تاريخ الاستعباد الأسود في أمريكا
السبت/ديسمبر/2019
كما هو معروف إن الإنسان بدون دين حق يصبح تماماً مثل الحيوان بل أشد فتكاً من الحيوان بل الحيوان أرحم من الإنسان في بعض الأوقات فالحيوان يصيد ويفتك ليأكل ويطعم فراخه وبعد أن يشبع يتوقف عن الصيد حتى يجوع مرة أخرى أما الإنسان فلا حدود لطمعه وجشعه يقول الله تعالى : (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ)[البقرة : 205].
لذلك أنزل الله تعالى الرسل والشرائع حتى يلجم رغبات الإنسان الحيوانية ويجعله إنساناً ربانياً (وقاف عند حدود الله متبع لشرعه).
ولقد علمنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كيف نعامل الأجراء والخدم فقال: (إن إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم).
نحدثكم اليوم حديثاً فيه الكثير من الأسى والحزن عن مأساة الهنود الحمر والعبيد الأفارقة في أمريكا حتى نتعرف سوية على بشاعة وقسوة الإنسان لما يصبح بلا دين.
شاء القدر أن يبتلى الهنود الحمر بالقسط الأوفر من الإبادة والاستعباد .. فقد كان اكتشاف الأمريكتين- بالتزامن مع الثورة الصناعية – كارثة كبرى حلت بعشرات الملايين من سكان أمريكا الأصليين . والذي حدث هو أن عصابات البيض التي وصلت أمريكا وجدت مساحات هائلة من أخصب أراضى العالم البكر بحاجة إلى عشرات الملايين من الأيدي العاملة التي تعذَّر عليهم تدبيرها من أوروبا، ولذلك فكَّر الغُزاة في السيطرة على الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين،لكنهم فشلوا في استعبادهم,فلم يتورعوا عن القضاء عليهم!! وهكذا وقعت واحدة من أبشع جرائم الإبادة الجماعية في التاريخ .. ويقدر الباحث منير الحمش(1) أعداد السكان الأصليين الذين أبادهم الغزاة الأوروبيون بأكثر من مائة مليون هندي أحمر!!! ولم “يتورع” السادة البيض الذين أسسوا ما يسمى الآن بالولايات المتحدة الأمريكية عن استخدام أحط الوسائل وأخس السُبل للقضاء على الهنود الحمر، ومنها تسميم آبار المياه التي يشرب منها السكان الأصليون، وحقنهم بالفيروسات وجراثيم أشد الأمراض فتكاً مثل الطاعون والتيفود والجدري ومسببات السرطان …إلخ. ويحاول المؤرخون الأمريكيون التقليل من أعداد الضحايا زاعمين أنهم حوالي مليونين فقط، وفى إحصاء عام 1900م قللوا الرقم إلى مليون لا غير!! وهل قتل مليون نفس أمر هَيِّن ؟!!! ويشير المفكر الإسلامي على عزت بيجوفتش – رئيس البوسنة الأسبق – إلى القانون الأمريكي الذي ظل ساري المفعول حتى عام 1865م، وكان ينص على حق الأمريكي الأبيض في الحصول على مكافأة مجزية إذا قدم لأي مخفر شرطة بالولايات المتحدة “فروة رأس هندى أحمر”!!! هذه هي حضارتهم الغربية المزعومة، وهذه هي الكيفية التي تأسست بها الولايات المتحدة الأمريكية التي تتشدق اليوم بالحريات وحقوق
