حوار مع عالم الأجنّة البروفيسور (كيث مور)
الخميس/يوليو/2021
رعد الخزرجي
البروفيسور (كيث ل. مور) أحد كبار العلماء في العالم في مجال (التشريح وعلم الأجنة) .. وهو مؤلف لكتاب (The Developing Human) (أطوار خلق الإنسان) وهذا الكتاب مترجم بثمان لغات عالميّة : الروسية/ اليابانية / الألمانية / الصينية / الإيطالية / البرتغالية / الإنكليزية / اليوغوسلافية ..
عندما طلب منه أن يبدي رأيه فيما سمع من آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية في لقاء معه من قبل الدكتور عبد المجيد الزنداني .
اندهش وأعلن دهشته هذه .. كيف يكون لمحمّد (ص) قبل 1400 عام أن يصف الجنين وأطواره هذا الوصف الدقيق الذي لم يتمكّن العلماء من معرفته إلا منذ ثلاثين عاماً ؟ وسرعان ما تحوّلت دهشته إلى إعجاب بهذا البيان وهذا الهدي فتبنّى هذه الآراء في المجامع العلميّة وقدّم محاضرة بعنوان (مطابقة علم الأجنّة لما في القرآن والسنّة) وقد قدّمه الدكتور عبد الله نصيف مدير جامعة الملك عبد العزيز سابقاً والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي لاحقاً لإلقاء محاضرته بقوله : محاضرنا اليوم هو الأستاذ (كيث مور) أستاذ علم التشريح والأجنّة في جامعة (تورنتو) بكندا .. وقد تدرّج فيها حتى وصل إلى هذه المرتبة في جامعات عديدة منها جامعة (توينابك) في الغرب الكندي حيث كان هناك لمدة (11) سنة وترأس العديد من الجمعيّات الدوليّة .. منها على سبيل المثال جمعيّة (علماء التشريح والأجنّة) في كندا وأمريكا .. ومجلس اتحاد العلوم الحيويّة الأخرى .. كما انتخب عضواً بالجمعيّة الطبيّة الملكيّة بكندا .. والأكاديميّة الدوليّة لعلوم الخلايا .. والاتحاد الأمريكي لأطبّاء التشريح .. وعضواً في إتحاد الأمريكتين في التشريح أيضاً .. وقد ألّف العديد من الكتب .. بعض هذه الكتب في مجال التشريح الأكلينكي وعلم الأجنّة .. وله ثمانية كتب تعتبر مرجعاً لطلاب كليات الطب .. وقد ترجمت إلى ثمان لغات عالميّة .
تحدّث البروفيسور (كيث مور) فقال :
( لقد أسعدني جداً أن أشارك في توضيح هذه الآيات والأحاديث التي تتحدّث عن الخلق في القرآن الكريم والحديث الشريف .. ويتضّح لي أنّ هذه الأدلّة حتماً جاءت لمحمّد من عند الله لأنّ كل هذه المعلومات لم تكتشف إلا حديثاً وبعد قرون عدّة .. وهذا يثبت لي أنّ محمّداً رسول الله) .
تأمّل ما قاله هذا الأستاذ الكبير من مشاهير علماء العالم في الأجنّة عندما درس الآيات المتعلقة بمجال اختصاصه في هذا الكتاب وتأمّل ماذا قال : (إنّه لا بد أن يكون محمّد رسولاً من عند الله) .. وعندما شاهد البروفيسور (كيث مور) العلقة التي توجد في البرك وقارن بينها وبين الجنين في مرحلة العلقة وجد تشابها كبيراً بين الاثنين ثم قال بعد ذلك :
( إن الجنين في مرحلة العلقة يشبه هذه العلقة تماماً )
إضافة صورتين :
وتبنّى هذه القضية وجاء بعد ذلك بصورة لهذه العلقة التي تعيش في البرك ووضعها بجوار صورة أخرى للجنين وجمع بينهما في شكل توضيحي وعرضه على الأطباء في عدد من المؤتمرات .. وبيّن أيضاً أنّ الجنين في مرحلة العلقة يكون معلقاً في رحم أمّه .. وكذلك فإنّ العلقة في لغة العرب تعني الدم المتجمّد .. وقد ذكر البروفيسور (كيث مور) أنّ الجنين في مرحلة العلقة تكون الدماء فيه محبوسة في العروق الدمويّة قبل أن تتمّ الدورة الدمويّة بين الجنين وبين المشيمة فيظهر شكل الجنين كشكل الدم المتجمّد .. وهكذا تشمل كلمة (العلقة) جميع أوصاف الجنين .. فمن أخبر محمداً (ص) بهذا ؟ .. ثم تحدّث البروفيسور (كيث مور) عن المضغة .. وجاء بقطعة من الطين الصلصال ومضغها بفمه ثم جاء بصورة من جنين وقارن بين الاثنين وقال : إن الجنين يشبه المضغة .
