معجزة الغشاء الخلوي

يعتبر الغشاء الخلوي (cell membrane) معجزة كبرى من معجزات الخالق سبحانه وتعالى فهو ليس مجرد وعاء لحفظ مكونات الخلية المختلفة في حيز واحد بل يقوم بوظائف بالغة الأهمية تقوم عليها حياة الخلية وحياة الكائن الحي. إن غشاء الخلية الذي لا يتجاوز سمكه سبعة نانومترات يولد بين سطحيه جهدا كهربائيا يولد مجالا كهربائيا تصل شدته إلى عشرة ملايين فولت لكل متر دون أن ينهار لأنه مصنوع من المواد الدهنية التي هي أكثر المواد تحملا للجهود الكهربائية. إن هذا الجهد الكهربائي الغشائي يستخدم لأغراض كثيرة فهو يعمل كبطارية تمد بعض مكونات الخلية بالطاقة الكهربائية لتشغيلها ويقوم بتوليد النبضات الكهربائية التي تحتاجها بعض انظمة الجسم كالنظام العصبي والعضلي. ويحتوي الغشاء على الآف المكونات التي لا تتجاوز أبعادها النانومتر الواحد تعمل إما كبوابات (gates) أو مضخات (pumps) أو حساسات (sensors) أو معرفات (markers).

فالبوابات أو القنوات الأيونية تمرر المواد من خلال فتحتها وإغلاقها بإشارات كهربائية وكيميائية وميكانيكية وحرارة وضوئية. والمضخات البيولوجية تقوم بضخ الأيونات من وسط منخفض التركيز إلى وسط عالي التركيز وذلك للحفاظ على تركيز ثابت لهذه الأيونات داخل الخلية. والحساسات أو المستقبلات تمكن الخلايا من التواصل أو التراسل (Cell signaling) مع بعضها البعض وذلك للتعاون والتنسيق فيما بينها للقيام بوظائف مشتركة. وأما المعرفات فهي بروتينات متعرفة (Recognition proteins) تعمل على تحديد هوية الخلايا حيث يتم دمغ سطح كل خلية من خلايا الجسم بعلامة مميزة تسمى علامة سطح الخلية (Cell surface marker) لتؤكد أن هذه الخلية تنتمي لهذا الجسم فقط لا لغيره. ويوجد في الغشاء الخلوي مئات الأنواع من القنوات الأيونية والمضخات البيولوجية بعضها أساسية موجودة في جميع الخلايا وأخرى ثانوية موجودة في الخلايا المختصة. إن اكتشاف علماء البشر لهذه المعجزات في تصميم مختلف أجهزة أجسام الكائنات الحية وخاصة الإنسان جاء تصديقا للنبوءة القرآنية في قوله تعالى “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)” فصلت وقوله تعالى “وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)” النمل.

تعتبر الخلية الحية وحدة البناء الأساسية لأجسام جميع أنواع الكائنات الحية وفيها تكمن جميع أسرار الحياة وهي كائن حي قائم بذاته في كثير من أنواع الكائنات الحية حيث يمكنها العيش والتكاثر بمفردها. لقد أصيب علماء الأحياء بالدهشة من تعقيد تركيب الخلية الحية وما فيها من مكونات على الرغم من صغر حجمها الذي يبلغ في المتوسط عشرة ميكرومترات ولا يمكن رؤية معظم أنواعها بالعين المجردة. إن أهم الوظائف التي يجب أن تقوم بها الخلية لكي تستمر في البقاء والتكاثر هي أولا قدرتها على النمو (cell growth) وذلك من خلال إدخال الماء والغذاء والأوكسجين من الوسط المحيط وبالقدر المطلوب وذلك من خلال الغشاء الخلوي. أما الوظيفة الثانية للخلية فهي قيامها بما يسمى بالإستقلاب أو الأيض (Metabolism) والمكون من عمليات البناء والهدم فالبناء (Anabolism) هو قدرتها على استخدام المواد العضوية البسيطة لإنتاج مختلف أنواع المواد العضوية المعقدة التي تلزمها. وأما الهدم (Catabolism) فهو عكس عملية البناء وفيها يتم تحويل المواد العضوية المعقدة إلى المواد العضوية البسيطة وهي الأحماض الأمينية والأحماض الدهنية والسكريات البسيطة والأحماض النووية والتي تستخدم لبناء أنواع جديدة من المواد العضوية المعقدة أو لتوليد الطاقة التي تستخدم في عملية البناء. أما الوظيفة الثالثة للخلية فهي التواصل أو التراسل (Cell signaling) مع بقية خلايا الكائن متعدد الخلايا وذلك للتعاون والتنسيق فيما بينها للقيام بوظائف مشتركة تعود بالفائدة على جميع خلايا الجسم. أما الوظيفة الرابعة للخلية فهي قدرتها على الالتصاق (Cell adhesion) مع الخلايا الأخرى أو مع المادة فيما بين الخلايا (Extracellular matrix) وذلك لبناء مختلف أنواع الأنسجة في الجسم. أما الوظيفة الخامسة للخلية فهي قدرتها على التكاثر (reproduction) وذلك من خلال انقسام الخلية القديمة إلى خليتيين جديدتين. أما الوظيفة السادسة للخلية فهي قدرتها على قتل نفسها وهو ما يسمى بالانتحار (cell suicide) أو الموت المبرمج (Apoptosis or programmed death) والذي يستخدم للتخلص من الخلايا الزائدة في الجسم أو الخلايا المعطوبة الناتجة عن إنقسام خاطيء أو الخلايا السرطانية أو الخلايا المصابة بالميكروبات. إن أعظم أسرار الخلية هو أن جميع مواصفات الخلية وكذلك الخطوات اللازمة لتصنيعها ونموها وانقسامها وموتها قد كتبت بطريقة رقمية على شريط دقيق من الأحماض النووية يسمى الشريط الوراثي ولا يمكن للخلية أن تقوم بأدنى عملية إلا بعد صدور الأوامر من هذا الشريط.

