وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا

 
الأربعاء/ديسمبر/2019
   

وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا

دكتور/ أحمد مليجي

أستاذ مساعد في مجال الجيولوجيا البيئية

  قسم العلوم الجيولوجية – المركز القومي للبحوث- الدقي- القاهرة

قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا﴾ [سورة الأعراف].

أقوال المفسرين في الآية :

في تفسير تأويل قوله تعالى «وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ» [سورة الأعراف:58].

ذكر الطبري: القول في تأويل قوله تعالى « وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ»، أي والبلد، الطيبة تربته العذبة مشاربه، يخرج نباته إذا أنزل الله الغيث، وأرسل عليه الحيا بإذنه، طيبا ثمره في حينه ووقته، وقوله تعالى «وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا» أي والذي خبث فردؤت تربته وملحت مشاربه لا يخرج نباته إلا  نكدا.

وجاء في تفسير القرطبي: قوله تعالى « وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا »، أي التربة الطيبة والخبيثة التي في تربتها حجارة أو شوك؛ وقيل: معناه التشبيه، شبه تعالى السريع الفهم بالبلد الطيب، ومتبلد الفهم  بالذي خبث؛ وقيل: هذا مثل للقلوب؛ فقلب يقبل الوعظ والذكر، وقلب فاسق ينبو ويعرض عن ذلك.

وذكر ابن كثير: « وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ » أي والأرض الطيبة يخرج نباتها سريعا حسنا، وقوله تعالى « وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا » قال مجاهد وغيره كالسباخ ونحوها، وقال علي ابن أبى طلحة عن ابن عباس في هذه الآية هذا مَثل ضربه الله ليبين الفروق بين المؤمن والكافر.

وجاء في فتح القدير: قوله تعالى « وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ »، أي التربة الطيبة يخرج نباتها بإذن الله وتيسيره إخراجا حسنا تاما وافيا ، « وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا » أي  والتربة الخبيثة لا يخرج نباتها إلا  نكدا، أي لا خير فيه،  قيل ومعنى الآية التشبيه، شبه الله تعالى السريع الفهم بالبلد الطيب، والبليد بالبلد الخبيث، ذكره النحاس وقيل: هذا مثل للقلوب فشبه القلب القابل للوعظ بالبلد الطيب والنائي عنه بالبلد الخبيث ، قاله الحسن. وقيل: هو مثل لقلب المؤمن وقلب المنافق، قاله قتادة ، وقيل: هو مثل للطيب والخبيث من بني آدم.

 وجاء في تفسير الظلال: بأن الله عز وجل شبه قلب الإنسان بالتربة الزراعية، حيث تنبت المشاعر والأحاسيس والنوايا والاتجاهات في قلبه، لذلك فالقلب الطيب ينبت فيه الخير، مثل الأرض الطيبة التي تنبت الثمار الناضجة، والقلب الخبيث ينبت فيه الشر، مثل الأرض الخبيثة التي لا تنبت إلا هشيما. فالقلب الطيب يهدي لله ويعمل بما جاء في كتابه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، والقلب الخبيث كالأرض البور يصد عن ذكر الله، ولا يخرج منه إلا نكدا على نفس صاحبه وعلى المحيطين به من البشر.

الدلالات اللغوية:

من التأملات اللغوية في دلالات بعض الألفاظ القرآنية الواردة في الآية الثامنة والخمسين من سورة الأعراف كما يلي:

أولا: قوله تعالى: (الطيب):

جاء في المعاجم: الطَّيِّبُ: أي كل ما تستلذه الحواس أو النفس: و كل ما خلا من الأذى والخبث ، ومن تخلى عن الرذائل وتحلى بالفضائل ، فيقال فلان طيب القلب: أي طاهر الباطن ، وبلدة طيبة: أي كثيرة الخير آمنة أو مأمونة من الآفات، وتربة طيبة: أي جيدة طاهرة تصلح للنبات. و طُعمة طيبة: حلال ، و ريح طيبة: لينة، و نكهة طيبة: ذكية الرائحة لا نتن فيها.

ثانيا: قوله تعالى: (خبث):

جاء في المعاجم: خَبُثَ: الشئُ – خُبثـَا، وخَباثَةً، وخَباثـيةً أي صار فاسدا رديئا مكروهَا. وفلان: صار ذا خُـبْثٍ فهو خبيثٌ وجمعها خٌبَثَاء ، وخُبُـثٌ ، وخَبَثَـة ، وأخباثُ. (جج) الأخير: أخابيث: وهي خبيثة، (ج) خبائث.

ثانيا: قوله تعالى: (نكدا):

فالنكد: العسر بشدته الممتنع من إعطاء الخير على وجه البخل ، تقول: نكد ، ينكد، نكدا. و”نكدا” بفتح الكاف، هو مصدر بمعنى ذا نكد، وجاء في المعاجم أيضا: النَكِدُ: الشحيح والقليل النفع ، والنَّكَـدُ: أي كل شئ جر على صاحبه شرا ، ويقال أرض نكدة أي قليلة الخير.

من الدلالات العلمية:

في قوله تعالى « وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ » [سورة الأعراف:58].

أولا: خروج النبات طيبا:

تشير الآية الكريمة من قوله تعالى « وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ…..» إلى أن البلد، الطيبة تربته، العذبة مشاربه (كما جاء في تفسير الطبري)، يخرج نباته بإذن الله وتيسيره إخراجا حسنا تاما وافيا في حينه ووقته (كما جاء في تفسير فتح القدير). كما يشير قوله تعالى « وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ » إلى خروج النبات طيبا – بحول الله وقدرته – من خلال وسط بيئي موزون ، كما أشار المولى عز وجل إلى ذلك في موضع آخر قائلا « وأنبتنا فيها من كل شئ موزون » [سورة الحجر:19]. ويعتبر هذا التقدير الدقيق هو الأصل في خلق الله عز وجل للنبات الطيب ، وهو الظاهرة العامة في توازن الوسط البيئي كما بين المولى سبحانه وتعالى «وكل شئ عنده بمقدار »  [سورة الرعد:8]، وقال عز من قائل: « إنا كل شئ خلقناه بقدر » [سورة القمر:49]، وقال عز وجل « وإن من شئ إلا عندنا خزائنه و ما ننزله إلا بقدر معلوم » [سورة الحجر:21].

