الإعجاز العلمي في أحاديث منع التداوي بالخمر
الثلاثاء/يناير/2022
د. محمد علي البار*
لقد كان الأطباء يزعمون في الأزمنة الغابرة وعلى زمن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبعده، وحتى عهد قريب أن الخمر دواء وأن شربها باعتدال معين على الصحة. وسنذهل للمفارقات العجيبة فالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: (إنها داء وإنها ليست بشفاء) والأطباء يصرون في زمنه والأزمنة التي قبله والتي بعده أنها دواء! حتى جاء الطب في العصر الحديث وأبان زيف ما كان الأطباء يقولونه؛ إن في الخمر منافع شتى وعديدة للبدن وإنها تهضم الطعام وتشحذ الأذهان وتصفي الكبد وإنها معين عظيم على الصحة!!
الأحاديث الشريفة في منع التداوي بالخمر
1- عن وائل بن حُجر أن طارق بن سُوَيْد الخضري سأل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الخمر يجعل في الدواء فقال ـ صلى الله عليه وسلم: (إنها داء وليست دواء).أخرجه مسلم (كتاب الأشربة من صحيحه)، وأبو داود في سننه (كتاب الطب) والترمذي في سننه (باب كراهية التداوي بالمسكر) وسنن ابن ماجه وأبو نعيم في الطب النبوي.
2-عن طارق بن سويد قال:(يا رسول الله إن بأرضنا أعنابا نعصرها فنشرب قال: لا فراجعته قلت: إنا نستشفي للمريض. قال: إن ذلك ليس بشفاء ولكنه داء). أخرجه مسلم وابن حبان في صحيحه.
3-عن أبي الدرداء عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (إن الله أنزل الداء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تتداووا بحرام). أخرجه أبو داود وابن السني وأبو نعيم كلاهما في الطب النبوي.
4- روى أبو داود أن ديلم الحميري جاء مع وفد اليمن وسأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم: (إنا بأرض باردة نعالج فيها عملا شديدا، وإنا نتخذ شرابا من هذا القمح نتقوى به على أعمالنا وبرد بلادنا؟ قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: هل يسكر؟ قال: نعم، قال: فاجتنبوه. قال: إن الناس غير تاركيه. قال: فإن لم يتركوه فقاتلوهم).
ولا تزال الخمر تشرب حتى اليوم بناء على وهم أنها تدفئ الإنسان من البرد. وهي توسع الأوعية الدموية تحت الجلد فيشعر بالدفء ويفقد حرارة جسمه، كما أنها تمنع المناطق المخّية المسؤولة عن تنظيم حرارة الجسم فيما يسمى تحت المهاد (Hypothalamus) فيؤدي ذلك إلى فقدان حرارة الجسم… ومن المآسي التي تحدث كل عام في أعياد الميلاد ورأس السنة أن يتوفى المئات في روسيا والولايات المتحدة وأوروبا من فقدان حرارة أجسامهم بعد شرب الخمور والانغماس فيها، والبقاء في الحدائق والأماكن المفتوحة فيموتون من البرد وهم يتمتعون بالدفء الكاذب وقد نشرت المجلة الطبية لأمريكا الشمالية Medical clinics of North America عدد يناير 1984م أن شرب الخمر هو أهم سبب لحدوث الوفيات الناتجة عن انخفاض درجة حرارة جسم الإنسان.
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (من تداوى بالخمر فلا شفاه الله) أخرجه أبو نعيم في الطب النبوي.
عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم). أخرجه البخاري في صحيحه.
أقوال المفسرين في قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَــآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَــآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا)( البقرة 219).
وقد اتفق أهل التفسير في معنى الإثم الكبير أنه في الدين، وفي ضياع العقل بشرب الخمور، وما يحدث في شربها من النزاع والخصام، وحدوث الجرائم وارتكاب الموبقات. والخمر أم الخبائث كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجماع الإثم.
وقد سماها العرب الإثم؛ قال الشاعر:
شربت الإثم حتى ضل عقلي كـذاك الإثـم يذهـب بالعقــول
ولكن ما يلفت النظر فهمهم للمنافع التي أشار الكتاب العزيز إليها.
فقال الطبري: (فإن منافع الخمر كانت أثمانها قبل تحريمها وما يصلون إليه بشربها من اللذة).
