توازن الأجرام السماوية.. من نواميس الله الكونية

الآية الأساسية في اللقاء الحالي هى قول الله تعالى: “وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7)”[سورة الرحمن]… ولما كان من خصائص القرآن الكريم أنه يفسر بعضه بعضا، فإننا ربما نرجع في بعض المواضع إلى ثلاث آيات، هى  قول الله سبحانه: “اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا…{2}” [سورة الرعد]،  وقوله تعالى: “خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا… {10}”[سورة لقمان]، وقوله تعالى: “… وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ{65}” [سورة الحج].

الميزان لغةً:

ورد في “الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية” لصاحبه أبو نصر إسماعيل الجوهري (ت 393هـ): الميزان مأخوذ من (وزن)، (يزن)، (وزنًا)، و(زنةً)، وأصله (مِوزَان)، انقلبت الواو ياءً لكسر ما قبلها فصار (ميزان)، ويتعدَّي باللام وبدونها… ووزنتُ الشيء وزنًا وزِنَة، ويقال: وَزَنْتُ فلانًا ووَزَنْتُ لفلان، وهذا يزن درهمًا… ومن معانيه حسب مشتقاته لغةً: الدلالة على التعديل والاستقامة، وقدر وزن الشيء، والمحاذاة بين الشيئين، والرَّجاحة في الرأي.

وجاء في “معجم مقاييس اللغة” لأحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي (ت 395هـ): الْوَاوُ وَالزَّاءُ وَالنُّونُ: بِنَاءٌ يَدُلُّ عَلَى تَعْدِيلٍ وَاسْتِقَامَةٍ: وَوَزَنْتُ الشَّيْءَ وَزْنًا، وَالزِّنَةُ قَدْرُ وَزْنِ الشَّيْءِ، وَالْأَصْلُ وَزْنَةٌ… وَهَذَا يُوَازِنُ ذَلِكَ، أَيْ: هُوَ مُحَاذِيهِ. وَوَزِينُ الرَّأْيِ: مُعْتَدِلُهُ، وَهُوَ رَاجِحُ الْوَزْنِ: إِذَا نَسَبُوهُ إِلَى رَجَاحَةِ الرَّأْيِ وَشِدَّةِ الْعَقْلِ. 

وجاء في “تهذيب اللغة” لصاحبه محمد بن الأزهري الهروي (ت 370هـ): وقد أطلقت أيضًا لفظة الوزن والميزان على عدَّة معانٍ أخرى، فهو يطلق ويراد به بيان قدر الشيء وقيمته، أو خسَّة الشيء وسقوطه، كما قال الله تعالى: “فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا”. وذكر الأزهريُّ أنَّ الميزان يأتي في باب اللُّغة مرادًا به الميزان ذو الكفَّات، ويأتي مرادًا به العدل أيضًا، كما يأتي ويراد به الكتاب الذي فيه أعمال الخلق، ثم قال: وهذا كله في باب اللُّغة والاحتجاج سائغ.

وقال الراغب الأصفهاني (ت 502هـ) (في “المفردات في غريب القرآن”): الوَزْنُ: معرفة قَدْر الشيء… والمتعارف في الوَزْنِ عند العامَّة: ما يقدَّر بالقسط والقبَّان. ثم ذكر بعضَ الآيات التي تدلُّ على أنه يأتي مرادًا به المعدلة (أو العدل) في جميع ما يتحراه الإنسان من الأفعال والأقوال، مثل قوله تعالى: “وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ”، “وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ”، وأنَّه يأتي بمعنى العدل في محاسبة الناس، كما قال الله تعالى: “وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ”.