ولقد وضح الله عز وجل خطوات إخراج النبات في صورته البهيجة في تسلسل علمي غاية في الدقة، و هذا ما أشارت إليه  الآية الخامسة من سورة الحج ، حيث قال عز من قائل: «وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ و َأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ «، حيث تشير هذه الآية إلى عملية إنزال المطر،  ثم يليها عملية اهتزاز التربة، و ما يتبعها من عملية ربُوّ التربة و زيادتها، وذلك نتيجة نشاط عمليات التجوية الجيوكيميائية و ما يصاحبها من انفصال العناصر المغذية للنبات، وأخيرا يخرج النبات طيبا بهيجا.

ولقد تناول الباحث بإسهاب الإعجاز العلمي في هذه الآية الكريمة في المؤتمر العالمي السابع للإعجاز العلمي في القرآن والسنة بدبي 2004 م، موضحا التسلسل الدقيق و التوازن البديع لخروج النبات طيبا بهيجا، في وسط طيب جميل ، من أجل الإنسان. فقد بين الله عز وجل في موضع آخر تتابع عملية الإنبات من خلال الإشارة القرآنية المعجزة في الآيات الكريمات التي جمعت بين صب الماء، وشق الأرض، والإنبات في تسلسل دقيق معجز يقول ربنا (تبارك وتعالى): « فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ، أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا، ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا ، فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا، وَعِنَبًا وَقَضْبًا، وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا، وَحَدَائِقَ غُلْبًا، وَفَاكِهَةً وَأَبًّا، مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ« [سورة عبس:24-32]. وهذا التسلسل المعجز في تسع آيات قصار ، تشكل الطعام الرئيسي المتنوع في محتوياته ومكوناته المغذية لكل من الإنسان والأنعام، ولذا خُتمت بقول الحق (تبارك وتعالى): «مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ«. ومن هنا أكد الله عز وجل في موضع آخر من سورة السجدة (آية:27) على أهمية الزرع لكل من الحيوان والإنسان قائلا « أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاء إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ «.  وتشير هذه الآية الكريمة إلى أهمية الزرع لكل من الأنعام والإنسان ، ولذا نجد من خطورة التلوث أنه يصيب كل من النبات والحيوان والإنسان ويدمر الجميع. وتقديم الأنعام على الإنسان في قوله تعالى « فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ « يشير إلى أهمية النظام الغذائي للحيوان الذي يعتمد على النبات كمصدر وحيد للغذاء ، أما الإنسان فيعتمد في طعامه على كل من الإنتاج النباتي والحيواني. ولكن عندما اخترق الإنسان هذه السنة الكونية، و أصبح يُطعم الأنعام طحينا حيوانيا من أجل زيادة الإنتاج الحيواني في وقت وجيز،  فكانت الكارثة الكبرى بظهور مرض جنون البقر وأمراض أخرى عديدة مما أدى إلى هلاك الملايين من رؤوس الماشية ، ولذلك عقـََّب الله، سبحانه وتعالى، هذه الآية بـ «أفلا يبصرون« أي اعتبروا أيها الناس بهذا المنهج الرباني ولا تخالفوه.

ثانيا: خبث الوسط:

يُعرّف علماء البيئة خبث الوسط البيئي، بأنه: تغيير في الخواص الطبيعية والكيميائية والبيولوجية المحيطة بالإنسان – من ماء وتربة وهواء – و الذي قد يسبّب أضرارا لحياة الإنسان أو غيره من الكائنات الحية الأخرى. وقبل أن نوضح أسباب خبث الوسط البيئي، نجد أنه من الأهمية بمكان، أن نعرّف باختصار شديد مكونات الوسط البيئي وكيفية توازنه الرائع بقدرة الخالق سبحانه وتعالى، وذلك كمدخل لمعرفة تحول الوسط البيئي من الحالة الطيبة التي خلقها الله بقدرته من أجل الإنسان، إلى الحالة الخبيثة التي فعلها الإنسان بيديه. فما هي المكونات الأساسية للوسط البيئي؟

المكونات الأساسية للوسط البيئي

المكون الأساسي الأول للوسط البيئي: الماء

الماء هو أصل الحياة. ولا يمكن الاستغناء عنه،  وصدق الحق – عز وجل – حين قال في محكم كتابه :« وجعلنا من الماء كل شيء حي « [سورة الأنبياء:30]. فالماء معجزة من معجزات الخالق سبحانه وتعالى، وهو النعمة المهداة من الخالق العظيم إلى جميع مخلوقاته، حتى تستمر الحياة إلى ما شاء الله لها أن تكون. وقال تعالى « هُوَ الَّذي أَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُون، يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَْعْنابَ وَمِن كُلِّ الَّثمَراتِ إِنَّ في ذلِكَ لأَيَةً لِّقَوْم يَتَفَكَّرُون « [سورة النحل: 10-11].

  و يتكون الماء من أجسام متناهية الصغر، تسمى “جزيئات”. و قطرة الماء الواحدة تحتوي على الملايين من هذه الجزيئات، وكل جزيء من هذه الجزيئات يتكون من أجسام أصغر تسمي ذرات، ويحتوي جزيء الماء الواحد على ثلاثة ذرات مرتبطة ببعضها برابطة تساهمية (Covalent Bond)، هما ذرتي الهيدروجين والأكسجين وتشكلان زاوية مقدارها 105 درجات. وتركيبه الكيميائي كما هو معروف (H2O) (شكل 1). ولذلك كان من بديع صنع الله الخالق – سبحانه وتعالى– و روائع حكمته أن جعل هذا البناء الجزيئي الفريد للماء ما يميزه عن غيره من السوائل والمركبات الهيدروجينية، ويتضح ذلك في قطبيته الكهربية الواضحة التي جعلت منه أقوى مذيب على سطح الأرض، وجعلت لجزيئاته قوة تلاصق وتماسك عالية جدا فيما بينها، وذلك لترابط جزيئات الماء فيما بينها برابطة تعرف باسم الرابطة الهيدروجينية.