قال ابن كثير:
(وأما المنافع الدنيوية من حيث إن فيها نفع البدن، وتهضيم الطعام وإخراج الفضلات، وتشحيذ بعض الأذهان، ولذة الشدة المطربة.
ولكن هذه المصالح لا توازي مضرته ومفسدته الراجحة لتعلقها بالعقل والدين، ولهذا قال الله تعالى: (وَإِثْمُهُمَــآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا).
وقال القرطبي: (وقد قيل في منافعها إنها تهضم الطعام، وتقوي الضعيف، وتعين على الباه، وتشجع الجبان، وتصفي اللون، إلى غير ذلك من اللذة بها).
وقال سعيد حوى في تفسيره الأساس: (ومنافع الخمر من حيث فيها بعض النفع للجسد في بعض حالاته). وذكر الفخر الرازي بعض المنافع البدنية لها فقال: (فمنافع الخمر أنهم كانوا يتغالون بها إذا جلبوها من النواحي، وكان المشتري إذا ترك المماكسة في الثمن كانوا يعدّون ذلك فضيلة ومكرمة، فكانت تكثر أرباحهم بسبب ذلك. ومنها أنه (أي الخمر) يقوي الضعيف، ويهضم الطعام ويعين على الباه (الجماع)، ويسلي المحزون، ويشجع الجبان، ويسخّي البخيل، ويصفّي اللون، وينعش الحرارة الغريزية، ويزيد في الهمة).
ولعمري لو كان في الخمر هذه الصفات لكان ذلك من دواعي شربها، بل هذا كله باطل وسنفصل القول فيه تفصيلاً وهو من الأوهام المتعلقة بالخمر فهي لا تقوي الضعيف بل تزيده ضعفًا وهزالاً، ولا تهضم الطعام بل تسبب التهاب الجهاز الهضمي ابتداء من الفم وانتهاء بالأمعاء مرورًا بالبلعوم والمريء والمعدة والبنكرياس والكبد. ولا تعين على الباه بل تفقد المرء عقله، فيقدم على الجرائم الجنسية ويعتدي على أمه وأخته، ونصف جرائم الاغتصاب على الأقل في العالم تقع تحت تأثير الخمر، وهي لا تسلي المحزون إذ إن تسليتها إذا حدثت وقتية سريعة الزوال وتعقبها الحسرات وتكثر المعارك والعداوات والبغضاء بين من يشربونها. وأما تشجيعها الجبان فهو ناتج عن فقدان العقل وحدوث التهور، وتقول الإحصائيات الحديثة إن 86 بالمئة من جرائم القتل تمت تحت تأثير الخمور فأي شجاعة هذه؟؟ وإن ما لا يقل عن 50 بالمئة من حوادث المرور ناتجة عن شربها.
وأما أنها تسخّي البخيل فعند فقده عقله يصرف ماله في غير موضعه، وهذا إسراف منهي عنه، وإضاعة للمال. وهؤلاء السكارى ينفقون أموالهم في الباطل والحرام ولا ينفقونها في سبيل الله، ولا لإغاثة ملهوف، وإنقاذ المنكوب، وإعانة الفقراء والأرامل واليتامى والمساكين.
وأما تصفيتها اللون فهو ما يحدث من الحمرة في وجه شارب الخمر وذلك بسبب تمدد الأوعية الدموية تحت الجلد، وبسبب إصابة الكبد وتليفها، فيحدث ذلك الاحتقان، وهو علامة المرض لا علامة الصحة.
ويصحبه عادة ارتفاع في ضغط الدم فيزداد الخطر على الصحـة على عكـس مـا توهمـه القدمـاء.. وأمـا قوله: (وينعش الحرارة الغريزية) فعبارة يستخدمها القدماء ولا محل لها في الطب الحديث. وأما قوله: (ويزيد في الهمة والاستعلاء) فأي همة لدى هؤلاء السكارى سوى مزيد من السكر والعربدة؟! وهم أذل خلق الله.. ولا يستعلون إلا على الضعفاء والمساكين. وأما الأقوياء فيتذللون لهم.