الإنسان !! ويضيف منير الحمش أن 80% من هنود “كاليفورنيا” مثلاً أبيدوا خلال عشرين عاماً فقط، وهلك الباقون بسبب العمل الشاق حتى الموت “بالسُخْرة” في سبيل رفاهية “السادة” البيض أجداد “جورج بوش”!! وكان اكتشاف مناجم الذهب والمزارع الشاسعة في كولورادو وغيرها من ولايات الذهب وبالاً على الهنود المساكين، إذ دفعت رغبة البيض المجرمين في الحصول على أيدي عاملة رخيصة إلى تنشيط أخس وأقذر تجارة في التاريخ بأمريكا، وهى خطف الأطفال والشباب لاستعبادهم ! وهكذا نشطت تجارة خطف أطفال الهنود من مختلف مناطق أمريكا .وكانت صحف تلك الفترة تمتلئ بصور الشاحنات المكتظة بأطفال الهنود الحمر المتجهة عبر الطرقات الريفية إلى أسواق العبيد في “سكرامانتو” و “سان فرانسيسكو” ليتم بيعهم إلى أصحاب المناجم والمزارع . ومع نهاية القتال في سنوات الاحتلال الأولى، زاد الإقبال على خطف الفتيات – بصفة خاصة – فَهُن يقدمن خدمة مضاعفة ” للسادة البيض” العمل الشاق نهاراً، والجنس الإجباري ليلاً(!!) .. وأما الآباء الهنود المساكين فإن الغضب والأسى، الناجم عن خطف واغتصاب واستعباد فلذات أكبادهم، كان معناه أنهم – في نظر الأسياد البيض – “عناصر شغب” تستحق الإعدام فوراً وبلا محاكمة!! وبذلك تحول الخاطفون إلى “أبطال وطنيين أمريكيين” يساهمون في التخلص من “المشاغبين الهنود” الذين يشكلون خطراً داهماً على “أمن الدولة” الأمريكية الناشئة !!! ويقول المؤرخون أن هذه القرصنة وجدت من “يقننها” ويضفى عليها الشرعية التامة عبر قانون أصدره برلمان ولاية كاليفورنيا في أول جلسة تشريعية له في عام 1850م !!! وأصبح خطف الهنود الحمر واستعبادهم بموجب ذلك التشريع عملاً قانونياً يستحق فاعله الثناء والتكريم !!! وبموجب تعديلات أضيفت عام 1860م تم إجبار عشرة ملايين هندي أحمر على قيام بأعمال “السخرة” حتى الموت !! ولم تمض سنوات على هذا التشريع الإجرامي حتى ضاق حاكم الولاية بيتر بيزنت ذرعاً “بالسُخْرة”، فوجه رسالة إلى المجلس التشريعي قال فيها : “إن الرجل الأبيض الذي يعتبر الوقت من ذهب، والذي يعمل طوال النهار، لا يستطيع أن يسهر طوال الليل لحراسة أملاكه. وليس أمامه خيار آخر سوى شن حرب إبادة !!! إن حرباً قد بدأت فعلاً، ويجب الاستمرار فيها حتى “ينقرض الجنس الهندي تماماً” !!!
وهكذا أباد “السادة البيض” 112 مليون هندي أحمر، وأُبيدت معهم حضارات “المايا” و “الأزتيا” و “البوهاتن” وغيرها لإقامة أمريكا زعيمة النظام العالمي الجديد!!!
تعـليق
من أكثر المناظر اثارة للسخرية أن زائر الولايات المتحدة الأمريكية بحراً- عندما تقترب به السفينة من ميناء “نيويورك” – يرى تمثال “الحرية” الشهير خارج جزيرة مانهاتن !!! ويعتبر الأمريكيون البيض تمثال ” الحرية ” هذا رمزاً لبلادهم !! ويود كاتب هذه السطور أن يسأل هؤلاء: هل أُقيم هذا التمثال رمزاً للحرية التي ُأسبغت على 122 مليون هندي أحمر ؟! أم أنه رمز لحرية عشرات الملايين من الأفارقة المساكين الذين جرى خطفهم وجلبهم بالقوة إلى “الجنَّة الأمريكية” للعمل الشاق حتى الموت من أجل تحقيق “الحلم الأمريكي” ؟!! إنها لمهزلة كبرى أن يُقام تمثال “الحرية” على جثث وجماجم عشرات الملايين من البشر تمت إبادتهم جماعياً بشكل لم يحدث مثله لحيوانات الغابات .. بل لو حدث معشار هذه الإبادة أو 1% منها فقط ضد الحيوانات، لأقامت جمعيات الرفق بالحيوان في الغرب الدنيا ولم تقعدها !! أما إبادة مائة مليون هندي أحمر فهو أمر “يؤسف له” – على حد زعمهم- ولكنه كان “ضروريًا” لأمن البلاد !!! بل كان أبو “الحرية” الأمريكية المزعومة- جورج واشنطن- نفسه يملك ثلاثمائة عبد وجارية في مزرعته الخاصة، ولم يحرر منهم واحداً قط !!