تتكون الخلية الحية بشكل عام من مادة هلامية أو غروية رمادية اللون وشبه شفافة تسمى البروتوبلازم (Protoplasm) محفوظة في داخل غشاء رقيق يسمى الغشاء الخلوي (Cell Membrane). ويتكون البروتوبلازم من منطقتين فالمنطقة الداخلية وهي النواة (Nucleus) مكونة من مادة هلامية تسمى السائل النووي أو النيوكلوبلازم (Nucleoplasm) وتحتوي عضيات النواة (Nuclear organelles) وهي محاطة بالغشاء النووي (Nuclear Membrane). وأما المنطقة الخارجية فهي السيتوبلازم (Cytoplasm المكون من مادة هلامية كثيفة (thick gel liquid)) ويحتوي عضيات السيتوبلازم (Cytoplasmic organelles). ويتكون السيتوبلازم من خمسة مكونات رئيسية وهي الهيكل الخلوي (cytoskeleton) والشبكة الإندوبلازمية (Endoplasmic reticulum) والسيتوسول (cytosol) وعضيات السيتوبلازم (Cytoplasmic organelles). وعضيات السيتوبلازم هي مصانع البروتينات أو الرايبوسومات ribosomes)) ومركز البريد المسمى جهاز جولجى (Golgi Apparatus) الذي يقوم باستلام الجزيئات الكبيرة (macromolecules) كجزيئات البروتينات والدهون والكربوهيدرات ثم يقوم بتعديلها وتصنيفها وتغليفها (modifying, sorting, and packaging) ثم توجيهها إلى أماكن استعمالها في داخل الخلية أو خارجها بعد دمغها بعلامة جزيئية مميزة (molecular marker). والميتوكوندريون (mitochondrion) الذي هو محطة الطاقة الخلوية (cellular power plant) ويقوم بإمداد الخلية بكامل الطاقة اللازمة للقيام بوظائفها المختلفة. وأما الليسوسومات (Lysosomes) فهي عبارة عن حويصلات كروية الشكل تحتوي على أنزيمات هاضمة (acid hydrolases) تستخدم في عملية هضم الطعام والفضلات وعضيات الخلية القديمة والبكتيريا والفيروسات التي تدخل الخلية. وأما الفجوات (Vacuoles) أو الحويصلات (vesicles) فهي عبارة عن حويصلات صغيرة كروية الشكل تقوم بتخزين الماء والغذاء الزائدين عن حاجة الخلية وتزويدها بها عند الحاجة وعزل المواد الخطرة عن بقية مكونات الخلية ونقل الفضلات من داخل الخلية إلى خارجها وتخزين بعض الأنزيمات المهمة لحين استخدامها في مهمة ما. وأما السنتروسوم أو الجسم المركزي (Centrosome) فيقوم بدور أساسي فى عملية انقسام الخلية.

