. (معجم النبات، قاموس القرآن الكريم، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي (ط2 )، (ص41 )، (1997م ) بتصرف قليل جداً).
قال الشيخ عبدالرحمن بن السعدي رحمه الله في قوله تعالى: “و َمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا “، قال: (أي وعائها الذي تخرج منه، وهذا شامل لثمرات جميع الأشجار التي في البلدان والبراري، فلا تخرج ثمرة شجرة من الأشجار إلا وهو يعلمها علماً تفصيليا) انتهى.
من التفسيرات والتوضيحات السابقة نفهم أن الأكمام أوعية وأغلفة تغلف التراكيب الثمرية والناتجة من التكاثر الجنسي أو التكاثر الخضري، وفي السطور التالية بإذن الله سنقوم بإعطاء نماذج من الأكمام (الأغلفة) والخروج منها في مملكة الفطريات وفي مملكة النبات (الطحالب والنباتات الحزازية، والنباتات التريدية، والنباتات البذرية معراة البذور والبذرية مغطاة البذور (الزهرية) ) لنرى رؤية علمية لقوله تعالى: ” وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا ” (فصلت/47).
فيلم فيديو يوضح تكون الثمرة من الزهرة
ففي مملكة الفطريات (Kingdom Fungi) توجد الأغلفة (الأكمام) المحيطة بجراثيمها، ففي قسم الفطريات البيضية(Division:Oomycota) تتكون الأنثريدة (Antheridium) المنتجة للأمشاج المذكرة بإفراغ محتوياتها من خلال أنبوبة أنثريدية في عضو التكاثر الأنثوي الأووجونة (Oogonium) وتخصبها لتعطي الجرثومة البيضية (Oospore) التي يتكون فيها الجراثيم السابحة (Zoospores) بعد الانقسام الاختزالي لتقوم تلك الجراثيم بعدوى جديدة للعائل.
وللجرثومة البيضية (Oospore) غلاف أو (كم) سميك يحيط بمحتوياتها الداخلية ويحفظها من العوامل الخارجية غير المناسبة، وعند الظروف المناسبة تخرج الجراثيم من هذا (الكم) لتعيد دورة الحياة.
وفي الفطريات التزاوجية (Zygomycota) تتكون الجرثومة التزاوجية(Zygospers) نتيجة اندماج محتويات خيطين متجاورين غير متماثلين يعطيان الجاميط الأوليprogametangi) ) الذي يعطي الجاميتانجيا (Gamytangia)، وتتكون بعد ذلك الجرثومة التزاوجية (Zygospore) ذات الجدار السميك (الكم) الحافظ للمحتويات الداخلية من تأثيرات العوامل الخارجية غير المناسبة.
وتظل محتويات هذه الجرثومة هاجعة وساكنة في كمها إلى أن يهيئ الله سبحانه وتعالى لها العوامل المناسبة لتنبت ويخرج منها الحوافظ الجرثومية (Sporangium) التي يخرج منها الجراثيم الحافظية (Sporangiospores) لتنبت في البيئة المناسبة وتعيد دورة الحياة.
وفي الفطريات الزقية (Ascomycota) تتكون الزقوق (Ascus) بداخلها الجراثيم الزقية ( ( Ascosporesداخل الجسم الثمري الزقي (الكم) ( ( Ascocarp وهو على ثلاثة أنواع:
المغلق تماما (Clestothecium)
الدورقي (Perithecium)
الكأسي (Apothecium)
وهذه التراكيب وما فيها من زقوق هي أكمام تلك الجراثيم الفطرية الزقية التي تتحرر من أكمامها لتعيد دورة الحياة.
أما في الفطريات البازيدية( ( Basidiomycota تتكون الكؤوس (الأكمام) الأسيدية ( Aeciediual Cup ) التي تغطي الجراثيم الأسيدية ( ( Aecidiospores والأوعية (الأكمام) البكندية ( Pycnidium ) وبداخلها الجراثيم البكنيدية (( Pycnidiospores وينتج الفطر البثرات اليوريدية (Uredosours )التي تنتج الجراثيم اليوريدية Uredospores) ) وينتج أيضا في نهاية الموسم البثرات التيليتية (( Teleutosorus التي تغطي الجراثيم التيلتية ( Teleutospores).