شكل (1): يبين تركيب جزئ الماء.

وبالإضافة إلى ذلك فإنه من فضل الله على عباده ورحمته ولطفه بهم أنه ينزل ماء المطر من السماء خاليا من الشوائب، وفي غاية النقاء والصفاء عند بدء تكوينه، ويظل الماء نقيا إلى أن يصل إلى سطح الأرض،  كما قال تعالى « وأنزلنا من السماء ماءا طهورا« [سورة الفرقان: 48]. ومن خصائصه أنه سائل لا لون و لا طعم و لا رائحة له، إذا كان نقيا، وهو متعادل (أي ليس بحمضي ولا قلوي)، إذا كان في حالته النقية ، فقيمة مقياس رقمه الهيدروجيني هي 7 – سبحان الله –  وإذا تدخل الإنسان وغيَّر من هذه الخصائص فإنه يتحول من حالته المتعادلة، ليصبح حمضيا أو قاعديا ، كما سيأتي ذكره،  مسببا مشاكلا بيئية كثيرة، تؤدي إلى خبث الوسط البيئي.

المكون الثاني للوسط البيئي: التربة

التربة هي خليط مختلف التراكيب من معادن نتجت من عمليات التجوية  Weathering الفيزيائية والكيميائية والحيوية للصخور والرواسب المكونة لمادة الأصل Parent material ، ومواد عضوية نتجت من النشاط الحيوي للكائنات الحية بأنواعها المختلفة.

هذه المواد المعدنية والعضوية تكونان معا الطور الصلب Solid phase من نظام التربة، ويمثل الطور الصلب حوالي 50 ٪ من حجم التربة  (45٪ مواد معدنية ، 5٪ مواد عضوية). والمكونات الأخرى لنظام التربة هما الطور السائل Liquid phase والطور الغازي Gaseous phase ، وكلاهما معا يكونان حوالي نصف حجم نظام التربة، و تختلف نسبة كل منهما للآخر، حسب الظروف المناخية، و ظروف الري و الصرف، و امتصاص الماء بواسطة النبات.

 و تتكون التربة الأرضية في قطاعها العلوي أساساً من: معادن الصلصال، و السيلت، و حبات الرمل. و تختلف أنواع التربة بتعدد أنواع الصخور التي تنشأ منها، و على الرغم من ذلك تبقى المعادن الصلصالية من أهم المعادن التي يعتمد عليها النبات، حيث تنفصل منها العناصر المغذية للنبات، مثل البوتاسيوم، و الكالسيوم، و الماغنسيوم. و ذلك في معظم أنواع الترب الأرضية. كما تعتبر المعادن الصلصالية الموجودة  في التربة أكثر شراهة للماء، فإذا وصلها الماء امتصته بسرعة، فتتميأ، مما يؤدي إلى زيادة حجمها، ثم تهتز و تربو إلى أعلى، لتفسح طريقا آمنا لسويقة النبتة المنبثقة من داخل البذرة المدفونة في التربة. و التربة بذلك تعتبر وسطا رئيسيا لخروج النبات طيبا نقيا، و ذلك ما لم يتدخل الإنسان بإفسادها و تغيير هذا الوسط، و ذلك بتغيير مقياس الرقم الهيدروجيني. فعندما يقل الرقم الهيدروجيني عن سبعة يصبح وسط التربة حمضيا، و إذا زاد الرقم الهيدروجيني عن سبعة يتحول إلى وسط قاعدي. و في كلا الحالتين تحدث مشاكل عديدة للنباتات المتواجدة تحت هذه الظروف.

المكون الثالث للوسط البيئي: الهواء

يحتوي الهواء على نسبة كبيرة تمثل (99 ٪   تقريبا ) من غازي النيتروجين (N2)، و الأكسجين (O2)، و يعتبر غاز النيتروجين صاحب النصيب الأوفر من هذه النسبة، حيث يمثل (78 ٪)، و هو غاز خامل لا يساعد على الاشتعال و غير قابل للذوبان في الماء. و من آيات الله سبحانه و تعالى، أن نسبة غاز النيتروجين العالية مقدرة تقديرا دقيقا من قبل الخالق العليم الخبير. إذ لو كانت نسبته أقل من ذلك و حدث أن سقطت شرارة كهربائية من الفضاء الخارجي نحو الأرض، لاحترق كل شئ على سطح الأرض.

أما الأكسجين فيمثل (21٪) و هو غاز نشيط يساعد على الاشتعال، و قابل للذوبان في الماء من أجل الأحياء المائية، التي تعتمد أساسا في حياتها على الأكسجين المذاب في الماء، و الذي يتجدد من خلال قدرة الماء على امتصاصه و احتوائه.

 أما النسبة الباقية (1٪) فيمثلها عدد كبير من الغازات، منها غاز الأرجون (0.94 ٪)، و ثاني أكسيد الكربون (0.3 ٪) و الهيدروجين (0.01 ٪)، إضافة إلى: أول أكسيد الكربون، و ثاني أكسيد الكبريت، و الهيليوم، و الميثان، و الأوزون، و الكربيتون، و النيون، و الزينون، و غيرها. و النسبة الضئيلة جدا من ثاني أكسيد الكربون (0.3 ٪)، مقدرة تقديرا دقيقا من قبل الله عز و جل، و هي بمثابة صوبة الأرض، حيث أودع الله فيها خاصية امتصاص الموجات الحرارية الأرضية (الأشعة تحت الحمراء)، و الاحتفاظ بها في الغلاف الجوي بما يعطي لهذا الغلاف هذه الدرجة المناسبة من الحرارة التي تسمح بوجود الحياة.

و هناك مصادر عديدة تؤدي إلى تلوث الهواء، منها : انبعاث الغازات السامة من المصانع و المركبات و استخدام الطاقة. و قد تبين للعلماء أن تزايد نسبة ثاني أكسيد الكربون لا ترجع فقط إلى تزايد استهلاك مصادر الوقود الأحفوري (الفحم، النفط، الغاز الطبيعي)، و إنما ترجع أيضا نتيجة التدهور و الدمار الذي أصاب الغطاء النباتي، و هو المختزل الرئيسي لثاني أكسيد الكربون.