وجاء في “معجم اللغة العربية المعاصرة” للدكتور/ أحمد مختار عمر) (ت 1424هـ/ 2003م): الميزان 1- آلة يوزن بها الشيء ويعرف مقداره من الثقل والحرارة والضغط الجوي ونحوها. ومنها أنواع. 2- مقدار. 3- عدل. 4- استقام ميزان النهار: أي انتصف… توازن يتوازن ، توازنا، فهو متوازن. توازن الشيئان: اتزنا، تعادلا، تساويا في الوزن. توازنت الأحمال – توازن اقتصادي – توازن القوى- غذاء متوازن…

“وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7)” في التفسير:

يقول ابن جرير الطبري (ت 310 هـ) (في تفسيره “جامع البيان في تفسير القرآن”): وقوله تعالى: “والسَّماءَ رَفَعَها” أي والسماء رفعها فوق الأرض. وقوله: “وَوَضَعَ المِيزَانَ” أي ووضع العدل بين خلقه في الأرض… ويقول جار الله الزمخشري (ت 538 هـ) (في تفسيره “الكشاف”): “وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا” خلقها مرفوعة ممسوكة، حيث جعلها منشأ أحكامه، ومصدر قضاياه، ومتنزل أوامره ونواهيه، ومسكن ملائكته الذين يهبطون بالوحي على أنبيائه. ونبه بذلك على كبرياء شأنه وملكه وسلطانه. “وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ” وأراد به كل ما توزن به الأشياء وتعرف مقاديرها من ميزان وقرسطون ومكيال ومقياس، أي خلقه موضوعاً مخفوضاً على الأرض حيث علق به أحكام عباده وقضاياهم وما تعبدهم به من التسوية والتعديل في أخذهم وإعطائهم…

ويقول الفخر الرازي (ت 606 هـ) (في تفسيره “مفاتيح الغيب، التفسير الكبير”): ورفع السماء معلوم معنى، ونصبها معلوم لفظاً، فإنها منصوبة بفعل يفسره قوله: “رَفَعَهَا”، كأنه تعالى قال: رفع السماء. وأما وضع الميزان فإشارة إلى العدل، وفيه لطيفة هي أنه تعالى بدأ أولاً بالعلم ثم ذكر ما فيه أشرف أنواع العلوم وهو القرآن، ثم ذكر العدل وذكر أخص الأمور له وهو الميزان، فإن قيل: العلم لا شك في كونه نعمة عظيمة، وأما الميزان فما الذي فيه من النعم العظيمة التي بسببها يعد في الآلاء؟ نقول: النفوس تأبى الغبن ولا يرضى أحد بأن يغلبه الآخر ولو في الشيء اليسير، ويرى أن ذلك استهانة به فلا يتركه لخصمه لغلبة، فلا أحد يذهب إلى أن خصمه يغلبه فلولا التبيين ثم التساوي لأوقع الشيطان بين الناس البغضاء كما وقع عند الجهل وزوال العقل والسكر، فكما أن العقل والعلم صارا سبباً لبقاء عمارة العالم، فكذلك العدل في الحكمة سبب، وأخص الأسباب الميزان فهو نعمة كاملة…

وفي عصرنا الحالي، يقول محمد الطاهر بن عاشور (ت 1393 هـ) (في تفسيره “التحرير والتنوير”): ورفع السماء يقتضي خلقَها. وذُكر رفعها لأنه محل العبرة بالخلق العجيب. ومعنى رفعها خلقُها مرفوعة إذ كانت مرفوعة بغير أعمدة… و”الميزان” أصله اسمُ آلة الوزن، والوزن تقديرُ تعادُلِ الأشياء وضبط مقادير ثقلها، وشاع إطلاق الميزان على العدل باستعارة لفظ الميزان للعدل على وجه تشبيه المعقول بالمحسوس…  ويقول الدكتور/ محمد سيد طنطاوي (ت 1431 هـ) (في تفسيره “الوسيط في تفسير القرآن الكريم”): وقوله تعالى: “وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ…”، أى والسماء أوجدها بقدرته مرفوعة بدون أعمدة، وأنتم ترون ذلك بأعينكم. فالمقصود بقوله “رَفَعَهَا” لفت الأنظار إلى مظاهر قدرته تعالى، وإلى وجوب شكره وإخلاص العبادة له، والتزام طاعته.. والميزان يطلق على الآلة التي يزن الناس بها ما يريدون وزنه من الأشياء المختلفة. والمراد به هنا وجوب التزام العدل في الأحكام، وشاع إطلاق الميزان على العدل فى الأحكام، لأن كليهما تضبط به الأحكام، وتنال الحقوق…

