الخلايا الجذعية بينة علمية
الخميس/يناير/2020
يحدث الإخصاب Fertilization في الثلث الخارجي لقناة الرحم Fallopian Tube فتتكون البويضة المخصبة Zygot، وهي أول خلية في حياة الإنسان، وحينئذ يكون الجنين أشبه ما يكون بقطيرة ماء -أي نطفة- Drop-like embryo، وتتوالى انقسامات الخلايا والجنين في طريقه إلى تجويف الرحم بنفس هيئة النطفة، وبتضاعف عدد الخلايا تتكون كتلة تشبه التوتة فسميت بالجسم التوتي Morula، وكل خلية شاملة القدرة على التخصص بحيث يمكنها أن تعطي جنينا كاملا Totipotent، وتلك آلية الأجنة المتماثلة، ويتزايد الانقسام حتى يصل العدد إلى حوالي 50 -100 خلية، ويظهر بها في حدود اليوم الرابع والخامس تجويف فتسمى الكيسة الجذعية أو الأرومية، Blasto-cyst، ويظهر بداخل الكيسة الجذعية كتلة داخلية مكونة من حوالي 30 خلية تسمى بكتلة الخلايا الداخلية Inner cell mass، وهي لا تعطي جنينا كاملا لكنها متعددة القدرات على التخصص لأعضاء Pluripotent؛ بحيث يمكنها التميز لخلية أي عضو، بينما تتكون المشيمة والأغشية الجنينية من الخلايا الخارجية للكيسة الجذعية.
وفي نهاية الأسبوع الأول من الإخصاب يحدث الانغراس Implantation، ويتعلق الجنين بالبطانة الداخلية للرحم، ويتغذي على دم الأم، ويستطيل فيصبح كعلقة البرك Leech-like embryo، وتتحول الكتلة الداخلية إلى ثلاث طبقات يتكون منها لاحقا أكثر من 200 نوع من الخلايا المتخصصة لأعضاء الجنين، ومع ابتداء ضربات قلب الجنين في بداية الأسبوع الرابع من الإخصاب تنمو الجهة الظهرية بمعدل أكبر فينحني للأمام، وتبدأ أوليات الأعضاء في التشكل كبراعم فتظهر على جسمه انبعاجات وتجاعيد وأخاديد، وتبدأ الكتل الظهرية Somites في التشكل؛ فيكون حينئذ أشبه من حيث الشكل بمضغة طعام لاكتها الأسنان، وهي المرحلة التي تتطابق مع وصف الشكل في القرآن الكريم بالجنين الشبيه بمضغة Chew-like embryo؛ خلال بيان مراحل تكوين الجنين في عبارات وصفية Descriptive terms تكشف خلق الجنين الإنساني في أطوار بخلاف ما ظل حكرا للتخمينات؛ حتى قيل في بداية عصر المجهر بخلق الإنسان كاملا بهيئة قزم داخل رأس الحوين المنوي بلا أطوار: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [23المؤمنون: 12-14].
|
وبعد ستة أسابيع من عمر الجنين يبدأ في التحول من هيئة المضغة وتظهر ملامح الهيئة الإنسانية في الظهور شيئا فشيئا، إلى أن تكتمل مع تكون الهيكل Skeleton بتكون أوليات العظام في الأسبوع السابع وكسوتها بالعضلات في الاسبوع الثامن.
الجنين الشبيه بمضغة منحنية عليها علامات الأسنان وانبعاجات وأخاديد نتيجة تكون الأعضاء. |
وخلال مرحلة تكون الأعضاء Embryogenesis التي تنتهي بعد ثمانية أسابيع من الإخصاب تكتمل كل الأعضاء بهيئة أوليات Primordia؛ بتخلق الخلايا غير المتميزة Undifferentiated Cells إلى خلايا متميزة لأعضاءDifferentiated Cells، وتبقى لآخر عمر الإنسان خلايا غير مُخَلَّقَة قادرة على التميز؛ مهمتها تعويض خلايا الأعضاء المتضررة يوميا، وكما أن جذع الشجرة Stem يتفرع إلى أغصان متعددة، تتفرع الخلايا غير المتميزة كذلك إلى أعضاء متعددة لجسم الجنين؛ فسميت باسم الخلايا الجذعية Stem Cells، والمثال تجدد خلايا الدم بتحول الخلايا الجذعية في نخاع العظام إلى خلايا الدم.
