كهشيم المحتظر معجزة علمية

الأستاذ الدكتور نظمي خليل أبو العطا موسى

أستاذ علوم النبات في الجامعات المصرية

كهشيم المحتظر معجزة علمية

                                                                        صورة لورق يابس وبقايا شجر يابس

قال تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ{31}) (القمر/31).

 قال الشيخ حسنين مخلوف رحمه الله في كلمات القرآن تفسير وبيان: الهشيم كاليابس المفتت من شجر الحظيرة. والمحتظر: صانع الحظيرة (الزريبة) لمواشيه من هذا الشجر. وقال الراغب الأصفهاني في مفردات ألفاظ القرآن: الهشيم: كسر الشيء الرخو كالنبات. قال تعالى: (فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ) (الكهف/45).

 (فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ{31}) (القمر/31). يقال: هشم عظمه. ومنه: هشمت الخبز. قال الشاعر يمدح هاشم بن عبد مناف:

عمرو العلا هشم الثريد لقومه   ورجال مكة مسنتون عجاف

وجاء في معجم النبات من قاموس القرآن الكريم، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي (ص/110) عن قوله تعالى : (أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ{31}) (القمر/31)، يذكر سبحانه كيف صار أمر ثمود قوم صالح عليه السلام بعد أن نزلت بهم الصيحة (فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ).

 المحتظر: صانع الحظيرة المتخذة من الشجر والشوك لحفظ الغنم والإبل والدواب وحمايتها. قال ابن عباس: فما سقط من ذلك وداسته الغنم فهو الهشيم في الكشاف (47،7)، وما يحتظر به ييبس بطول الزمان، وتتوطؤه البهائم فيتحطم ويتهشم.

وقال ابن زيد: العرب تسمي كل شيء رطبا فييبس هشيما، وروي عن ابن عباس أيضا: أنهم كانوا مثل القمح الذي ديس وهشم، فالمحتظر على هذا: الذي يتخذ حظيرة على زرعه، والهشيم: فتات السنبلة والتبن، ومما فسر (هَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) أنه العظام المحترقة، قال الطبري (27/61): كأنهم وجهوا عناه إلى انه مثل هؤلاء القوم بعد هلاكهم بالشيء الذي أحرقه محرق في حظيرة، وقال سعيد بن جبير (هَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) هو التراب المتناثر من الحائط. ووصف ابن كثير هذا القول أنه غريب، انتهى.

وقال الأستاذ الدكتور دسوقي عبد الحليم في مقالة عن هشيم سورة الكهف: أن الهشيم هو ما تحلل بفعل الكائنات الحية الدقيقة، وكان تفسيره خاصاً بقوله تعالى في سورة (الكهف): (فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ).

 وأنا أقول في قوله تعالى: (كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ): من التفاسير السابقة أفهم كما قال ابن عباس رضي الله عنه أنه ما سقط من النباتات في أرض الحظيرة وداسته الحيوانات. ونحن نرى هذه الحقيقة العلمية ماثلة أمام أعيننا، عندما يكنس ويقطع الفلاح من أرض الحظيرة أو الزريبة هذه الطبقة المكونة من تراب الأرض، وروث الحيوانات وبولها، والنباتات الخضراء والجافة، والدريس (البرسيم المجفف)، والسيلاج (الذرة المعالجة لاهوائيا)؛ نراه يقطع تلك الطبقة كل مدة، ويخرجها في كومة الدمس (ما خرج من الحظائر)، لكي يستخدمها بعد مدة في التسميد العضوي للتربة.