والخلاصة: جمهور المفسرين على أن “الميزان” المذكور في هذه الآية القرآنية هو العدل بين خلقه في الأرض… والميزان المراد به وجوب التزام العدل في الأحكام، وشاع إطلاق الميزان على العدل في الأحكام، لأن كليهما تضبط به الأحكام، وتنال الحقوق… وشاع إطلاق الميزان على العدل باستعارة لفظ الميزان للعدل على وجه تشبيه المعقول بالمحسوس… والميزان أراد به كل ما توزن به الأشياء وتعرف مقاديرها… ولم يفطن أحدهم إلى أن “الميزان” المذكور في الآية يخص “السماء” بكل مكوناتها من أقمار وكواكب ونجوم وغيرها من الأجرام السماوية… وعلى الرغم من هذا، فقد ذكر بعض أهل اللغة “الميزان” بمعنى التوازن والتَعْدِيلٍ وَالاسْتِقَامَةٍ أو توازن القوى…

الميزان” بمعنى التوازن.. في علم الفلك الحديث:

لما كان من المعلوم أن السماء في اللغة العربية هو كل ما ارتفع وسما فوق رأس الإنسان، وبالتالي فهى تتضمن الشمس والقمر والكواكب والنجوم وغيرها… فنحن نرى أن الميزان المذكور في الآية السابعة في سورة الرحمن هو حالة التوازن  Equilibrium)) الدقيق فيما بين هذه الأجرام السماوية (Celestial Bodies) وضبطها من الطغيان والانحراف على أفلاكها ووظائفها المحددة لها بقدرة الله الخلاق العظيم، وذلك لأن “الميزان” جاء مقرونا بالسماء، في هذه الآية الكريمة هكذا: “وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7)”[سورة الرحمن]. وهذه معجزة إلهية لا يستطيع البشر إخضاعها لقوانينهم أو حل رموزها، فكل ما يتوصلون إليه من معرفة بها إنما هى فروض ونظريات قابلة للتعديل والتطوير… بالضبط كمعجزة رفع السماء بغير عمد أو بعمد غير مرئية للبشر، وهذه هى حالة القوى الموازنة فيما بين الأجرام كي لا يسقط بعضها على البعض ويفسد الكون، إذ لو زادت قوة عن قوة لأصبح هناك خلل، وبالتالي انهار نظام الكون… وعموما، فلنأخذ نحن البشر سكان الكوكب الأرضي العبرة من توازن السماء، فلا نطغى في موازين الأرض فتضطرب أمور الدنيا ويفسد نظامها… وفيما يلي بعض التفصيل…

عرفنا في لقاء سابق أن كل ما في الكون يتحرك، بدءً من الذرة (Atom) إلى المجرة (Galaxy)، بل وإلى ما هو أكبر من المجرة… ولا يمكن أن يكون الكون مستقرا إلا إذا كانت كل أجرامه في حركة مستمرة، ولو حدث أن توقف أي منها عن الحركة لانجذب فورا إلى أقرب الأجرام إليه واندمج معه، وذلك بسبب قوة الجاذبية التي أودعها الله مادة الكون… إن كافة النجوم والكواكب والأقمار والمجرات تتحرك، ومن أشهر حركاتها الدوران (الدوران هو التعبير الفلكي القديم نسبيا)، دوران كل جرم منها حول نفسه في حركة محورية (مغزلية)، ودورانه حول جرم أكبر منه في مدار أو فلك، وهذه هى حركته الانتقالية… وحتى المكونات التي قد يتخيل الإنسان أنها ثابتة جامدة على سطح الأرض التي نعيش فيها، كالجبال والأنهار والهضاب والبحار، إنما هى في حركة دائبة، سواء كانت حركة الذرات التي تتألف منها، أم حركتها الانتقالية في الفضاء الكوني (ضمن حركة الكوكب الأرضي ذاته)، أم حركات أخرى لم يتوصل العلماء إلى تحديده أنواعها أو سرعاتها…!! وقد تناولنا هذه النقطة عند تدبرنا للآية القرآنية: “وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)”[سورة النمل]…