قنص الهنود !!
يحكى المؤرخون الأوربيون المنصفون قصصاً يشيب لهولها الولدان . فقد كان الغزاة البيض يشعلون النار في أكواخ الهنود، ويقيمون الكمائن حولها، فإذا خرج الهنود من أكواخهم هاربين من الحريق، يكون رصاص البيض في انتظار الرجال منهم، بينما يتم القبض على الأطفال والنساء أحياء لاتخاذهم عبيداً واغتصابهم جنسياً أيضاً ! وكتب أحد الهولنديين قائلاً: “انتزع البيض بعض الأطفال الهنود الصغار من أحضان أمهاتهم وقطعوهم إرباً أمام أعينهن, ثم ألقيت الأشلاء في النيران المشتعلة أو النهر !! وربطوا أطفالا آخرين على ألواح من الخشب ثم ذبحوهم كالحيوانات أمام أعين الأمهات” !! إنه منظر ينفطر له قلب الحجر – كما يقول الهولندى الراوي نفسه – كما ألقوا ببعض الصغار في النهر، وعند حاول الآباء والأمهات إنقاذهم لم يسمح لهم الجنود بالوصول إلى شاطئ النهر، ودفعوا الجميع – صغاراً وكباراً – بعيداً عن الشاطئ ليغرقوا جميعاً !! والقليل جداً من الهنود كان يمكنه الهرب، ولكن بعد أن يفقد يداً أو قدماً، أو ممزق الأحشاء برصاص البيض.. هكذا كان الكل إما ممزق الأوصال، أو مضروباً بآله حادة أو مشوهاً بدرجة لا يمكن تصور أسوأ منها (2) وتم نقل أعداد هائلة من العبيد الهنود إلى جزر الهند الغربية للعمل بالمزارع الشاسعة هناك أو لبيعهم لآخرين. كما شُحن مئات الألوف منهم شمالاً إلى نيوانجلند و “نيويورك” حيث مقر الأمم المتحدة، وتمثال “الحرية” المزعوم !! وكان المؤرخ “لاس كأساس” الذي فضح جرائم الأسبان في أمريكا الجنوبية بكتابه الشهير “تدمير الهنود الحمر” قد أثار القضية أمام المحاكم الأسبانية .. فلجأت الحكومة هناك إلى تهدئة الرأي العام الثائر بإصدار قانون يمنع استعباد الهنود بشكل شخصي، لكن “النصوص”- كما يقول لاس كأساس- لم تعرف سبيلها إلى التطبيق الواقعي أبداً في الأمريكتين . وانتشر في كل أمريكا الجنوبية كذلك نظام بمقضاه يسيطر المالك الأبيض لقطعة أرض على كل الهنود الذين يعملون فيها، أي رقيق الأرض بدلاً من الرق الشخصي .. كالمستجير من الرمضاء بالنار (3)!!!