منافع الخمر في التراث الطبي الإسلامي:
اتجهت الغالبية الساحقة من الأطباء المسلمين إلى أن شرب الخمر باعتدال معين على الصحة، وأنها تهضم الطعام، وتشحذ الأذهان، وتقوّي الضعيف، وتزيد في الباءة، وتخصّب البدن، وتحسّن اللون..إلخ، واتفقوا جميعا على أن إدمان شربها والإكثار منها ضار بالصحة وأنها تؤدي إلى الرعشة والرجفة والفالج (الشلل)، وتبلّد الذهن، وترخي العصب، وتفسد مزاج الدماغ والكبد.. وكانوا ينصحون بتناولها ممزوجة بالماء، ويفصلون في أنواعها:
فالنبيذ الأحمر فوائده كذا، وينفع لكذا، ويصلح للشباب، والنبيذ الأبيض لكذا ولكذا. وينفع المحرورين..إلخ.. وأفضل استعمالها عندهم كل ثلاثة أيام مرة. والبلوغ إلى حد السكر وفقدان العقل عندهم ضار إلا أن يكون مرة أو مرتين في الشهر؛ فإن في ذلك فائدة ـ حسب وهمهم ـ لتسخين الجسد وإخراج الفضلات منه.
وقد سطر ذلك الوهم الفاسد عن منافع الخمر الجسدية كل من:
أبي بكر الرازي (251ـ 311هـ) في كتابه منافع الأغذية ودفع مضارها (ص69ـ 85).
وأبي الحسين بن علي بن سينا (370ـ 428هـ) في منافع الخمر في كتابه القانون من الجزء الأول والثالث في تدبير الماء والشراب.
وداود الأنطاكي المتوفى سنة 1008هـ تحت باب الخمر في تذكرته الشهيرة.
ومع ذلك نجد بعض الأطباء المسلمين يعارضون هـذا الاتجــاه كابن النفيس القرشي الذي عرض عليه زملاؤه الأطباء شرب الخمر عندما مرض فأبى ذلك بشدة.(…)
المنظمات الصحية العالمية والأبحاث العلمية تحذر من مخاطر شرب الخمور:
يقول تقرير منظمة الصحة العالمية رقم 650 لعام 1980م عن الكحول ومشكلاتها: (إن شرب الخمور يؤثر على الصحة، ويؤدي إلى مشكلات تفوق المشكلات الناتجة عن الأفيون ومشتقاته (الهرويين والمورفين)، والحشيش، والكوكايين والأمفيتامين، والباربيتورات، وجميع ما يسمى مخدرات مجتمعة. إن الأضرار الصحية والاجتماعية لتعاطي الكحول تفوق الحصر) ويقول تقرير الكلية الملكية للأطباء النفسيين بالمملكة المتحدة (1986م) عن مشكلة تعاطي الخمور: (إن الكحول مادة تسبب تحطيم الصحة بما لا يقاس معها الخطر على الصحة الذي تسببه المخدرات مجتمعة. وإن معظم المخاطر على الصحة العامة من العدد الكبير الذي يتناول كميات معتدلة من الكحول). وهو يرد بذلك على ما زعمه أبو بكر الرازي وابن سينا ومن لَفّ لِفَّهُم من الأطباء ومن صدقهم من العلماء والمفسرين من أن شرب الخمور باعتدال معين على الصحة، والواقع أنها وبال على الصحة. ويؤكد هذا المعنى تقرير الكلية الملكية للأطباء بالمملكة المتحدة والصادر عام 1987م وعنوانه:
(العواقب والمخاطر الصحية لتعاطي الكحول وباء خطير وشر مستطير)
(The Midical Consequences of Alcohol Abuse ; A great and growing Evil)
حيث يقول: إن المخاطر الصحية المتعلقة بتعاطي الكحول ليست ناتجة بالدرجة الأولى من العدد القليل الذي يتناول كميات كبيرة من الكحول، ولكن الخطر الأعظم على الصحة العامة هو من العدد القليل الذي يتناول كميات كبيرة من الكحول باعتدال وانتظام. إن تعاطي 60 جرامًا من الكحول يوميٌّا يؤدي إلى زيادة كبيرة في حدوث ضغط الدم والسكتات الدماغيــة (Stroke)، وأمراض الكبد، والعقم، وضعف الباءة، وأمراض الجهاز العصبي أما بالنسبة للمرأة فإن نصف هذه الكمية كفيلة بإحداث هذه الأمراض الوبيلة) وهو كلام واضح ينقض كل حرف مما ذكره الأطباء القدماء كابن سينا والرازي ومن نقل عنهم من المفسرين.