فلماذا لا يشعر الإنسان بحركة هذه المكونات الموجودة في كوكب الأرض الذي يعيش فيه، ولماذا لا يشعر الإنسان بحركة هذا الكوكب وهو يدور حول نفسه، ويدور حول الشمس، ويدور حول مركز المجرة (مصاحبا للشمس)…إلخ؟؟؟  الإجابة باختصار ترجع إلى خاصية أخرى من خصائص الأجرام السماوية في حركاتها، وهى التوازن، أي أن كل جرم يتمتع بنعمة قدرها الله الخالق العظيم له، وهى توازنه أثناء حركته…  وقد درس العلماء هذه الخاصية، أي النعمة، فوجدوا أن النجم أو الكوكب أو غيره يدور في حركة محورية حول نفسه، وهذا تنشأ عنه قوة طاردة مركزية تحفظ عليه موقعه في مساره، أو مداره، فلا يصطدم بالنجم الذي يدور من حوله. وبالنسبة لكوكب الأرض، هناك قوة الجاذبية الشمسية التي تجذبه حتى لا ينفلت من جوارها ويتوه في الفضاء الكوني الهائل…  بل إن جميع الأجرام السماوية (على اختلاف أنوعها وأسمائها) تسير (أو “تسبح” بالمصطلح القرآني) في أفلاك أو مسارات محددة، وبنظام دقيق، لا تتغلب فيه قوة على قوة أخرى، بل توازن عام يسود جميع المنظومات، وميزان بالغ الدقة، وهو أحد النواميس الكونية التي وضعها الله تعالى… ولعل في هذا الموجز ما يعين على فهم قول الله تعالى: “لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ…”.  وللتوازن وظيفة مهمة هى الحفاظ على الوضع النسبي لهذه الأجرام السماوية على الرغم من حركاتها.

ولمزيد من التوضيح، فإن التوازن هو الجمع بين أضداد، بمعنى أن الأجرام السماوية تقع تحت تأثير قوى جاذبة تربط فيما بينها، وتقع كذلك تحت تأثير قوى رافعة تحفظها من السقوط. وقوى التجاذب الرابطة من شأنها أن تقرَّب وتجمع فيما بين الأجرام، بينما تعمل طاقة حركتها (المكتسبة من القوى الرافعة) على انطلاقها بعيداً في أعماق الفضاء (طبقا لخصائص تأثير القوة في الأجسام)، ولكن حفظ هذه الأجرام من السقوط بعضها على البعض الآخر، واستمرار دورانها (أو سباحتها) في أفلاك ثابتة، يستلزم بالضرورة أن يكون تأثير قوى التجاذب مساوياً لتأثير طاقة الحركة ومضادَّا لا تجاهها. وتصير الأجرام بذلك على أبعاد ثابتة في مجموعاتها التي تنتمي إليها، أي أن الله سبحانه وتعالى قد عادَل وساوى بين تأثير قوى التجاذب الرابطة للأجرام السماوية وتأثير حركاتها المكتسبة من قوى الرفع، فحفظها بذلك من السقوط بتأثير القوى الرابطة، كما حفظها من التشتت والتوهان بتأثير القوى الرافعة. وهكذا انتظمت مكونات الكون الهائل في نظام محكم يضبط حركتها ويمنع تصادمها، ويحفظ توازنها واستقرارها في أفلاكها إلى ما شاء الله.

