من الذي أضحك وأبكى الأجنة؟
الخميس/ديسمبر/2019
طالب دكتوراه في الكيمياء
من الذي أضحك وأبكى الأجنة؟
قال تعالى:{وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} (سورة النجم 43) سنعيش في هذه الآية الكريمة مع إشارة لطيفة من الإشارات العلمية التي يزخر بها القرآن الكريم.
إن معجزة خلق الإنسان تتجلى منذ اللحظة الأولى التي يبدأ فيها خلق الخلايا التناسلية عند الأبوين، ثم التقاء الحيوان المنوي بالبويضة لتكوين النطفة الأمشاج، ثم العلقة، فالمضغة، فالعظام التي تكسى باللحم. ثم تأتي اللحظة الحاسمة التي يتحول فيها هذا الجنين من مجموعة من الخلايا النامية إلى خلق أخر مفعم بالحياة يتحرك في أحشاء أمه، وتظهر التعبيرات الإنسانية على وجهه. ونتيجة للثورة التقنية الهائلة التي حدثت في السنوات الأخيرة في تصوير الأجنة؛ أصبحنا نرى الأجنة وهي تبتسم وتبكي في أرحام أمهاتها قبل أن ترى النور على الأرض.
تقنية جديدة لتصوير الاجنة:
لقد كانت قدرة العلماء والأطباء على تصوير الأجنة صور ثنائية البعد عن طريق الموجات فوق الصوتية؛ ثورة طبية كبيرة، حيث ترسل الموجات الصوتية إلى الرحم، ثم يتم استقبال الموجات المنعكسة منها مما يعطي صورة ثنائية البعد للجنين، وذلك أتاح للأطباء الكثير من المعلومات عن نمو الأجنة وتطورها. لكن نتيجة للثورة التقنية الرهيبة في العقدين الماضيين تمكن العالمان أولاف فون رام (Olaf von Ramm) وستيفين سميث من جامعة ديوك بالولايات المتحدة الأمريكية في عام 1987م من إحداث ثورة أخرى في هذا المجال، وذلك عن طريق إدخال البعد الثالث في عملية التصوير، وحدث ذلك بتطوير الطريقة السابقة، فبدل أن ترسل الموجات الصوتية بزاوية واحدة يتم إرسالها بعدة زوايا، ثم استقبال الموجات المنعكسة، بحيث أصبحت أجهزة الموجات فوق الصوتية تعطي صور حقيقية ثلاثية الأبعاد للأجنة، وكان هذا إنجازا عظيما لما تتمتع به هذه الصور من دقتها ووضوحها وقدرتها على إظهار التفاصيل الجسمانية للأجنة.
ثم دخل بعد ذلك البعد الرابع، وهو بُعد الزمن، ولقد تضافرت جهود العلماء في هذا المجال حتى ظهر جهاز الموجات فوق الصوتية رباعي الأبعاد (4D UltraSound)، والذي مكننا من تصوير الأجنة تصوير حي متواصل أي بمعنى آخر (تصوير فيديو).(1)
تعبيرات الوجه ليست تقليدا للأم:
لقد ظل العلماء يعتقدون أن التعبيرات التي تظهر على وجه المولود الصغير كالابتسام أو الضحك هي نتيجة لتقليد المولود لتعبيرات الأم، وكانت هذه هي النظرية السائدة.(2)
فالطفل لا يبدأ الضحك والابتسام إلا بعد عدة أسابيع من الولادة. ولكن بعد استخدام تقنية التصوير فوق الصوتي ثلاثي ورباعي الأبعاد لاحظ العلماء ظهور تعبيرات إنسانية حقيقية على وجوه الأجنة. لقد اندهش العلماء عندما لاحظوا أن الجنين في رحم أمه تارة يبكي وتارة يبتسم.
إن هذه الصور لوجوه الأجنة لم تدهش العلماء فقط؛ ولكنها تدهش كل من يراها. إن هذه الصور بالفعل تثير في النفس الإنسانية حالة من الإعجاب لا مثيل لها بخلق الله سبحانه وتعالى، وتمتزج مشاعر الرحمة من الآباء والأمهات ومن يتمنوا أن يصبحو أباءا وأمهات مع مشاعر النشوة والسعادة التي تثيرها رؤية هذا الجنين مبتسما، ومشاعر الشفقة والرقة عند رؤيته وهو يبكي.
وعند هذه المشاعر يجب أن يثار التساؤل الضروري في هذه الحالة: إذا كان الجنين لا زال في رحم أمه لم ير النور بعد، لم ير أمه تضحك ولم يرها تبكي..
إذن من علم هذا الجنين الابتسام ومن علمه البكاء؟
هذا التساؤل يطرحه العلماء فيقول د/ ستيوارت كامبل (Stuart Campbell) ” أنا لا أعرف ما وراء هذا الابتسام؟ أنا لا أستطيع الإجابة ولكن بالفعل تنفتح زوايا الفم وتتحرك الأوداج..