أهم أسباب خبث الوسط البيئي:        

يشير قوله تعالى «… وَالَّذِي خَبُثَ…» إلى خبث الوسط البيئي الذي يحيط بالمحتوى الحيوي، فإذا تأثر هذا الوسط بأي من ملوثات التربة أو الماء أو الهواء، فإنه يؤثر تأثيرا سلبيا على نوعية خروج النبات، فيحوله من نبات طيب إلى نبات نكد، و هذا يؤكد ما جاء في تفسير الطبري (رحمه الله) والذي خبث، فردؤت تربته وملحت مشاربه، لا يخرج نباته إلا  نكدا.

ومن أهم أسباب خبث الوسط البيئي هي: عملية التمليح، عملية الصودية، عملية التحميض، التلوث بالفلزات الثقيلة. و التي نتناولها بشئ من التفصيل في السطور التالية.

1.    عملية التمليح (Salinization)

تـُعرف التربة الملحية عادة على أن توصيلها الكهربائي لعجينة التربة المشبعة أكبر من المدى 4  مليموز/ سم ، والنسبة المئوية للصوديوم المتبادل (ESP) أقل من 15 ، ونسبة الصوديوم المدمَص (SAR) أقل من 13. و الكاتيونات الهامة التي توجد في التربة الملحية هي: الصوديوم (Na+)، و الكالسيوم (Ca2+)، والماغنسيوم  (Mg2+)، و البوتاسيوم (K+). أما الأيونات الأساسية فهي: أيونات الكلور (Cl-)، و الكبريتات (SO4–)، و البيكربونات (HCO3-)، و الكربونات (CO3–)، و النيترات (NO3-)، ويتواجد أيون البيكربونات  نتيجة لتفاعل ثاني أكسيد الكربون مع الماء،  ويكون مصدر ثاني أكسيد الكربون إما الهواء أو نتيجة لتنفس جذور النبات وميكروبات التربة. وعادة ما يتواجد أيون الكربونات  فقط عند الرقم الهيدروجيني (pH) أعلى أو يساوي 9.5. وعند تجمع الأملاح الذائبة نجد أن أيون الصوديوم يصبح هو الأيون السائد على مقعد التبادل، و يؤدي إلى تفريق حبيبات التربة، و هذا بالتالي يؤدي إلى عديد من المشاكل الفيزيائية في التربة، مثل: سوء الصرف، والنفاذية. وسيادة عنصر الصوديوم في عملية التبادل الكتيوني يؤدي إلى إحلال الصوديوم محل الكالسيوم و الماغنسيوم المتبادل في التربة، و ترسيب أيونات الكالسيوم و الماغنسيوم على صورة كربونات كالسيوم و ماغنسيوم.

2. عملية الصودية (Sodication)

و من مظاهر خبث الوسط البيئي كذلك عملية الصودية، و هي تعني زيادة نسبة الصوديوم، حيث يكون فيها النسبة المئوية للصوديوم المتبادل (ESP) أعلى من 15 ، والتوصيل الكهربائي لمستخلص عجينة التربة المشبعة أقل من المدى 4 مليموز/سم ، و الحد الأدنى لنسبة الصوديوم المدمص (SAR) في مستخلص عجيبة التربة المشبعة هو 13 ، و ينحصر مدى الرقم الهيدروجيني (pH)  للتربة الصودية بين  8.5 – 10، ويعزى ذلك إلى تحلل كربونات الصوديوم (Na2CO3). وتتواجد أيونات الكلوريد و الكبريتات و البيكربونات في محاليل التربة الصودية بكميات كبيرة و بدرجة أقل من الكربونات. و نتيجة ارتفاع الرقم الهيدروجيني و وجود الكربونات يحدث ترسيب لأيونات الكالسيوم و الماغنسيوم، و بالتالي تكون كمية الكالسيوم و الماغنسيوم في المحلول الأرضي قليلة. و تتميز الأراضي القلوية بالخواص الطبيعية السيئة، مثل: سوء التهوية، و النفاذية، و الرشح، التي ترتبط ارتباطاً مباشراً بسيادة كاتيون الصوديوم على مقعد التبادل، بالإضافة لوجود سيليكات الماغنسيوم المترسبة خلال تكوين الأراضي القلوية.

  3. عملية التحميض (Acidification)

و تعرف عمليات التحميض بأنها زيادة ثاني أكسيد الكبريت (SO2) والذي يسبب تكون حمض الكبريت (H2SO4)، و أكاسيد الآزوت المختلفة الذي يؤدي إلى تكون حمض الآزوت (HNO3)،  و من هنا يتبين لنا أن الأمطار الحمضية تتشكل نتيجة لتلوث أجواء البلاد الصناعية بالغازات الحمضية، كثاني أكسيد الكبريت  و أكاسيد الآزوت المختلفة كما يتضح من (شكل 2)،  و التي يعطي تفاعلها مع الرطوبة الموجودة في الغيوم قطرات الحموضة مع الأمطار أو الثلوج، لتضاف إلى المحتوى المائي على سطح الأرض كالبحيرات والأنهار و النباتات، مما يؤدي إلى تلوثها.

 

شكل (2) : يبين سقوط الأمطار الحمضية نتيجة لتلوث أجواء البلاد الصناعية بالغازات الحمضية كثاني أكسيد الكبريت  وأكاسيد الآزوت المختلفة.

 

4. التلوث بالفلزات الثقيلة (Heavy metals)

تعتبر الفلزات الثقيلة، مثل: الرصاص، و الزئبق، و الكادميوم، و الزرنيخ، و السيلنيوم، من أخطر المواد السامة التي تلوث التربة و الماء و الهواء، مسببة أضرارا فادحة بالإنسان و الحيوان و النبات. و من أهم مصادر هذا التلوث: مخلفات و نفايات المصانع، و صهر المعادن، و احتراق الفحم، و عوادم المركبات.