أما النواة (Nucleus) فهي أكبر مكونات الخلية حجما وهي مكونة من غلاف نووي يحتوي على سائل يسمى السائل النووي (nucleoplasm) والذي تعلق فيه عضيات النواة (Nuclear organelles) وهي الكرموسومات والنوية وأجسام كاجال وأنواع لا حصر لها من الأنزيمات والأحماض النووية والأحماض الريبونووية. وتعتبر النواة مركز التحكم الذي يتحكم بمعظم العمليات الحيوية التي تجري في الخلية من خلال التعليمات التي يصدرها الشريط الوراثي المكون من الكروموسومات. والنواة محاطة بغلاف أو غشاء نووي (nuclear envelope or membrane) يختلف عن تركيب غشاء الخلية حيث أنه يتكون من غشائين منفصلين عن بعضهما البعض وتتراوح المسافة بينهما 20 و 40 نانومتر وكل غشاء له نفس تركيب الغشاء الخلوي المكون من طبقتين دهنيتين (lipid bilayer). ويتم دخول وخروج المواد المختلفة إلى النواة من خلال فتحات أو قنوات خاصة موجودة في الغلاف الخلوي تسمى الثقوب النووية (nuclear pores) وهي مبنية من عدد كبير من البروتينات ويبلغ متوسط عدد هذه الثقوب ثلاثة آلاف ثقب. وهذا القنوات من النوع المحكوم والتي يتم فتحها وإغلاقها تحت سيطرة الشريط الوراثي من خلال ما يسمى منظومة الثقب النووي(nuclear pore complex). إن أهم مكونات النواة هي الكروموسومات (chromosomes) وهي عبارة عن جزيئات من الحامض الريبونووي الناقص الأوكسجين أو الدنا (Deoxyribonucleic acid (DNA)). ويقوم الشريط الوراثي بتنفيذ تعليماته من خلال أشرطة حامض ريبونووية أخرى كالشريط المراسل (Messanger RNA (mRNA)) الذي يقوم بأخذ نسخة عن ترتيب الأحماض الأمينية للبروتين المراد تصنيعه من الشريط الوراثي في النواة وينقلها إلى الرايبوسومات الموجودة خارجها. وكذلك الشريط الناقل (tRNA) وهو شريط حامض نووي قصير يحمل على أحد جنبيه شيفرة أحد الأحماض الأمينية وعلى الجنب الآخر الحامض الأميني المناظرة وبهذا يوجد لكل حامض أميني من الأحماض الأمينية العشرين شريط ناقل خاص به. أما النويات (Nucleoli) فهي عبارة عن جسيمات صغيرة في داخل النواة لا غلاف لها وهي مكونة من أشرطة من الحامض الريبونووي الرايبوسومي (Ribosomal ribonucleic acid (rRNA)) ومهمتها تصنيع الرايبوسومات (ribosomes). ومن هذه العضيات أيضا ما يسمى بأجسام كاجال (Cajal bodies) وهي أجسام كروية صغيرة ووظيفة هذه الأجسام هو معالجة أنواع مختلفة من الأحماض الريبونووية ((nuclear RNA).

ويعتبر الغشاء الخلوي (Cell Membrane) أو الغشاء البلازمي (plasma membrane) معجزة من معجزات الخالق سبحانه وتعالى فهو ليس مجرد وعاء لحفظ مكونات الخلية المختلفة في حيز واحد بل يقوم بوظائف بالغة الأهمية تقوم عليها حياة الخلية. ويتكون هذا الغشاء من طبقتين دهنيتين (lipid bilayer) مبنية من جزيئات دهنية فوسفورية (phospholipids) وهي من النوع (amphipathic) التي لها رأس وذيل فالرأس مكون من مجموعات فوسفاتية (phosphate groups) وهو محب للماء (hydrophillic) بينما الذيل مكون من أحماض دهنية (fatty acids) وهو كاره للماء (hydrophobic). وبسبب هذه الخاصية العجيبة تترتب الجزيئات الدهنية تلقائيا بحيث تكون نصف رؤوسها موجهة نحو الماء الموجود خارج الخلية بينما يتوجه النصف الثاني من الرؤوس نحو الماء الموجود داخل الخلية تاركة الذيول فيما بين طبقتي الرؤوس ليظهر الغشاء تحت المجهر على شكل السكة الحديدية للقطارات (railroad track). إن الجزيئات الدهنية تتحرك فيما بينها وتعيد ترتيب مواقعها عند أي ضغط يقع عليها ولكنها تبقى متراصة ولذا فإن الغشاء الخلوي في حالة شبه سائلة (semifluid). ويوجد في الغشاء الخلوي جزيئات الكوليسترول (Cholesterol molecules) والتي تعمل على سد الفراغات فيما بين رؤوس الجزيئات الدهنية الفوسفورية الكبيرة لكي يمنع دخول الجزيئات الصغيرة من خلال الغشاء وللتقليل من ميوعة الغشاء وزيادة صلابته.

