نعمة الله في جعل الأرض “ذلولاً ودلالاتها العلمية والجغرافية
فراس وليد
السبت/أغسطس/2024
السبت/أغسطس/2024
إن تأمل الإنسان في الطبيعة وما حوله يقوده إلى استشعار نعم الله العظيمة عليه. في قوله تعالى: ” هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)” [الملك: 15]، يأتي وصف الأرض بكونها “ذلولًا” كمفتاح لتفهم النعمة العظيمة التي منّ الله بها على البشر. فالأرض ليست مجرد كوكب يعيش عليه الإنسان، بل هي أيضًا مهيأة بطريقة مثالية لتلبية احتياجاته وتسهيل معيشته. ولكن ماذا تعني هذه الطواعية من وجهة نظر علمية وجغرافية؟ وما هي الأدلة العملية التي تبرز تسخير الأرض للإنسان بشكل يمكنه من المشي فيها والعمل والاستفادة من مواردها؟
الأرض “ذلولًا” من الناحية اللغوية والشرعية
كلمة “ذلول” في اللغة تشير إلى الطاعة والانقياد والتسخير ، وهي تستعمل لوصف شيء أو كائن يكون طائعاً وسهل التحكم فيه. في هذا السياق، وصف الأرض بـ”ذلولًا” يعني أنها مهيأة لتكون صالحة للعيش والعمل والاستفادة منها. هذه الآية تشير إلى حالة من التوازن الطبيعي التي تجعل من الأرض مكانًا صالحًا للحياة، بحيث يسهل على الإنسان الانتقال فيها والانتفاع بخيراتها دون عناء كبير.
الطواعية الجغرافية للأرض:
من الناحية الجغرافية، نجد أن الأرض تتميز بتنوع تضاريسها الطبيعية، والتي بالرغم من تحدياتها، إلا أنها مهيأة لاستغلال الإنسان لها. فالأرض تمتاز بوجود الجبال والسهول والهضاب والوديان، وهذا التنوع يخلق فرصًا عديدة للاستفادة من الموارد المختلفة. فعلى سبيل المثال:
• السهول: توفر الأراضي المسطحة المساحات الشاسعة للزراعة والبناء، مما يسهم في استقرار المجتمعات البشرية.
• الوديان والأنهار: تعد مصدراً هاماً للمياه العذبة، والتي تمثل عصب الحياة في أي مجتمع بشري.
• الجبال: بالرغم من صعوبتها، إلا أنها تحتوي على موارد معدنية كبيرة، وتعمل كحواجز طبيعية تحمي المناطق من الكوارث البيئية.
الأدلة العلمية من علوم الأرض:
من وجهة نظر علوم الأرض، تتسم الأرض بمجموعة من الخصائص التي تجعلها “ذلولًا” للإنسان. أهم هذه الخصائص تشمل:
1. الغلاف الجوي: الذي يعمل على حماية الأرض من الإشعاعات الكونية الضارة ويساعد في تنظيم درجات الحرارة. هذا النظام الدقيق يسمح بالحفاظ على بيئة ملائمة للحياة.
2. قشرة الأرض: التي تعد متينة بما يكفي لتقديم الدعم للبناء والزراعة، لكنها في نفس الوقت مرنة بما يكفي لامتصاص الزلازل والحركات الأرضية دون تدمير شامل للبشرية.
3. الصفائح التكتونية: التي تتحرك ببطء شديد تحت سطح الأرض. هذه الحركات تساهم في إعادة تدوير المعادن والمواد العضوية التي تعتبر ضرورية للحياة.
الطواعية الاقتصادية للأرض
إن وصف الأرض بـ”ذلولاً” يشير أيضاً إلى الموارد الاقتصادية التي توفرها. حيث تنتشر الموارد الطبيعية في جميع أنحاء العالم وتتنوع بين:
• المعادن والثروات المعدنية: مثل الذهب والفضة والنفط والغاز الطبيعي. هذه الموارد تعزز الاقتصاد العالمي وتدعم التقدم التكنولوجي.
• الزراعة: بفضل التربة الخصبة في مناطق شاسعة من العالم، يمكن للبشر زراعة مختلف أنواع المحاصيل الغذائية التي تغذي مليارات البشر.
• المسطحات المائية: توفر الأسماك والموارد البحرية الأخرى، بالإضافة إلى دعمها للصناعات البحرية والنقل المائي.
استمرارية الطواعية عبر الزمن:
الأرض ليست فقط “ذلولاً” الآن، بل استمرت على هذا الحال عبر العصور. التكيف المستمر بين الأرض والإنسان يعكس استمرارية هذه النعمة عبر التاريخ. فعلى الرغم من الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والبراكين، إلا أن الأرض تستعيد توازنها الطبيعي وتواصل دعم الحياة عليها.
الابتكارات الحديثة ودورها في الاستفادة من الأرض:
مع التقدم التكنولوجي، أصبح من الممكن للبشر استغلال الأرض ومواردها بطرق أكثر فعالية وأقل ضرراً على البيئة. الطاقة الشمسية والرياح كمصادر متجددة للطاقة تعد من الابتكارات التي تساعد في الحفاظ على الأرض واستمرارية حياتها. كما أن التكنولوجيا الجغرافية مثل أنظمة تحديد المواقع (GPS) ساعدت في تحسين فهم الإنسان لتضاريس الأرض واستغلالها بطرق أكثر فعالية.
ماذا لو جعل الله الأرض غير مذللة للبشر؟
الله سبحانه وتعالى قادر على جعل الأرض غير مهيأة للحياة البشرية، ولكن برحمته جعلها مذللة ومناسبة للحياة. ولو شاء الله لجعلها غير ذلك بعدة طرق منها :
1. قشرة الأرض: لو كانت الأرض صلبة جداً أو هشة جداً، لكان من الصعب على الإنسان الزراعة أو البناء.
2. استقرار جيولوجي: لو كانت الأرض في حالة زلازل وبراكين دائمة، لصعب الاستقرار وبناء الحضارات.
3. ظروف مناخية قاسية: كان من الممكن أن تكون درجات الحرارة على الأرض غير قابلة للتعايش، كما هو الحال في كواكب أخرى.
4. الغلاف جوي: لولا أن الله جعل الغلاف الجوي صالحاً للتنفس، لكانت الحياة مستحيلة.
5. سطح الأرض: لو كان مليئاً بالعوائق مثل الجبال الشاهقة والشقوق، لصعب التنقل عليه.
6. ندرة المياه: لو كانت المياه نادرة أو ملوثة بالكامل، لأصبحت الحياة شبه مستحيلة على سطح الأرض.
7. الأمراض والكائنات الضارة: انتشار الأمراض والكائنات الضارة كان يمكن أن يعوق حياة الإنسان بشكل دائم.
8. نقص الموارد: بدون الموارد الطبيعية مثل المعادن والنفط، كان التطور البشري سيصبح بطيئًا جدًا.
في الختام:
إن الآية الكريمة تدعونا للتفكر في كيفية تسخير الله للأرض وجعلها مهيأة لعيش الإنسان واستمرارية الحياة عليها. الطواعية التي وصفت بها الأرض ليست مجرد صفة بل هي حقيقة علمية وجغرافية تستند إلى توازن دقيق يجعل من الأرض مكاناً صالحاً للحياة والعمل والاستفادة من مواردها. هذه النعمة تتطلب منا الشكر والعمل على الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية للأجيال القادمة، كجزء من الواجب الديني والأخلاقي.