أرض الجليد والنار…وشواهد القدرة الإلهية
الأحد/ديسمبر/2019
صورة لبركان آيسلندا والحمم تخرج منه |
بقلم/صبحي رمضان فرج
مدرس مساعد-كلية الآداب-جامعة المنوفية-جمهورية مصر العربية
إن كل ما في الكون من مخلوقات يشهد لله عز وجل بطلاقة القدرة وبديع الصنعة وعظيم الحكمة، وكل ما في الكون من ظواهر منظورة يكمن فيها رسالة من الخالق جل وعلا إلى البشر يقرأها كل من تدبر فيها وأمعن النظر إليها، من هنا فقد حث القرآن الكريم في كثير من آياته على التفكر والنظر ووصف ذويه بأنهم أولى العقول والألباب والأبصار، يقول تعالى“إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ”(البقرة:164)، وقال أيضاً“إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(191)” (آل عمران)، وقال كذلك “قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (العنكبوت:20). فمثلاً، لما حرم الله البغي كما في قول الله تبارك وتعالى”وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (النحل:90)، جعل لها شاهداً في مخلوقاته، فقال عز وجل في سورة الرحمن“مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21)” .
ولما أخبر عباده بالبعث والنشور، وبقدرته على إخراج الضد من ضده، كما قال تعالى“يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (الأنعام:95)، ضرب لهم الأمثال الحسية الدالة عليه والمؤكدة له، فقال سبحانه“وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (فصلت:39)، وقال أيضاً“وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80)” والمتدبر لهذه الآية الأخيرة يلاحظ أن النص القرآني لم يقف بالإجابة على السؤال الإنكاري عن قضية البعث عند قوله”قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ” بل امتد بالجواب إلى شاهد مادي محسوس عليها، وذلك بقوله عز وجل“الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ” .
يقول الإمام القرطبي : نبه تعالى على وحدانيته، ودل على كمال قدرته في إحياء الموتى بما يشاهدونه من إخراج المحرق اليابس من العود الندي الرطب:”الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا”، أي أن الشجر الأخضر من الماء، والماء بارد رطب ضد النار، وهما لا يجتمعان، فأخرج الله منه النار. وذكر الإمام ابن كثير قولاً آخر في تفسير هذه الآية فقال : الذي بدأ خلق هذا الشجر من ماء حتى صار خضراً نضراً ذا ثمر وينع، ثم أعاده إلى أن صار حطباً يابساً توقد به النار، كذلك هو فعال لما يشاء، قادر على ما يريد لا يمنعه شيء. ليس هذا فحسب، فقد كشفت التجارب الحديثة حسبما أشارت عالمة الأحياء الفرنسية Ganeri Anita في كتاب لها بعنوان “نار حقيقيّة فوق الأشجار المورقة” أن ناراً حقيقيّة تنتج عن عمليّة التّركيب الضوئي داخل أنسجة النباتات الخضراء تجعل الشجر الأخضر المورق يضطرم( نارا) لا تراها العين البشريّة. وكما أخرج من الشجر الأخضر النار، سجر البحار، وأخرج من بطونها الحمم والنار، فقال في سورة الطور“وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ(8)”.
ولم تزل آيات الله تتجلى في الآفاق..
وقد أسدل الستار عن مشهد جديد من مشاهد القدرة الإلهية… ضدان يجتمعان ولكن هذه المرة ليس بقيعان البحار أو في أغوار المحيطات، وإنما فوق جليد اليابسة وفي صقع من أصقاعها القطبية… أرض الجليد والنار …هى أيضاً شاهدة لله بالقدرة أيسلندا دولة جزرية تقع في شمال المحيط الأطلسي، إلى الجنوب مباشرة من الدائرة القطبية الشمالية وتقع آيسلندا في شمال المحيط الأطلسي إلى الجنوب مباشرة من الدائرة القطبية الشمالية التي تمر عبر جزيرة غريمسي الصغيرة والتي تقع قبالة الساحل الشمالي لآيسلندا. وخلافاً للجزيرة المجاورة غرينلاند فإن آيسلندا تتبع أوروبا وليست أمريكا الشمالية، على الرغم من أنها تضم صفائح جيولوجية لكلتا القارتين. وتقع أقرب الأراضي لآيسلندا على بعد 287كم (غرينلاند) و 420كم (جزر فارو). بينما أقرب نقطة للبر الأوروبي تقع على بعد 970كم (النرويج).
وأيسلندا أيضا هى بلاد شمس منتصف الليل، إذ يستمر نهارها أربعا وعشرين ساعة في شهر يونيو، أما شهر ديسمبر فالنهار مظلم كالليل، ويعيش معظم الأيسلنديين في مدن ساحلية. وتعتبر آيسلندا أرض فتية تقع على منطقة ساخنة في حيد منتصف الأطلسي. هذه التشكيلة تعني بأن الجزيرة نشطة جيولوجياً، حيث يوجد بالبلاد ما يقارب من ال 140 بركان، منهم حوالي 30 فاعلين. تضم آيسلندا عدد من البراكين كهيكلا (Hekla) وإلدجا (Eldgjá) وهيروبري (Herðubreið) وإلدفيل (Eldfell).
كما سببت ثورة بركان لاكي (Laki) عام 1783–1784 مجاعة أدت لموت ربع سكان آيسلندا. وتضم آيسلندا عدد من السخانات أشهرها سخان غيسر والذي يعد أقدم سخانات العالم، وقد توقف ثوران غيسر لفترة من الزمن إلا أنه عاود نشاطه بعد النشاط الزلزالي في المنطقة عام 2000م.