ويوجد في مناطق متفرقة من الغشاء جزيئات دهنية سكرية (Glycolipids) تعمل كمواقع ارتباط (binding sites) للمستقبلات التي تصل إلى السطح الخارجي للغشاء. وإلى جانب الجزيئات الدهنية التي يبنى منها الغشاء يوجد عدد كبير من أنواع مختلفة من الجزيئات البروتينية والتي يساوي مجموع وزنها في بعض الأغشية وزن الجزيئات الدهنية وذلك للقيام بوظائف بالغة الأهمية للخلية. فبعض هذه الجزيئات البروتينية تخترق الغشاء بحيث يكون أحد أطرافها في السيتوبلازم بينما يكون الطرف الثاني في السائل الخارجي المحيط بالخلية وتسمى هذه بالبروتينات العابرة للغشاء (Transmembrane proteins) أو البروتينات المدمجة (Integral proteins). ولهذه البروتينات العابرة للغشاء وظائف متعددة من أهمها تكوين الثقوب (pores) في الغشاء الخلوي يطلق عليها اسم القنوات (Channels) والتي يتم من خلالها دخول وخروج بعض أنواع المواد التي لا يمكنها النفاذ من الغشاء مباشرة. وكذلك تقوم بتمرير الإشارات التي تستقبلها المستقبلات الموجودة على سطح الخلية إلى داخل الخلية مما يعني أنه لا لزوم لدخول الجزيئات الحاملة لهذه الإشارات إلى داخل الخلية. ويوجد كذلك أنواع من الجزيئات البروتينة المغروسة على السطح الداخلي أو الخارجي للغشاء دون أن تخترقه وذلك للقيام بوظائف أخرى وتسمى بروتينات الغشاء الطرفية أو السطحية (peripheral or surface membrane proteins ). والبروتينات الطرفية لها عدة وظائف أولها تمكين الخلايا من الالتصاق ببعضها البعض (Adhesion proteins) وثانيها تحديد هوية الخلايا (Recognition proteins) وثالثها استخدامها كمستقبلات على سطوح الخلايا (Receptor proteins) ورابعها استخدامها لنقل بعض المواد عبر الغشاء الخلوي (Transport proteins) وكذلك نقل الإلكترونات (Electron transfer proteins).

إن الخلية الحية تحتاج إلى إدخال المواد الغذائية والماء والأوكسجين لكي تعيش وتنمو وكذلك إخراج مخلفات التمثيل الغذائي كاليوريا وثاني أكسيد الكربون وذلك من خلال غشائها الخلوي. إن الطبقة الدهنية في الغشاء الخلوي تسمح بمرور الجزيئات الصغيرة غير المشحونة وغير القطبية (nonpolar) كالأوكسجين وثاني أكسيد الكربون ولكنها لا تسمح بمرور الجزيئات الكبيرة كالأحماض الأمينية واليوريا والأيونات كالصوديوم والبوتاسيوم والكلور والصوديوم وكذلك الماء بسبب قطبيته. ولهذا السبب يلزم فتح قنوات في الغشاء الخلوي يمكنها تمرير مثل هذه العناصر والمركبات وبكميات محسوبة بتقدير بالغ وذلك حسب حاجة الخلية وكذلك الحفاظ على بيئتها الخاصة التي تسمح باجراء آلاف التفاعلات الكيميائية في داخلها. وتنتشر المواد من خلال الغشاء الخلوي باستخدام ثلاثة آليات للنقل (transportation) وهي الانتشار البسيط (Simple diffusion) والنقل السلبي (Passive transport) والنقل الفعال (Active transport). ففي الانتشار البسيط يتم نقل كثير من المواد فيما بين السيتوبلازم والسائل ما بين الخلوي من خلال الغشاء الخلوي نفسه حيث تنتشر هذه المواد من الوسط الأعلى تركيزا إلى الوسط الأقل تركيزا دون الحاجة لبذل طاقة في عملية النقل هذه. فغازات الأوكسجين وثاني أكسيد الكربون وكذلك الهرمونات واليوريا تنتقل عبر الغشاء الخلوي من خلال الانتشار البسيط حيث تنتشر من خارج الخلية إلى داخلها إذا كان تركيزها في الخارج أعلى منه في الداخل والعكس صحيح.

