الإعجاز الغيبي للقرآن: كشف خفايا الكتب المخبأة عند اليهود

 
الأربعاء/أغسطس/2024
   

على مر العصور، ظهرت العديد من الدلائل والشهادات التي تبرز أن بعض الحاخامات اليهود كانوا يحتفظون بمخطوطات دينية وتاريخية ذات أهمية بالغة، والتي قد تحتوي على معلومات دينية أو تاريخية مهمة، لكنها لم تُعرض على العامة إلا في نطاقات ضيقة ومحدودة للغاية. هذه المخطوطات، التي قد تتضمن نصوصاً توراتية أو تفاسير خفية أو تعاليم باطنية، كانت تعتبر كنوزاً معرفية، إلا أن الاطلاع عليها كان مقتصراً على نخبة معينة من رجال الدين اليهودي.
عملية إخفاء المخطوطات أو حجبها عن الجمهور قد تكون ناتجة عن الرغبة في الحفاظ على السلطة الدينية أو إخفاء حقائق عن العامة قد تعتبر مخالفة لراي الحاخامات او العقيدة الدينية.
هذا السياق التاريخي يظهر لنا أن بعض النصوص الدينية اليهودية، والتي قد تغير مفهوماً أو تطرح سؤالاً جديداً حول النصوص المقدسة، قد تم إخفاؤها عمداً. لذلك، فإن الحديث عن إخفاء الكتب ليس فقط موضوعاً مرتبطاً بالتاريخ، بل هو أيضًا إشارة قرآنية تدل على هذه الممارسات.

 أمثلة على الكتب والنصوص التي تم إخفاؤها:

