فَالِقُ الْإِصْبَاحِ: الإعجاز الإلهي في بزوغ النور ونظام الكون المحكم

 
الأحد/فبراير/2025
   

قال الله تعالى:
﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [الأنعام: 96]

تفسير “فالق الإصباح” عند المفسرين

ابن كثير: الله هو الذي يفلق ظلام الليل حتى يظهر ضوء الصباح، وهذا من آيات قدرته التي لا دخل للبشر فيها.
الطبري: “فالق الإصباح” أي شاقّ عمود الصبح من ظلمة الليل، أي أن الله هو الذي جعل الضوء يخرج من الظلمة بشكل منتظم ودقيق.
القرطبي: الإصباح هو أول النهار، والله هو الذي جعله ينفلق بطريقة محددة، ليكون علامة على بداية يوم جديد.
الإصباح في اللغة
كلمة “الإصباح” مأخوذة من الجذر (ص ب ح)، وتعني بزوغ الصباح وظهور النور بعد الظلام. و”فالق الإصباح” تعني الذي يشقّ ظلمة الليل ليخرج منها النور، أي بداية الفجر الصادق.

ظاهرة الإصباح علمياً

ظاهرة الإصباح تحدث بسبب دوران الأرض حول محورها، حيث يبدأ ضوء الشمس بالانتشار في الغلاف الجوي قبل أن تشرق الشمس بشكل مباشر. وتفسير ذلك علميًا:
عند اقتراب الفجر، يبدأ ضوء الشمس في التفاعل مع الجزيئات في الغلاف الجوي، مما يؤدي إلى تشتيت الضوء وانتشاره، وهو ما يُعرف بـ ظاهرة تشتت رايلي (Rayleigh Scattering).
يسبق الإصباح الفجر بوقت محدد، حيث يظهر الفجر الكاذب أولًا (وهو ضوء خافت يشبه عمودًا رأسيًا)، ثم يعقبه الفجر الصادق الذي يبدأ عند وضوح الضوء في الأفق.

الإصباح ليس عشوائيًا بل بنظام محكم

من أهم ما يجب التأكيد عليه هو أن ظاهرة الإصباح ليست نتيجة تطور عشوائي أو عمليات عبثية، بل هي نظام دقيق ومحكم وضعه الله منذ خلق الأرض.
لو كانت هذه الظاهرة نتيجة للعشوائية، لرأينا اختلافات غير منتظمة في توقيت الفجر والإصباح، ولكننا نرى أنها تحدث بدقة متناهية منذ ملايين السنين.
قوانين الفيزياء التي تحكم انتشار الضوء وظهور الفجر تعمل بنظام ثابت لا يختل، مما يدل على أن الكون لم ينشأ نتيجة مصادفة، بل وفق تصميم إلهي متقن.
قال تعالى:
﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ [يس: 38]، أي أن كل شيء في الكون يسير وفق تقدير إلهي وليس وفق الصدفة.

أهمية الإصباح للبشر والأرض

تنظيم حياة الإنسان

الإصباح هو إعلان عن بداية يوم جديد، مما يساعد في تنظيم الأعمال والعبادات، مثل مواقيت الصلاة.
يسهم في تنظيم دورة النوم والاستيقاظ، حيث يعمل الضوء على تحفيز إفراز هرمون الكورتيزول (Cortisol) الذي يساعد الإنسان على الاستيقاظ والنشاط.
التوازن البيئي
ظهور الضوء تدريجيًا يسمح للنباتات ببدء عملية البناء الضوئي (Photosynthesis) بطريقة متزنة، مما يدعم الحياة على الأرض.
يساعد الكائنات الحية على التكيف مع التغيرات اليومية في الضوء، حيث تعتمد الكثير من الكائنات على الإصباح في تحديد نشاطها اليومي.

تأثيره على المناخ والطقس

الفجر المبكر والضوء المتدرج يساعدان في تنظيم درجات الحرارة، حيث لو أشرقت الشمس فجأة بدون تدرج، لحدثت تقلبات حرارية خطيرة.
له دور في دورة الرياح والتغيرات المناخية، حيث يؤدي الفرق بين درجة حرارة الليل والنهار إلى تحريك الرياح وتشكّل السحب.
آية “فَالِقُ الْإِصْبَاحِ” تحمل معاني عظيمة عن قدرة الله في خلق الليل والنهار بنظام دقيق، وقد أثبت العلم الحديث توافق هذه الظاهرة مع القوانين الفيزيائية. ومع ذلك، لا يمكن تفسيرها على أنها نتيجة تطور عشوائي، بل هي دليل على نظام إلهي متكامل. فكما أن هناك نظامًا ثابتًا يحدد تعاقب الليل والنهار، فإن ذلك يؤكد أن الكون يسير وفق تقدير الله وحكمته، وليس وفق قوانين مادية بحتة منفصلة عن الخالق.
قال تعالى:﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ [النمل: 88].
المراجع : 
https://surahquran.com/aya-96-sora-6.html

الوسوم:


مقالات ذات صلة