حول شبهة إدراك الشمس للقمر

 الدكتور عبد الرحيم الشريف

نص الشبهة حرفياً:

” قال تعالى: {لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس 40] واضح أنه لكي يمكن فرضا للشمس ان تدرك القمر ينبغي منطقيا أن يكونا: أولا. ًمتحركين (يسبحون) تعني: الحركة. أي أن الشمس تتحرك. 
ثانيا. أن يكون تحركهما على الأقل في مدارين متقاربين، بحيث يمكن تصور إمكانية حدوث هذا الإدراك الذي تنفيه الآية. 
اما إذا كان هذا الإدراك هو أمر مستحيل حدوثه أصلا ولا ينفع حدوثه بأي حال من الأحوال فان الآية تصبح لا معنى لها وضربا من ضربات الهزيان -الصواب: الهذيان-؛ لأنها في هذه الحالة الافتراضية تنفي وقوع حدث لا يمكن أصلا وقوعه. أين هو الأعجاز الذي يتكلمون عنه؟

جاء في سورة الرعد: (اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ {2}) وفي سورة إبراهيم: (وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ(1)وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ {33}) وفي سورة الكهف: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ (2) ووَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً {86}) وفي سورة لقمان: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {29}). وفي سورة فاطر: (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ {13}) وفي سورة الزمر: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ {5}) وفي سورة الرحمن: (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ {5}) وفي سورة الانعام: (فَالِقُ الإصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ{96}) وفي سورة يس: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ {38 }) وفي سورة يس أيضا: (لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ {40}) وفي سورة البقرة: (قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {258}). 
فهذه إحدى عشر آية كاملة تؤكد بما لا يدع ذرة من الشك أن القران يؤمن إيماناً كاملاً أن الشمس والقمر هما كائنان متحركان بأي حال من الأحوال. وهذا ضد علم الفلك والعلم الذي غزا الفضاء وصور رواد الفضاء كل شيء، وتم التأكد أن الأرض هي المتحركة تدور حول الشمس. لكن الشمس لا تشابه الأرض فى جريانها، وتشبه الآيات القرآنية عملها انه مثل نفس حركة القمر(الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَان)(3)والعلم أكد على اختلاف نهائي أن تكون الشمس مشابهة للقمر فى الجريان (يفسر الجلالين: “بحسبان” تعنى الجريان). ٍالقران يصور الشمس هي التي تطلع (راجع الكهف 90) (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْراً {90}) (وسورة طه 130) (وسورة ق 39) {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ39}.
إن القران في جميع الآيات السابقة يؤكد أن الشمس تجري وتطلع(4)وهذا ما كذبته كاميرات رواد الفضاء وأبحاث كبار العلماء، وهي أشياء ليس فيها غش، فالعلم لا ديانة له، وهو يبحث عن الحقيقة أينما كانت“.

الرد على ا لشبهة:

 أولاً: جريان الشمس والقمر:

عبّر القرآن الكريم عن هذا الجريان بالسباحة في الأفلاك، أي كلٌّ من الكواكب والكويكبات والنجوم والمذنبات له فلك خاص به يسبح فيه.

وبما أن لكل منها فلكه الخاص، الذي لا يتداخل مع فلك غيره، فإن أحدها لن يدرك الآخر فيصدم به مما يحدث خللاً في نظام الكون فيؤثر سلباً على الحياة على الأرض.

ووجد علماء الفلك أن الشمس مع كواكبها السائرة في فلكها تسبح في الفضاء متنقلة بين النجوم، بسرعة قدرت بثلاثين كيلومتراً في الثانية، وهي تتجه نحو نجم يدعى (الجاثي على ركبته).

والشمس في حركتها السنوية تمر ببروج -وهي مناطق ممتدة على جانبيها- قسموها إلى اثني عشر قسماً، كل شهر تمر ببرج منها.(5)

كل ما في الكون يدور(6)، ولكل من الشمس والقمر والأرض مدار خاص، وسرعة دوران مختلفة، كل هذا يمنع أحدها عن إدراك الآخر والاصطدام به.