 و يتم انتقال العناصر الثقيلة من الجزء الصلب (التربة) إلى قمة النبات عن طريق خمس خطوات أساسية، و تعرف باسم العمليات  التي تتحكم في صلاحية العناصر (Availability of elements) و هي كما يلي:

أ‌)       ذائبية وتحرر العناصر (Desorption or dissolution):

و هذه الخطوة قد تكون سريعة أو بطيئة و يتوقف ذلك على العنصر نفسه، و تقل صلاحية العنصر للنبات إذا ما كان انطلاق وتحرر العنصر من الصورة الصلبة ضعيفا، أو درجة ذوبان الصورة الصلبة ضعيفا.

ب) الانتشار (Diffusion)

و هذه الخطوة تكون بطيئة جدا للعناصر الصغرى و ذلك لأن انخفاض تركيز هذه العناصر في المحلول الأرضي ينتج عنه صغر كمية الأيونات التي تتحرك بواسطة الانتشار. أما بالنسبة للعناصر الأخرى التي تتواجد بتركيزات كبيرة في المحلول فيكون الانتشار هاما جدا وسريعا.

جـ) الامتصاص أو الترسيب (Sorption or precipitation)

يحتمل أن يحدث امتصاص على حبيبات التربة بعد تحرره و انطلاقه و ذلك قبل أن يصل إلى الجذر. و هذه العملية قد تحد من حركة صور بعض العناصر في التربة التي تحتوي على مستويات عالية من الطين و الهيومس.

د) الامتصاص بواسطة الجذور (Absorption by roots )

يتوقف امتصاص العناصر بواسطة الجذور على تركيز هذه العناصر في المحلول الأرضي القريب من الجذور، و ينشأ ما يسمى تأثير منطقة الجذور (Rhizosphere effect).  و يتم ذلك عن طريق تغيير خواص التربة في هذه المنطقة، مثل: درجة الحموضة pH، و جهد الاختزال (Redox potential).

هـ) انتقال العنصر داخل النبات (Translocation in plant)

انتقال العناصر من الجذور إلى قمة النبات يعتبر الخطوة الأخيرة في صلاحية العناصر. و هي عملية بيولوجية تخرج عن نطاق كيمياء التربة. و سلوك انتقال العناصر داخل النبات يعتبر عملية معقدة، و لكن أفضل ما يشار إليها علميا هي اختلاط الماء بأنسجة النباتات و خلاياه.

ثالثا: خروج النبات نكدا:

تشير الآية الثامنة والخمسين من سورة الأعراف التي نحن بصددها في قوله تعالى « وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا» إلى تأثر النبات بما يحيط به من وسط، و عند خبث الوسط يتبعه ظهور النبات نكدا، و كما جاء في تفسير القرطبي في قوله تعالى «نَكِدًا» و هو العسر الممتنع من إعطاء الخير.

و مما لاشك فيه، فإن جميع ما ذكرناه من ظواهر بيئية، ( كالتمليح، وزيادة الصودية، و التحميض، و زيادة تركيزات العناصر الثقيلة )،  تؤدي جميعا إلى تحول الوسط الطيب الجميل إلى وسط خبيث، يُخرج نباتا نكداَ.

 و سوف نحاول – بإذن الله – في الفقرات القادمة توضيح بعض الدراسات الميدانية للدور الذي تلعبه الظواهر البيئية، السابق ذكرها، في خبث الوسط وخروج النبات نكدا، وذلك كما يلي:

1. تأثير التمليح و الصودية على  نكد النباتات:

تؤثر ملوحة و صودية التربة بدرجة كبيرة على نمو النبات كما في (شكل 3).  فالصودية  يمكن أن تسبب سُمّية النباتات، بالإضافة إلى مشاكل التغذية المعدنية مثل نقص الكالسيوم.

 ولقد قام الباحث باستخدام معايير قياس الصودية  بواسطة نسبة الصوديوم المدمص (SAR)  في منطقة بهتيم (شمال القاهرة).

ولقد أكدت الدراسة على زيادة نسبة الصودية في التربة نتيجة لزيادة كل من  ملوثات صرف المصانع، ومعدل انفصال الصوديوم من عملية التجوية الجيوكيميائية. و لتقييم مدى خصوبة التربة، أدخلت النتائج الجيوكيميائية المتكاملة التي حُصل عليها في نموذج ديناميكي (نموذج البروفيل)، و ذلك لحساب معدلات التجوية الكيميائية. و لقد وجد أن انفصال العناصر المغذية للتربة في المنطقة الصناعية الملوثة، يقدر بحوالي (6.47 كيلومكافئ/هكتار/سنة)، و كانت معدلات انفصال العناصر الرئيسية المغذية للتربة تشير بارتفاع تركيزات الصوديوم كالتالي: صوديوم ( 3.29 كيلومكافئ/هكتار/سنة)، كالسيوم (1.63 كيلومكافئ/هكتار/سنة)، ماغنسيوم (1.39كيلومكافئ/هكتار/سنة)، بوتاسيوم (0.16 كيلومكافئ/هكتار-سنة).

شكل (3) : يبين تأثير الملوحة والصودية على النبات . 

 

أما في التربة الملحية، فإن وجود تركيزات عالية من الأملاح الذائبة، مثل: أملاح الكلوريد، والكبريتات، والبيكربونات، والصوديوم، والكالسيوم، وأحيانا البوتاسيوم، يؤثر تأثيرا سيئا على النبات نتيجة لخفض الجُهد الأسموزي. و لذا نجد في أماكن متعددة بمصر حيث تتحول الأراضي من تربة خصبة، فيها نباتات مثمرة، إلى تربة ملحية، تظهر بها نباتات نكدة، كما يتضح من (شكل 4 ).

أ‌)       المنطقة جيدة        ب) المنطقة تأثرت      جـ) المنطقة بعد زيادة

 قبل زيادة الملوحة                جزئيا بالملوحة           الملوحة و ظهور

                                  و بداية تدمير النبات       نباتات نكدة

شكل (4):  خطوات زيادة الملوحة في منطقة الفيوم بمصر وظهور نباتات نكدة.