يقول الله سبحانه في القرآن الكريم: “اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ{2}” [سورة الرعد] … وتشير هذه الآية الكريمة إلى بعض الظواهر الكونية التى أخبر بها الحق- جل وعلا- لتدل على كمال قدرته وبالغ حكمته، ويتضح من معناها العام أن الله سبحانه وتعالى خلق السموات ورفعها وربط بين أجزائها وحفظ توازنها في مواقعها التي قدرها لها من غير دعائم مرئية، لأن هذه الدعائم من شأنها وطبيعتها التي أوجدها الله عليها أنها لا تُرى أصلاً. ويفسر العلم الحديث هذه الدعائم بأنها القوى التي تعمل وفق قانون محدد من أجل حفظ التوازن الكوني، والإمساك بالأجرام السماوية في أفلاكها، ومنعها من الهرب في الفضاء أو وقوع بعضها على البعض الآخر. وهناك نصوص قرآنية أخرى تتحدث عن هذه المسألة منها قول الله سبحانه: “... وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ{65}” [سورة الحج].

ولم يتوصل علم الكونيات إلى معرفة هذه الحقيقة الكونية عن توازن الأجرام السماوية إلا بعد نزول القرآن الكريم بما يزيد على ألف عام، وذلك عندما صاغ العالم الإنجليزي إسحق نيوتن Isaac Newton))‏ في عام 1667م (قانون الجذب الكوني) الذي ساعد في تفسير حركة كواكب النظام الشمسية (Solar system) حول الشمس (Sun). كما يقرر القانون أن (أىَّ جسمين في الكون يجذب أحدهما الآخر بقوة تتناسب طرديا مع كتلتي الجسمين وعكسيا مع مربع المسافة بينهما). وعلى سبيل المثال، إذا علمنا أن كتلة الشمس تبلغ نحو 99.89 % من الكتلة الكلية للنظام الشمسي لأدركنا كيف يمكن لقوة جذب الشمس أن تجبر كواكبها للدوران حولها. ولولا هذه القوة غير المرئية لاندفع كل كوكب إلى الفضاء الخارجي، وانفرط عن مساره بتأثير ما يسمى “القوة الطاردة المركزية” الناشئة عن حركته الدورانية . فكأن قوة جذب الشمس لكوكب ما تعادل القوة الطاردة المركزية التي تعمل على إخراج هذا الكوكب عن مساره وإبعاده عن مركز الدوران .

وبعد، فإن علوم البشر مهما تقدمت وتطورت فستظل مجرد قطرة في بحر علم الله اللامحدود، وسوف يظل إعجاز القرآن الكريم في آيات الخلق والرفع والتوازن الكوني شاهدا على عجز الإنسان عن الوصول إلى كل أسرار طبيعة القوى الكونية التي لا ترى. وهكذا يتضح لغير المسلمين أن القرآن الكريم كتاب إلهي أحكمت آياته، وبالنسبة للمسلم، وخاصة إن كان ضعيف الإيمان،  فإن هذه الحقائق العلمية القرآنية يجب أن تعمق إيمانه بالله الخالق الواحد، وهو الحق المطلق، ومصدر كل الحقائق في هذا الكون.

وخـــتاما، فقد أصبح من الواضح الآن أن الدراسات والبحوث العلمية للإشارات القرآنية الكونية، حين يتولاها العلماء الراسخون، ستؤدي إلى الحصول على نتائج مدهشة، توصف بأنها انتصار للقرآن الكريم الذي زخر بالمئات من الإشارات العلمية التي تنتظر من يشمر سواعد الجد عن كشف مكنوناتها ودراسة أبعادها وبحث آفاقها المترامية الأطراف..


الوسوم:

مقالات ذات صلة