والخلاصة أن طور الجنين الشبيه بمضغة تتحول فيه أكثر الخلايا إلى خلايا مُخَلَّقَة أعضاء وتبقى نسبة غير مُخَلَّقَة تنتشر في الأعضاء رصيدًا مُدَّخَرًا طول العمر لترميم وتعويض ما يتلف من خلايا الأعضاء، ويتطابق وصف الجنين الشبيه بمضغة بكون بنيته مُخَلَّقَة وغير مُخَلَّقَة في ذات الوقت على المستوى الخلوي مع وصف القرآن الكريم للجنين الشبيه بمضغة بكون بنيته مُخَلَّقَة وغير مُخَلَّقَة في ذات الوقت؛ بيانًا لعلم الله تعالى وتذكيرًا بعنايته بالإنسان وسبق التقدير بتأهيلات تحفظ عليه حياته: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا﴾ [22الحج: 5]. والآية الكريمة صريحة في تخصيص طور الجنين الشبيه بالمضغة بالوصفين (مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) دون غيره من الأطوار؛ وهو الطور المتميز بثورة تكوين الأعضاء، وهي صريحة في وصف نفس المضغة بالوصفين معا؛ فلا يمكن التفريق بينهما، فهما وصفان للإنسان المقبل، ومطلعها خطاب للناس يذكرهم بما كانوا عليه وهم أجنة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ).. (فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ)، فلا يُمكن حمل (غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) على السقط وقد ولدوا وصاروا أهلاً للخطاب.
قال الشنقيطي: “أَمَّا السِّقْطُ؛ فَقَدْ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ.. لِأَنَّ الْمُخَلَّقَةَ وَغَيْرَ الْمُخَلَّقَةِ مِنْ صِفَةِ الْمُضْغَةِ”, وقال الرازي: “كَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَسَّمَ الْمُضْغَةَ إِلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا تَامَّةُ الصُّوَرِ وَالْحَوَاسِّ وَالتَّخَاطِيطِ، وَثَانِيهِمَا النَّاقِصَةُ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ.. وَهَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ”. وقال الشيخ محمود غريب من علماء الأزهر: “مضغة مخلَّقَة تسير في مسيرة التشكل والتخلق لتصير عينا.. وتصير أُذُناً.. ومضغة غير مخلَّقَة؛ مع قدرتها على التخلق والتشكل فإنها لا تتخلق ولا تتشكل، تبقى في الجسم تمثل مخزون الاحتياط، فإذا تآكلت خلية جسدية تقوم الخلايا غير المخلَّقَة بتعويض الجسد ما تآكل منه، وكذلك لحام الكسور من العظام ونسيج الجروح، وكان القدامى من العلماء يفسرون المخلَّقَة بالتي تتشكل جنينا؛ وغير المخلَّقَة السقط… لكن هذا التفسير لا يتفق مع الآية الكريمة التي مطلعها (يَا أَيُّهَا النَّاسُ).. (فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ)، فالآية خطاب لكلِّ الناس، ومعلوم أن السقط لا يُخاطب”. وقال الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى: “المضْغة المخلَّقة هي التي يتكّون منها جوارح الإنسان، وغير المخلَّقة تظل احتياطياً لصيانة ما يتلف، فالمخلَّقة هي التي تكوّن الأعضاء، وغير المُخلَّقة هي الرصيد المختزن؛ وبه يعوَّض أيّ عطب في الأعضاء المخلَّقة”.
وبدون تعويض عطب ما يهلك من الخلايا وتجديدها يتعرض الإنسان للموت، فكرات الدم مثلا تحتوي على الهيموجلوبين المهم للحياة، وعددها: 4-5 مليون كل مم مكعب، وتتكون في نخاع العظام وعمرها حوالي 125 يوما وتتكسر في الكبد والطحال، وعدد الصفائح الدموية يتراوح بين 250 ألف إلى 500 ألف في كل مم مكعب، ومتوسط عمرها حوالي 5-7 أيام، وبتأثير سوائل الجروح تعمل الصفائح الدموية مع بروتين البلازما (فيبرين fibrin) على وقف النزيف بتكوين الجلطة Clot، وهي وظيفة مهمة لإنقاذ الحياة؛ فقد يؤدي نقص إنتاجها إلى نزف يهدد الحياة، وتوقف الخلايا الجذعية في نخاع العظام Bone Marrow عن إنتاج خلايا الدم والصفائح خطر يهدد الحياة؛ مثلما يحدث في حالة التعرض لجرعات عالية من الإشعاع النووي.
وإلى عهد قريب لم يكن معروفا سوى الخلايا الجذعية التي في نخاع العظام، ولكنها اكتشفت حديثا في أعضاء عديدة وعرف أن مهمتها كذلك ترميم ما يتلف من الخلايا، وقد اكتشفت الخلايا الجذعية في مواضع غير متوقعة مثل لب الأسنان، ويمكنها كأي خلايا غير متخصصة أخرى بالجسم التحول إلى أي نسيج آخر؛ وليس خلايا العضو الذي توجد فيه فحسب، فماذا لو استفحل الأمر بمرض عضوي أصاب مساحة واسعة وأتلفها وتجاوز التدمير قدرتها على الترميم؟ من هنا نشأت فكرة إعانتها بإنتاج عدد وفير باستنبات الخلايا الجذعية معمليا Stem cell Cultivation في طبق لزيادة قدرتها على الترميم، وتأكد بالفعل أن الخلايا الجذعية غير المتخصصة تستطيع التحول إلى أي نوع من أنسجة الجسم إذا استنبتت في طبق بالمعمل يحتوى على سائل مغذي، ويُمكن للخلايا الجذعية المستنبتة معمليا أن تعطي خلايا متخصصة كخلايا العضلات وخلايا الدم والخلايا العصبية.
