السيقان النباتية من دلائل القدرة الإلهية

الدكتور نظمي خليل أبو العطا

          السيقان (Stems ) النباتية عامة هي  الجزء من النبات الذي يحمل الأوراق والبراعم والأزهار والثمار فوق سطح التربه في وضعها البيئي الأمثل , كما أن هناك بعض السيقان الأرضية (Subterranean stem).

          وتبدأ السيقان في التكوين داخل البذور والحبوب على هيئة الرويشة (Plumule) التي تخرج من البذور والحبوب أثناء الانبات , لتعطي بعد ذلك الساق (Stem) , وتنقسم الساق عرضياً إلى سلاميات (Internodes) محصورة بين العقد (Nodes) وتنتهي من أعلى بالبرعم القمي أو الطرفي (Apical bud) أو (Terminal bud) .

          وتحمل الساق عند العقد البراعم الابطية أو الجانبية (Axillary or lateral buds) محصورة في إبط الأوراق (Leaves) التي يحملها الساق .

          وتحمل الساق نوعين من البراعم هي البراعم الصيفية (Summer buds) والبراعم الشتوية (Winter buds).

          والبراعم الصيفية : هي براعم ذات أوراق خصوصية (Flage leaves) خضراء, غير محكمة الاغلاق , تعطي الأوراق الخضراء مثل براعم نبات الدورانتا Duranta ونبات الياسمين الزفر (الداباي) Clerodendron .

          أما البراعم الشتوية : فهي براعم لمجابهة موسم الشتاء البارد , لذلك فهي مغطاه من الخارج بأوراق حرشفية (Scale leaves) تغطي الأوراق الخضراء العادية للبراعم , وهي مغطاه من الخارج ببعض الصموغ والمواد الراتنجيه, وتوجد هذه البراعم في النباتات متساقطة الأوراق شتوياً كالتوت Mours والحور Populus.

          فسبحان من زود هذه البراعم بتلك الأغطية الحرشفية, والمواد الصمغية التي تساعدها على عبور أيام الشتاء القاسية البرودة.

          فالأوراق هي نوافذ النبات على الخارج وعند حلول الشتاء تسقط بعض النباتات أوراقها لمجابهة انخفاض درجة الحرارة , وتظل براعمها كامنة في الشتاء , وعندما يحل الربيع , وتعتدل درجة الحرارة , ينشط النبات وينشط صعود العصارة فيه , وتنشط البراعم الشتوية لتعطي الأوراق والأفرع الجانبية الساقية والزهرية .

          فمن علم هذا النبات هذا السلوك العلمي البيئي العجيب؟!

إنه الخالق سبحانه وتعالى:  ( قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ) طه 50 .

وإذا دققنا وفحصنا سيقان النباتات المحيطة بنا وجدناها تنقسم إلى عدة أقسام فهي :  إما سيقان خشبية (Woody stems) قوية قائمة (Erect stems) كسيقان نباتيْ التوت Mous alba والكافور Eucalyptus , أو سيقان عشبية (Herbaceous) ضعيفة (WeakStems) خالية من الأخشاب القوية كسيقان نباتيْ الفول Vicia faba , و القمح Triticm .

وتنقسم السيقان العشبية الضعيفة إلى :

سيقان متسلقة (Climbing stems) وهي تتسلق بالمعاليق (Tendrils) مثل سيقان نبات العنب Vitis التي تتسلق بالمعاليق الملتفة حول الدعامات .

كما توجد  بعض السيقان المتسلقة بالالتفاف حول الدعامات تسمى بالسيقان الملتفة (Twining stems) مثل نبات العليق Convolvulus .

ونرى بعض السيقان لاتلتف على الدعامات وتزحف على الأرض دون أن تتصل بالأرض إلا من جذورها الأصلية بحيث أنك تستطيع رفع النبات من على الأرض بسهولة حتى تصل إلى مكان جذوره ومن أمثلة ذلك سيقان الخيار Cucumber والقرع Cucurbita وتسمى بالسيقان الزاحفة (Prostrate stems) , وبعض السيقان الضعيفة تخرج جذور عرضية (Adventitious roots) تتصل بها بالأرض في مواضع متعددة خلاف موضع  الجذر الأصلي وتسمى هذه السيقان بالسيقان الجارية (Runners) ومن أمثلتها نبات الفراولة Fragaria .

ومن السيقان ماهو مجوف (Hollow) مثل سيقان نبات البرسيم Trifolium ومنها ما هو مصمت (Solid) مثل سيقان القطن Gossybium والملوخية Corchorus .

وتغطي سطح بعض النباتات بشعيرات فهي ساق مشعرة (Hairy stem) مثل  نبات القرع Cucurbita , ومنها سيقان ملساء (Glabrous) مثل نبات الغاب Bamboo , وبعض السيقان مغطى بالأشواك (Prickles) فهي ساق شوكية (Prickly stem) مثل نبات الورد Rosa.

وبعض السيقان قرصية (Disky stems) مثل البصل Allium وتسمى أحياناً بالسيقان القزمية (Dwarf stems) ومعظم النبات ذات سيقان طويله (Long stems) .