محنة أفريقيا
اكتشف البيض – بعد إبادة معظم الهنود الحمر– أنهم لن يتمكنوا من استصلاح وزراعة عشرات الملايين من الأفدنة في القارة الجديدة – أمريكا – بدون جلب الملايين من الأيدي العاملة الرخيصة . وتفتقت أذهان الشياطين عن خطة جهنمية بدأت كل دول أوروبا الغربية تقريباً تنفيذها. إن الزنوج الأفارقة هم من أقوى أنواع البشر وأكثرهم جلداً وصبراً وتحملاً للمشاق والأجواء القاسية، ولهذا استقر رأى المجرمين على” اصطياد ” أكبر عدد ممكن منهم !! وهكذا تكالبت الوحوش البيضاء المسعورة على الفريسة المسكينة- أفريقيا – تنهش فلذات أكبادها بلا ذرة من رحمة أو إنسانية.. آلاف السفن الأوروبية المحملة بالجنود المسلحين بالبنادق والمدافع تقاطرت على الساحل الغربي للقارة السوداء حاملة الموت والخراب لأغلب سكانها، والخطف والاستعباد والإذلال مدى الحياة لمن بقى منهم على قيد الحياة !! تقول المصادر الأوروبية ذاتها أن جيوش إنجلترا وبلجيكا والبرتغال وألمانيا وفرنسا وهولندا وأسبانيا – ذات التسليح المتقدم الذي لا يمكن مقارنته بالسيوف والحراب التي لا يملك الأفارقة غيرها – لم تجد صعوبة كبيرة في السيطرة على الساحل الغربي لأفريقيا المطل على المحيط الأطلنطي ..وخلال خمسين عاماً فقط تم خطف وترحيل ما بين 15 إلى 40 مليوناً من الأفارقة حيث تم بيعهم كعبيد في أسواق أمريكا وأوروبا . ونلاحظ أن المصادر الغربية ذاتها تؤكد أنه من بين كل عشرة أفارقة كان يتم أسر واحد فقط واستعباده،بينما يلقى التسعة الآخرون مصرعهم إما برصاص الغزاة البيض، وأما جوعاً و عطشاً أو انتحارًا من على ظهر السفن التي كانوا يحشرون فيها كالماشية، وكثير منهم كان
يلقى حتفه اختناقاً بسبب تكديس المئات منهم في أقبية السفن في مساحة عدة مترات بلا تهوية أو طعام أو مراحيض !! (3)
وكثيراً ما كان البحارة يقتلون المئات من الضحايا ويلقون بجثثهم في البحر. وعلى ذلك فإن ما لا يقل عن مائة مليون أفريقي قد لقوا حتفهم في 50 عاماً فقط خلال ملاحم “اصطياد العبيد” من القارة المنكوبة. تقول دائرة المعارف البريطانية في مادة “العبودية”slavery: أن الإنجليز كانوا يشعلون النيران في الأحراش والأشجار المحيطة بأكواخ الأفارقة، فيضطر هؤلاء المساكين إلى الخروج من مساكنهم هرباً من النيران، فتتلقفهم رصاصات القناصة لقتل الرجال, بينما يتم أسر الأطفال والنساء، ثم ترحيلهم إلى مراكز لتجميع العبيد على طول الساحل الغربي الأفريقي تمهيداً لنقلهم بالسفن عبر المحيط الأطلنطي في رحلة بلا عودة !! ونلاحظ أن هذا هو الأسلوب ذاته الذي جرى استخدامه “لاصطياد الهنود الحمر، كما يصطادون الوحوش والحيوانات غير الأليفة من الغابات” !!
ونحن لا نعرف بالضبط الأرقام الحقيقية للضحايا سواء من القتلى أو ممن سقطوا في فخاخ الاستعباد حتى الموت. ولكن من المؤكد أن الأرقام الحقيقية هي أعلى بكثير مما تذكره المصادر الغربية.
ويكفى أن كاتباً غربياً كبيراً ذكر أن عدد القتلى في دولة واحدة هي الكونجو بلغ عشرة ملايين إفريقي في عهد الطاغية الملك “ليوبولد” الذي دمر شعباً بأكمله، وعرقل مسيرة الكونجو لمئات السنين بسبب نهمه وجشعه وإجرامه.