وفي عيش الغراب Agaricus تعطي الخيوط الفطرية المتباينة بعد تزواجها الجسم الثمري (الكم الثمري (Basidiocarpالحامل للجراثيم البازيدية ( ( Basidiospores التي تنطلق من خياشيم الجسم الثمري Frut bodies الذي يعمل ككم لبلايين الجراثيم داخل الجسم الثمري.
وفي فطر البافبول ( (Puff-ballيعطي الجسم الثمري (الكم) ذو الجدار المرن والمطاط تريليونات الجراثيم.
وكل هذه التراكيب الفطرية أكمام وأغلفة تخرج منها آلاف الجراثيم الفطرية بعد نضجها وجاهزيتها للخروج، والله سبحانه وتعالى يعلم كيف نشأت هذه الأكمام وكيف خرجت وتخرج جراثيمها في معظم بيئات الأرض، مصداقاً لقوله تعالى “و َمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ “ (فصلت/47).
وفي الطحالب ((Algaeالتابعة للمملكة النباتية في التصنيف الخماسي لواتيكر (1969م) نجد أن طحلب الكلاميدوموناس Chlamydomonas ينتج اللاقحة (Zygospore) من التقاء طحلبين وتزاوجهما، واللاقحة عبارة عن تركيب دائري سميك الجدار (أي كم) به الأنوية وعندما تتحلل اللاقحة ويتمزق جدارها في الظروف المواتية تخرج منه الجراثيم السابحة التي تعيد دورة الحياة.
أما في طحلب الفيوكس Fucus فتتكون أكمام الحوافظ الجنسية ((Conceptacles المذكرة التي تخرج منها الجراثيم السابحة لتخصب البويضة ((Ovumالخارجة من الحافظة الجنسية المؤنثة لتعطي الزيجوت ((Zygotالذي يعطي بعد ذلك الطحلب الجديد.
وفي النباتات الحزازية ((Bryophyta يتكون الطور الجرثومي((Sporophytae من الكم أو الغلاف الناتج عن بطن الأرشيجونه ((Archegonium الذي ينتفخ ليعطي الجراثيم السابحة ((Zoosporesالتي تعطي النبات الجديد.
وفي النباتات التريدية ((Pteridophyta يحمل نبات الرصن Selaginella الحوافظ الجرثومية الكبيرة ( (Megasporangiumالتي بداخلها الجراثيم الكبيرة ((Megaspores وتعتبر هذه الحوافظ الكبيرة بداية تكوين البذرة في المملكة النباتية، وتتحلل الحوافظ الجرثومية لتسقط منها الجراثيم الكبيرة لتنضج في الأرض أو على النبات الأم لإتمام دورة الحياة بعد التلقيح والإخصاب بواسطة الجراثيم الصغيرة.
وفي النباتات معراة البذور((Gymnosperms تتكون المخاريط، ومنها المخروط الأنثوي أو البويضي الذي يتكون من عدد من الأوراق الجرثومية الكبيرة أو الكرابل ((Carples وتتميز كل كربلة إلى حرشفة كبيرة علوية تعرف بالحرشفة البويضية( Ovuliferous Scale ) وأخرى صغيرة تقع أسفلها تعرف بالحرشفة القنابية ((Bract Scale وتحمل كل حرشفة بويضة على سطحها العلوي وبويضتين مقلوبتين (( Ovules.
ويبين قطاع طولي في البويضة التراكيب الآتية:
1- الكيس الجنيني ((Embryo Sac يتوسط البويضة بداخله الثالوس الأنثوي الأولي ((Female Prothallus الذي تستقر الأرشيجونيات عند طرفه.
2- تحيط النيوسيلة ((Nucellusوالغلاف البويضي ( (Integumentبالكيس الجنيني.
3- يتميز الغلاف البويضي إلى ثلاث طبقات: طبقة وسيطة متحجرة تحيط بها طبقتان لحميتان إحداهما من الداخل والأخرى من الخارج. وقبيل وقت التلقيح تأخذ الأجزاء الخارجية للحراشيف البويضية في الابتعاد لتفسح المجال لدخول حبوب اللقاح (انظر كتاب النبات العام أحمد مجاهد وآخرون ط6، ص594).