ويذكــر كتاب (ألف باء الكحول) الصادر عن المجلة الطبية البريطانية الشهيرة (BMJ) عام 1988م: (أن ما بين خُمس وثُـلث جميع الحالات التي أدخـلت إلى الأقسام الباطنية في بريطانيا كانت بسبب الكحول. وفي إنجلترا وحدها (دون ويلز واسكتلندا وإيرلندا الشمالية) يدخل إلى الأقسام الباطنية كل عام ما بين ثلاثمائة ألف ونصف مليون شخص بسبب أمراض متعلقة بتعاطي الخمور. وفي السويد أثبتت دراسة مالمو أن 29% من جميع أيام دخول المستشفيات في السويد كانت بسبب تعاطي الخمور). ويقول الدكتور برنت في كتاب (مواضيع في العلاج) (إصدار الكلية الملكية للأطباء بلندن عام 1978م): (لم يكتشف الإنسان شيئًا شبيهًا بالخمور في كونها باعثة على السرور الوقتي وفي نفس الوقت ليس لها نظير في تحطيم حياته وصحته، ولا يوجد لها مثيل في كونها مادة للإدمان وسمٌّا ناقعًا، وشرٌّا اجتماعيٌّا خطيرًا).
وقد أثبتت الدراسات الحديثة في بريطانيا والولايات المتحدة وأوربا أن 40% من نزلاء المستشفيات العامة يعانون من مشكلات متعلقة بالخمور، وأن ما بين ثلث ونصف نزلاء مستشفيات الأمراض العقلية في الأمريكيتين وأوربا يعانون من مشكلات متعلقة بالخمور، وأن سبب دخولهم إليها هو تعاطيهم الكحول بكثافة.
ويذكر كتاب (ألف باء الكحول) أن 25% من جميع حالات التسمم في بريطانيا كانت بسبب تعاطي الكحول، وأن 60% من جميع كبار السن الذين أدخلوا إلى المستشفيات في بريطانيا بسبب كثرة السقوط أو هبوط القلب أو الإنتانات الصدرية المتكررة أو فقدان الذاكرة واضطراب الذهن، كانوا يعانون من مشكلات متعلقة بتعاطي الخمور. وفي روسيا فإن 90% من حالات التسمم الكحولي التي أدخلت إلى المستشفيات كانت لأطفال تحت سن الخامسة عشرة وأن ثلثهم كانوا دون العاشرة!!
ويذكر تقرير منظمة الصحة العالمية في الاجتماع الثالث والستين لعام 1979م (الدورة 32) أن تعاطي الخمور هي إحدى المشكلات الصحية الكبرى في العالم، وأن الاستمرار في تعاطيها يعيق التقدم الصحي والاجتماعي والاقتصادي في معظم المجتمعات بل وتشكل عائقًا كبيرًا في المجال الصحي، وتعتبر أحد العوامل الهامة جدٌّا التي تؤدي إلى تحطيم الصحة العامة والتي لا يوجـد حل لهـا.
الوفيات الناتجة عن الخمور:
تعتبر الخمور أهم ثاني سبب للوفيات في الولايات المتحدة، وفي كل عام يتوفي 125000 شخص بسبب تعاطي الخمور، وما تؤدي إليه من حوادث السيارات والطرقات، وجرائم القتل، والوفيات الناتجة عن أمراض وبيلة وقعت بسبب شرب الخمور. وبما أن التدخين أكثر انتشارًا من شرب الخمور فإن ضحايا التدخين يفوقون ضحايا الخمور بثلاثة أضعاف كما موضح في هذا الجدول:
وفي المملكة المتحدة يذكر تقرير الكلية الملكية للأطباء العموميين أن ضحايا الخمور قد بلغوا 40000 شخص بينما يخفض تقرير الكلية الملكية للأطباء (الباطنيين) الرقم إلى 25000، ويرجع السبب في ذلك إلى حساب عدد الذين توفوا منتحرين أو بسبب جرائم للقتل: هل كانت الجريمة مقررة سلفًا، ثم شرب الشخص الخمر فارتكبها أم أن شرب الخمر كان الدافع لارتكاب الجريمة.