 

2. تأثير المطر الحمضي على  نكد الغابات:

لقد أثبتت كذلك دراسات الباحث منذ ما يزيد عن عشر سنوات ، أن سقوط الأمطار الحمضية على الغابات في الجمهورية التشيكية أخذت تتزايد، لدرجة أنها بدأت تؤثر على المحيط الحيوي برمته، و تهدد الغابات و الأشجار و تصاب بظاهرة الموت التراجعي “Dieback” ، حيث تموت الأشجار واقفة كما يقولون، إذ تتلف الأوراق العلوية المعرضة مباشرة للمطر الحمضي، والذي يقتل المادة الخضراء فيها، ثم ينتقل التأثير بعد ذلك إلى الأوراق التحتية كما في (شكل ).

و لقد أكدت الدراسات أن مساحة كبيرة من الغابات تقدر بنحو 560 ألف هكتار أي حوالي 7‚7٪ من مجموع مساحات الغابات في ألمانيا قد دمرت أو أتلفت بدرجات متفاوتة، نتيجة المطر الحمضي والضباب الحمضي.

و يشكل إنتاج الغابات نحو 15٪ من الإنتاج الكلي للمادة العضوية على سطح الأرض.  و يكفي أن نتذكر أن كمية الأخشاب التي يستعملها الإنسان في العالم تزيد عن 2.4 مليار طن في السنة، كما إن غابات الحور المزروعة في واحد كيلومتر مربع تطلق 1300 طن من الأكسجين، و تمتص نحو 1640 طنا من ثاني أكسيد الكربون خلال فصل النمو الواحد. و مما لاشك فيه أن هذا الدمار الكبير يحدث نتيجة تزايد الأمطار الحمضية، و يؤدي إلى جعل الغابات نكدة لما لها من تأثير مخل للنظام البيئي.

شكل (5):  يوضح أثر المطر الحمضي على نكد الغابات.

 

كذلك تؤثر الأمطار الحمضية في النباتات الاقتصادية ذات المحاصيل الموسمية، فهي تجرد الأشجار من أوراقها، وبالتالي تجعل الامتصاص يضطرب في الجذور، و هذه النتيجة تؤدي لحدوث خسارة كبيرة في المحاصيل، علما بأن أكثر الأشجار تأثرا بالأمطار الحمضية هي الصنوبريات في المرتفعات الشاهقة، نظرا لسقوط أوراقها قبل أوانها، مما يفقد الأخشاب جودتها، و بذلك تؤدي إلى خسارة اقتصادية تتمثل في تدمير الغابات وتدهورها.

3. تأثير الفلزات الثقيلة على  نكد الزروع:

قد تظهر النباتات يافعة وجميلة. و لكن للأسف الشديد تكون أكثر فتكا وهلاكا إذا نمت وأينعت في وسط بيئي خبيث مليء بالعناصر الثقيلة، الناتجة من مخلفات و نفايات المصانع و غيرها. و هذه النباتات الملوثة بالعناصر الثقيلة تعتبر مثل القنبلة الموقوتة، فإذا ما أكلها الإنسان فتكت بأحشائه مسببة له مشاكل صحية عديدة. فمثلا زيادة تركيزات الرصاص، داخل المحاصيل الزراعية، تسبب إصابة الإنسان بأمراض في الجهاز العصبي والهضمي والكلى والدم، فضلا عن مرض الأنيميا. و يعد الرصاص من أهم العناصر الثقيلة التي تساهم في التأثير على مخ الأطفال خاصة والكبار عامة. كما يعتبر الزئبق من المعادن التي قد تختلط مركباته بالتربة و الماء ، و يسبب التلوث بمركبات الزئبق في إصابة الإنسان بالأمراض السرطانية واضطرابات في الجهاز العصبي المركزي والتهاب اللثة والكلى. و يعتبر مثيل الزئبق (Methyl Mercury) من أحد مركباته العضوية، والتي لها قدرة كبيرة على الذوبان في الشحم و الأعصاب المحيطة، و ينتقل عبر مشيمة الحامل إلى الجنين مسبباً تشوهات خلقية و عقلية. و يعتبر الكادميوم من  المعادن التي تلوث التربة و الماء و المحاصيل الزراعية.

و لقد دلت الدراسات على إن تلوث التربة و الماء بالكادميوم يؤدي إلى إصابة الإنسان بأمراض الكلى والرئة و القلب والعظام.

المبادرات الدولية تجاه المشاكل البيئية

إن موضوع خبث الوسط البيئي وخروج النباتات نكدة، من الموضوعات الخطيرة، ولذا نجد أن العالم قد توجّه إلى محاولة حل كثير من المشاكل البيئة ودراسة أسباب خبث الوسط البيئي. و لقد عُقدت العديد من الندوات والمؤتمرات العلمية في هذا الشأن، نذكر بعضها بإيجاز:

·        ففي عام 1954م عقد مؤتمر دولي لمنع تلوّث البحار بالنفط.

·         وفي عام 1968م عقد مؤتمر للبيئة من قبل الجمعية العامّة للأممّ المتّحدة للبحث عن حلول لمشكلات التلوّث وغيرها.

·         وفي عام 1972م عقد مؤتمر للأمم المتحدة في مدينة استوكهلم السويدية وحضرته كافّة الدول.

·        وفي عام 1975م عقدت ندوة عالميّة للتربية البيئية والبحار في بلجراد.

·         وفي عام 1978م عقدت ندوة في مدينة تبليس في جورجيا للتعليم البيئي والتوعية البيئيّة.  وفي نفس العام أصدرت الجمعية العامة للأمم المتّحدة قراراً حول البيئة.

·        وفي عام 1992م عقد مؤتمر الأمم المتّحدة للبيئة والتنمية في البرازيل ، عرف بقمّة الأرض ، وشاركت فيه 178 دولة.

·        وفي عام 1995م عقد المؤتمر العالمي للمناخ في برلين الألمانية.

وأخيراً شارك الباحث في المؤتمر السابع لتحميض الأمطار 2005 ، في مدينة براغ،  وذلك لحماية المكونات البيئية المختلفة من تلوث الأمطار الحمضية والذي يحول النبات إلى نبات نكد.

و هذا ما تمت مناقشته في المؤتمر وأخذت من أجله التوصيات في ختام المؤتمر و كأن حال المؤتمريين يتمحور في الحفاظ على النظام البيئي وعناصره من هواء و تربة  و ماء على هدي ما قاله الله عز و جل : « ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» [سورة الروم : 41].