أما النقل السلبي فيستخدم قنوات أيونية (ion channels) يتم تصنيعها في الغشاء الخلوي من خلال مجموعة من البروتينات العابرة للغشاء. وهذه القنوات تسمح عند فتحها بمرور المواد وخاصة الأيونات عبرها من خلال الانتشار البسيط أي من الوسط الأعلى تركيزا إلى الوسط الأقل تركيزا وبذلك فهي لا تحتاج بذل طاقة من قبل الخلية. ويتراوح معدل الأيونات التي تمر من خلال هذه القنوات عند فتحها ما بين عشرة ملايين ومائة مليون أيون في الثانية الواحدة. إن أحد أهم أنواع النقل السلبي هو الانتشار المسهل (Facilitated diffusion) والذي يختلف عن الانتشار البسيط بأنه يمكن التحكم بهذه القنوات من خلال فتحها أو إغلاقها من خلال عدة آليات للتحكم. فالآلية الأولى هي القنوات المحكومة بالجزيئات (Ligand-gated channels) حيث تقوم جزيئات عضوية من داخل أو خارج الخلية بالاتحاد مع بروتينات القناة فتعمل على فتحها أو إغلاقها. أما الآلية الثانية فهي القنوات المحكومة ميكانيكيا (Mechanically-gated channels) والتي تستخدم الضغط الواقع على بعض أنواع الخلايا لفتح القنوات كما في مستقبلات الضغط (stretch receptors) في الجلد ومستقبلات الصوت في الأذن الداخلية (hair cells). أما الآلية الثالثة فهي القنوات المحكومة بالجهد (Voltage-gated channels) حيث يعمل تغير فرق الجهد على الغشاء الخلوي على فتح قنوات الصوديوم في الخلايا العصبية والعضلية للقيام بوظائفها. أما الآلية الرابعة فهي القنوات المحكومة بالضوء(Light-gated channels) حيث يقوم الضوء بفتح قنوات في الخلايا الحساسة للضوء في شبكية العين. أما الآلية الخامسة فهي القنوات المحكومة بالحرارة (Temperature-gated channels) والتي تستخدم في حساسات الحرارة المنتشرة في الجلد وفي أماكن أخرى من جسم الكائن. إن أكثر القنوات استخداما في معظم أنواع الخلايا هي القنوات المحكومة بالجهد حيث يوجد لكل من أيونات الصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم والكلور قنوات خاصة بها وتعمل هذه القنوات بشكل رئيسي على الحفاظ على حجم ثابت للخلية وقيمة ثابتة للأس الهيدروجيني وكذلك توليد الجهد الغشائي وجهد الفعل. وقد أحصى العلماء ما يزيد عن ثلاثمائة نوع من القنوات الأيونية التي تستخدم في مختلف أنواع الخلايا الحية تقوم بوظائف لا حصر لها خاصة في الخلايا المختصة كما في خلايا الحواس والخلايا العصبية والعضلية وغيرها. ويلزم لعمل البوابات الأيونية وجود حساس (sensor) على جسم كل بوابة يستجيب للمؤثر (stimulus) الخاص بتلك البوابة ويعمل على فتحها أو إغلاقها عند إثارة تلك الحساسات. وينتشر الماء خلال الغشاء الخلوي باستخدام طرق مختلفة منها القنوات البروتينية المائية (Aquaporins) وكذلك الضغط الأسموزي (Osmosis) وهو أحد أنواع النقل السلبي.