يقول آدم هو تشيلد في كتابه “شبح الملك ليوبولد” أن هذا الطاغية قتل كل هؤلاء خلال 23 عاماً فقط حكم خلالها الكونجو التي كان يدعيها مستعمرة مملوكة له شخصياً بكل ما عليها من بشر وثروات وحيوانات !!! وقد كان الأوروبيون مثل “ليوبولد” في الكونجو، والفرنسيون في مناطق أخرى، والبرتغاليون في أنجولا، والألمان في الكاميرون، والإنجليز في دول أخرى عديدة قد وضعوا نظاماً إجرامياً للسخرة لاستخراج المطاط والذهب وغيرها من كنوز القارة السوداء التي نهبها المجرمون، كما سرقوا فلذات أكباد الأفارقة ,وعطلوا مسيرتهم مئات السنين، ولم يتركوا لهم سوى الموت والخراب الشامل والتعاسة التي لم يفلت منها أحد !! ويعدد “هوتشيلد” وغيره من المؤلفين الغربيين الفظائع التي ارتكبها الأوروبيون في أفريقيا، فقد كان الشنق وتعليق الجثث على الأشجار, وقطع الأيدي والأقدام والأذن والعضو الذكرى أمراً شائعاً مارسه المحتلون على اختلاف دولهم وهوياتهم . وكان من المألوف أيضاً الإجبار على العمل المتواصل تحت الشمس الحارقة بلا ماء أو طعام كاف، والربط بالسلاسل الحديدية، وحرق قرى بأكملها عقاباً على أية بادرة تذمر . وكان هناك نوع من الكرابيج يصنعه الجلادون خصيصاً من جلد الخرتيت بعد أن يتم تجفيفه وتقطيعه بطريقة تترك أطرافه حادة وقاطعة . ويقول هوتشيلد أن عشرين جلدة بهذه الكرابيج كانت كافية ليفقد “المجلود” الوعي تماماً، فإذا ارتفع عدد الضربات إلى مائة جلدة بتلك الكرابيج الشيطانية فإن المجلود يلقى حتفه فوراً.
صور لعبد أسود تظهر على ظهره آثار التعذيب |
وإذا كان زبانية “ليوبولد” يستخدمونها ضد التعساء في الكونجو, فقد كان الفرنسيون يستخدمونها بضراوة أشد في “برازافيل” !! ولم تكن ألمانيا بعيدة عن الميدان، فقد أباد الألمان شعباً بأكمله هو قبائل “الهيريرو” فيما يعرف الآن بـ “ناميبيا”. وتكفى قراءة فقرة واحدة من تعليمات القائد الألماني لجنود الاحتلال عام 1904م لإدراك هول ما حدث ووحشية السادة البيض الذين يتطاول أحفادهم الآن على الإسلام : (كل “هيريرو” – أفريقي – يوجد يجب أن يُقتل سواء كان يحمل سلاحاً أم لا وسواء كانت لديه ماشية أم لا .. ولا يجوز اعتقال أي رجل، يجب فقط أن يُقتل”) ونحسب أن الأمر لا يحتاج منا إلى أدنى تعليق !! وقد كانت البرتغال كذلك من أكثر دول أوروبا تورطاً في الرق، بل تصفها الزميلة عايدة العزب موسى بأنها “مبتدعة الرق”، وتنقل عن القسيس البرتغالي فرناندو دى أليفيرا فقرات خطيرة من كتابه ” فن الحرب في البحر” تتبع فيه كيف كان تُجار الرقيق من البرتغاليين بقيادة صديقه القس “لاس كاساس” أكبر النَخّاسين في عصره،يقومون بترحيل مئات الألوف من العبيد الأفارقة عبر المحيط الأطلنطي بعد خطفهم وانتزاعهم من أسرهم وتقييدهم بالسلاسل(4).