هدي الإسلام في رعاية البيئة النباتية:

نستطيع أن نقول أن الزراعة من أهم الموارد الأساسية التي تحمي بيئة الأرض، و أن حياة جميع الكائنات مرهونة بالورقة الخضراء و لذا أولاها الإسلام عناية متميزة. ولقد نهى الإسلام عن الفساد وإتلاف الزرع والحرث بقطعه أو حرقه لغير منفعة، فقال الحق، عز وجل، : « وإذا تولى سعى في الأرضِ ليُفسدَ فيها ويهلكَ الحرثَ والنسل واللهُ لا يحبُ الفساد»  [سورة البقرة: 20].  ولقد حضت السنة النبوية الشريفة كذلك على الاهتمام بالنباتات ورعايتها. فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يغرس غرساً، أو يزرع زرعاً؛ فيأكل منه طير، أو إنسان، أو بهيمة، إلا كان له به صدقة)  رواه البخاري، وعن أنس أيضا، كما أخرجه مسلم في كتاب [المساقاة]، باب (فضل الغرس والزرع)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها)  رواه ابن عدي.

ولا شك أن تلوث النبات هو ضرر يحيق بالبيئة الزراعية، وينتقل أثره بالتالي إلى كل الكائنات الحية التي تعتمد في غذائها على النباتات بما في ذلك الإنسان. و لقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم  عن التسبب في وقوع الضرر وإلحاقه بالآخرين ، فقال في الحديث الشريف الذي رواه عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا ضرر و لا ضرار» – رواه ابن ماجه  والإمام مالك في الموطأ. والقاعدة الفقهية تقول: (درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة)، بمعنى أن منع الضرر و الفساد مقدم على أي منفعة عند استغلال البيئة.

و الحقيقة أن هذه الآيات العظيمة والأحاديث النبوية الشريفة هي دعوة صريحة تربي فينا الحس البيئي الإسلامي  والسلوكيات البيئية الإيجابية نحو الاهتمام بزيادة المساحات الخضراء في  كل مكان. فالإسلام دستور يتمتع بنظرة أعمق و أوسع للبيئة، حيث طالب الإنسان و حثه أن يتعامل مع البيئة من منطلق أنها ملكية عامة  يجب المحافظة عليها حتى يستمر الوجود. فقال تعالى: » وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ« [الأعراف / 85].  و من ثم جاءت العقوبة العادلة الإصلاحية من الله عز وجل إذا تمادينا في الفساد، لعلنا نفيق و نقلع عما نحن فيه، في قول الحق تبارك وتعالى:  «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» [سورة الروم : 41]. فالآية تشير بجلاء ووضوح إلى التلوث الذي يفسد البر والبحر، نتيجة ً لما تصنعه يد الإنسان و ما يمارسه من تدخل في إفساد جمال وروعة الكون وطبيعته. فعدل الله في هذه الآية، أن العقاب من جنس العمل. و هي تشير أيضا إلى الضرر البالغ الذي يحل بالإنسان نتيجة عمله هذا و ممارسته غير الراشدة، حيث قال تعالى : « ليذيقهُم بعض الذي عَمِلوا».  فإذا فسد الناس تركهم الله سبحانـه وتعالى وشأنهم حتى يذوقوا بعض نتائج أعمالهم، لعلهم يرجعون وينتهون عما يغضب الله سبحانه وتعالى.

وجه الإعجاز:

تناول هذا البحث توضيح الإعجاز العلمي في الآية 58 من سورة الأعراف، قوله تعالى: «وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ». حيث تشير هذه الآية بإعجاز علمي بالغ الدقة، عن أهم عوامل تغيير نعمة الله علينا، و تحول النباتات الطيبة البهيجة، إلى نباتات نكدة لا فائدة منها، و ذلك نتيجة لخبث الوسط البيئي الذي كانت تعيش فيه.

كما يبطن، في هذه الآية الكريمة، التوجيه الإلهي العظيم نحو المحافظة على الوسط البيئي نظيفا، حتى يخرج لنا نباتا طيبا بهيجا.

و لقد توجهت حكومات دول العالم منذ النصف الثاني من القرن العشرين إلى الاهتمام بالمحافظة على الوسط البيئي و الحفاظ عليه نظيفا، فعقدت من أجل ذلك العديد من الندوات و المؤتمرات، و لقد سبق للقرآن الكريم إقرارها قبل و قوعها بأربعة عشر قرن أو يزيد. فطالب الإنسان بأن يتعامل مع البيئة من منطلق أنها ملكية عامة يجب المحافظة عليها حتى يستمر الوجود، كما قال تعالى : « وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ« [الأعراف / 85].  ولا يمكن لعاقل أن يتصور مصدرا لتلك الإشارة القرآنية الباهرة غير الله الخالق (تبارك و تعالى). و لتبقى هذه الومضة القرآنية الباهرة شهادة صدق بأن القرآن الكريم هو كلام الله عز و جل، و أن سيدنا و نبينا محمد صلى الله عليه  و سلم كان موصولا بالوحي و أن القرآن الكريم  وهو معجزته الخالدة إلى قيام الساعة.

يمكن التواصل مع المؤلف:

هاتف جوال: 0020127138419

البريد الإلكتروني: [email protected]


المراجع العلمية:-

أولا: المراجع العربية:

–         القرآن الكريم

–         تفسير الطبري

–         تفسير ابن كثير

–          تفسير القرطبي

–          فتح القدير

–         الأحاديث النبوية الشريف

–         المعجم الوسيط

–         مواقع الإنترنت المختلفة.

·        أ. محمد عبد القادر الفقي – البيئة مشاكلها و قضياها و حمايتها من التلوث – مكتبة الأسرة–صفحة 13 – 1999م.

·        د. زين الدين عبد المقصود غنيمى – البيئة من منظور إسلامي – الكويت 1990م.

·   د. أحمد عبد العزيز مليجي – التقرير النهائي (2003م) لمشروع ممول من أكاديمية البحث العلمي  و التكنولوجيا – 110 صفحة –  تحت عنوان:  “تأثير التحميض و الأنشطة الزراعية علي معدلات التجوية و التوازن الكمي الجيوكيميائي في التربة – شبرا الخيمة – مصر”.