أما في النقل الفعال فإن نقل المواد من الوسط الأقل تركيزا إلى الأعلى تركيزا يلزمه وجود مضخات بيولوجية (Biological pump) تبنى من مجموعة من البروتينات العابرة للغشاء والتي تسمى الناقلات (transporters) وتحتاج هذه المضخات للطاقة عند تشغيلها. وتضخ هذه المضخات بمعدلات تتراوح من عشرة أيونات إلى ألف أيون في الثانية وذلك تبعا لفرق التركيز وكذلك نوع الأيون. ومن أشهر مضخات الخلية مضخة البوتاسيوم والصوديوم والتي تسمى (the Na+/K+ ATPase) فهي تعمل على ضخ أيونات البوتاسيوم من خارج الخلية إلى داخلها إلى أن يصل تركيزه في الداخل عشرين ضعف تركيزه في الخارج. وفي نفس الوقت تقوم هذه المضخة بضخ أيونات الصوديوم من داخل الخلية إلى خارجها بحيث يكون تركيزه في الخارج عشرة أضعاف تركيزه في الداخل. إن هذا الاختلاف في تركيز أيونات البوتاسيوم والصوديوم بين داخل الخلية وخارجها ضروري جدا للحفاظ على تركيز ثابت لهذه الأيونات وحجم ثابت للخلية. وكذلك فإن التركيز العالي للصوديوم خارج الخلية يمنع من انتشار الماء إلى داخل الخلية حيث أنه إذا قل تركيز الصوديوم خارج الخلية عن حد معين فإن الماء سيدخل الخلية بكميات كبيرة مما يؤدي إلى انتفاخها ثم انفجارها. إن مضخات البوتاسيوم والصوديوم موجودة في جميع الخلايا وهي لا تتوقف عن العمل أبدا ولذلك فهي تستهلك ثلث ما تنتجه الخلية من الطاقة. أما المضخة الثانية فهي مضخة الهيدروجين والبوتاسيوم (H+/K+ ATPase) وهي موجودة في بعض خلايا المعدة حيث تقوم بضخ أيونات الهيدروجين من داخل الخلية إلى خارجها للحفاظ على قيمة ثابتة للأس الهيدروجيني وكذلك لإنتاج العصائر المعدية (gastric juice) الشديدة الحموضة حيث يزيد تركيزها فيه بثلاثة ملايين ضعف عن تركيزها في الخلية. أما المضخة الثالثة فهي مضخة الكالسيوم (Ca2+ ATPase) وهي تضخ أيونات الكالسيوم من داخل الخلية إلى خارجها لترفع تركيزه إلى عشرين ألف ضعف وتستخدم في تفريغ خلايا العضلات من العضلات بعد انقباضها. أما المضخة الرابعة فهي مضخة الصوديوم والجلوكوز (sodium-glucose pump) والتي تقوم بضخ الجلوكوز بعد ارتباطه بالصوديوم من الأمعاء الدقيقة إلى خلايا الامتصاص ومنها إلى الدم. أما الأحماض الأمينية المختلفة فيتم نقلها باستخدام بأنواع مختلفة من مضخات المساقة بالصوديوم (sodium-driven symport pumps).

إن اختلاف تركيز أيونات البوتاسيوم والصوديوم وكذلك الكلور بين داخل الخلية وخارجها يولد فرقا في الجهد الكهربائي بين السطح الداخلي والخارجي للغشاء يبلغ مقداره 70 ملليفولت وذلك من خلال تراكم شحنات موجبة على السطح الخارجي وشحنات سالبة على السطح الداخلي ويسمى هذا الجهد بجهد الكمون (resting potential). ويلعب هذا الجهد الكهربائي للغشاء الخلوي أو ما يسمى بالجهد الغشائي (Membrane potential) أدوارا بالغة الأهمية في العمليات الحيوية التي تجري في داخل الخلية نفسها او في جسم الكائن الحي متعدد الخلايا. إن هذا الجهد الغشائي ينتج مجالا كهربائيا ساكنا (static electric field) بين سطحي الغشاء قد تصل قيمه إلى عشرة ملايين فولت لكل متر ويتجه من السطح الخارجي إلى السطح الداخلي. ويقوم هذه المجال بدفع الأيونات الموجبة كأيونات الصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم من خارج الخلية إلى داخلها ودفع الأيونات السالبة كالكلور من الداخل إلى الخارج ولكن اختلاف التركيز لهذه الأيونات بين داخل الخلية وخارجها يعمل كقوة معاكسة تؤدي إلى الوصول إلى حالة استقرار لمقدار تركيز هذه الأيونات بما يسمى الميل الكهروكيميائي (electrochemical gradient). ويستخدم الجهد الغشائي كبطارية تزود المضخات الأيونية المختلفة المزروعة في الغشاء الخلوي بالطاقة اللازمة لتشغيلها وكذلك لتوليد نبضات كهربائية تسمى جهد الفعل (action potential) تقوم بنقل الإشارات العصبية في الجهاز العصبي وفي انقباض العضلات في الجهاز العضلي وتوليد نبضات القلب.