ولا شك أن شرب الخمور عامل مهم في إتمام الجريمة (القتل أو الانتحار) وبالمقارنة يذكر تقرير الكلية الملكية للأطباء النفسيين أن عدد من لاقوا حتفهم بسبب تعاطي الهرويين والمورفين عام 1983م كانوا 98 شخصًا فقط بالإضافة إلى 77 طفلاً توفوا نتيجة شم الغراء والتولوين والمستنشقات الأخرى. أما ضحايا التدخين فلا يزالون في القمة حيث قدروا بـ 140000.
وفيما يلي استعراض مختصر للأمراض الناتجة عن شرب الخمور على عكس ما كان يظنه الأطباء القدماء:
الخمر والهضم:
تقول مجلة Medicine International العدد 62 لعام 1989م: (تؤدي الخمر إلى زيادة حدوث سرطان المريء، كما تسبب نزفًا في المريء ودوالي في أسفله، والتهابا مزمنا فيه وتكثر الإسهالات والبواسير عند شاربي الخمور، كما قد يحدث التهاب حاد في البنكرياس الذي قد يكون مميتًا.
(لقد دلت الدراسات التي أجريت على طلاب كلية الطب أن تناول 180 جرامًا من الكحول يوميٌّا كاف لتسبيب دهينة الكبد ثم تليف الكبد. ويعتبر تليف الكبد السبب الثالث للوفاة لدى البالغين الذكور في الولايات المتحدة والرابع لدى الإناث).
الخمر والقلب:
تقول مجلة Postgraduate medicine (العدد 91 لعام 1992م): (أثبتت الدراسات العديدة أن شرب الخمور يحرّض على حدوث نوبة الذبحة الصدرية وأن معظم حالات موت الفجأة واضطراب نظمية القلب كانت بسبب شرب الخمور. وقد أوضحت دراسة شملت أكثر من ألفي شخص توفوا فجأة أن نصفهم ماتوا بعد انغماس في شرب الخمر، وأظهرت دراسة أخرى أن شرب الخمر قد أدى إلى رجفان (ذبذبة) أذيني لدى 63% من المرضى دون الخامسة والستين وأن شرب ما يعادل ست كأسات من البيرة تؤدي إلى مضاعفة حدوث اضطراب نظم القلب.
كتاب هاريسون الطبي طبعة 1991م
إن شرب كمية معتدلة أو قليلة من الكحول يؤدي إلى انخفاض في كوليسترول الدم الخفيف الكثافة وزيادة نسبية في الكوليسترول الثقيل الكثافة، وهذا أمر جيد ولكنه مغمور بجانب الأضرار العديدة التي يؤدي إليها تعاطي الكحول فهو سم ناقع لعضلة القلب ويسبب اضطرابًا شديدًا في نظمية القلب وارتفاعًا في ضغط الدم، ولهذا فإن المحصلة النهائية لشرب الخمور هي ضرر محض للقلب.
وتقول مجلة اللانست (lancet) الطبية، المقال الافتتاحي (العدد الثاني لعام 1987م):
إن على الأطباء تبليغ رسالة واحدة للناس وهي: أن الخمر ضارة بالصحة، وتؤدي إلى حدوث الذبحات الصدرية وجلطات القلب واضطراب نظمية القلب وموت الفجأة.
الخمر والجنس:
يقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. ويقول ـ صلى الله عليه وسلم: (الخمر أم الفواحش وأكبر الكبائر. ومن شرب الخمر ترك الصلاة ووقع على أمه وخالته وعمته) أخرجه الطبراني في الكبير من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. وفي حديث ابن عباس: (من شربها وقع على أمه).
تأثير الخمر:
تأثير سريع:
ـ 50% من جميع جرائم الاغتصاب تحت تأثير الخمر (منظمة الصحة العالمية).
ـ معظم حالات الاعتداء على المحارم كانت بسبب تأثير الخمر (دائرة المعارف البريطانية).
تأثير بطيء:
أنها تحفز على الرغبة ولكنها تفقد القدرة على التنفيذ It provokes the desire but takes away the performance (وليم شكسبير مسرحية ماكبث). وهي تؤثر تأثيرًا سميٌّا على الغدة التناسلية (الخصية) وعلى الجهاز العصبي غير الإرادي المنوط بعملية الانتصاب، كما أن الكبد المريضة بسبب تعاطي الخمر تفقد قدرتها على إزالة هرمون الأنوثة الذي تفرزه الغدة الكظرية. وبالتالي يصاب بالعنة وتضخم الأثداء.