·   د. أحمد عبد العزيز مليجي بحث مقدم إلى النـــدوة العالميـــــــة للجيوكيميـــــــــاء البيئيــــــــــة- في مدينة إدنبره – اسكتلندا-  7-11 سبتمبر 2003.

·   د. أحمد عبد العزيز مليجي –التوازن الكمي الجيوكيميائي لبعض المعادن الثقيلة المتواجدة  في نظام بيئي صغير بمصر- المجلة المصرية لعلم الرسوبيات- مجلد 11- صفحة 185-193 – 2003.

·   د. أحمد عبد العزيز مليجي – المؤتمر العالمي السابع للإعجاز العلمي في القرآن والسنة- المجلد الثالث – المحور الثالث-2004.

·        د· علي علي السكري: البيئة من منظور إسلامي، منشأة المعارف، الإسكندرية- ص 16- 1995.

·        أ. عبد العظيم أحمد عبد العظيم: الإسلام و البيئة، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، ، ص 54 – 1999 ·

·        أ. عبد الله النعنيش.  منبر البيئة. المجلد (6). العدد (2) صفحة 7 (يونيو 1993).

·   د. عز الدين الدنشارى ،  د. الصادق أحمد طه – سموم البيئة (أخطار تلوث الهواء والماء والغذاء)، دار المريخ للنشر، 1994.

·        أ.  درويش الشافعي – الهواء الملوث – مجلة البيئة – العدد 79 – مارس 1989.

·   د.عبد البديع حمزة زللي- أخطار الرصاص الصحية والحماية الربانية – مجلة الإعجاز العلمي-العدد الخامس عشر- صفحة 38 -43- 2003.

·        د. السيد أحمد الخطيب – الكيمياء البيئية للأراضي – منشأة المعارف بالإسكندرية للنشر ، 454 صفحة- 1998.

·        دليل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للإدارة و البيئة و التنمية القابلة للاستمرار- 1992.

ثانيا: المراجع الأجنبية:

Balek, J., Moldan, B., Paces, T. and Skorepa, J., 1978, Hydrological and geochemical mass balance in small forested and agricultural basins. Proc. Symp. Modelling the water quality of hydrological cycle. IAHS-AISH publ. vol.125, p.50-57.

Borman, F.H. and Likens, G.E., 1967, Nutrient cycling. Science vol. 155, p.424-429.

Christofersen, N.,  and Wright, R.F., 1981, Sulphate budget and a model for sulphate concentrations in stream water at Birkenes, Norway. Water Res. Res., 17, p.377-389, Washington.

Claridge, G.G.C., 1970, Studies in elemental balances in a small catchment at Taita, New Zealand. Proc. IASH, UNESCO Symp. On Results of Research on Representative and Experimental Basins, p.23-540, Wellington. 

Henriksen, A. and Brakke, D.F., 1988, Increasing contributions of nitrogen to the acidification of surface waters in Norway, Water, Air and Soil Pollut. Vol.42, p.183-201.

Johnson, N.M., Driscoll, C.T., Eaton, J.S., Likens, G.E. and McDowell, W.H., 1981, “Acid rain”, dissolved aluminum and chemical weathering at the Hubbard Brook Experimental Forest, New Hampshire. Geochim. Cosmochim. Acta 45, p.1421-1437.

Melegy, A., 1998, Biogeochemical mass balance and its relation to chemical weathering during acidification of soil environments. Ph.D. Thesis, Faculty of Natural Science, Charles University, Czech Republic.

Moldan, B., Balek, J., Fottova, D. and Paces,T., 1979, Sulphur budgets in some small catchments in Central Europe. Int1. Symp. Sulphur emissions and the environment p.231-233, The Soc. Chem. Industry, Water and Environmental Group, London.

Paces, T., 1985, Sources of acidification in Central Europe estimated from elemental budgets in small basins. Nature, Vol. 315, No. 6014, p. 31-36.

Swaine, D.J., 1962, The trace-element content of fertilizer. Commonwealth agricultural Bureau, Farnham Royal, Bucks, England.

Ulrich, B., 1983, An ecosystem oriented hypothesis on the effect of air pollution on forest ecosystems. In: Ecological Effects of Acid Deposition. Nat1. Swedish. Environ. Prot. Board-Report PM 1636, p.221-231, Stockholm.

Ayers, R.S., and Westcot, D.W. (1976). Water quality for agriculture, Irrig. Drain.No. 29. Food and Agriclture Organization of the United Nations, Rome.

Bresler, E., McNeal, B.L., and Carter, D.L. (1982). “Saline and sodic soils. Princibples-Dynamics-Modeling.” Springer-Verlag, Berlin.

Bower, C.A., Spencer, J.R. and Weeks, L.O. 1969. Salt and water balance, Coachella Valley, California. Irrig. and Drainage Div., Proc. Amer. Soc. Civil Eng. 95:55-64.

Goldich, S.S. (1938): A study in rock weathering. Journal of Geology Vol. 46, p. 17-58.

Goudie, A.S. 1990. Soil salinity- causes and controls. p 110-111 in Techniques for Desert Reclamation. England, John Wiley and Sons, Ltd.

Lepp, N.W. (1981). Effects of Heavy Metal Pollution on Plants – Vol.1. Effects of Trace metals on plant flinctions. Applied Science Publishers. London.

Likens, G.E., F.H., Bormann, N.M. Johnson and R.S. Pierce (1967):  The calcium, magnesium, potassium and sodium budgets for a small forested ecosystem, Ecology, 48, 772-785. 

Sayegh, A.H., Alban, L.A. and Petersen, R.G. 1958. A sampling study in a saline and alkali area. Soil Sci. Soc. Amer. Proc. 22:252-254.

Schilfgaarde, J.V. 1974. Drainage for salinity control. Drainage for Agriculture 17:433-461.

Szabolcs, I. 1979. Introduction. pp. 9-10 in Review of Research on Salt Affected Soils. Paris, United Nations.

Wilcox, L.V. and Resch, W.F. 1963. Salt balance and leaching requirement in irrigated lands. USDA Tech. Bull. 1290, 23 p.

*   *   *   *


الوسوم:

مقالات ذات صلة