الحاقدون على الإسلام
وكما أشـرنا في ختام الفصل الأول، كان يصاحب كل سـفينة قسيس ليقوم – حسبما ذكر إليفيرا- بتنصير العبيد مقابل مبلغ مالي يتقاضاه عن كل رأس ! وهكذا يسلبون الضحايا الحرية والدين أيضاً !! وحققت الكنائس الأوروبية ثروات هائلة من تلك الرسوم التي تتقاضاها من النَخَّاسين !! وشاركت هولندا أيضاً في تجارة العبيد، حيث طافت مئات من السفن الهولندية موانئ أفريقيا الغربية منذ القرن السادس عشر لنقل ملايين من العبيد إلى أوروبا وأمريكا . بل كانت جزيرة “جورى” التي يجمعون فيها العبيد تمهيداً لنقلهم عبر الأطلنطي تحت سيطرة الهولنديين إلى أن باعوها للإنجليز عام 1872م . وكانت بعثات التبشير “التنصير” الهولندية متورطة في أخس تجارة عرفتها البشرية، ويبدو أنهم اكتشفوا أن خطف واصطياد الأفارقة المساكين واستعبادهم يدر من الأرباح أضعاف العمل على تغيير عقائدهم باسم الرب الذي يزعمون!!
ويكشف”هيوتوماس” سبباً أخر لاختطاف الأفارقة واستعبادهم وهو الانتقام البربري .
يقول “هيوتوماس” : الحقيقة أن البرتغاليين وغيرهم كانوا يصطادون الإفريقيين ويحولونهم إلى عبيد محض انتقام من الأفارقة المغاربة بسبب سيطرتهم على أسبانيا والبرتغال (دولة الأندلس الإسلامية) فقد كان أسلاف هؤلاء المغاربة من المسلمين قد سيطروا على أسبانيا والبرتغال لمئات من السنين”
ومن الواضح كما شهد هيوتوماس أن القوم لم ينسوا أحقادهم رغم أن المسلمين – كما شهد مؤرخو الغرب – قدموا للغرب وللعالم كله أياد بيضاء طوال حكمهم للأندلس .فقد نشروا العلوم والمعارف والحضارة في تلك العهود،وعاملوا غير المسلمين بالأندلس بكل عطف ورحمة !! ويؤيد ما قاله هيوتوماس أن البابا يوجينياس الرابع أعلن رعايته لحملات الاستعباد التي يقوم بها الملك هنرى في أفريقيا !! وفى الفترة من1450 حتى 1460 عقد البابا نكولا الخامس وكالكاتاس الثالث صفقة لاسترقاق الأفارقة مقابل “تعميد” – تنصير – العبيالإسلام.0 كراون للكنيسة عن كل رأس !! بل أرسل أحد الأساقفة سفينة لحسابه في إحدى الحملات !! وبعد كل هذه الفضائح يجدون الوقاحة الكافية للتطاول على الإسلام !!! وقد كانت التفرقة العنصرية – البغيضة – وما تزال حتى الآن – سبباً في تحول كثير من الأمريكيين السود ونظرائهم في أوروبا إلى الإسلام . إذ أن طوفان المظالم والاستعباد والقهر دفعهم إلى البحث عن سفينة النجاة، فلم يجدوا أي سبيل آخر سوى الإسلام الذي يحظر تماماً كل أنواع الظلم والتفرقة بين الناس. الإسلام وحده هو الذي يرد إليهم الاعتبار والآدمية، ويساوى بينهم وبين الطغاة البيض، الأمريكية.ء كهذا في ديانة سماوية أخرى أو أية فلسفة وضعية أو أي نظام آخر .