” {كُلٌّ}: للعموم، فكأنه أخبر عن كل كوكب في السماء سيار “.(7)

وقد قدر علماء الفلك أن الشمس وتوابعها أكملت ثماني عشرة دورة حول المجرة، وبدورها هذه المجرة تدور حول مجموعة من المجرات تسمى (كدس المجرات). وكدس المجرات يجري نحو ما يسمى (كدس المجرات العملاق).(8)

ثانياً: كروية الشمس: 
لو قال القرآن إن الشمس مربعة أو مثلثة أو أي شكل غير الدائري -الكروي إن أخذنا أبعاده الثلاثة- لما آمن إنسان على وجه الأرض.

والذي أوقعه في هذا الخطأ، جهله بأن المقصود بالتكوير هو الجمع والضم واللف. فالمعلوم أن: ” الكاف والواو والراء أصلٌ صحيحٌ يدلّ على دُوْرٍ وتجمُّع. من ذلك الكوْر: الدَّور. يقال كار يَكُورُ، إذا دار. وكَوْرُ العمامة: دَوْرُها. والكُورَةُ: الصُّقْع -أي: المنطقة السكنية-، لأنَّه يدُور على ما فيه من قُرىً. ويقال: طعَنَه فكَوَّرَه، إذا ألقاه مجتمِعاً. ومنه قولُه تعالى: ذا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1]، كأنَّها جُمِعَت جَمْعاً “.(9)

أما الإعجاز العلمي في الآية الكريمة، فهو كما يلي مختصراً:

ما للشمس من وهج يتكون من اندماجٍ داخل باطن الشمس لذرتين من الهيدروجين مما ينتج الهيليوم، ونفاد الأكسجين من باطن الشمس ووفرة الهيليوم بعد سنين لا يعلمها إلا الله Y، يحدث اضطراب وعدم توازن في جسم الشمس؛ لأن الهيليوم أثقل من الهيدروجين بأربع مرات، عندها تلجأ الشمس إلى حركة تعيد توازنها فينتفخ الجزء الخارجي من الشمس ويتقلص لبها.

وعندها يكون اللب أضعف من أن يُسند الجزء الخارجي من الشمس، فينهار جسم الشمس على بعضه بسبب جاذبية أجزاء بعضها لبعضها الآخر، فتنكمش الشمس انكماشاً سريعاً مفاجئاً فتتقارب الذرات تقارباً شديداً حتى تكاد تتداخل وهذا هو التكوير.

ولكن قوة التنافر بين الذرات تحافظ على مسافة بينها تمنع الالتحام، فتتعادل قوى التنافر الكهربائي مع قوى الجذب الناتج عن التكوير، عندها يحصل شيء من التوازن في الشمس وتسمى تلك المرحلة علمياً بمرحلة (القزم الأبيض) فلا يبقى من نورها إلا ضوء خافت واهن.

وقد لاحظ العلماء -الذين يراقبون ولادة وموت النجوم- أن النجوم التي أكبر من شمسنا بمرة ونصف تصل إلى مرحلة التكوير ثم تتلاشى وتنفجر دون أن تتوازن فلا تصل إلى حالة (القزم الأبيض).

بينما النجوم التي تقارب حجم شمسنا فإنها تؤول إلى حالة مستقرة تماماً مع انخفات ضوئها. وهذا يمكن أن يكون تفسير المستقر في قوله تعالى: “ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ” [يس: 38]. (10)