ويتم توليد جهد الفعل (action potential) في الغشاء الخلوي من خلال فتح وإغلاق قنوات الصوديوم والبوتاسيوم فعندما تكون هذه القنوات مغلقة يكون فرق الجهد سالبا ومقداره -70 ملليفولت. ولكن عند فتح قنوات الصوديوم (Na+ channels) فإن أيونات الصوديوم الموجبة تبدأ بالدخول من خارج الخلية إلى داخلها فتزيد بذلك الأيونات الموجبة عن الأيونات السالبة في الداخل فيتحول فرق الجهد من السالب إلى الموجب وبمقدار +50 ملليفولت وتسمى هذه العملية بإزالة الاستقطاب (depolarization). إن هذا الجهد الموجب يعمل على إغلاق قنوات الصوديوم وفتح قنوات البوتاسيوم (K+ channels) فتبدأ أيونات البوتاسيوم الموجبة بالخروج من داخل الخلية إلى خارجها فتعيد فرق الجهد إلى وضعه الطبيعي المستقطب ( repolarization). إن إزالة الاستقطاب يتم في فترة زمنية قصيرة إذا ما تجاوز فرق الجهد عتبة معينة (threshold) تبلغ سالب 40 ملليفولت فيتولد بذلك نبضة كهربائية موجبة قصيرة تتراوح مدتها بين مللي ثانية ومائة مللي ثانية وذلك حسب نوع الخلية.

ومن وظائف الغشاء الخلوي المهمة هي تسهيل تواصل أو تراسل الخلية (Cell signaling) مع بقية خلايا الجسم للتعاون والتنسيق فيما بينها للقيام بوظائف مشتركة تعود بالفائدة على جميع خلايا الجسم. ويوجد ثلاثة أشكال من التراسل بين الخلايا وهي التراسل فيما بين الخلايا المتجاورة (juxtacrine signaling) والتراسل قصير المدى (paracrine signaling) والتراسل بعيد المدى (endocrine signaling). ففي النوع الأول يلزم وجود تلامس مباشر بين غشائي الخليتين (direct contact) مما يمكن جزيئات التراسل من الانتقال بين الخليتين عبر البوابات المشتركة بينهما وبذلك فإنه لا يلزم وجود مستقبلات على سطحي الخليتيين. أما التراسل قصير المدى فيتم بين الخلايا الموجودة في نفس النسيج حيث تنتقل جزيئات التراسل عبر السائل ما بين الخلايا ويتطلب وجود مستقبلات لهذه الجزيئات على أسطح الخلايا. ويستخدم هذا النوع من التراسل للتنسيق بين الخلايا لنمو الأنسجة وإصلاح المتضرر منها والعمل على تجلط الدم. والجزيئات المستخدمة في هذا النوع من التراسل هي عامل النمو (Growth factor) وعامل التجلط (clotting factors) والمرسلات العصبية (neurotransmitters). أما التراسل بعيد المدى فيستخدم للتراسل بين خلايا الجسم مهما كانت المسافة بينها كما هو الحال في الجهاز الهرموني والمناعي حيث يتم نقل جزيئات التراسل من خلال الدم وهي الهرمونات (hormones) في الجهاز الهرموني والسايتوكينات (cytokines) في الجهاز المناعي.

والمستقبلات (receptors) أو الحساسات (sensors) في الخلايا هي عبارة عن جزيئات بروتينية موجودة إما على سطح غشاء الخلية وهي مستقبلات الغشاء الطرفية (peripheral membrane receptors ) أو تمتد عبر الغشاء وهي المستقبلات العابرة للغشاء(transmembrane receptors ) أو في سيتوبلازم الخلية وهي المستقبلات (intracellular receptors). وعندما يتحد الجزيء الحامل للرسالة أو ما يسمى (ligand) مع المستقبل فإن هذا الاتحاد يثير سلسلة من التفاعلات الكيميائية في داخل الخلية والتي تؤدي في النهاية إلى قيام الخلية بوظيفة ما من وظائفها المختلفة. إن المستقبلات العابرة للغشاء هي أشهر أنواع المستقبلات المستخدمة في تراسل الخلايا حيث يقوم الجزيء المراسل الخارجي (Extracellular signaling molecules) بالاتحاد بالطرف الخارجي لهذا المستقبل فيدفع هذا الاتحاد الطرف الداخلي للتفاعل مع أحد الجزيئات في السيتوبلازم والذي يعمل كمراسل ثاني (second messenger) يثير مسار التفاعلات (Signal transduction) الخاصة بهذه الرسالة. ومن أشهر أنواع هذه المستقبلات المجموعة المسماة المستقبلات المقترنة ببروتين جيم (G protein-coupled receptors) وهذا البروتين يكون متصلا بالطرف الداخلي للمستقبل العابر للغشاء وهو في حالة خمول (inactive) ولكن بمجرد ارتباط الجزيء المراسل بالطرف الخارجي للمستقبل فإن بروتين جيم ينفك عن المستقبل ويصبح نشطا مما يثير سلسلة من التفاعلات في داخل الخلية. وتستخدم هذه المستقبلات لاستقبال معظم أنواع الهرمونات (hormones) والجاذبات الكيميائية (chemokines). ومن هذه المستقبلات أيضا مستقبل التايروسين كاينيز (Receptor tyrosine kinases (RTKs)) وهو مستقبل لهرمون الأنسولين وعامل النمو ومستقبلات السايتوكينات (cytokines receptors) ومستقبلات الإنتيقرن (Integrins) وغيرها الكثير.