وخلايا الأجنة المستنبتة في أول مراحلها تمتلك قدرة أكبر على التميز، ولم يكن معروفا إلا منذ عهد قريب دور المشيمة في إنتاج خلايا الدم؛ مما يعني أنها والحبل السري مصدر ثري للخلايا الجذعية، ويمكن باستخدام تقنية استزراع خلايا جذعية لإنتاج خلايا عضو محدد ترميم نسيجه التالف؛ كأمراض المخ والقلب والسكر وتعويض طرف مبتور وتضرر النخاع الشوكي والحروق، ونظريا حتى الآن يمكن إحلال عضو كامل تالف بخلايا جذعية مستنبتة معمليا؛ كزراعة خلايا البنكرياس لعلاج مرض السكر بشكل نهائي، وبهذه التقنية لن يكون مرض الزهايمر Alzheimer الناجم عن تلف خلايا المخ عند كبار السن مشكلة مؤرقة، وقد أمكن بالفعل تحويل خلايا جذعية إلى خلايا قلبية لترميم جزء متضرر، ومع التقدم في العمر قد يؤدي التهاب المفاصل إلى تآكل الغضاريف والعجز عن الحركة، ومع نجاح التجارب الأولية قد أعطى العلاج بالخلايا الجذعية من نفس الشخص أملا كبيرا.
وأول من استخدم تقنية زراعة نخاع العظام في الستينيات هو د. دونال توماس Donnall Thomas من جامعة واشنطن، ونال جائزة نوبل عام 1990 لاكتشافه إمكان استخدام الخلايا الجذعية لعلاج الأمراض، وفي عام 1998 تمكن د. جون جيرهارت John Gearhart من جامعة هوبكنز من استنبات خلايا جذعية مأخوذة من كتلة الخلايا الداخلية لجنين بشري، وفي عام 2007 استنبت د. جيمس طومسون James Thomson وفريقه من جامعة كاليفورنيا خلايا الكتلة الداخلية للحويصلة الجذعية، وتأكد من قدرتها على إنتاج خلايا متخصصة، وفي نهاية عام 2008 نجح فريق طبي في برشلونة برئاسة الإيطالي د. باولو ماشياريني من زراعة جزء من قصبة هوائية تم تكوينه من خلايا جذعية في المعمل، وقد يؤدي مرض انسداد الأوعية Buerger’s disease إلى بتر بعض أجزاء القدم، وفي نهاية عام 2009 أجريت محاولة حقن الخلايا الجذعية المستمدة من نخاع المتطوعين المعرضين للبتر؛ وكانت النتيجة مشجعة، وفي 5 ديسمبر 2011 أعلن د. ريتشارد هارفي Richard Harvey بسيدني إمكان علاج الأزمات القلبية بتنشيط الخلايا الجذعية وزراعتها في موضع الإصابة لتتحول إلى خلايا قلبية، وفي 12 ديسمبر 2011 أعلن كوجي ايتو Koji Eto الأستاذ بجامعة كيوتو باليابان عن إنتاج صفائح دموية للمرة الأولى في العالم باستزراع خلايا جذعيه مأخوذة من شخص بالغ، وأعلن مركز بحوث جامعة تكساس في 6 يناير 2012 أن زراعة خلايا جذعية مأخوذة من نخاع عظام 10 أطفال مصابين بالمخ نتيجة الحوادث آمنة ومشجعة. وفي 7 يناير 2012 اكتشف باحثون في نيويورك خلايا جذعية مخبوءة داخل الطبقة الصبغية للشبكية في العين؛ قد تستخدم لترميمها وعلاج العمى بكل أشكاله.
في ثنايا كلمتين إذن في القرآن الكريم (مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ)؛ كنز كبير من المعرفة يكشف العناية بالإنسان قبل مولده، ويدخر إيماءة لثورة مستقبلية قد تلغي طرق العلاج المعتادة اليوم بتقنية لم تكن في حسبان أحد حتى ستينيات القرن الماضي، ولم يكن بوسع بشر يوم نزل القرآن الكريم في القرن السابع الميلادي أن يصف تكوينات مجهرية في غاية الدقة لذا فالنص آية على علمه تعالى وعنايته.
Related Refereces:
1. Embryology – History of embryology as a science.” Science Encyclopedia. Web. 06 Nov. 2009.
2. Encyclopædia Britannica. 2009. Encyclopædia Britannica Online. 06 Nov. 2009.
3. The Developing Human ( Prof. Keith Moor & Prof. T. Persaud) Edition 6 – 1998.
4. A Scientist’s Interpretation of References to Embryology in the Quran (Prof. Keith Moor) Journal of the Islamic Medical Association, 1986: vol.18, Page 15-16.
5. Human Development as Described in the Qur’an and Sunnah, By : Keith L. Moore ; E. Marshall Johnson ; T.V.N Persaud ; Gerald C. Goeringer; Abdul-Majeed Zindani, ; and Mustafa A Ahmed , 1992, ISBN 0-9627236-1-4. Collection of papers that were originally presented in the First International, Conference on Scientific Signs of the Qur’an and Sunnah, held in Islamabad,