أن أعتقد أن في هذا دليل على البيئة الخالية من التوتر التي يوجد فيها الجنين داخل الرحم”(3) ولكن الإجابة تأتي سريعا من القرآن الكريم من هذه الآية المعجزة: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} (سورة النجم 43)، إنه الخالق عز وجل هو الذي وهب الأجنة في بطون أمهاتها القدرة على الضحك والقدرة على البكاء.
وهكذا فعندما يتطور العلم تتطابق حقائقه مع آيات هذا الكتاب المعجز، بل نجد فيه إجابات عن الأسئلة التي تحير العلماء.
ملحوظة:
(بالرغم من وجود فارق بين الضحك والابتسام في اللغة العربية؛ إلا إن الارتباط كبير بينهما وخاصة في دلالة الضحك وشموله للابتسام. وهذا مايتضح مثلا في تعليق المفسرين على قوله تعالى عن نبي الله سليمان عليه السلام: { فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا } (سورة النمل 19) يقول القرطبي: أن الضحك يستغرق التبسم، والتبسم دون الضحك وهو أوله. ويقول ابن حجر: التبسم مبادىء الضحك من غير صوت، والضحك انبساط الوجه حتى تظهر الأسنان من السرور مع صوت خفي، فإن كان فيه صوت يسمع من بعيد فهو القهقهة ، وكان من ذهب إلى اتحاد التبسم والضحك خص ذلك بما كان من الأنبياء عليهم السلام فإن ضحكهم تبسم).
البكاء والحياة:
إن هذه الآية إشارة قوية إلى كل الخلق أن الله سبحانه وتعالى هو الذي وهب أسباب الضحك والبكاء. ولكن لو تأملنا لحظات قصيرة من عمر الإنسان سنجد أن الله سبحانه وتعالى قد من عليه بأعظم نعمة في هذه اللحظات ألا وهي نعمة البكاء. ولولا البكاء في هذه اللحظات فإن حياة الإنسان تنتهي.. نعم إنها اللحظات الأولى من عمر الإنسان، إنها اللحظات الأولى التي تستقبل فيها الأرض هذا المولود الجديد.
فالفرحة والتهاني والابتسامات لا تبدأ عندما يولد الطفل، ولكن تبدأ عندما يبكي الطفل. وبدون بكاء الطفل تصبح غرفة الولادة أكثر صمتا، ويتصاعد التوتر ويزداد، فمعنى عدم البكاء هو الموت. إن البكاء يحدث تغيرات فسيولوجية أساسية لا غنى عنها لتبدأ حياة هذا المولود على الأرض.
لماذا يجب أن يبكي المولود:
إن المكون الأساسي لرئة الإنسان هي الحويصلات الهوائية، وهي التي تمتلأ بالهواء عند الشهيق، وتتم في انسجتها عمليات استبدال الغازات بينها وبين الدم، بحيث يمتص الدم منها الأوكسجين ويطرد من خلالها ثاني أوكسيد الكربون وبخار الماء. وتحتوي الرئة على 150 مليون حويصلة هوائية تمتلأ يوميا بحوالي 11 ألف لتر من الهواء خلال عمليات التنفس(4).
وهذه الحويصلات تكون في رئة المولود الجديد مضغوطة على نفسها ولذلك فهي تحتاج إلى ضغط أكبر من الهواء في أول عملية شهيق حتى تنفتح وتبدأ في تأدية وظيفتها. ولذلك فإن استثارة المولود الجديد لكي يبكي عملية ضرورية؛ لأن البكاء هو الذي يمنح شهيقه الضغط اللازم ليتغلب على انغلاق الحويصلات الهوائية على نفسها. أو كما يصف العلماء هذه اللحظة ” بأن الضربة التقليدية الخفيفة على مؤخرة المولود الجديد تجعله غاضبا للمدى الذي يجعله يقوم بالجهد اللازم لأول نفس في حياته”.(5)
ومن المعروف أن جزء من حجم الهواء الذي دخل من الشهيق الأول يعرف باسم (residual volume) يظل ثابتا في الحويصلات الهوائية بحيث لا يمكن إخراجه حتى مع الحد الأقصى للزفير، وهو الذي يمنع الحويصلات من الانضغاط على نفسها مرة أخرى. وهكذا فإن بكاء الإنسان لأول مرة يمده بهذا الحجم من الهواء الذي يحفظ حياته طوال عمره.
وبعد هذه المعلومات لابد أن نستشعر مقدار النعمة عندما يمن الله علينا بأنه أعطانا القدرة على البكاء: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} (سورة النجم 43)؛ فلولا هذه النعمة لما بدأت حياتنا على وجه الأرض.
وأخيرا يجب ألا تمر علينا هذه الآية بعد ذلك دون أن نتأمل هذا القدر الذي تحتويه من الإعجاز، وأن نشكر الله سبحانه وتعالى على نعمه التي لا تحصى. أ.هــــ
كيميائي: جمال عبد الناصر الجنايني
مدير موقع القرآن والعلم الناطق بالإنجليزية
References:
- http://en.wikipedia.org/wiki/3D_ultrasound
- Three-dimensional ultrasound is increasing our knowledge of the fetus little by little (http://www.springerlink.com/content/t57177166622807x/)
- http://news.bbc.co.uk/2/hi/health/3105580.stm
- http://health.howstuffworks.com/question98.htm