[1] قال الراغب في المفردات، ص174: ” الدأب: إدامة السير، دأب في السير دأبا. قال تعالى: “ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ” [إبراهيم: 33]. 
[2] سبق الرد عليها في الفصل الأول من هذا الباب، المبحث الثاني.
[3] الرحمن:5. بل معنى حسبان: حساب.. أو جمع حساب كقولك: شهاب: شهبان. وهذا مذكور في كتب غريب القرآن والمعاجم. قال النحاس في معاني القرآن2/36: ” المعروف في اللغة، أن الحسبان والحساب واحد “. والمقصود في هذه الآية الكريمة دقة الحساب..  قال سيد قطب في الظلال: ” الشمس تبعد عن الأرض باثنين وتسعين ونصف مليون من الأميال. ولو كانت أقرب إلينا من هذا لاحترقت الأرض أو انصهرت أو استحالت بخارا يتصاعد في الفضاء. ولو كانت أبعد منا لأصاب التجمد والموت ما على الأرض من حياة. والذي يصل إلينا من حرارة الشمس لا يتجاوز جزءاً من مليوني جزء من حرارتها. وهذا القدر الضئيل هو الذي يلائم حياتنا. ولو كانت الشعرى بضخامتها وإشعاعها هي التي في مكان الشمس منا لتبخرت الكرة الأرضية وذهبت بددا.ً وكذلك القمر في حجمه وبعده عن الأرض. فلو كان أكبر من هذا لكان المد الذي يحدثه في بحار الأرض كافيا لغمرها بطوفان يعم كل ما عليها. وكذلك لو كان أقرب مما وضعه الله بحسابه الذي لا يخطئ مقدار شعرة. وجاذبية الشمس وجاذبية القمر للأرض لهما حسابهما في توازن وضعها وضبط خطاها في هذا الفضاء الشاسع الرهيب “. 
[4] ما فتئ الناس ـ في شتى الشعوب والثقافات ـ لغاية الآن يقولون: طلوع الشمس، غروب الشمس.. وهم متيقنون أن الأرض هي التي تدور حول الشمس. والأولى به أن ينظر في كتابه المقدس، فقد صرح في سفر إشعيا [38/8] أن الرب أوقف الشمس لأجل حزقيا، بل أرجعها عشر درجات !! ” ارجع ظل الدرجات الذي نزل في درجات احاز بالشمس عشر درجات الى الوراء فرجعت الشمس عشر درجات في الدرجات التي نزلتها “. وانظر ما جاء سفر يونان 4/ 8: ” وحدث عند طلوع الشمس أن الله أعدّ ريحاً شرقية “. وفي أول سفر الجامعة: ” والشمس تشرق والشمس تغرب وتسرع إلى موضعها حيث تشرق “. وسفر أيوب 9/ 7 ” الآمر الشمس فلا تشرق.. “. وفي سفر ناحوم 3/17: ” تشرق الشمس فتطير ولا يعرف مكانها أين هو “. وقد قام الباحث بإحصاء ما يزيد عن ثلاثين موضعاً في كتابهم المقدس بهذا المعنى.
[5] موسوعة الإعجاز العلمي، يوسف الحاج أحمد، ص306.
[6] حتى السائل الحي في الخلية السيتوبلازم وأصغر مادة في الكون الذرة تدور الإلكترونات حول النواة.. والعجيب أن كل ما في الكون يدور بعكس عقارب الساعة كطواف الطائفين حول الكعبة. انظر: موسوعة الإعجاز العلمي، يوسف الحاج أحمد، ص350-352. نقلاً عن أ.د أحمد فؤاد باشا، نائب رئيس جامعة القاهرة.
[7] مفاتيح الغيب، الرازي 26/71.
[8] انظر: موسوعة الإعجاز العلمي، يوسف الحاج أحمد، ص368,
[9] معجم مقاييس اللغة، ابن فارس 5/114.
[10] انظر: موسوعة الإعجاز العلمي، يوسف الحاج أحمد، ص356. عن أبحاث لعالم فلك اسمه شاندرا سيخار. ونقل ص:369 عن الموسوعة الأمريكية أن علماء الفلك قدروا أن ما تملك الشمس من طاقة يكفيها لمدة خمسة بليون سنة أخرى ثم تنتهي كنجم قزم، وتبقى مستقرة على تلك الحالة. والله تعالى أعلم.


الوسوم:

مقالات ذات صلة