عبر التاريخ اليهودي، يمكننا رصد العديد من الأمثلة على الكتب والنصوص التي تم إخفاؤها أو حجبها عن العامة، وذلك لأسباب تتعلق بحماية العقيدة الدينية أو لأسباب سياسية وثقافية تتعلق بالحفاظ على أسرار معينة. في السطور التالية نستعرض بعض الأمثلة البارزة على هذه النصوص المخفية:
مخطوطات البحر الميت (Dead Sea Scrolls):
تُعتبر مخطوطات البحر الميت من أهم الاكتشافات الأثرية في العصر الحديث، حيث تم اكتشاف هذه النصوص في كهوف قمران بالقرب من البحر الميت في منتصف القرن العشرين. تتضمن هذه المخطوطات نصوصًا توراتية تعود إلى القرنين الثاني والأول قبل الميلاد، بالإضافة إلى تفاسير دينية تعكس أفكار ومعتقدات طائفة الأسينيين، وهي جماعة يهودية انعزلت عن اليهودية السائدة في ذلك الوقت. ورغم الأهمية التاريخية لهذه المخطوطات، إلا أن هناك إشارات إلى أن بعض الأجزاء منها ظلت بعيدة عن متناول الباحثين لسنوات عديدة، مما أثار تكهنات حول ما إذا كان البعض قد تعمد إخفاء هذه النصوص لتجنب إثارة نقاشات دينية أو سياسية قد تزعزع الاستقرار.
 التلمود البابلية (Babylonian Talmud):
يُعد التلمود البابلية من أهم النصوص القانونية في اليهودية، ويُعتبر موسوعة تجمع بين تعاليم وتفسيرات الحاخامات على مر القرون. رغم أنه متاح اليوم للجميع، إلا أنه في فترة من الفترات كان يُدرس فقط في مدارس دينية خاصة، ولم يكن متاحًا للجمهور العام. كانت هناك نسخ تحتوي على تفاسير حساسة لم تُنشر بشكل واسع، حيث كانت هذه التفسيرات تتناول قضايا قد تكون خلافية أو مثيرة للجدل من الناحية الدينية. هذا التلاعب في إخفاء بعض التفاسير كان يهدف إلى حماية العقيدة اليهودية من الانحراف أو التشويش وفق زعمهم.
 كتاب الزوهار (Zohar):
كتاب الزوهار هو النص الأساسي للفلسفة الصوفية اليهودية المعروفة باسم الكابالا. هذا الكتاب، الذي يفسر التوراة من منظور باطني وعميق، كان محجوباً عن العامة لقرون عديدة. لم يُسمح لغير النخب الدينية بالاطلاع عليه، حيث اعتقدوا أن فهم هذا النص يتطلب مستوى عاليًا من المعرفة الروحية. لم يصبح هذا النص متاحاً بشكل واسع إلا في وقت لاحق من التاريخ، ما يعكس رغبة في الحفاظ على سرية هذه المعرفة لمنع إساءة استخدامها أو إساءة فهمها.
سفر ها رازيم (Sefer HaRazim):
سفر ها رازيم هو نص قديم يتناول السحر اليهودي ويحتوي على تعاويذ وطقوس تُستخدم لاستدعاء القوى الروحية. ظل هذا الكتاب مخفيًا لفترات طويلة ولم يكن معروفًا للعامة إلا في القرن العشرين. يعود تاريخه إلى العصور البيزنطية، ويُعتقد أن إخفاءه كان نتيجة لمحتوياته المثيرة للجدل، التي كانت تتعارض مع المفاهيم الدينية الرسمية لليهودية.
 النصوص المتعلقة بالمسيح اليهودي المنتظر (Messiah Manuscripts):
هناك العديد من النصوص القديمة التي تتناول المسيح اليهودي المنتظر، وهي شخصية دينية كبيرة في اليهودية. بعض هذه النصوص كانت تتضمن نبوءات وتفاسير تتعلق بوقت مجيئه وظروفه، لكن بسبب حساسية هذه التنبؤات وتأثيرها على المجتمع، تم حجب هذه النصوص وإخفاؤها بعيدًا عن العامة خوفًا من إثارة التوترات الدينية أو السياسية.
## آيات قرآنية تذكرت هذه الحقيقة :
في الآية 91 من سورة الأنعام، يقول الله تعالى:﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ ۗ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَىٰ نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ ۖ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ۖ ﴾(سورة الأنعام، الآية 91).
 تفسير الآية:
هذه الآية تأتي كردٍ من الله سبحانه وتعالى على الذين ينكرون أن الله قد أنزل وحياً على البشر، ويشمل ذلك اليهود الذين أنكروا نزول الكتب على النبي محمد صلى الله عليه وسلم. الله يرد عليهم بالتذكير بأنهم لا يعظمون الله حق تعظيمه، حيث أنهم يعترفون بأن الله أنزل الكتاب على موسى عليه السلام، والذي كان نوراً وهدى للناس، ومع ذلك يقومون بتجزئيته وبخفاء بعض النصوص منه.