وفي النباتات مغطاة البذور ((Angiosperms نجد أن الزهرة محاطة من الخارج بالكأس ((Calyx يليه للداخل التويج ((Corolla، والمتاع ((Gynoecium يتركب من عدد من الأوراق المتحورة تسمى كل واحدة بالكربلة ((Carple تلتف حوافها لتكون المبيض ((Ovary وتتصل البويضات بالمشيمة بالحبل السري ( (Funicle وتتركب من الكيس الجنيني ((Embryo Sac في المركز يحيط به نسيج يسمى بالنيوسيلة ((Nucellus ويغطى هذا النسيج من الخارج بغلافين بويضيين ((Integuments وعند قاعدة البويضة حيث يتحد الغلافان مع النيوسيلة توجد الكلازا. وهكذا تحاط البويضة بالأكمام التي عليها أن تخرج منها لتعيد دورة الحياة.
وبعد انتهاء عملية الإخصاب في النباتات الزهرية تطرأ على الكيس الجنيني تغيرات تؤدي إلى تكوين البذرة ويتبع ذلك تضخم المبيض، وقد تتعدى التغييرات المبيض إلى الأجزاء الأخرى من الزهرة، وينتج عن ذلك تكوين الثمرة((Fruit وقد يشترك التخت في تكوين الثمرة كما هو الحال في ثمرة نبات التفاح Prus malus أما الأجزاء الأخرى مثل السبلات والبتلات والأسدية فهي عادة تأخذ في الذبول ثم تسقط عند تكوين الثمار (النبات العام مرجع سابق ص629).
ومن الثمار ثمار متفتحة منها:
– الجرابية ((Follical: وتنفتح على طول الطراز البطني للثمرة كما في ثمار نبات العايق Delphinium.
– القرن ((Legume: وتنفتح على طول الطرزين الظهري (Dorsal) والبطني((Ventrial وبذلك ينشق جدار الثمرة (كمها) إلى مصراعين متصلين من أسفل كما في ثمار (قرن) الفول. Vicia faba
– علبة (Capsule) تنفتح بعدة طرق:
– علبة تنفتح على امتداد خط دائري يقع في منتصف المبيض تقريبا وبذلك يفصل النصف العلوي من الجدار على هيئة غطاء كما هو الحال في ثمار نبات عين القط Anagallis.
– علبة تنفتح بثقوب عند قمة الكرابل كما في ثمار نبات الخشخاش Papaver.
– علبة تنفتح بواسطة أسنان تنشأ نتيجة الانفصال الجزئي للكرابل كما في ثمار نبات القرنفل Dianthus.
– علبة تنفتح طوليا وذلك بانشقاق الحواجز التي تفصل المساكن (انفصال حاجزي) ((Septicidal كما في ثمرة نبات البنفسج Viola.
– علبة تنفتح طوليا بزوال الحواجز (انفتاح صمامي) كما في نبات الداتورة Datura.
وهناك الثمار المنشقة ( (Schizocarpicوهي ثمار جافة تتكون كل ثمرة من أكثر من كربلة واحدة ملتحمة مع بعضها بعضا ولكنها لا تلبث أن تنشق بعد نضجها إلى عدد من الثمار الجزئية (Mericarps) غير المتفتحة وحيدة البذرة مثل ثمرة نبات الخطمية Althaea.
وتوجد الثمار الجافة غير المتفتحة مثل الفقيرة ((Achene كما في نبات الورد Rosa، والبرة Caryopsisوكما في القمح Triticum، والبندقة Nut،وكما في البندق Corylus والجناحية Samara، وكما في نبات أبي المكارم Machaerim tipa وهذه الثمار مغلفة من الخارج بأغلفة الزهرة التي تسقط بسهولة عن الثمرة وأغلفة الثمرة الملتحمة وغير الملتحمة بالبذور لتكون الثمرة أو الحبة وجميعها تتشقق وتنفتح عند الإنبات وخروج الجذير والرويشة (انظر المرجع السابق).
وكل هذه التراكيب حول الثمرة أغلفة وأكمام كما أن الليف والكرانيف في النخيل أكمام يعلم الله تعالى خروج ثمراتها منها في المزارع والصحارى والبوادي والأنهار والغابات وعلى مجاري السيول، ويكلأها برحمته وعلمه وصدق الله العظيم ” و َمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ” (فصلت/47).
وبذلك نكون قد اقتربنا من التفسير العلمي لإخراج الثمار من أكمامها على قدر علمنا وفهمنا ويمكن التفصيل في هذا الموضوع بحسب ما يقتضي الحال والمقام، هذا والله أعلم وفوق كل ذي علم عليم.
أ.د نظمي خليل أبوالعطا موسى
www.nazme.net