وبعض السيقان خلقها الله لوظيفة مغايرة للوظيفة العامة للساق النباتية المتمثلة في حمل الأوراق والبراعم والأزهار والثمار في الهواء , ومع ذلك فما زالت هوائية مثل السيقان التي تفلطحت لتقوم بوظيفة البناء الضوئي ومن أمثلتها نبات السفندر Ruscus ونبات كشك الماظ أو الأسبرجس Asparagus.

وتوجد السيقان المفلطحة العصيرية مثل سيقان نبات التين الشوكي Opounta والتي تفلطحت وحوت اليخضور للقيام بعملية البناء الضوئي وتخزين الماء في البيئة الصحراوية.

أما في نبات العاقول Alhagi ونبات القتاد Zilla فقد تحورت الساق إلى أشواك (Spine) ولذلك فهي ساق شوكية (Spiny stem) , كما تحولت بعض السيقان إلى معاليق (Tendrils) كما هو الحال في نبات العنب Vitus .

وبعض السيقان أبعدت تماماً عن العيش فوق سطح الأرض فعاشت تحت الثرى ومنها ريزومات (Rhizomes) نباتات الغاب Arundo والنجيل Cynodon والكانا Cana وهي تقوم بعمليتي تخزين الغذاء والتكاثر الخضري بالشطء كما قال تعالى ( كزرع أخرج شطأه ) الفتح 29.

 

وهناك سيقان أرضية درنية (Tuber) مثل البطاطس Solanum tuborosum وهي تقوم بوظيفتي تخزين الغذاء والتكاثر الخضري (Vegetative reproduction). أما في القلقاس Colocasia antiguorum فقد تضخمت الساق الأرضية بدرجة ملحوظة لتخزين الكمية الهائلة من المواد النشوية التي تنتجها الأوراق العريضة للنبات , كما أنها تقاوم ظروف البرودة والطقس غير المواتية لتستأنف التكاثر الخضري والنمو في العام القادم .أما في البصلة كما قلنا سابقاً فقد تقزمت الساق وأصبحت قرصية .

وبذلك تقوم الساق في النبات بالعديد من الوظائف مثل رفع الأوراق والبراعم والأزهار والثمار في الوضع الأمثل لعملية البناء الضوئي, والقيام بتخزين المواد الغذائية كما هو الحال في نبات قصب السكر Saccharum والبطاطس والقلقاس والريزومات.

كما أنها تنتج الأخشاب وعندما يصاب الساق ببعض الطفيليات فإنه ينتج أغنى أنواع العطور مثل عطر دهن العود والصندل Santalum album .

ويستخدم القلف في صناعة المشروبات كما هو الحال في نبات القرفة أو الدارسين Cinnamoumus .

كما تستخدم في إنتاج الصموغ كما هو الحال في الصمغ العربي الناتج من سيقان نبات السنط Acacia .

وتنتج بعض النباتات المواد الرانتجية (Resin) , المستخدمة في العلاج والتخدير وهي تنتج من العديد من النباتات منها الصنوبر Pinus sp. .

وتستخدم السيقان لنبات السواك أو الأراك Salvadora persica في تنظيف الأسنان وتطهير اللثة , كما ينتج اللبان من سيقان شجرة اللبان Boswelia sacra  , وينتج المطاط من سيقان شجرة المطاط .

فسبحان من خلق هذا التنوع العجيب في سيقان النبات في الشكل الظاهري والفوائد الاقتصادية والغذائية. أما في التشريح الداخلي فالمعجزة كبرى فجميع السوق النباتية تحتوي على البشرة (Epidermis) , والقشرة (Cortex) ,  وأوعية توصيل للماء والمعادن والأملاح  وهي أوعية الخشب (Xylem) , وأوعية توصيل الغذاء الناضج المنتج من البناء الضوئي وتسمى باللحاء (Phloem) .

وفي معظم نباتات ذوات الفلقتين (Monocotyledon) تنتظم الحزم الوعائية (Vascular bundle) في ترتيب منظم في حلقة في الساق بحيث يكون الخشب واللحاء على أنصاف أقطار واحده , ويوجد نسيج الكامبيوم (Cambium) الذي يعطي التغلظات الثانوية في أنسجة الخشب وأنسجة اللحاء , ويتم نمو الساق بانتظام بحيث يمكن معرفة عدد السنوات التي مرت على هذا النبات , ومواسم الجفاف ومواسم الأمطار من خصائص تلك الحلقات وسمكها , وهذا دليل الابداع في الخلق والتقدير والانتظام , وكلما احتاج النبات إلى ماء أكثر لكبر حجم النبات نشأت أوعية خشب جديده تتناسب مع المتطلبات الجديدة.

وبعض السيقان وصل بها السمك أن شقت في إحدى الأشجار أنفاق تمر منها السيارات , ويصل طول بعض الأشجار إلى أربعين طابقاً سكنياً , ومع ذلك تصل المياه إلى آخر مكان في الشجرة وهي  البراعم القمية ( Apical buds) ولو توقف هذا الامداد لساعات قليلة لماتت تلك البراعم.