تعـليق
نلاحظ أن مظاهر التفرقة العنصرية مازالت موجودة حتى الآن في الولايات المتحدة الأمريكية . إذ توجد حتى اليوم أحياء في كبريات المدن الأمريكية يتكدس فيها السود بلا مرافق أو خدمات، كما أن معظم المشردين بلا مأوى Homelessهم من السود والملونين,وعددهم يفوق الثلاثين مليونا. وفى أمريكا يوجد أكبر عدد من السجناء في العالم كله -2 مليون سجين- ثلاثة أرباعهم من السود (!!!) . ومازلنا نتذكر أحداث لوس انجليوس، حيث ثار السود احتجاجًا على الممارسات البوليسية الإجرامية ضدهم، وسحل مواطن أسود بواسطة رجال الشرطة البيض حتى الموت .واندلعت مظاهرات صاخبة في أكتوبر 2007 م احتجاجا على اعتقال 6 تلاميذ سود وتلفيق تهمة لهم هي الشروع في قتل تلميذ ابيض, لأنه علق أحبالا ومشانق بالمدرسة, إشارة إلى ما كان يحدث من إعدام للعبيد السود بلا محاكمات.وأكدت منظمة حماية الملونين أن السود هم الفئة الأكثر تعرضا للسجن وتلفيق الاتهامات والتعذيب في السجون الأمريكية.
وقد اعترف الرئيس السابق بيل كلينتون بأن الإسلام هو أسرع الأديان انتشارا في الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك أورالشهيرة.ن . وتناولت شبكات تلفاز عالمية مثل CNNظاهرة اعتناق الملايين من الأمريكيين والأوروبيين للإسلام منذ أحداث 11 سبتمبر الشهيرة . وتبين أن أعداداً كبيرة جداً من البيض اعتنقوا الإسلام كذلك، ومن بينهم أساتذة جامعيون وأطباء وعلماء ومهندسون ومحامون ورجال أعمال، وفتيات في عمر الزهور قبلن طواعية ارتداء الحجاب – و النقاب في بعض الحالات – ورفضن حياة الشهوات والخلاعة والانحلال على النحو السائد في كل دول الغرب . وهكذا فإن العظيم:ِرين الذين حاولوا تغيير ديانة الأجداد السود الذين امتحنوا بالاستعباد، يجدون أنفسهم عاجزين الآن تماماً عن وقف اعتناق الملايين من أحفادهم للإسلام الدين الحق والدين الأصلي للمُسْتَعْبدَين الأوائل ! وصدق الله العظيم : “والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ” يوسف الآية (21) . بل إن بعض الحاقدين يحاول التقليل من أهمية سرعة انتشار الإسلام في أمريكا قائلاً: أن الزنوج هم الذين يُسلمون، ولا يعلم هؤلاء الأغبياء أنه حتى لو صدقوا في هذا – وهم كاذبون – فإن هذا يحسب للإسلام وليس ضده. لأن الأسود يعلم أن الإسلام هو وحده الذي يضمن له كل الحقوق والعدالة والمساواة مع الآخرين، وتلك شهادة لصالح الإسلام وضد الغرب في ذات الوقت .