ومن وظائف الغشاء الخلوي هو تمكين الخلية من الالتصاق (Cell adhesion) بالخلايا الأخرى أو مع المادة الخلالية فيما بين الخلايا (Extracellular matrix) وذلك لبناء مختلف أنواع الأنسجة في الجسم. ويوجد ثلاثة أنواع من وصلات الخلايا (cell junctions) وهي وصلات التثبيت أو الالتصاق ( Adherens junctions) والوصلات المكينة ( tight junctions) والوصلات الناقلة للإشارات (Signal relaying junction). وتستخدم وصلات التثبيت لربط أغشية الخلايا المتجاورة ببعضها البعض أو تثبيت الخلية بالمادة الخلالية وذلك باستخدام عدة أنواع من البروتينات كالكادهيرنات (cadherins). أما الوصلات السادة أو المكينة فتستخدم للصق الخلايا ببعضها البعض بحيث لا تسمح بتبادل المواد فيما بين الخلايا وذلك من خلال استخدام بروتينات خاصة وهي بروتينات الكلاودينات (claudins) والأكلودينات (occludins). وأما الوصلات الناقلة للإشارات والتي تسمى أيضا وصلات الفجوة (gap junction) فهي وصلات تتميز بوجود فجوة بين الخليتين لا يتجاوز عرضها 4 نانومتر ويتم انتقال المواد بين الخليتين من خلال قنوات خاصة (connexon) موجودة في أغشية الخلايا وتصب في هذه الفجوة.

ومن مهام الغشاء الخلوي هو تعرف خلايا الجسم على بعضها البعض (cell to cell recognition) وكذلك على الخلايا والأجسام الغريبة وذلك من خلال دمغ كل خلية من خلايا الجسم بعلامة مميزة تسمى علامة سطح الخلية (Cell surface marker) والتي تحدد أن هذه الخلية تنتمي لهذا الجسم فقط. وهذه العلامة هي عبارة عن جزيء بروتيني يطلق عليه اسم جزيء النسيج المتوافق الأكبر (MHC molecules) يتم إنتاجه من قبل شيفرة جينية (genetic code) يتم توليدها من الاتحاد العشوائي لمجموعة من الجينات (genes) موجودة في الكروموسوم السادس من الشريط الوراثي. ومن النادر أن يمتلك جسمان بشريان نفس العلامة أو الدمغة إلا إذا كانا توأمين وبهذا فإنه يمكن التعرف على هوية أي إنسان من خلال هذه العلامة. وعلى هذا الجزيء التعريفي يعتمد بالكامل عمل الجهاز المناعي فبدونه لا يمكن لخلايا هذا الجهاز التمييز بين خلايا الجسم وخلايا الميكروبات. ويقوم هذا الجزيء في الخلايا السليمة بعرض جزيء من الببتايد (peptide) على سطح الخلية يحمل هوية الجسم وهو الببتيد الذاتي (self peptides) أو ما يسمى المستضد الذاتي (self antigen) تتعرف عليه الخلايا المناعية التي تحمل نفس الهوية ولا تتفاعل معها. أما إذا أصيبت إحدى الخلايا بالميكروبات فإن جزيء (MHC) يقوم على الفور باستبدال الببتيد الذاتي بالببتيد الخاص بالميكروب (foreign or nonself peptide) أو المستضد الغريب (nonself antigen) مما يمكن الخلايا المناعية من الاتحاد به فتقوم بقتل الخلية المصابة بما فيها من ميكروبات. وإذا ما أصاب الجهاز المناعي أي خلل في نظام التعرف هذا فإن الجسم يصاب بما يسمى مرض المناعة الذاتية (autoimmune disease) وفيه تهاجم الخلايا المناعية خلايا الجسم السليمة وتقوم بقتلها وبالتالي موت الكائن.


الوسوم:

مقالات ذات صلة