 معنى “القراطيس”:
كلمة “قراطيس” هي جمع “قرطاس”، وتعني الصفحات أو الأوراق المكتوبة. المقصود هنا أنهم قاموا بتقسيم الكتاب الذي أنزل على موسى عليه السلام إلى أوراق منفصلة (قراطيس)، بحيث يظهرون بعض هذه الأوراق للناس ويخفون الكثير منها. هذا التصرف يشير إلى التلاعب بالكتاب من خلال اختيار ما يناسبهم وإخفاء ما قد لا يخدم مصالحهم أو يثير الجدل.
من المخاطب بها:
الآية تخاطب اليهود الذين كانوا في المدينة المنورة في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهي تذكرة لهم بأنهم قد تلاعبوا بالوحي الذي نزل على موسى عليه السلام. فقد أظهروا منه أجزاءً وأخفوا أجزاءً أخرى، وهذا الفعل كان إشارة إلى عدم تقديرهم لله حق تقديره، وعدم التزامهم بالأمانة في نشر الوحي الإلهي.
## الإعجاز الغيبي في القرآن حول إخفاء القراطيس:
الآية الكريمة تشير بوضوح إلى أن بعض الحاخامات اليهود كانوا يظهرون أجزاء من الكتب المقدسة ويخفون أجزاء أخرى، مما يشكل تلاعباً متعمداً بالنصوص بهدف التحكم في المعلومات المتاحة للجماهير. هذا الإخفاء لم يكن محصوراً بفترة معينة، بل تجلى في أوقات عديدة عبر التاريخ، مما يعكس حقيقة مستمرة أشار إليها القرآن الكريم بشكل إعجازي.
توضيح الآية وسياقها التاريخي
هذه الآية توضح مدى خطورة إخفاء الحقائق الدينية، حيث كان اليهود في تلك الفترة ينكرون نزول الوحي الإلهي ويشككون في الكتب السماوية. جاء رد الله تعالى عليهم بتحدٍ واضح، يبين أن الكتب التي جاء بها موسى كانت تحتوي على نور وهداية للناس، لكنهم جعلوها قراطيس، أي قاموا بتجزئتها والتلاعب بها. هذا الإخفاء لم يكن مجرد فعل عابر.
الإعجاز الغيبي في القرآن الكريم يتجلى بوضوح في كشفه لهذه الممارسات الخفية، حيث أشار إلى إخفاء النصوص والتلاعب بها منذ أكثر من 1400 عام. هذا الأمر يتوافق تمامًا مع ما اكتشفته الدراسات الحديثة حول المخطوطات اليهودية المحجوبة، ويكشف عن عمق ودقة الوحي الإلهي في بيان الحقائق الخفية عن البشر.
المراجع :
فيما يلي بعض المراجع التي تناولت هذه الحقيقة:
1. كتب الأبحاث الأثرية والدينية حول مخطوطات البحر الميت:
o “مخطوطات البحر الميت: دراسة تحليلية” (The Dead Sea Scrolls: A Comprehensive Study)، وهي مجموعة من الأبحاث التي تناولت المخطوطات التي تم اكتشافها في كهوف قمران، وتتطرق إلى فكرة إخفاء هذه النصوص لفترة طويلة قبل اكتشافها في منتصف القرن العشرين.
2. الدراسات التاريخية عن التلمود والزوهار:
o “تاريخ التلمود” (History of the Talmud)، وهو كتاب يتناول التطورات التاريخية للتلمود البابلية ويذكر كيف تم تقييد الوصول إليه في فترات معينة، حيث كان يُدرس في مدارس خاصة مغلقة على العامة.
o “الزوهار والكابالا: نشأة وتطور” (Zohar and Kabbalah: Origins and Development)، وهو كتاب يتناول نشأة الكابالا والنصوص المرتبطة بها مثل الزوهار، ويشير إلى حجب النصوص الصوفية عن الأوساط العامة لفترات طويلة.
3. الكتب الدينية اليهودية القديمة:
o سفر ها رازيم (Sefer HaRazim)، الذي تمت دراسته وتحليله من قبل العديد من الباحثين اليهود والعلماء الأكاديميين، حيث تناولت بعض الكتب والدراسات الحديثة كيف كانت هذه النصوص السحرية محجوبة عن الجمهور لقرون.
4. المقالات الأكاديمية:
o مقالات بحثية في المجلات الأكاديمية حول موضوع إخفاء النصوص الدينية اليهودية، مثل مقالات منشورة في “مجلة الدراسات الدينية اليهودية” (Journal of Jewish Religious Studies) و”مجلة الأبحاث التلمودية” (Talmudic Research Journal)، التي تناولت موضوع إخفاء النصوص الدينية في الفترات المختلفة.
5. الكتب التفسيرية الإسلامية:
o تفسير الطبري وتفسير ابن كثير عند تفسير الآية 91 من سورة الأنعام: يتناولان بالتفصيل ممارسة اليهود في إخفاء بعض الكتب والنصوص، مما يشير إلى ارتباط هذه الظاهرة بممارسات قديمة وصفها القرآن.


الوسوم:


مقالات ذات صلة