إضافة صورة :
نشرت بعض الصحف الكنديّة كثيراً من تصريحات البروفيسور (كيث مور) .. وأخيراً قدّم ثلاث حلقات في التلفزيون الكندي عن التوافق بين ما ذكره القرآن قبل (1400) عام وما كشف عنه العلم في هذا الزمان .. وعلى أثر ذلك وجه له هذا السؤال :
يا أستاذ مور معنى ذلك أنك تؤمن بأن القرآن كلام الله ؟ فأجاب : لم أجد صعوبة في قبول هذا .. فقيل له : كيف تؤمن بمحمّد وأنت تؤمن بالمسيح ؟ فأجاب : أعتقد أنهما من مدرسة واحدة .
وهكذا يمكن لعلماء العالم في عصرنا أن يعلموا أن هذا الكتاب قد نزل بعلم الله كما جاء بقوله تعالى :
(﴿ لَّـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ
يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً )﴾ النساء : 16
يعتبر كتاب (كيث مور) (The Developing Human) (أطوار خلق الإنسان) وهو مرجع علمي مترجم بثمان لغات .. وعندما تشكّلت لجنة في أمريكا لاختيار أحسن كتاب في العالم ألفه مؤلف واحد كان هذا الكتاب هو الفائز عند تلك اللجنة .
قيل له : إنك ذكرت في كتابك القرون الوسطى وقلت إن هذه القرون لم يكن فيها تقدم لعلم الأجنة بل لم يُعلم فيها إلا الشيء القليل .. وفي هذه العصور عندكم كان القرآن ينزل عندنا وكان محمّد (ص) يعلّم الناس الهدي الذي جاء من عند الله سبحانه وتعالى .. وفيه الوصف الدقيق لخلق الإنسان ولأطوار خلق الإنسان .. وأنت رجل علم عالمي فلماذا لم تنصف وتضع في كتابك هذه الحقائق؟
قال : الحجة عندكم وليست عندي قدموها لنا .