الينابيع الحارة: يكثر وجود الينابيع الحارة بجوار المداخن ( مجموعة من الشقوق والفوالق تتواجد بالقرب من الجبل البركاني وتخرج منها الأبخرة والغازات بشكل مستمر حتى في فترة سكون البركان )، وهي توجد في شكل أحواض مليئة بالمياه الساخنة والتي تغلي أحياناً، ويبدو الماء في الينبوع صافياً رائقاً ذا لون أزرق أو اخضر ما دام مورد الينبوع غزيراً كافياً لتعويض الفاقد بالبخر وزيادة، أم إذا تساوت أو زادت كمية البخار عما يعوض من المياه فإن المياه تتكدر وتصبح حينئذ عكرة بسبب اختلاطها بذرات التكوينات الصخرية المتحللة، وتصبح المياه أشبه بكتل من الطين يغلي . وهناك النافورات أو ما يعرف بالجيزر Geyser وهي عبارة عن نافورة أو فوارة حارة تنفجر على فترات مكونة أعمدة من الأبخرة والمياه الساخنة، وبعض هذه الأعمدة يبلغ ارتفاعها بضعة سنتيمترات وبعضها الآخر يصل إلى عدة أمتار .
ويتوقف نشاط وطبيعة النافورة أو الجيزر على عدة عوامل هي :
1 – كمية ودرجة تدفق المياه الباطنية . 2 – مدى توفر الحرارة . 3 – طبيعة قناة الجيزر وصلاتها بالكسور والأنابيب الباطنية . والجيزر ما هى إلا ينابيع حارة من نوع خاص، وهى ليست شائعة الانتشار، ويتركز وجودها في ثلاث مناطق، في جزيرة أيسلندا، وجزيرة نيوزيلاندا، ومنطقة بيلوستون بارك. كما تعتبر آيسلندا جيولوجياً جزء من حيد منتصف الأطلسي، ويرجع وجود آيسلندا فوق مستوى البحر إلى موقعها في الحيد، حيث تتكون القشرة المحيطية ثم تتمدد لتحل محلها قشرة محيطية أخرى. من الناحية التكتونية فأن آيسلندا لا تنتمي لأوروبا أو أمريكا الشمالية، حيث أنها نتجت من ارتفاع القشرة عند التقاء الصفائح التكتونية وليست على الأرض القارية.
وأراضي أيسلندا ذات طبيعة بركانية، لذا كانت أرضها سوداء ذات صخور هشة، وينقلب سوادها إلى البياض شتاء حين تغطيها الثلوج،، ومن أهم البراكين بركان هيكلا (1.447 متر /4.747 قدم) الذي ثار عدة مرات خاصة في أعوام 1766، 1947، 1980 وبركان لاكي الذي يحتوي تقريبا على 100 فوهة بركانية.
وقد تكون من جراء هذه البراكين كثير من الأراضي ذات الحمم البركانية، وتسببت هذه البراكين في تدمير مساحات شاسعة من الأراضي فعلى سبيل المثال تسبب الانفجار المعروف لبركان لاكي لقتل أكثر من 9.000 شخص وتدمير مساحات واسعة من الأراضي المزروعة، وقتل حوالي 80% من الدواب وذلك بسبب الحمم البركانية المنصهرة، والرماد البركاني والغازات، والفيضانات الجارفة الناتجة من ذوبان الثلج والجليد، وفي عام 1963م تسبب انفجار بركان في المحيط بعيدا عن الساحل الجنوبي غربي لأيسلندا في تكوين جزيرة.
ومؤخراً (14 من أبريل/2010م))ثار بركان بالجزء الجنوبي الغربي من فوهة بركان ايافيالايوكول، وهو المرة الأولى التي يثور فيها بعد 200 عام، وقد ثار البركان تحت سطح النهر الجليدى ما أسفر عن ذوبان الجليد لمسافة 500 متر. وقالت خبيرة البراكين في المرصد الجيولوجي البريطاني سو لافلين: «رصدت غيوم الرماد على ارتفاع نحو 16 ألف متر فوق اسكتلندا». وكان خبراء الطبيعة توقعوا منذ مطلع العام، انفجار البركان في آيسلندا، حيث رصدت أجهزة الاستشعار عن بعد تحركات تنذر بانفجار قريب في جنوب آيسلندا، وشهدت المنطقة انفجارات بركانية خفيفة طوال الفترة السابقة وحتى في الأيام القليلة الماضية. وجاء الانفجار من خلال طبقة جليدية يبلغ سمكها 150 متراً، وقد أدت الحمم البركانية إلى إذابة الجليد واحداث فيضانات في المناطق المحيطة، لكنها إضافة إلى ذلك زادت من كثافة الغمام وامتزاج بخار الماء الناتج عن ذوبان الجليد بالغبار والغازات البركانية الأخرى.
وعبر مشاهد رائعة تتجسد فيها ومن خلالها قدرة الله وبديع صنعه تخرج نافورات المياه الحارة وصهير اللافا البركاني-الذي تزيد درجة حرارته على 1000 درجة مئوية-عبر صدوع الأرض ووسط كتل جليدية سميكة… تماماً كما أخرج النار من الشجر الأخضر، وكما أخرجها من قيعان البحار، فسبحان من يقول للشيء كن فيكون، وتبارك الله ربي أحسن الخالقين.
ترسل التعليقات على المقال على الايميل التالي:
مراجع البحث:
(1) جودة حسنين جودة، معالم سطح الأرض، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1996م،ص227-230. (2) سناء الدحروش، الطاقة والنار…في القرآن الكريم،موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة. (2)http://www.tefanet.com
(3)http://ar.wikipedia.org
(3)http://www.tzafonet.org.il/schools/ClassesInfoFiles/17538_273938.DOC
http://www.alraimedia.com