 وعندما تسقط بقايا النبات أسفل أرجل الحيوان، ويتبول عليها ويتبرز عليها تقوم الكائنات الحية الدقيقة من بكتيريا وفطريات وبعض الحشرات والديدان بتحليل بقايا النبات المتساقط من صورته المعقدة التركيب التي يغلب عليها مواد السليلوز (سكريات معقدة) والهيميسليلوز، والبكتين، والسكروز إلى صورة بسيطة: سكريات بسيطة، وتقوم البكتيريا والفطريات بتحرير الكربون لإدخاله في دورة الكربون، والنيتروجين لإدخاله في دورة النيتروجين، والفسفور لإدخاله في دورة الفسفور، وتختفي تماما بقايا النباتات وتتفحم كما يتفحم العظم والنبات بالحرق ليدخل الكربون في دورة الكربون.

 إنه مثل علمي معجز يبين حال قوم صالح عليه السلام، الذين جاءهم بالناقة المعجزة فعقروها، فحولهم الله سبحانه وتعالى بصيحة واحدة كالهشيم المفتت والمحترق والمتحلل والمتفحم، إنها صورة قرآنية عجيبة ومعجزة تبين الحال التي تحولوا إليها، كأنهم فتات قد اختلط بالتراب والروث والبول، وفعلت فيه الكائنات الحية المحللة فعلها، فحللته وأخفت معالمه تماما، ودخل في دورات الحياة ليصبح سماداً عضوياً للنباتات.

 وقد بينا في موضوعينا (وما تحت الثرى) ومجاميع البيئة الفطرية: أن التراب المندى (الثرى) والتربة الزراعية، وأرض الحظائر تحتوى على العديد من الكائنات الحية، فالتربة -كما قال مارتن الكسندر في كتابه: مقدمة في ميكروبيولوجيا التربة،- واحدة من أكثر الأماكن في الطبيعة ديناميكية في العلاقات المتبادلة بين الكائنات الحية، كما أنها المنطقة التي يتم فيها الكثير من العمليات الفيزيائية والكيماوية والحيوية المتعلقة بتحليل المواد العضوية، وتجوية الصخور وتفتيتها وتغذية المحاصيل الزراعية) انتهى.

 وأرض الحظيرة غنية بتلك الكائنات خاصة في وجود نيتروجين بول الحيوان، وبقايا الطعام الخارج من روثه وبرازه، والمواد الكربوهيدراتية الناتجة من النبات، وبدراسة الفطريات التي تظهر على الروث وجد أن هناك تتابعاً منظماً لظهور هذه الفطريات على الروث، ففي البداية تنمو على الروث الفطريات التابعة لرتبة الميوكورات (Order: Mucorales)، ومنها عفن الخبز، وفطر الميوكر، وهي من الفطريات التزاوجية (zygomycota) يتبعها بعد ذلك على الروث الفطريات الزقية (Ascomycota)، وأخيرا تظهر الفطريات البازيدية (Basidiomycota).

 ففي البداية يحتوي الروث على السكريات العديدة كالسليلوز (Cellulose) ونصف السليلوز (Hemicellulose)، والنيتروجين، وهذا ينشط وجود أفراد الميوكورات من الفطريات التزاوجية ثم بعد ذلك يسود السليلوز، وهذا يؤدي إلى ظهور الفطريات الزقية، وفي النهاية يتبقى اللجنين، وهذا يؤدي إلى نمو الفطريات البازيدية.

 إنه عالم عجيب ومعجز يتبادل ويعمل بقوة وهمة في أرض الحظيرة لتحويل مكوناتها النباتية إلى هشيم مختلط بالتراب، وبقايا الحيوان، وفي الوقت نفسه تقوم البكتيريا والحشرات والديدان بفعل مماثل لتحطيم النبات في الحظيرة ليخرجه المحتظر محللا مهشما مفتتا تفتت الخبز في الثريد، فيا لها من صورة علمية قرآنية رائعة لخصتها الآية القرآنية في قوله تعالى: (فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ)!.

ترسل التعليقات على المقال على الإيميل التالي:

[email protected]

الدكتور نظمي خليل أبو العطا موسى

 www.nazme.net

أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد(11487) – الجمعة 14 رمضان 1430هـ – 4 سبتمبر 2009م.


الوسوم:

مقالات ذات صلة