المرأة والخمر:
ـ جسم المرأة لا يتحمل نصف الكمية التي يتعاطاها الرجل من الكحول.
ـ اضطراب الدورة، كثرة الإجهاض وولادة أجنة ناقصة.
ـ متلازمة الكحول الأجنة Alcohol Fetal syndrome صغـر الدماغ والفكين والتخـلف العقلي والبدني، وصغر حجم العينين مع عيوب خلقية في القلب.
الخمر والجهاز البولي:
الخمر تدر البول. ولكنها تؤدي إلى تنكرزوموات حليمات الكلية Papillary Necrosis وهو مرض خطير يؤدي إلى الفشل الكلوي المزمن. وتسبب احتقان البروستاتة والمعاناة الشديدة للذين يعانون من تضخم البروستاتة.
الجهاز الهضمي:
التهاب الفم ـ البلعوم ـ المريء، نزيف المريء وسرطان المريء، التهاب المعدة الضموري، قرحة المعدة والاثني عشر، سرطان المعدة، التهاب الأمعاء، التهاب البنكرياس الحاد والمزمن، التهاب الكبد، دهنية الكبد، تليف الكبد، سرطان الكبد.
الجهاز الدموي والقلب:
ارتفاع ضغط الدم (التوتر الشرياني)، السكتات الدماغية، هبوط القلب واضطرابات نبض القلب، زيادة ثلاثي الجلسرايد.
الجهاز الدموي:
ـ نقص جهاز المناعة ونقص الخلايا الليمفاوية المناعية، عدم تحرك خلايا الدم البيضاء لمواجهة الميكروبات، نقل المقاومة للأمراض مع نقص شديد في الفيتامينات، أنواع من فقر الدم أهمها بسبب نقص حامض الفوليك، انحلال خلايا الدم الحمراء (متلازمة زيف)، زيادة نشاط الطحال، تكرر النزف.
الجهاز التنفسي:
التهابات الجهاز التنفسي المتكررة والخطيرة، الالتهاب الرئوي وخراج الرئة والدبيلة، السل الرئوي، زيادة في سرطان الحنجرة.
الغدد الصماء والاستقلاب:
ـ فـرط نشاط الغـدة الدرقية أول الأمر ثم ينتهي بنقصان نشاطها وحدوث الميكسوديما MYXODEMA
ـ فرط نشاط الغدة الكظرية (فوق الكلية) ووجود حالات شبيهة بتناذر كوشنج Cushing Syndrome.
ـ انخفاض مستوى سكر الدم وخاصة لدى مرضى السكر الذين يتعاطون الأنسولين أو الأدوية (الأقراص) المخفضة لمستوى السكر. ويحدث تـفاعل خطير بين عقار الديابنيز والخمور مما يؤدي إلى الوفيات وحدوث الغيبوبة. وأما العقاقير المعروفة باسم الباجوانيد Biguanides مثل الميتفورمين (جلوكوفاج) فإنها تسبب حموضة الدم وخاصة مع تعاطي الكحول.(…)
وجه الإعجاز في أحاديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذا الموضوع
نهت أحاديث المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن التداوي بالخمر، والتدفئة بها، وصرحت بأنها داء وليست بدواء أو شفاء في زمن كان العرب يعتبرونها فيه دواء وغذاء وباعثة على الكرم والشجاعة والسخاء، واستمر الأطباء عبر القرون المختلفة في اعتقاد ذلك الوهم وأنها معين على الصحة مخصبة للبدن طاردة للفضول والأخلاط الرديئة شاحذة للفكر، مقوية للجسم، مهضمة للطعام… وأن شربها باعتدال من أهم أسباب الصحة والعافية، بل إن السُّـكْـر والعربدة منها مرة أو مرتين في الشهر مفيد للصحة أيضا.. ثم جاء الطب الحديث فأوضح زيف جميع ما قالوه، وأنه الباطل، والبهتان، والأوهام. وبهذا يتضح أن ما قاله الحبيب المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو الحق الذي لا مرية فيه وأن الخمر داء وليست بدواء كما زعم الأطباء. وأنها لا تدفئ الجسم بل تؤدي إلى فقدان الحرارة وموت الإنسان من البرد بينما يشعر بالدفء الكاذب. إن أحاديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذا الموضوع معجزة علمية لم تظهر أبعادها إلا في القرن العشرين.