القانون الأسود
وقد لجأ البيض إلى أساليب شيطانية لقمع العبيد وقهرهم والسيطرة عليهم .. وقننوا هذا كله بتشريعات تشكل وصمة عار لأي نظام قانوني في التاريخ. يقول العَلاَّمة محمد فريد وجدي: “كان القانون الذي يتناول أحوال الرقيق يُعرف في كل أمة من الأمم المعاصرة بالقانون الأسود. وعلى سبيل المثال كان القانون الأسود الفرنسي الذي صدر سنة (1685) ينص على أن الزنجي إذا اعتدى على أحد الأحرار أو ارتكب جريمة السرقة عوقب بالقتل أو بعقاب بدني آخر، أما إذا أبق العبد فإن نص القانون أن الآبق في المرة الأولى والثانية يتحمل عقوبة صلم الأذنين والكي بالحديد المحمى، فإذا أبق الثالثة قتل . وقتل الآبق كان معمولا به أيضاً في انجلترا، فقد نصت على أن من أبق من العبيد وتمادى في إباقه قتل. وكان غير مسموح لذوى الألوان أن يحضروا إلى فرنسا لطلب العلم . ودام الحال على هذا في فرنسا حتى ظهرت ثورة 1848 فسعت في أبطال الاسترقاق. أما في أمريكا فكان القانون في غاية الشدة والقسوة، وكان مقتضى القانون الأسود أن الحر إذا تزوج بأمة صار غير جدير بأن يشغل وظيفة في المستعمرات . وكانت القوانين تصرح بأن للسيد كل حق على عبده حتى حق الاستحياء والقتل وكان يجوز للمالك رهن عبده وأجارته والمقامرة عليه وبيعه كأنه بهيمة(!!) . وكان لا حق للأسود في أن يخرج من الحقل ويطوف بشوارع المدن إلا بتصريح قانوني. ولكن إذا أجتمع في شارع واحد أكثر من الأمريكتين.رقاء ولو بتصريح قانوني كان لأي أبيض إلقاء القبض عليهم وجلدهم!!(5) .
وهذه النصوص كانت مطبقة في كل أنحاء الأمريكتين .
اعتذار بعد فوات الأوان !!
في عام 2006م قدمت كنيسة إنجلترا اعتذاراً رسمياً علنياً عن دورها المشين في الاتجار بالرقيق، واقتناء عشرات الألوف من العبيد ظلوا يعملون حتى الموت في المزارع الواسعة التي تمتلكها الكنيسة في منطقة الكاريبي . وقد شاركت في قنص وترحيل العبيد 2704 من السفن البريطانية . وفى مارس 2007م قاد الدكتور روان ويليامز رئيس أساقفة كانترى- كنيسة إنجلترا- مسيرة حاشدة شارك فيها عشرات القساوسة والشخصيات العامة، طافت شوارع لندن، اعتذاراً عن “تورط الكنيسة في التاريخ البشع للعبودية في العالم” على حد قول وليامز نفسه. وأضاف رئيس أساقفة بريطانيا :” أنه ليس الندم فقط، بل يجب إعلان التوبة عن مشاركتنا في هذه الوصمة التي كلفت الملايين، من العبيد البؤساء أرواحهم وممتلكاتهم، ودمرت إقتصاديات العديد من دول أفريقيا” (6)
نقلا عن مقالة لأستاذ حمدي شفيق نشرت في موقع صيد الفوائد بتصرف.
المراجـع
1- منير الحمش – أمريكا والكنانيون الحمر – دراسة منشورة بمجلة أخبار الأدب – دمشق – 9/6/2002م – بتصرف .
2- الحمر والبيض والسود – جارى ناس – ترجمة مصطفى أبو الخير – سلسلة الألف كتاب – مصر – بتصرف .
3- المرجع السابق – بتصرف .
4- عايدة العزب موسى – العبودية في أفريقيا – مكتبة الشروق الدولية – مصر – طبعة 2004م – مواضع متفرقة من الكتاب بتصرف – وأنظر أيضاً المراجع الهامة التي ذكرتها هناك .
5- محمد فريد وجدى – دائرة معارف القرن العشرين – طبعة دار المعرفة – بيروت – المجلد الرابع – حرف الراء “الرق” ص 277-278 وأنظر أيضاً “الرق في الإسلام” لأحمد شفيق باشا
6- موقع شبكة BBCباللغة العربية على الإنترنت – 24 مارس 2007م . بتصرف
7- موقع قناة الجزيرة على الإنترنت باللغة العربية – 24 مايو 2007م . وانظر ايضا الموقع الاسلامى الممتاز : صيد الفوائد www.saaid.net
8- كلمة بتصرف تعنى أننا حصلنا على المعلومة من المصدر المشار إليه، لكن الصياغة والتعليق عليها بواسطة كاتب هذه السطور، وربما أضفنا إليها معلومة أخرى من عندنا .