تم تقديم الأدلّة القرآنيّة له .. فكان هو كذلك عالماً شجاعاً .. فوضع إضافة في الطبعة الثالثة وهي الآن منتشرة في العالم بثمان لغات يقرؤها أكابر العلماء في العالم الذين ينطقون باللغة الإنجليزية والروسية والصينية واليابانية والألمانية والإيطالية واليوغوسلافية والبرتغالية .. أكابر العلماء في العالم الناطقون بهذه اللغات يقرؤون ما أضافه البروفيسور (كيث مور) .. وفي هذا الباب يقول البروفيسور (كيث مور) في كتابه تحت عنوان (العصور الوسطى) :
كان تقدّم العلوم في العصور الوسطى بطيئاً ولم نعلم عن علم الأجنة إلا الشيء القليل وفي القرآن الكريم الكتاب المقدس لدى المسلمين ورد أنّ الإنسان يخلق من مزيج من الإفرازات من الذكر والأنثى .. وقد وردت عدّة إشارات بأنّ الإنسان يخلق من نطفة من المني .. وبيّن أيضاً أن النطفة الناتجة تستقرّ في المرأة كبذرة بعد ستة أيام .. والمعروف أنّ البيضة الملقحة بعد أن تكون قد بدأت في الانقسام تبدأ في النموّ بعد ستة أيام من الإخصاب .. ويقول القرآن الكريم أيضاً : إن النطفة (المني) تتطوّر لتصبح قطعة من دم جامد (علقة) .. وأن البُييضة الملقحة بعد أن تكون قد بدأت في الانقسام أو أن البُييضة الملقحة التي بدأت بالإنقسام أو الحمل المجهض تلقائياً يمكن أن تشبه العلقة ويمكن رؤية مظهر الجنين في تلك المرحلة يشبه العلقة تماماً .. ويكون مظهر الجنين في هذه المرحلة يشبه شيئاً ممضوغاً كاللبان أو الخشب وكأن فيها آثار الأسنان التي مضغتها .. ولقد اعتبر الجنين في الشكل الإنساني بعد مضي أربعين أو اثنين وأربعين يوماً ولا يشبه بعدها جنين الحيوان .. لأنّ الجنين البشري يبدأ باكتساب مميّزات الإنسان في هذه المرحلة .. قال تعالى :
(﴿ يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث )﴾ الزمر : 6
إن الجنين يتطور داخل ثلاثة حجب مظلمة. وهذا قد يشير إلى :
1. جدار البطن الخارجي للمرأة .
2. جدار الرحم.
3. الغشاء الداخلي الذي يحيط بالجنين مباشرة .
إضافة وتعليق :
الظلمات الثلاث :
يبدأ الرحم بتكوين ثلاثة أغشية بشكل كيس مغلق بداخله السائل الأمينوسي تحيط بالجنين لتأمين الظلمة المطلوبة لتخلّق الجنين .. حيث يعيش سابحاً في هذا السائل الذي يتولّى الحفاظ علىه من الصدمـات والحـرارة بعـد نهايـة الشهر الثالث .. وتُسمّى هذه الأغشية ابتداءً من الداخل إلى الخارج : الأمينوسي .. الكريوني .. الساقـط .
أثبت علماء الأجنّة أهميّة هذه الأغشية .. فوظيفتها هي إحـداث الظلمة المطلوبة لنمـوّ الجنين .. والتي بدونها لا يتخلّق الجنين .. ومن أهم الأسباب هو أنّ الغدة الصنوبريّة تقوم بإفراز هورمون الميلاتونين الذي يلعب دوراً هاماً في النموّ .. كما بمنع الأكسدة والتصدي للأورام السرطانيّة .
لا ينشط عمل هذه الغدّة إلا في الظلام .. لذلك أسمى الله سبحانه وتعالى هذه الأغشية بوظيفتها وهي إحداث الظلمات لأهميّتها في تخليق الجنين .. وليس بكينونتها كأغشية كما جاء بقوله تعالى :
(( .. يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِن بَعْدِ خَلْقٍ
فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ .. )) الزمر : 6
فالأغشية الثلاث هي ليست جدار البطن الخارجي للمرأة وجدار الرحم الغشاء الداخلي الذي يحيط بالجنين مباشرة .. لأنّ غشاء الجنين هو عبارة عن ثلاثة أغشية تحيط بالجنين وليس غشاءً واحداً كما مبيّن في الرسم أعلاه .