فمن دبر ذلك ؟

ومن هيأ هذا الساق لتلك الوظيفة ؟

كما أن نباتات ذوات الفلقة (Monocotyledon) تتميز بخواص عامة حيث تتبعثر الحزم الوعائية في الساق ولا يحدث النمو الثانوي في السمك عادة لأنها عادة نباتات حولية تعيش مواسم محدده.

وطلاب السنوات الأولى في الجامعة يدرسون الفوارق والمتشابهات في التركيب الداخلي لسيقان النبات , بحيث يستطيع الطالب من الدقة و التقدير في الخلق أن يفرق بين أنواع السيقان المختلفة , كما تختلف سيقان النباتات الأرضية عن سيقان النباتات المائية التي تتميز بأوعية خشبية مناسبه لوفرة الماء , وبها العديد من الفراغات الهوائية (Air spaces) وقلة في أنسجة البشرة (Epidernis) مع القلة في الأنسجة المغلظة لأن البيئة المائية أقل قساوة من البيئة الأرضية خاصة البيئة الجفافية.

وعند فحص أحد القطاعات العرضية في الساق (T.S of stems) فإننا نشاهد أكبر تحفة فنية في العالم خاصة إذا تم صبغ تلك السيقان بالأصباغ المتخصصة في تلوين أنسجة الخشب (Xylem tissues) وأنسجة اللحاء (Phloem tissue) والبشرة والقشرة والخلايا البرانشيمية (Paranchyma) والخلايا الأسكلرنشيمية (Sclerenchyma) لدرجة أن مؤلف أحد كتب التشريح في النبات وضع قطاعاً عرضياً في الخشب الثانوي لنبات الماس الأمريكي وكتب أسفله(2) : إن مادة القطاع جميلة حتى أن دودة الحرير لاتستطيع أن تنسج مايدانيها جمالاً. إن من يحمل عصا يتوكأ عليها , مهما يكن خشبها متواضعاً إنما يمسك قطعة من صنع (الله) تفوق بمراحل أتقن نسيج في الدنيا أبدعته يد صانع في أشغال الإبرة.

وقد وضع هذا المعلق كلمة الطبيعة مكان كلمة (الله) التي وضعناها سابقاً , فانظروا إلى عقل هذا الكاتب المتميز كيف يجعل الطبيعة الصماء هي الصانعة مع أن بعض علماء أمريكا عندما وجه إليهم هذا السؤال : هل لهذا الكون إله؟

فأجاب أكثر من مئتي عالم كل في مجال تخصصه عن هذا السؤال ليثبت أن للكون إلهاً خالقاً مبدعاً , وكتب ذلك وترجم إلى العربية سنة (1960م) في كتاب بعنوان  الله يتجلى في عصر العلم,  وفيه كتب وولتر إدوارد لامبرتس أخصائي علم الوراثة(2) عن خلق الله قال:

قد تؤدي الطفرة في بعض الحالات النادرة إلى تحسين صفة من الصفات كما يحدث في جناح الدروسوفيلا , ولكن اجتماع هذه الصفة مع بعض الصفات الأخرى التي تطرأ على الجناح , قد يؤدي إلى تكوين حشرات أقصر عمراً وأقل قدرة على الحياة , ولكن دعنا نسلم جدلاً بحدوث طفرات نادرة تصحبها تحسينات تبلغ 1% فكم تحتاج هذه الطفرات من الأجيال لكي يتراكم ويظهر أثرها وينتج عنها نوعاً جديداً؟

لقد أوضح باتو في كتابه (التحليل الرياضي لنظرية التطور) أن تعميم صفة من الصفات عن طريق الطفرة في سلالة من السلالات , لايمكن أن يستغرق أقل من مليون جيل من الأجيال المتتابعة.

ونحن نتسائل كم من الأجيال تحتاج الطبيعة لصناعة هذا التشابه في الخلق بين سيقان نباتات ذوات الفلقة الواحدة وبين سيقان نباتات ذوات الفلقتين ؟!

وكم أجيال تحتاج لصناعة هذا القطاع في الساق الذي قال المعلق عليه أن الطبيعة هي التي صنعته ؟!

إن دراسة الشكل الظاهري , والوظائف الحيوية , والتحورات التركيبية , والتشريح الداخلي للسيقان النباتية والأهمية الاقتصادية والغذائية والطبية يدلل دلالة قاطعة على القدرة الإلهية وكما قال الله تعالى ( هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين) لقمان 11.

 

الهوامش:

(1)- انظر كتاب اعجاز النبات في القرآن الكريم ,  نظمي خليل أبو العطا (ص 66 ).

(2)-  الله يتجلى في عصر العلم , نخبه من العلماء الأمريكين بمناسبة السنة الدولية لطبيعيات الأرض, الناشر مؤسسة الحلبي وشركاه للنشر والتوزيع (ص71).


الوسوم:

مقالات ذات صلة