نعود إلى الحوار :
لا يتسع المجال لمناقشة موضوعات هامّة أخرى مشوّقة وردت في القرآن الكريم وتتعلق بتطوّر الإنسان في مرحلة ما قبل ولادته .. هذا الذي كتبه (كيث مور) وأصبح منتشراً في العالم اليوم ولله الحمد .. هذا ما أملاه عليه البحث العلمي .. لقد اقتنع الأستاذ (كيث مور) أيضاً بأنّ التقسيم الذي تقسم إليه أطوار الجنين في بطن أمه الآن في العالم كله تقسيم صعب غير مفهوم ولا ينفع في فهم مراحل تطور الجنين .. ذلك لأنه يقسّم المراحل تقسيماً رقميّاً .. أي المرحلة 1،2،3،4، أو المرحلة رقم 5 وهكذا .. والتقسيم الذي جاء بالقرآن لا يعتمد على الأرقام بل يعتمد على الأشكال المتميّزة الجليّة فكانت التقسيمات في كتاب الله (نطفة-علقة-مضغة-عظام-كساء العظام باللحم-النشأة خلقاً آخر) .. وهناك تفاصيل متفاوتة في كل منها .. وعن هذه التقسيمات القرآنيّة التي تعتمد على الشكل المحدّد المتميّز عن الشكل الآخر قال البروفيسور كيث مور : هي تقسيمات علميّة دقيقة .. وتقسيمات سهلة ومفهومة ونافعة .
لكون مراحل تطور الجنين البشري معقدة وذلك بسبب التغيّرات المستمرّة التي تطرأ عليه فإنه يصبح بالإمكان تبنّي نظام جديد في التصنيف باستخدام الاصطلاحات والمفاهيم التي ورد ذكرها في القرآن الكريم والسنّة النبويّة الشريفة .. ويتميّز النظام الجديد بالبساطة والشموليّة إضافة إلى انسجام مع علم الأجنّة الحالي .
لقد كشفت الدراسات المكثفة للقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف خلال السنوات الأربعة الأخيرة جهاز تصنيف الأجنّة البشريّة الذي يعتبر مدهشاً حيث إنه سُجل في القرن السابع بعد الميلاد فيما يتعلق بما هو معلوم من تاريخ علم الأجنّة لم يكن يعرف شيء عن تطوّر وتصنيف الأجنّة البشرية حتى حلول القرن العشرين .. ولهذا السبب فإنّ أوصاف الأجنّة البشريّة في القرآن الكريم لا يمكن بناؤها على المعرفة العلميّة للقرن السابع الميلادي .. والاستنتاج الوحيد المعقول هو أنّ هذه الأوصاف قد أوحيت إلى محمّد (ص) من الله سبحانه وتعالى .. إذ ما كان له أن يعرف مثل هذه التفاصيل لأنّه كان أميّاً .. ولهذا لم يكن قد نال تدريباً علمياً .
قال الدكتور الشيخ الزنداني للدكتور (كيث مور) :
إن هذا الذي قلته صحيح ولكنّه أقل ممّا عرض عليك من حقائق الكتاب والسنّة في مجال علم الأجنّة فلم لا تكون منصفاً وتفسح المجال لبيان جميع الآيات والأحاديث التي وردت في القرآن المتعلقة بمجال اختصاصك ؟
قال (كيث مور) : لقد كتبت القدر المناسب في المكان المناسب في كتاب علمي متخصّص ولكني أسمح لك أن تضيف إلى كتابي إضافات إسلاميّة تجمع فيها جميع الآيات والأحاديث التي تحدثنا عنها وناقشناها وتضعها في مواضعها المناسبة من كتابي هذا .. وبعد ذلك تقدم وتبيّن أوجه الإعجاز في هذا الكتاب .. وتم ذلك فعلاً .
بعد ذلك وضع الدكتور (كيث مور) مقدمة هذه الإضافات الإسلامية فكان هذا الكتاب هو الذي اقترحه البروفيسور (كيث مور) مع الإضافات الإسلامية كما يراه القارئ بين يديه اليوم .
وتمّت مراجعة كل صفحة من الصفحات التي فيها حقائق من علم الأجنة فوضع في مقابلها الآيات والأحاديث النبويّة التي تبيّن وجه الإعجاز العلمي .
نقول ولله الحمد : المسلمون اليوم بإذن الله تعالى على موعد مع الإسلام في فتح جديد للعقول البشريّة المنصفة.
من علّم محمّداً هذه التفاصيل عن علم الأجنّة ؟
قال تعالى :
(( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ
يُوحَى . عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ))
النجم : 3 ــ 5
وقال تعالى :
(( وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ
وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيد )) سبأ : 6